ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، سلطت وسائل الإعلام الدولية الضوء على نفوذ وسلطة بعض الأشخاص الذين تجمعهم علاقات مع الرئيس فلاديمير بوتين، وكانت الأوليغارشية الروسية، وكذلك “السيلوفيكي”؛ هم مكونات الدائرة المقربة من الرئيس الروسي، في دائرة ضوء الأخبار منذ بدء الحرب في أوكرانيا بسبب علاقتهم بها، لا سيما فيما يتعلق بتمويلها ودعمها.
ونظرًا للتأثير القوي لهؤلاء الأشخاص في الكرملين، فقد تم اقتراح أن بعضًا من هؤلاء الأوليغارشية أو السيلوفارش مرشحون ليكون أحدهم خليفة بوتين في المستقبل.
وعلى ضوء ذلك؛ نسلط الضوء على دور السيلوفارش، أي النخبة السياسية والتجارية في روسيا التي ظهرت من خلال الأجهزة السرية؛ فهذا المصطلح، الذي يجمع بين كلمتي الأوليغارش والسيلوفيكي، صاغه دانييل تريسمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا؛ حيث يقول: “الأوليغارشية ليس لديهم نفوذ سياسي كبير كما يُعتقد، لكن السيلوفارش أكثر قوة”.
ويوافق هوغو كروستويت، المحلل المختص بشؤون أوراسيا لدى موقع دراغون فلاي، على هذه النقطة، مشيرًا في تصريح له إلى صحيفة “بيزنس إنسايدر” أنه من الواضح أن “”السيلوفارش” لهم تأثير كبير داخل الدولة الروسية”؛ فضمن هذه المجموعة الحصرية، نجد أيضًا رجالًا عملوا في القوات المسلحة، وكذلك في المخابرات والأمن القومي.
من جانبه؛ يوضح ستانيسلاف ماركوس، أستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة ساوث كارولينا، نقلًا عن صحيفة “فوربس”، أن “صما يسمى “سيلوفارش” هم نخب الأعمال الذين استفادوا من شبكاتهم في خدمة الأمن الفيدرالية الروسية أو في الجيش لجمع ثروة شخصية هائلة”. ومع ذلك؛ إذا كان هناك شيء ما يوحدهم جميعًا فهو ماضيهم المشترك المرتبط ببوتين؛ حيث إن العديد من هؤلاء السيلوفارش عرفوا الرئيس خلال الفترة التي قضاها في الاستخبارات السوفيتية أو ما يعرف ب” كي جي بي” أو في سانت بطرسبرغ، المدينة التي بدأ فيها حياته السياسية.
ويشير ماركوس أيضا إلى أن العديد منهم “ارتقوا بشكل مطرد للسيطرة على القطاعات وشغلوا مناصب مهمة في السلطة التنفيذية”. بالإضافة إلى ذلك؛ لديهم حصص كبيرة “في الشركات في القطاعات التي تعتمد الربحية فيها على مصلحة الحكومة”.
وتتمتع الأوليغارشية بثروة أكبر من السيلوفيكي، على الرغم من أن هؤلاء الأخيرين يتمتعون بلا شك بسيطرة سياسية أكبر، وبسبب هذا التأثير الكبير على المستوى السياسي؛ تم الأخذ في الاعتبار إمكانية الإطاحة ببوتين مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، فمن جهته؛ لا يستبعد مايكل روشليتس، أستاذ الاقتصاد بجامعة بريمن، هذا السيناريو، ويقترح الخبير الاقتصادي أن السيلوفيكي، وخاصة العاملين في الأجهزة الأمنية “قد يقررون التدخل في حال حدوث تصعيد كبير”.
بالإضافة إلى الإطاحة المحتملة؛ اكتسبت النظرية القائلة بأن بوتين يعاني من مرض خطير قوة مؤخرًا بعد بعض الصور ومقاطع الفيديو التي بدا فيها الرئيس في حالة سيئة وقام بتحركات غريبة.
الرجال الستة لبوتين
داخل دائرة الرئيس، برزت أسماء معينة داخل الدائرة المقربة من الزعيم الروسي؛ حيث يبرز كل من ألكسندر بورتنيكوف، وسيرغي تشيميزوف، وسيرغي ناريشكين، ونيكولاي باتروشيف، وإيغور سيتشين، وسيرغي شويغو.
ويشغل بورتنيكوف حاليًا منصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي، وهو المنصب الذي شغله منذ أيار/مايو 2008، ليحل محل نيكولاي باتروشيف، أحد رجال بوتين الأقوياء، وكان بورتنيكوف (البالغ من العمر 70 عامًا) جاسوسًا – كما كان الرئيس الروسي – في الاستخبارات السوفيتية أو ما يعرف بـ”كي جي بي”، وظهر على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي بعد تسميم المعارض السياسي أليكسي نافالني.
وفي السنوات التي أشرف فيها على إدارة جهاز الأمن الفيدرالي، كان لبورتنيكوف “الفضل في تحويلها إلى دولة داخل الدولة، وهي جهاز أمني يوظف عشرات الآلاف من الأشخاص، و”سيف” وحشي مسؤول عن مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس وأمن الحدود”، وهو ما أكدته مونيكا أتارد مراسلة قناة “آي بي سي” الروسية السابقة، نقلًا عن صحيفة “سيدني مورنينغ هيرالد”.
وهو رأي تشاطرها إياه ديانا ماغناي، مراسلة سكاي نيوز في موسكو، التي تشير إلى أن بورتنيكوف زاد من “السيطرة المشددة على الحياة الروسية وكان مسؤولًا عن عشرات الآلاف من الاعتقالات والتشديد الصارم للقيود على المجتمع المدني”.
ومع ذلك؛ أكدت المخابرات الأوكرانية أن مدير جهاز الأمن الفيدرالي وأسماء أخرى مقربة من بوتين “يدرسون خيارات مختلفة لعزل بوتين من السلطة”، وفي هذا الصدد، أكد مسؤول أوكراني في كييف لصحيفة الإندبندنت: “في النخبة الاقتصادية والسياسية الروسية، تظهر مجموعة من الأشخاص المؤثرين الذين يعارضون فلاديمير بوتين”، ويهدف هذا الانقلاب إلى استعادة العلاقات التي دمرت نتيجة الحرب ضد أوكرانيا مع الغرب، كما قدمت أتارد معلومات حول هذه النقطة، مشيرة إلى أن بوتين “مستاء من أن بورتنيكوف أساء تحليل قدرات الجيش الأوكراني”.
ومن بين أعضاء المخابرات الروسية، يبرز أيضا سيرغي ناريشكين ونيكولاي باتروشيف، سلف بورتنيكوف.
والجدير بالذكر أن ناريشكين هو رئيس جهاز المخابرات الخارجية، ومدير الجمعية التاريخية للامبراطورية الروسية، وكان قد التقى بوتين في سانت بطرسبرغ، عندما كان هذا الأخير يعمل في مجلس المدينة. وناريشكين – شأنه شأن رئيس جهاز الأمن الفدرالي – متهم بالوقوف وراء تسميم نافالني.
وعوقب باتروشيف، الرجل القوي الآخر في الكرملين، لتورطه المزعوم في قضية المعارض الروسي، كما أنه متهم بالتخطيط لاغتيال الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو، الذي تسمم بمادة البولونيوم 210 في لندن، وتنظيم محاولة الانقلاب عام 2016 في الجبل الأسود. وكان باتروشيف – مثل بوتين – جاسوسًا للكي جي بي خلال الحقبة السوفيتية، وبعد ذلك ترأس جهاز الأمن الفيدرالي حتى عام 2008، عندما تولى الكسندر بورتنيكوف منصبه، وهو حاليًا رئيس مجلس الأمن.
في المجال العسكري؛ يبرز وزير الدفاع سيرغي شويغو؛ حيث يُعتبر هذا الجندي الأوكراني والذي يعود أصله إلى جمهورية توفاني، إحدى الشخصيات البارزة داخل الحكومة التي شغلت منصبًا رفيع المستوى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد لعب شويغو، أحد أصدقاء بوتين الرئيسيين، دورًا رئيسيًّا في ضم شبه جزيرة القرم والعمليات العسكرية في سوريا.
ومن بين الشخصيات المقربة لبوتين نجد أيضا سيرغي تشيميزوف، الرئيس التنفيذي لشركة روستك، وهي شركة دفاع حكومية؛ حيث التقى هذا السيلوفارشي الزعيم الروسي خلال فترة وجود بوتين في ألمانيا الشرقية، وسمح له منصبه المسؤول عن الشركة الروسية بجني ثروة كبيرة؛ فيمتلك تشيميزوف العديد من اليخوت الفاخرة، فضلًا عن الفيلات الفاخرة في إسبانيا؛ إنه سيلوفارش رئيسي آخر داخل دائرة بوتين جنبًا إلى جنب مع إيغور سيتشين، رئيس شركة النفط “روسنفت” المملوكة للدولة، وكما هو الحال بالنسبة لتشيمزوف؛ فـ”سيتشين” يمتلك واحدة من أعظم الثروات في روسيا؛ حيث تقدر فوربس أن ثروته تبلغ حوالي 800 مليون دولار، إضافة إلى أنه يمتلك اثنين من أغلى اليخوت في العالم.
عمليات “انتحار” غامضة
مع ذلك؛ منذ غزو أوكرانيا، ظهرت أصوات انتقادية ضد الحرب، فعلى سبيل المثال، قرر أناتولي تشوبايس، مستشار الكرملين، الاستقالة ومغادرة البلاد بسبب التناقضات المزعومة مع الحكومة، ومن ناحية أخرى؛ أعرب العديد من أعضاء الأوليغارشية عن خوفهم من فقدان ثرواتهم بسبب العقوبات الغربية، وعدم موافقتهم على تصرفات الكرملين.
ولأن انتقاد “العملية الخاصة” الروسية في أوكرانيا له عواقبه؛ ففي الأشهر الأخيرة مات العديد من أعضاء الأوليغارشية “في ظروف غريبة”، فبعد يوم من بدء الغزو عُثر على ألكسندر تيولياكوف، نائب المدير العام لمركز التسوية الموحد التابع لشركة غازبروم لأمن الشركات، ميتًا في منزله.
وفي وقت لاحق؛ في أوائل آذار/مارس، تم العثور على الأوليغارشي ميخائيل واتفورد، ذو الأصل الأوكراني، مشنوقًا في منزله في إنجلترا، وفي الشهر نفسه؛ تعرض فاسيلي ميلنيكوف للطعن حتى الموت في منزله في نيجني نوفغورود مع زوجته وطفليه.
وفي أبريل/نيسان، “شُنق” سيرغي بروتوسينيا في منزله بإسبانيا، وماتت زوجته وبناته جراء هجوم بسكين، وفي اليوم السابق لهذه الحادثة؛ أصيب فلاديسلاف أفاييف، النائب السابق لرئيس شركة غازبروم بانك، بجروح قاتلة في منزله في موسكو، وكما حدث في مناسبات أخرى، ماتت أسرته أيضًا.
ومن جانبه؛ صرح غرزيغورز كوتزينسكي، مدير برنامج أوراسيا التابع لمعهد وارسو، لمجلة فورتشن أنه: “في جميع الحالات؛ هناك شكوك واسعة النطاق بأن الوفيات ربما تم التخطيط لها على أنها انتحار، لكن من فعل ذلك ولماذا؟”، بينماقال الكاتب جون أونيل لصحيفة نيويورك بوست إن “ما نراه الآن هو تكتيكات كلاسيكية من الحقبة السوفييتية”.
المصدر: أتليار