ترجمة وتحرير: نون بوست
في المائة عام الماضية، كانت هناك فترة برزت فيها المشاكل والأزمات التي استمرت لسنوات عديدة في مناطق الدول الإسلامية والدول التركية، فمنطقة الشرق الأوسط وتركستان؛ عانتا من مشاكل الحدود، والمقاربات العنصرية والطائفية، والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية على السلطة، وكان عليها أن تبذل طاقاتها في مواجهة هذه المشاكل، مع الإشارة إلى أن هذه المشاكل قد تأججت بتأثير النظام الدولي، وكانت المحاولات للتوصل إلى حل تبوء بالفشل الدائم. لكن في السنوات القليلة الماضية؛ يبدو أنه قد تم تشكيل أرضية بُنيت عليها الآمال في حل المعضلات التي تعاني منها هذه المنطقة، وهذه الأرضية تتغذى بالفرص التي يوفرها التغيير في ميزان القوى في العالم والعلاقات التي تطورت في العالم التركي الإسلامي.
وبهذا المعنى، في عام 2009، اجتمعت تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان تحت اسم المجلس التركي من أجل تعزيز التعاون بين الدول التركية. وفي السنوات التالية؛ انضمت أوزبكستان بصفة عضو رسمي، وهنغاريا وتركمانستان بصفة عضو مراقب. في عام 2019، في الإعلان الختامي للقمة السابعة لرؤساء دول المجلس التركي المنعقد في أذربيجان، تم إقرار دعم عملية نبع السلام التركية، وبذلك بدأ المجلس عملية جديدة في تغيير ميزان القوى في المنطقة وفي العالم. تم تغيير اسم المجلس التركي إلى منظمة الدول التركية في القمة الثامنة لرؤساء الدول في إسطنبول عام 2021، وأظهرت القرارات التي اتخذت في هذه القمة وتطوير العلاقات أن فكرة الاتحاد التركي دخلت مرحلة جديدة.
أدرك العالم التركي قدرته
في عام 2020؛ ازدادت الهجمات الأرمينية على أذربيجان وتصاعدت التوترات في المنطقة مرة أخرى. وردًّا على ذلك؛ بدأ الجيش الأذربيجاني عمليات تحرير كاراباخ. ومع نجاح الجيش الأذربيجاني في العمليات، والدعم السياسي القوي من تركيا والتأثير الحاسم للمقاتلات التركية بدون طيار (SİHA)، أُجبرت أرمينيا على الاتفاق. وهكذا، في 10 تشرين الثاني نوفمبر 2020؛ اضطرت أرمينيا إلى الاستسلام في مواجهة عمليات الجيش الأذربيجاني. ونتيجة لهذا التطور؛ بدأ يُذكر انتصار كاراباخ على أنه انتصار للجيوش التركية والمقاتلات التركية بدون طيار، بالإضافة إلى ذلك، أرسى هذا الانتصار الأساس لعملية جديدة للمجلس التركي، وبدأ العالم التركي يدرك قدرته.
أصبح النصر مصدر إلهام للدول التركية والإسلامية
كانت عملية تحرير كاراباخ من الاحتلال تطورًا هامًّا من حيث تشكيل وتوضيح موازين قوى جديدة في المنطقة وفي العالم؛ حيث كانت باكستان إحدة الدول التي قدمت دعمًا صريحًا لأذربيجان في قضية كاراباخ. وبعد هذه التطورات مباشرة؛ تم التوقيع على إعلان إسلام أباد في 13 كانون الثاني يناير 2021، الذي استضافته باكستان، بمشاركة تركيا وأذربيجان. وكان التضامن العسكري والسياسي بين تركيا وأذربيجان في النضال لتحرير كاراباخ من الاحتلال مصدر إلهام للدول التركية والإسلامية الأخرى مثل باكستان التي تربطها علاقات وثيقة مع تركيا.
وأدى هذا التطور إلى تسريع التطورات العسكرية والسياسية، لا سيما في العالمين التركي والإسلامي؛ حيث أعقب التدريبات العسكرية بين تركيا وأوزبكستان في آذار/ مارس، تمرين الأناضول 21 في حزيران/يونيو بمشاركة قوات خاصة من باكستان وأذربيجان وألبانيا وكازاخستان وقطر. في العملية التالية؛ تم التوقيع على إعلان باكو بين تركيا وأذربيجان وباكستان. وفي نهاية عام 2021، أجريت مناورات جوية بين تركيا وأذربيجان وتركيا وباكستان. في محور كل هذه التطورات، أخذت عملية تحرير كاراباخ مكانها في النظام الدولي كتمرد على النزاع والاحتلال الجائر المستمر منذ عقود. وهكذا، فإن البحث عن حل للنزاعات، كان أحد الأبعاد المتوقعة مع تغير النظام الدولي.
انتقل الأمل من كرباخ إلى قبرص
كان انتصار أذربيجان في كاراباخ المحتلة منذ أكثر من 30 عامًا رسالة إلى المناطق المحتلة الأخرى حول العالم. في يوم الانتصار في كاراباخ؛ برز أمل جديد لحل المشاكل التي لم يرغب النظام الدولي الذي أقيم تحت مظلة الأمم المتحدة في حلها، كما أطلق هذا الأمل بعض التطورات في اتجاه حل المشكلات الحالية في العالم؛ فهكذا تمكن الشعب الذي قبع لسنوات تحت وطئة الاحتلال من أن يكون قويًّا ووضع بصمته في الميدان.
لا تزال المشكلة التي لم تتمكن الأمم المتحدة من إيجاد حل لها لسنوات عديدة مستمرة في قبرص؛ حيث كان الجانب اليوناني أكبر عقبة أمام السلام الذي طال انتظاره. فاليونانيون كانوا سببًا في النزاع بقولهم لا لخطة “أنان” التي دعمتها الأمم المتحدة في عام 2004، وعلى الرغم من مواقفهم غير المتوافقة، أصبحوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي من جانب واحد، وبذلك أعطى النظام الدولي الضوء الأخضر للنزاع. وعلى الرغم من البحث الدؤوب عن المصالحة والخطوات الموجهة نحو الحل من قبل الجانب التركي؛ لم يتوصل اليونانيون إلى اتفاق، وبذلك أصبح الحل الوحيد للأتراك في قبرص هو حل الدولتين.
في 13 تموز يوليو 2021، صرح رئيس جمهورية شمال قبرص التركية، إرسين تتار، بإغلاق مسألة الاتحاد في قبرص. وفي 17 تموز يوليو، أجرى وفد من المجلس الوطني الأذربيجاني اتصالات رسمية في جمهورية شمال قبرص التركية لأول مرة.
وفي القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الاقتصادي التي عقدت في تركمانستان في تشرين الثاني نوفمبر، وجه الرئيس أردوغان دعوة للاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية، أظهرت كل هذه التطورات أن عملية الاعتراف بالدولة التركية في قبرص كانت ناجحة.
نحو دولة تركية في قبرص
ظل احتلال أوكرانيا على جدول أعمال العالم لفترة من الوقت؛ حيث كشفت التطورات في أوكرانيا الأهمية المتزايدة لتركيا في السياسة الإقليمية والعالمية. بالإضافة إلى ذلك؛ في نهاية شهر آذار مارس، أدلت باكستان ببيان أعربت فيه عن دعمها الكامل لتركيا فيما يتعلق بقضية قبرص. وفي المنشور الذي تم نشره على حساب وسائل التواصل الاجتماعي لوزارة الدفاع البريطانية، تم تضمين الدول التي تدين وتعارض الغزو الروسي لأوكرانيا. في هذا المنشور تم حصر حدود الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص الأمر الذي يدعم حل الدولتين الذي تسعى إليه تركيا في قبرص. كما عزز نفوذ تركيا المتزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط، والدعم الضمني أو الصريح للجهات الفاعلة الدولية بشأن قضية قبرص، أرضية الاعتراف بالدولة التركية في قبرص.
في هذا السياق؛ وبينما العالم مشغول بأوكرانيا، يمكن لمنظمة الدول التركية تقييم الأوضاع الحالية على أساس التضامن التركي الإسلامي، ويمكنها تحقيق مكاسب ملموسة في قبرص وإحراز تقدم في عملية الاعتراف.
وقد لا تكون الفرص التي تقدمها فترات الأزمات هذه متاحة دائمًا؛ حيث تُظهر تصريحات بن علي يلدريم، رئيس مجلس اللحى البيضاء (وهو مجلس حكماء للقومية التركية له بعد تاريخي يتكون من 8 أعضاء يمثل كل واحد إحدى الدول التركية)، في منتدى منظمة الدول التركية الدولي للشتات المنعقد في بورصة يومي 28 و30 آذار/مارس، أن هذه العملية ناجحة؛ حيث قال يلدريم في بيانه: “سنرى قريبًا جمهورية شمال قبرص التركية ضمن منظمة الدول التركية”، وأشار إلى أن هذه العملية ستدعم بمبادرة ملموسة في المستقبل القريب.
تقاطع العالم التركي والإسلامي
ديموغرافيًّا، أفغانستان بلد تقطنه أغلبية مسلمة وتركية، وباستثناء حدودها القصيرة مع الصين، فهي دولة محاطة بالعديد من الدولة الإسلامية والتركية، وبالتالي تظهر عوامل مثل الهوية التركية الإسلامية والموقع الجغرافي والبنية السياسية والثقافية أن أفغانستان دولة لها أهمية إستراتيجية لمستقبل العالم التركي الإسلامي.
وأدى خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، وسيطرة طالبان على البلاد إلى بدء عملية جديدة لمستقبل أفغانستان والمنطقة. وعلى الرغم من أن طالبان ملأت الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، لكنه من الواضح أن طالبان بحاجة إلى الدعم في كثير من القضايا. لهذا السبب؛ يجب أن تلجأ إدارة طالبان إلى الجهات التي ترغب في العمل معها، ومن الواضح حتى الآن أن الصين قد تقدمت بسرعة كبيرة واتخذت خطوات مهمة لتطوير هذا التعاون. كما أنه من المعروف أن الصراعات بين إدارة طالبان وعناصر أخرى في بعض المناطق لا زالت مستمرة في أفغانستان. في هذه المرحلة؛ يتوجب على الجهات الفاعلة التي لديها علاقات جيدة مع إدارة طالبان والجماعات التركية أن تأخذ زمام المبادرة في موقف موحد وتصالحي. ومن حيث التركيبة السكانية في البلاد فإن التواصل والتفاعل بين عناصر طالبان والعناصر التركية من شأنه أن يضمن التمثيل الأكثر تعددية في البلاد، وإلا فإنه لا مفر من أن يؤثر عدم الاستقرار في أفغانستان، والذي من المحتمل أن يستمر لسنوات عديدة، سلبًا على دول الجوار، أي الدول الإسلامية والتركية. بالإضافة إلى ذلك، فإن النفوذ المهيمن للصين في المنطقة سيجلب العديد من الأزمات المستقبلية لدول المنطقة. لهذه الأسباب؛ فإن استقرار أفغانستان مهم للعالم التركي الإسلامي. وقد يوفر الإجلاء السريع غير المتوقع للولايات المتحدة من المنطقة فرصًا عظيمة لأفغانستان، ما كانت لتحصل عليها خلال سنوات عديدة. لكن إذا لم تستطع الدول المجاورة، التي تتوافق مع النسيج السكاني للمنطقة، خلق نفوذ كافٍ في أفغانستان، فستتحول المنطقة إلى ساحة مفتوحة للتدخل الخارجي.
آلية مشتركة لاستقرار أفغانستان
وتربط باكستان وقطر علاقات جيدة مع إدارة طالبان؛ كما يمكن للدول الأعضاء في منظمة الدول التركية التفاعل بشكل جيد مع المجموعات التركية في أفغانستان.
والخلاصة؛ أن من أجل استقرار أفغانستان ومستقبل العالم التركي الإسلامي، يجب على الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية وباكستان وقطر أن تجتمع معًا وتضع آلية عمل مشتركة، وستكون هذه الآلية بداية جديدة من حيث استقرار ومستقبل أفغانستان وتعزيز التضامن بين العالم التركي والإسلامي.
العالم التركي، الذي شهد على إمكاناته في كاراباخ، ومساهمته في استقرار أفغانستان، والتي تعد من الأمثلة الواضحة على الشراكة الجغرافية والديمغرافية، سيشهد أيضًا قدرته على التفاعل مع العالم الإسلامي.
ولفتت عملية التعاون التي تطورت في العالم الإسلامي، في عام 2019 بين تركيا وماليزيا وباكستان، الانتباه إلى هذه الدول. وبعد مبادرة التعاون هذه واجهت هذه الدول صعوبات كثيرة أفقدت عملية التعاون زخمها. لكن بعد التطورات في كاراباخ، وتطور العلاقات بين تركيا وأذربيجان وباكستان، تبع ذلك إعلان إسلام أباد وإعلان باكو. وهكذا، فإن مبادرات التعاون التي تمت تجربتها في كوالالمبور وكان مركزها تركيا، ظهرت في كاراباخ، وتسارعت في إسلام أباد وباكو، مُشكِّلةً أرضية مهمة لمستقبل العالم التركي الإسلامي. وأصبح بإمكان أفغانستان التي تملك مكانة في مستقبل آسيا ومصلحة العالم التركي والإسلامي، وقبرص باعتبارها المركز الإستراتيجي لشرق البحر الأبيض المتوسط، أن تشرعا في عملية جديدة لتضامن العالم التركي الإسلامي.
باختصار؛ برزت التسوية في قبرص والاستقرار في أفغانستان كأهداف يجب العمل عليها فيما يتعلق بمستقبل العالم التركي الإسلامي. وهذان الهدفان سيمهدان الطريق أمام آمال السلام، التي ازدهرت في كاراباخ، لتصل إلى مناطق الصراع الأخرى.
المصدر: يني شافاك