حاول رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان، فتحي باشاغا، دخول العاصمة طرابلس “دخولًا خاطفًا” والسيطرة على مراكز الحكم، إلا أن خروجه من هناك كان أسرع من دخوله، فقد فشل في تحقيق أهدافه نتيجة أسباب عدة من بينها ضعف قراءته للمشهد الداخلي.
أثبت باشاغا في محاولته الأخيرة ضعفه وعدم قدرته على إدارة البلاد وخسر الرهان، إلا أن الخسارة لم تكن حكرًا عليه، فخلفه خاسرون كثر، خاصة أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية لم يتوان للحظة عن استغلال الأمر لصالحه وتنفيذ ما عجز عنه في السابق.
تكرر الفشل
لم تكن محاولة باشاغا دخول العاصمة والسيطرة على المقرات المركزية للدولة الأولى، إذ سبق أن حاول في أوقات سابقة اقتحام طرابلس بدعم جماعات مسلحة إلا أنه فشل في تحقيق أي تقدم يُذكر وفي كل مرة يعود أدراجه.
ففي منتصف أبريل/نيسان الماضي حاول باشاغا التواصل مع بعض التشكيلات المسلحة، على غرار قوى الجبل الغربي لتأمين دخوله إلى العاصمة عبر معبر وازن ذهيبة الحدودي مع تونس في رتل مسلح ضخم تابع لرئيس المخابرات الليبية أسامة الجويلي لمباشرة مهامه من هناك والأخذ بزمام الأمور إلا أنه فشل في ذلك، إذ تصدت له قوات موالية للدبيبة ومنعت الرتل من العبور عبر نالوت.
نتيجة ذلك، اضطر باشاغا للتوجه إلى مدينة سبها جنوب البلاد وعقد هناك أول اجتماع لحكومته منذ منحها الثقة مطلع مارس/ آذار الماضي، رغم استمرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في ممارسة مهامه.
من المنتظر أيضًا أن يعمل عبد الحميد الدبيبة في الفترة المقبلة على إخراج الجماعات المسلحة الداعمة لباشاغا من المناطق الحساسة في وسط طرابلس
كما حاول وزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج مباشرة إثر منحه الثقة من البرلمان المنعقد في طبرق مباشرة دخول طرابلس في رتل مسلح ضخم، لكن الرتل عاد أدراجه عندما سدت قوات متحالفة مع الدبيبة الطرق المؤدية إلى العاصمة.
يؤكد هذا الأمر أن باشاغا لم يستطع كسب تأييد القوى العسكرية الرئيسية في طرابلس والمنطقة الغربية ككل نتيجة رفضها تحالفه مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب في أثناء محاولتها اقتحام العاصمة والسيطرة عليها في أبريل/نيسان 2019.
إلى جانب ذلك، يُثبت هذا الأمر سوء التقدير الذي وقع فيه باشاغا وضعف قراءته للمشهد الداخلي، فهو في موقف ضعف ولم يستطع حشد الدعم الكافي له سواء الدعم الداخلي أم الخارجي، فلا توجد اعترافات خارجية بحكومة باشاغا إلا من روسيا.
خسائر باشاغا
كان باشاغا يظن أنه يتمتع بدعم أكبر مما لديه في الواقع في أوساط الجماعات المسلحة في طرابلس، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، وهو ما عجل بفشله وخسارته الرهان، والدبيبة أحسن انتهاز الفرصة ووسع من سيطرته على العاصمة وبدأ خنق الداعمين لمنافسه.
فبعد هذه المحاولات الفاشلة، يبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة خرج أقوى وأكثر سيطرة على الوضع، ذلك أنه كشف الجماعات المسلحة الداعمة لباشاغا وعلى رأسها كتيبة النواصي التي تعتبر واحدة من الجماعات المسلحة الكبيرة في العاصمة، حيث تسيطر على أجزاء حساسة في المدينة بينها مقرات رسمية ومطار معيتيقة الدولي.
في ظل فشل باشاغا في دخول العاصمة، من المرتقب أن تعلن العديد من الجماعات المسلحة – التي بقيت إلى وقت قريب تلازم الحياد – ولاءها التام للدبيبة الذي أثبت قوته، ما يعني أن فرص باشاغا في دخول طرابلس وقيادة الحكومة منها باتت ضئيلة.
#الجويلي اسمه موجود في قضية إدخال باشاغا للعاصمة#الجويلي بعد ما تمت إقالته بدأ في التهديد و الوعيد لحكومة الدبيبة و بدخول العاصمة و تحريرها ?
— Fareewan ?? (@Fareewan3) May 20, 2022
بينما قال فتحي باشاغا إنه سيعمل من سرت إلى حين دخوله مجددًا العاصمة، بدأ عبد الحميد الدبيبة في اتخاذ سلسلة من قرارات الإقالة مست قيادات مركزية موالية لباشاغا، فقد أقال الدبيبة بصفته رئيسًا للحكومة ووزيرًا للدفاع، أسامة الجويلي، من مهام مدير إدارة الاستخبارات العسكرية وتكليف مساعد الجويلي بالمهام المنوطة بمدير الإدارة إلى حين تعيين مدير جديد.
ويعد الجويلي الذي ينتمي إلى مدينة الزنتان، من الشخصيات العسكرية القوية في المنطقة الغربية، عينه الدبيبة منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي مديرًا لإدارة الاستخبارات العسكرية، بعد أن كان يشغل منصب آمر غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية.
ويعتبر الجويلي من القيادات العسكرية الداعمة لحكومة فتحي باشاغا، ويعتقد أنه وراء عملية دخول باشاغا وعدد من أعضاء حكومته، إلى العاصمة طرابلس الثلاثاء الماضي، وكان له دور أيضًا في محاولة تأمين دخول باشاغا طرابلس عبر الحدود مع تونس.
نتيجة تحالفه مع حفتر ومعسكر الشرق ككل، فقد باشاغا ثقة فئات كثيرة من الليبيين وثقة المجموعات المسلحة في غرب البلاد
كما تمت إقالة مصطفى قدور، قائد كتيبة النواصي من منصبه كنائب لرئيس جهاز المخابرات، إذ أعلنت قواته دعمها العلني لباشاغا في نزاعه مع الدبيبة، يذكر أن قوات كتيبة النواصي التي يقودها مصطفى قدور، هي من استقبلت وأمنت دخول باشاغا وأعضاء حكومته إلى طرابلس.
من المرتقب أن تشهد الأيام القادمة جملة من الإقالات والإعفاءات في صفوف مسؤولين عسكريين ومدنيين موالين لباشاغا، خاصة في طرابلس، فالدبيبة كان ينتظر هذه الفرصة لمزيد من بسط سيطرته وإبعاد كل المناوئين له والمناصرين لخصمه.
#فتحي_باشاغا حتى يصل لوزارة الداخلية ويبقى وزيرًا لها قاد حرب على حكومة الوفاق عن طريق #الكانيات وهجومهم على طرابلس والآن سوف يجر طرابلس من جديد لحرب حتى يصل للحكم أما الشعارات التي يطلقها هو وأتباعه ماهي إلا أكاذيب.
— علي الراجحي – ali alrajhi (@ali_alrajehya) May 20, 2022
ومن المنتظر أيضًا أن يعمل عبد الحميد الدبيبة في الفترة المقبلة على إخراج الجماعات المسلحة الداعمة لباشاغا من المناطق الحساسة في وسط طرابلس أو احتوائها مجددًا عبر تقديم امتيازات جديدة لها أو إبعاد قادتها عن المشهد العام.
هل أخطأ باشاغا الرهان على حفتر وصالح؟
لا يبدو أن خسائر باشاغا ستتوقف هنا، فمن المرجح أن يرفع أبرز حلفائه الوقتيين أيديهم عنه، خاصة رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد قوات الكرامة خليفة حفتر، فكلاهما دعم باشاغا حتى يؤدي المهمة التي عجز عنها وهي السيطرة على طرابلس.
في ظل فشل خطط باشاغا للسيطرة على العاصمة، من الصعب أن يواصل حفتر وصالح دعمهما له وسيبحثان عن خطط أخرى لتنفيذ أجنداتهما في ليبيا، رغم أن فشل باشاغا يرجع في جزء كبير لهما، فهما لم يقدما له الدعم الكامل لإنجاح مساعي دخول طرابلس والسيطرة على المقرات الحكومية هناك.
#باشاغا. دخل متسلل وخرج متسلل
هكذا اشخاص لا يشرفون مدينه مصراته ولا حتى ليبيا وظهر بصورة الاحمق والغبي والمضحوك عليه رغم ما فعله من بروباغندا سابقه بارتاله والبساط الاحمر والفوشيك ?
— ليث..01?? (@Benghazi1020304) May 17, 2022
يعني هذا أن باشاغا أخطأ منذ البداية في الرهان على حفتر وصالح، فبعد أن كان أبرز المساهمين في التصدي لحملة حفتر على طرابلس اختار التحالف معه بغية تقلد منصب رئاسة البلاد في البداية وثم رئاسة الحكومة في مرحلة ثانية.
نتيجة تحالفه مع حفتر ومعسكر الشرق ككل، فقد وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية السابقة فتحي باشاغا ثقة فئات كثيرة من الليبيين وثقة المجموعات المسلحة في غرب البلاد وفي مسقط رأسه مصراتة التي تضم أبرز التشكيلات العسكرية في ليبيا.
لو بقي باشاغا في الغرب لكان حاله الآن أفضل، فالتوجه نحو معسكر الشرق الذي يقوده حفتر وصالح أفقده شعبيته التي ربحها خلال السنوات الماضية، وما محاولاته المتكررة دخول طرابلس بالقوة وفشلها إلا دليل على فقدانه عنصر المبادرة.