ترجمة حفصة جودة
استغرقَ الأمرُ محمدَ (25 عامًا) أكثر من 3 سنوات ورحلة طولها أكثر من 5 آلاف ميل ليصل إلى المملكة المتحدة، بعد الفرار من مذبحة في قريته بالسودان.
والآن بعد أسبوع من وصوله عبر القناة الإنجليزية باستخدام قارب كاياك، أصبح محمد من بين أول مجموعة من طالبي اللجوء الذين يواجهون ترحيلًا قسريًّا إلى رواندا، حيث القارّة التي بدأت منها رحلته.
وصل محمد “إخطار نوايا” من وزارة الداخلية يخبره أن أمامه 14 يومًا ليسجّل فيها أسبابًا تدعو لعدم ترحيله وفقًا للبرنامج الحكومي الجديد المثير للجدل، ويُعتقد أن محمد أول شخص يتحدث علنًا من بين 50 طالب لجوء آخرين في نفس موقفه.
قال محمد: “أردت أن أصل إلى المملكة المتحدة لأنني سمعت أنها مكان آمن، وكنا قد سمعنا أن حكومة المملكة المتحدة تخطط لإرسال الأشخاص الذين يصلون في قوارب صغيرة إلى رواندا، لكننا لم نصدق أن يفعلوا ذلك”.
أضاف محمد أن احتمالية السفر إلى رواندا بعد الفرار من السودان عبر ليبيا أثارت لديه بعض الذكريات، ويقول: “كنت أعتقد أن المملكة المتحدة بلد جيد به بعض الإنسانية، لكنني مصدوم من أن وزارة الداخلية لا تعاملني كإنسان”.
يقول محمد: “كان الأمر مروعًا، قُتل الكثير من الناس واُغتصبت الفتيات والنساء واُختطف آخرون، أما الذين نجوا من المذبحة مثلي فقد هربوا بأسرع ما يمكنهم”
وقال محمد: “لم أستطع النوم منذ أن وصلت هنا، فإصابتي بالصدمة تزداد سوءًا وتراودني الكثير من الذكريات السيّئة عمّا حدث لي في السودان وليبيا منذ وصولي، كان الفرار من أفريقيا عسيرًا، والآن تريد حكومة المملكة المتحدة أن تعيدني إليها”.
فرّ محمد من السوادن في يناير/ كانون الثاني 2019 بعد هجوم وحشي من ميليشيات الجنجاويد على قريته، يقول: “كان الأمر مروعًا، قُتل الكثير من الناس واُغتصبت الفتيات والنساء واُختطف آخرون، أما الذين نجوا من المذبحة مثلي فقد هربوا بأسرع ما يمكنهم”.
سافر محمد من السودان إلى ليبيا وقضى عامًا هناك حيث استغله المهربين، وتعدّ ليبيا بلدًا انتقاليًّا شهيرًا للاجئين من أماكن مثل السوادن وإريتريا، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، من خلال قوارب صغيرة تأخذهم إلى إيطاليا.
يقول محمد: “خضعت لسيطرة المهربين، كانوا يحتجزوننا في أماكن مزدحمة تحت الأرض ويجبروننا على العمل في الزراعة، بعد عام تمكّنت من الهرب، لكن بعض الناس أُطلق عليهم الرصاص عندما حاولوا الهرب، منذ ذلك الوقت في ليبيا أصبحت أعاني من مشكلات في التنفس، كما أعاني من صعوبة في النوم وأُصبت بالصدمة”.
عام 2020 عبرَ محمد البحر الأبيض المتوسط ومرَّ بمالطا وعدة دول أخرى قبل أن يصل شمال فرنسا، وقال إنه أثناء رحلته في أوروبا اضطر كثيرًا للنوم في الشوارع، وبعد وصوله إلى مدينة كاليه في فرنسا، حاول كثيرًا مع 10 لاجئين آخرين من السودان عبور القناة الإنجليزية في قارب كاياك الذي يتّسع لـ 4 أفراد فقط، لأنهم كانوا فقراء للغاية ولا يملكون الدفع للمهربين مقابل زورق أكبر وأكثر قوة.
“الشيء المشترك بين كل اللاجئين أن أمرًا مروعًا حقًّا أصابهم، والآن يواجهون كذلك صدمة الترحيل عبر العالم، إرسالهم إلى رواندا انتهاك لحقوقهم” – كلير موسيلي
يحكي محمد قائلًا: “حاولنا العبور عدة مرات لكن القارب كان يغرق فنضطر للعودة إلى فرنسا، كانت الحياة صعبة في كاليه، خاصة في الشتاء عندما يصبح الجو باردًا للغاية عند النوم في الشارع، تمكّن 11 منا في النهاية من عبور القناة عبر قارب كاياك، كانت رحلة شاقة وكنا محظوظين بالنجاة لأن الموج كان عاليًا”.
وصلوا إلى مدينة دوفر الساحلية، حيث قال محمد إنهم حُوِّلوا إلى مسؤولين في وزارة الداخلية وأجروا اختبارًا لفيروس كورونا، ثم أرسلوه مع 4 رجال سودانيين آخرين سافروا معه إلى مركز احتجاز، حيث وصلهم “إخطار نوايا” بنقلهم إلى رواندا.
يقول محمد: “كنت مصدومًا عندما اكتشفت أن الحكومة تريد إرسالي أنا واللاجئين الآخرين إلى رواندا بعد كل السنوات التي استغرقناها للوصول هنا، أشعر بالحزن لأنني وُضعت في مكان يشبه السجن بالمملكة المتحدة بعد كل ما مررت به، لا عدل في هذا العالم”.
يتحدى اتحاد الخدمات العامة والتجارية (PCS) -الذي يمثل موظفي وزارة الداخلية- سياسة النقل الجديدة في الوزارة، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية مثل Care4Calais وDetention Action وFreedom From Torture.
تقول كلير موسيلي، المديرة التنفيذية لمنظمة Care4Calais: “الشيء المشترك بين كل اللاجئين أن أمرًا مروعًا حقًّا أصابهم، والآن يواجهون كذلك صدمة الترحيل عبر العالم، إرسالهم إلى رواندا انتهاك لحقوقهم ويكلّف دافعي الضرائب الملايين وينتهك القانون الدولي، إننا نحارب ذلك ونحتاج إلى الدعم العام”.
قال المتحدث باسم وزارة الداخلية: “إن شراكة الهجرة العالمية مع رواندا تعني أن هؤلاء الذين يخوضون رحلات خطيرة وغير ضرورية وغير شرعية إلى المملكة المتحدة، يمكن نقلهم إلى رواندا للنظر في طلبات لجوئهم وإعادة بناء حياتهم هناك، تلقّت أول مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين إخطار نوايا، ووفقًا لظروفهم سيكون أمامهم 14 يومًا لتقديم الأسباب التي تمنع نقلهم إلى رواندا”.
المصدر: ذي غارديان