ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن 2.4 مليون سوري قادرون على الحفاظ على حياتهم بفضل مساعدات الأمم المتحدة، وإذا استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مساعدات الأمم المتحدة، فسوف تتفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا أكثر فأكثر، وقد يضطر هذا العدد الكبير من الناس إلى الهجرة بعد أن يصبحوا عرضةً للجوع.
من المتوقع أن روسيا – التي تعاني الكثير في أوكرانيا والتي تتعرض لعقوبات اقتصادية جسيمة – ستستخدم حق النقض ضد مساعدات الأمم المتحدة والتي ستنتهي مدتها في حزيران/ يونيو؛ بهدف الانتقام. لذا، يجب الحلول دون استخدام روسيا لحق النقض من خلال المبادرات الدبلوماسية التي ستجري من الآن.
أصبح اللاجئون السوريون والهجرة غير الشرعية إلى تركيا يشكلون البند الأول على المشهد الرئيسي في الآونة الأخيرة في تركيا. ونتيجة العديد من الاستفزازات والممارسات العنصرية المختلفة، قامت كل من المعارضة والجناح الحكومي بطرح نماذج عديدة لعودة اللاجئين السوريين، لكن غالبية النقاشات التي جرت كانت منفصلة عن الواقع وبعيدة عن الواقع في سوريا، كما تم فيها تجاهل التجربة اللبنانية والأردنية. لذا؛ يجب التركيز على سياسات واقعية قائمة على أسس متينة بدلًا من المناقشات الغامضة الخيالية.
في الظرف الحالي؛ حيث تتم مناقشة العودة الطوعية للاجئين السوريين أو إرسالهم إلى سوريا، لم تتم حتى مناقشة خطر حرمان 2.4 مليون إنسان ممن هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية وإلى مساعدات الأمم المتحدة التي تُشكل مصدر رزقهم الوحيد.
ووفقًا للأمم المتحدة؛ فإن 2.4 مليون سوري غير قادرين على الحفاظ على حياتهم إلا من خلال هذه المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، وبدون هذه المساعدات سيكون خطر حدوث مجاعة كبيرًا جدًّا وستتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة أكثر، وقد نواجه هجرة 2.4 مليون شخص إلى تركيا من أصل 5 ملايين نسمة سيكونون عرضةً للجوع، وبينما نحن نقول “ليعد السوريون إلى سوريا”؛ قد يكون هناك تحرك جديد نحو الحدود التركية.
الحرب لم تنته
إن اقتراح تحقيق السلام مع الأسد وتحقيق عودة اللاجئين السوريين هو فكرةٌ جربتها دولتان منفصلتان وباءت بالفشل، لا حاجة لإعادة اكتشاف أمريكا؛ لكن من الصعب بعض الشيء شرح ذلك للأشخاص الذين يعتقدون أن العالم هو عبارة عن تركيا فقط.
لقد انتهت الحرب في غرب سوريا؛ أي في المناطق القريبة من الحدود اللبنانية، فقد استعاد نظام الأسد السيطرة الكاملة في عام 2018، وفي عام 2019؛ عادت العلاقات بين الأسد ولبنان إلى طبيعتها تمامًا وتم الاتفاق على عودة السوريين المسجلين في الأمم المتحدة.
كم عدد السوريين الذين عادوا منذ ذلك الحين؟ وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد عاد 36.614 لاجئًا سوريَّا إلى سوريا؛ حيث عاد 22.728 سوريًّا في العام الأول، لكن عاد ما مجموعه 4.535 سوريًّا إلى لبنان في الشهرين الأولين من عامي 2021 و2022 وذلك بعدما رأوا كيف أن نظام الأسد قام باستجواب وتعذيب وسجن من عاد كما قام بمصادرة ممتلكاته وحرمانه الحق في الحياة.
وفي جنوب سوريا؛ انتهت الحرب في أواخر عام 2018، وأحكم نظام الأسد سيطرته على المنطقة، وبعد ذلك قامت الحكومة الأردنية بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وبدأت محادثات مباشرة حتى على المستوى الوزاري. وعلى غرار لبنان؛ فقد أُبرمت اتفاقيةً لعودة اللاجئين السوريين، ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد عاد 39.612 لاجئًا سوريًّا إلى سوريا منذ عام 2019 وحتى اليوم، منهم 29.409 في عام 2019 وحده، ولكن عندما شوهد ما حدث لأول العائدين، شهد معدل العودة انخفاضًا كبيرًا في السنوات التي تلتها.
دعنا نأتي إلى اللاجئين السوريين في تركيا؛ حيث إن الحرب في شمال سوريا لم تنته بعد، ولا تزال روسيا تقصف إدلب بانتظام ووحدات حماية الشعب تُهاجم مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة وتستهدف المدنيين بالصواريخ والقنابل. وعلى الخطوط الأمامية؛ تدور كل يوم اشتباكات بين الجيش الوطني السوري وقوات النظام ووحدات حماية الشعب، ولا يمر يوم لا يفقد فيه أحدٌ ما حياته في شمال سوريا.
لكن؛ وحسب إحصائيات الأمم المتحدة أيضًا، فقد عاد 76.222 لاجئًا سوريًا إلى سوريا منذ عام 2019؛ وعلى الرغم من أن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة أكثر جذبًا نسبيًّا للعودة بمساعدة تركيا، فإنه يوجد كثافة سكانية كبيرة جدًّا في المنطقة؛ حيث يعيش حاليًا 5 ملايين شخص في منطقة كان تعداد سكانها من 1.5 إلى 2 مليون نسمة قبل الحرب. والآن مع الفيتو الروسي؛ سيكون 2.4 مليون من هؤلاء في مواجهة خطر المجاعة، ومن المرجح أن تستخدم روسيا حق النقض ضد تمديد مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود في حزيران/ يونيو.
ونظرًا إلى المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة عبر الحدود في تركيا والموقف السياسي المجهول لروسيا في هذه العملية، فإنه لا بد من أن ننظر أولًا إلى خلفية الأحداث، ثم نركز على ما يمكن فعله لمواجهة هذا الخطر وكيف يمكن حماية 2.4 مليون إنسان من الجوع.
نتيجة إطالة أمد الحرب في سوريا وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة؛ تم اتخاذ قرار في الأمم المتحدة عام 2014. ووفقًا لهذا القرار؛ تقرر تقديم مساعدات إنسانية مباشرة للمناطق التي لا تخضع لسيطرة نظام الأسد، مستبعدين نظام الأسد الذي يمثل سوريا في الأمم المتحدة من هذا القرار. وبهذه الطريقة؛ تم منع عناصر النظام – الذين يستخدمون الجوع والحصار كوسيلة للحرب – جزئيًّا من محاولة تأديب السوريين بالجوع.
نتيجةً للمفاوضات المطولة التي جرت بين إدارة بايدن – الجديدة في ذلك الوقت – وروسيا، تم التوصل إلى حل وسط وتم تمديد مساعدات الأمم المتحدة لعامٍ آخر
إلى جانب ذلك؛ تم منع نظام الأسد من محاولة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية كما تم الحلول دون جهوده الحثيثة في ضمان عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، ووفقًا لهذا القرار أيضًا؛ صار بإمكان الأمم المتحدة إيصال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى السوريين عبر معبر حدودي واحد في الأردن، ومثله في العراق واثنان آخران في تركيا، بحيث يمكن من خلالها تجاوز نظام الأسد.
تم تمديد هذا القرار الذي أقره مجلس الأمن الدولي لمرة واحدة كل ستة أشهر أو 12 شهرًا، ولكن بعد عام 2019، بدأت روسيا في استخدام حق النقض لتحويل المساعدات القادمة عبر الحدود إلى أداة دبلوماسية وسياسية. وطالبت روسيا التي هددت بقطع المساعدات الإنسانية التي يحتاجها ملايين الأشخاص بتنازلات سياسية في المقابل.
ووفقًا للحجة التي قدمتها روسيا؛ فإنه يجب تقديم المساعدات الإنسانية لهذه المناطق عبر نظام الأسد. وهكذا سيتم ضمان شرعية نظام الأسد وستُترك الحكومة السورية المؤقتة والـ 5 ملايين إنسان الموجودون في منطقة إدلب تحت رحمة قَتَلَتِهِم. وعند حدوث هجوم جديد محتمل للنظام؛ سيتم منع المساعدات الإنسانية وسيتم تجهيز أرضية للحل عسكري في سوريا، ناهيك عن الموجة الجديدة للهجرة إلى تركيا.
ضمن هذا السياق؛ تم أولًا إغلاق البوابات الحدودية الأردنية ثم العراقية أمام المساعدات الإنسانية. وفي المرحلة التالية؛ تم إغلاق بوابة باب السلامة الحدودي في إعزاز أمام المساعدات الإنسانية.
من خلال استخدامها حق النقض خطوة بخطوة؛ أزالت روسيا البوابات الحدودية من برنامج المساعدات الإنسانية. وفي الطريق إلى عام 2021؛ ومع إغلاق بوابة باب السلام الحدودية – أونجو بينار في الطرف التركي – أوقفت روسيا المساعدات الإنسانية لمناطق عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون. وهكذا؛ كان الباب الأخير الذي تُرك مفتوحًا هو باب الهوى – جيلفه غوزو في الطرف التركي -.
عدم تمديد مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على تركيا
مع هذا التحرك الروسي؛ بدأت المساعدات الإنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة التي تعمل جنبًا إلى جنب مع تركيا، بالوصول إلى الجانب السوري عبر بوابة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، ومن المعروف أن هيئة تحرير الشام كانت قد استخدمتها روسيا كذريعة لضرب إدلب، وروسيا بهذا تركت حليف تركيا تحت رحمة هيئة تحرير الشام. مع ذلك؛ لم توقف هيئة تحرير الشام المساعدات الإنسانية أو تمنعها حتى يومنا هذا، لكن إزالة روسيا لبوابة باب السلام بدلًا من معبر باب الهوى من البرنامج كان ملفتًا للنظر.
وبحلول حزيران/ يونيو عام 2021؛ كانت روسيا تخطط لإغلاق آخر باب مفتوح أمام المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ونتيجةً للمفاوضات المطولة التي جرت بين إدارة بايدن – الجديدة في ذلك الوقت – وروسيا، تم التوصل إلى حل وسط وتم تمديد مساعدات الأمم المتحدة لعامٍ آخر. وأثناء التمديد؛ كانت الأمم المتحدة ستعدُّ تقريرًا عن فائدة وضرورة هذه المساعدات الحدودية في غضون الأشهر الستة الأولى، ووفقًا لنتائج هذا التقرير سيستمر البرنامج للأشهر الستة الثانية. في الواقع، كانت نتائج التقرير واضحةً للغاية، وبذلك تم تقديم المساعدات الإنسانية في الأشهر الستة الثانية.
في ذلك الوقت؛ جرت المفاوضات الدبلوماسية بالكامل بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وقيّم الجانب الأمريكي هذه المصالحة على أنها مكسب دبلوماسي ومؤشر حسن نية لروسيا. لكن مع حرب أوكرانيا؛ ازدادت حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بشكل كبير. ومن المتوقع أن يؤدي الحظر الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا والدعم الذي قدمته لأوكرانيا، وكذلك الهجمات والجرائم التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، إلى منع تشكيل اتفاقية بين الجانبين تحمي مصالح المدنيين السوريين.
إن عدم تمديد مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود – التي ستنتهي صلاحيتها في حزيران/ يونيو عام 2022 نتيجة استخدام روسيا لحق النقض – قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على تركيا. وكما ذُكِر أعلاه؛ فإنه وفقًا للأمم المتحدة، يعيش 2.4 مليون شخص على هذه المساعدات فقط.
يجب منع الفيتو
عند تقييم الوضع في تركيا، تظهر حاجتان أساسيتان. الأولى؛ منع روسيا من استخدام حق النقض إن أمكن، وذلك من خلال اتخاذ المبادرات الدبلوماسية اللازمة مع روسيا. والثانية؛ ضمان إنشاء آلية بديلة لـ 2.4 مليون شخص في حال استخدمت روسيا حق النقض.
يتمتع الدبلوماسيون الناجحون في وزارة الخارجية التركية ومكتب سوريا بالخبرة الدبلوماسية اللازمة وبالقدرة على إقناع روسيا بشأن المصالحة الدبلوماسية المحتملة معها، لكن بالنسبة لروسيا؛ فإن هذه ليست بالقضية التي من الممكن أن تتفاوض فيها مع تركيا، فروسيا تخاطب حصرًا الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وسترغب الآن بمعاقبة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سوريا على خلفية ما حصل في حربها مع أوكرانيا. ولذلك؛ فإنه ليس هناك الكثير مما يمكن فعله من قبل الخارجية التركية.
قد تكون الورقة الرابحة التي يمكن أن تستخدمها تركيا ضد روسيا في الظروف الحالية هي الخروج من عملية أستانا ومن أعمال اللجنة الدستورية، لكن هذا سيكون أيضًا على حساب تركيا. ولكن؛ إذا كانت قضية اللاجئين السوريين قضية هامة بالنسبة لتركيا بقدر ما يتم مناقشتها في وسائل الإعلام، فإنه يمكن تهديد روسيا في هذا الاتجاه وإذا كانت النتيجة سلبية، يمكن تعليق العملية الدبلوماسية الجارية مع روسيا بشأن سوريا.
آلية بديلة
يبدو أن الخيار الثاني هو أكثر احتمالًا وأكثر واقعية؛ حيث يمكن إنشاء آلية بديلة من خلال الاستعداد من الآن لمرحلة ما بعد الفيتو الروسي؛ حيث يتم توفير الأموال للمساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج.
وإذا قامت روسيا بإغلاق آخر معبر حدودي، فقد تسحب هذه الدول أموالها. وهكذا، سيتم قطع المساعدات الإنسانية عن منطقة نظام الأسد أيضًا. وبالتالي؛ يمكن لتركيا بناء آلية خارج إطار الأمم المتحدة بالتعاون مع الدول المانحة. وتماشيًا مع هذه الآلية؛ يتم تحويل الأموال إلى الهلال الأحمر التركي ويقوم الهلال الأحمر بدوره بتقديم المساعدات اللازمة لسوريا. وبهذا يقع النشاط الكبير الذي تقوم به الأمم المتحدة على عاتق تركيا. وعلى الرغم من أن هذا سيشكل تحديًا جديًّا بالنسبة لتركيا؛ إلا أنه سيكون أفضل من موجة هجرة جديدة.
بالإضافة إلى ذلك؛ وبفضل هذه الأموال، سيكون لدى تركيا نفسها الفرصة في توجيه المساعدات الإنسانية نسبيًّا بما يتماشى مع مصالحها وأهدافها. على سبيل المثال؛ يمكن أن تدخل المساعدات إلى سوريا عبر بوابة باب السلام الحدودية بدلاً من بوابة باب الهوى.
لكن هناك خطرٌ آخر يتمثل في أن بعض الدول التي لا تريد مساعدة السوريين طواعية، قد ترفض تحويل أموالها إلى تركيا بدعوى أنها لا تثق في تركيا، متذرعة في ذلك بفك الارتباط مع الأمم المتحدة. ومن أجل تقليل ذلك قدر الإمكان؛ ينبغي إجراء المشاورات اللازمة مع أصحاب المصلحة المشتركة قبل أن يأتي يوم حق النقض، ويجب صياغة اتفاق مبدئي حول تفاصيل الآلية.
ومن يدري؛ فربما عندما ترى روسيا أنه سيتم إنشاء آلية بديلة، فقد تتخلى عن استخدام حق النقض وقد تفضل استمرار المساعدات الإنسانية داخل الأمم المتحدة وبقائها تحت سيطرتها.
مهما يكن؛ على تركيا أن تسرع في هذه القضية وألا تتركها للصدفة. خلافًا لذلك؛ فإنه في الوقت الذي سيتم فيه مناقشة عودة اللاجئين السوريين، قد نواجه موجة جديدة من الهجرة على حدود تركيا.
المصدر: ستار