في يوليو/ تموز 2021، زارَ العاهل الأردني عبد الله الثاني العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي تلك الزيارة خرج الثاني بتصريحات كانت الأولى من نوعها منذ سنوات بخصوص النظام السوري والعلاقات معه، حيث قال: “النظام السوري باقٍ، وأتفهّم غضب وتخوف العديد من الدول حول ما حدث للشعب السوري، لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري”، وأضاف: “علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نريد تغييرًا في النظام أم تغييرًا في السلوك”.
الخطاب الأردني التطبيعي مع النظام السوري تطوّر بعد ما قاله عبد الله الثاني، إذ أجرى الأخير مكالمة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد كانت هي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، إضافة إلى ذلك استفادت الأردن قليلًا من خطوات التقارب مع النظام اقتصاديًّا، لكنها لم تحسب حسابًا لما ينتظرها كوجهة للمخدرات التي يصدّرها نظام الأسد إلى دول مختلفة.
تزامن التقارب الأردني مع النظام مع تودُّد أردني لروسيا الحليفة الأبرز لبشار الأسد، حيث اعتبر العاهل الأردني، خلال زيارته لروسيا ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي، أن روسيا “تقوم بالدور الأكثر دعمًا للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات في سوريا”، مؤكدًا أنه “يثمّن دور موسكو ورئيسها في منطقة الشرق الأوسط كعنصر استقرار في خضمّ التحديات التي تواجهها”.
“روسيا مصدر تهدئة”
يحاول العاهل الأردني الاعتماد على روسيا في ضبط الحدود السورية مع بلاده، وعدم وصول ميليشيات إيران وحزب الله والعصابات الشيعية إليها، وهذا ما تسعى إليه “إسرائيل” أيضًا على حدودها مع سوريا، ويخشى الأردن من أن تفرّغ القوات الروسية أماكنها لصالح الميليشيات الشيعية، التي تتخذ من بعض القواعد العسكرية في محافظة درعا مقرّات لها، حيث تُعتبر درعا هي المحافظة السورية الأقرب جغرافيًّا للأردن.
المخاوف الأردنية عبّر عنها العاهل الأردني بالأمس، حيث قال إن الوجود الروسي في جنوبي سوريا “كان يشكّل مصدرًا للتهدئة”، وأضاف أن هذا الفراغ “سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”، هذه التصريحات تشير بشكل مباشر إلى أن روسيا خفّضت من تواجدها في هذه المنطقة.
يبدو أن التقارب الأردني مع النظام السوري لن يكون على حاله بعد الآن، إذ سبقت أقوالَ العاهل الأردني تصريحاتٌ لمدير أمن الحدود في القوات المسلحة الأردنية، العميد أحمد هاشم خليفات، حيث اتّهم جيش النظام السوري مباشرة بالتعاون مع مهرّبي المخدرات، قائلًا إن “قوات غير منضبطة من جيش النظام السوري تتعاون مع مهربي المخدرات وعصاباتهم التي أصبحت منظَّمة ومدعومة منها ومن أجهزتها الأمنية، بالإضافة إلى ميليشيات حزب الله وإيران المنتشرة في الجنوب السوري، وتقوم بأعمال التهريب على حدودنا”.
في الأيام الأخيرة، كثرت التقارير التي تتحدث عن أن روسيا تخفّض عدد قواتها في سوريا، ويأتي هذا التخفيض لمتابعة روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وكشفت صحيفة “موسكو تايمز” أن القوات الروسية انسحبت من عدة نقاط، وتركّزت في 3 مطارات قبل عملية نقلها إلى الجبهة الأوكرانية، ولكن الأبرز بما نقلته الصحيفة هو أن الميليشيات الإيرانية وعصابات حزب الله هي من غطت الانسحاب الروسي.
“إسرائيل” على الخط
يُذكر أن رئيس النظام السوري بشار الأسد زارَ إيران في الأيام الماضية، وقالت المصادر إن زيارة الأسد ناقشت “ترتيب الأوراق والتنسيق عقب انسحاب بعض الوحدات الروسية من الأراضي السورية”، ونقلت قناة “الجزيرة” عن مصادر بالحرس الثوري الإيراني أن “موسكو بدأت بسحب قواتها من نحو 30 نقطة عسكرية، منذ بداية الشهر الثاني من حربها على أوكرانيا، وأن القوات الإيرانية وقوات من حزب الله حلّت بالفعل محل الوحدات الروسية على الأراضي السورية”.
لكن روسيا في حال خفّضت قواتها في سوريا أم لا، فإنها تضغط على بعض الأطراف في سوريا من خلال إطلاق يد الإيرانيين هناك، خاصة بعد الإشكالات التي حصلت بين تل أبيب وموسكو بخصوص حرب أوكرانيا، فالتوافقات التي تجري بين البلدَين على مدار سنوات مضت باتت اليوم مهيَّأة للفشل في ظل توتر العلاقات، وهو ما لا تريده الحكومة الإسرائيلية التي تربطها بموسكو اتفاقية تضمن فيها روسيا منع أي هجوم إيراني من الأراضي السورية على “إسرائيل”.
في هذا الإطار، يقول الباحث السوري فراس فحام: “على الأرجح إن موسكو ترغب بعودة العقدة الإيرانية للملف السوري بهدف الضغط على “إسرائيل”، بعد ما أبدته الأخيرة من دعم لأوكرانيا تراوح بين توفير دعم لوجستي واستخباراتي للجيش الأوكراني، والمساندة السياسية المتمثلة بنية تل أبيب فتح السفارة الإسرائيلية في أوكرانيا مجددًا”.
ويضيف فحام: “تتالت المؤشرات التي تدلُّ على تدهور التنسيق الإسرائيلي – الروسي في الملف السوري، حيث عمدت القوات الروسية المنتشرة في سوريا إلى التشويش على الطائرات الإسرائيلية في فبراير/ شباط 2022 لمنعها من تنفيذ هجمات ضد مواقع إيرانية، في حين أكدت القناة “13” الإسرائيلية أن روسيا أطلقت لأول مرة صواريخ باتجاه طائرات إسرائيلية خلال تنفيذها ضربات جوّية على الأراضي السورية في منتصف مايو/ أيار 2022، دون تحقيق إصابات”.
التخفيف من الآثار
وبالعودة إلى الأردن ومخاوفها من الفراغ الروسي في سوريا، فإن عمّان ترتبط هي الأخرى بتنسيق وتفاهمات مع روسيا في سوريا لضمان أمن حدودها وعدم وصول إيران والميليشيات الشيعية إليها، ويُذكر أن العاهل الأردني كان أول من حذّر من خطر الهلال الشيعي عام 2004، وقد عمل الأردن على إعادة علاقاته مع النظام السوري رويدًا رويدًا بعد التسوية عام 2018، والتي تمَّ فيها الاتفاق مع قوات المعارضة على إنهاء القتال وترحيل من يرفض الاتفاق إلى إدلب.
وفي عام 2021 اشتعلت المواجهات مرة أخرى بين قوات محلية من درعا وقوات النظام، وبشكل غير مباشر وقف الأردن مع النظام في هذه الاشتباكات، إذ كان على أعقاب إتمام التطبيع مع دمشق لإعادة العلاقات الاقتصادية التي يعوّل عليها كثيرًا، ويُذكر أن الأردن خفّض حجم تجارته مع سوريا منذ عام 2012 من إجمالي 152 مليون دولار إلى أقل من 42 مليون دولار عام 2019.
ولكن مع كل التقارب الأردني مع النظام السوري والتفاهمات مع روسيا، إلا أن الميليشيات الإيرانية وحزب الله ينتشران على الكثير من النقاط الحدودية مع الأردن تحت راية قوات النظام السوري، وقد نشر مركز جسور سابقًا تقريرًا قال فيه إنه “لا يتوقع أن يتمكن نظام الأسد من ضبط حدوده مع الأردن، لأنها تحت سيطرة أطراف غير خاضعة أصلًا لسلطته، وأبرزها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وميليشيات أخرى محسوبة على إيران”.
ختامًا، لا يمكن القراءة في التخوفات الأردنية من وصول الميليشيات الإيرانية إلى الحدود، دون النظر في ما تمرُّ به العلاقات الروسية الإسرائيلية حاليًّا وعلاقات النظام وإيران في طرف مقابل، إذ إن الأردن هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة، وأي قرار أردني لا يمكن أن ينبع إلا بعد مشاورات مع روسيا أو “إسرائيل”، للتخفيف من آثار إيران على الحدود وليس منعها، لأنها باتت أمرًا واقعًا.