ترجمة وتحرير: نون بوست
قُدّرت التكلفة الأوليّة لهذا المشروع العملاق بـ 21 مليار دولار. كان من المقرر انطلاق مشروع “أركتيك للغاز الطبيعي المسال-2” في شبه جزيرة جيدان بسيبيريا، حيث يمكن أن تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 60 درجة مئوية، في سنة 2023 والوصول إلى طاقته الكاملة بعد ثلاث سنوات بإنتاج ما يقارب 20 مليون طن سنويًا.
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبح هذا الهدف بعيد المنال. تحت الضغط، أعلنت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة “توتال” في نهاية نيسان/ أبريل عن انخفاض بنحو 4.1 مليار دولار في الأصول ذات الصلة بمشروع “أركتيك للغاز الطبيعي المسال-2″، الذي تملك فيه حصة بنحو 10 بالمئة.
تدعي روسيا أنها تستطيع الاستغناء عن الغرب، لكن العقوبات التي فُرضت عليه في أعقاب غزو فلاديمير بوتين لجارته الأوكرانية تُقوّض بشكل خطير طموحات روسيا في القطب الشمالي، حيث تجد نفسها معزولة وهو ما لم يحدث منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. دون التمويل والتقنيات الغربية، أصبح من الصعب عليها الآن الاستفادة الكاملة من هذه المنطقة الشمالية الغنية بالمواد الخام.
من بين المصانع الثلاثة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في “أركتيك للغاز الطبيعي المسال-2″، فقط الأول على وشك الانتهاء. ولكن لا وجود لمؤشرات حول إمكانية البدء السنة المقبلة. يوضح فلوريان فيدال، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والمتخصص في المنطقة القطبية الشمالية: “لا تتقن روسيا تسييل الغاز، وهي عملية معقدة وتعتمد كليًا على التقنيات التي توفرها شركة ليندا الألمانية. مع ذلك، ليس من المؤكد تسليم جميع مكونات الوحدة الأولى”.
لا تشمل العقوبات الأوروبية عقود المعدات المستقبلية فحسب بل حتى العقود سارية المفعول. حددت صحيفة كوميرسانت الروسية اليومية أن البضائع التي طُلبت قبل الحرب لن يُسمح لها بالوصول إلى روسيا إلا في 27 أيار/ مايو على أقصى تقدير. ويؤكد فلوريان فيدال: “ينضاف إلى ذلك خطر آخر على موسكو يتمثل في عدم القدرة على الحصول إلى قطع الغيار في حالة حدوث مشكلة في موقع يعمل بالفعل مثل يامال”- الذي تم افتتاحه في 2017 في شبه الجزيرة المقابلة “لأركتيك للغاز الطبيعي المسال-2″، وينتج 16.5 مليار طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.
موسكو تتجه إلى بكين
يتمثل الحل الوحيد بالنسبة لفلاديمير بوتين في البحث عن شركاء آخرين حيث يوجد “فرص بديلة”. أعلن الرئيس الروسي في منتصف نيسان/ أبريل أنه يريد “الانخراط بشكل أكثر فاعلية في التعاون في القطب الشمالي مع البلدان والتحالفات خارج المنطقة”. ويلمح في ذلك إلى الهند، وقبل كل شيء، إلى الصين. يتذكر أوليفييه تروك، مؤلف الفيلم الوثائقي “الصين في القطب الشمالي، وراء كواليس الطموح“، الذي وقع بثه على قناة “أرتيو”، أنه “بعد ضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014، أنقذت بكين مشروع يامال من خلال أخذ مكان المستثمرين الغربيين الذين تركوا المشروع، باستثناء شركة توتال”.
باعتبارها حليفًا جيدًا، لم تندد الصين بالغزو الروسي لأوكرانيا لكنها تحرص على عدم الاستجابة بشكل إيجابي لنداء موسكو. يقول فلوريان فيدال “إنهم يستثمرون فقط عندما يكون هناك ربح سريع لذلك يتوخون حاليا الحذر، خاصة أنهم لا يمتلكون التقنيات اللازمة لحل محل الغربيين. وهذا هو السبب في أن شركتي توتال وتكنيب، المجموعة الفرنسية المتخصصة في مصانع الغاز الطبيعي المسال، تكتسي أهمية كبيرة في مشاريع الغاز”.
بالنسبة للنفط، على الرغم من العقوبات، يعتزم الكرملين متابعة “فوستوك أويل”، وهو مشروع روسنفت الرئيسي في سيبيريا الذي يعتبر أقل اعتمادا على التقنيات الغربية في تنفيذه. يجب أن يضمن هذا المشروع على المدى الطويل عائدات جديدة للدولة، في حين أن رواسب الهيدروكربون في نهر الفولغا وسيبيريا الغربية كلها آخذة في التدهور. لكن المشروع يخاطر بالتباطؤ بسبب حقيقة أن الروس كانوا يكافحون للعثور على مشترين لنفطهم في الأسابيع الأخيرة. ينضاف إلى ذلك حقيقة أن موسكو تعتمد غالبًا على وسطاء غربيين، مثل شركات ترافيغورا جلينكور، وفيتول في سويسرا التي انسحبت من سوقها.
من المؤكد أن الصين لديها شهية كبيرة للنفط، لكن الولايات المتحدة حذرتها من مواجهة عقوبات إذا قدمت دعما اقتصاديا لروسيا. وفي الوقت الحالي، تحرص المصافي العامة الصينية على عدم زيادة مشترياتها من النفط الخام الروسي (في حين أن المصافي الخاصة لديها مخاوف أقل). إنه موقف انتظار وترقب يمكن أن يخفي أهدافا أخرى. في هذا السياق، يقول أوليفييه تروك: “بالنسبة للصينيين، تعتبر روسيا خزانا للمواد الخام، وهم يتوقعون أن تسقط مثل ‘التين الجاف’ في سلتهم. وفي القطب الشمالي، لديهم الوقت من أجل تحقيق مبتغاهم”.
مجلس القطب الشمالي معلق
في القطب الشمالي، تعد عزلة موسكو مؤسسية أيضًا. ألغت سبعة من الدول الثماني الأعضاء في مجلس القطب الشمالي (السويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا وكندا والنرويج والولايات المتحدة) مشاركتها في الاجتماعات القادمة في إطار هذا المنتدى الحكومي الدولي المخصص للبحث والحماية في المنطقة الذي تتولى روسيا رئاسته الدورية.
من جهتها، تؤكد إميلي كانوفا، طالبة الدكتوراه في جامعة كامبريدج ومديرة برنامج الشمال لمجموعة الدراسات الجيوسياسية، أن “هذا رد الفعل الأول، لأن التعاون استمر حتى بعد ضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014”.
ونتيجة لذلك، عُلّقت أنشطة مجموعات العمل التابعة لمجلس القطب الشمالي، ولا سيما تلك المخصصة لتقييم الأضرار البيئية. وعلى حد قول إميلي كانوفا، “فإن مشاركة البيانات في هذا المجال أمر بالغ الأهمية لقياس آثار الاحتباس الحراري الذي يعتبر أسرع بكثير في المنطقة القطبية”.
لكن، هل سينجو مجلس القطب الشمالي من هذه الأزمة؟
قد تستمر العلاقات بين روسيا ودول أخرى في التوتر إذا انضمت فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، الذي تعد الدنمارك وأيسلندا وكندا والنرويج والولايات المتحدة أعضاء فيه بالفعل. ويشير فلوريان فيدال إلى أن “القطب الشمالي لم يعد محميًا من التوترات الجيوسياسية، ولم تعد هذه المنطقة استثنائية حيث يوجد تعاون آخر ممكن، في مجالات معينة”. إنها منطقة مُتنازع عليها أيضًا، حيث يمكن للمنطق العسكري أيضًا أن يكون له الأسبقية على أي شيء آخر.
المصدر: لكسبرس