ترجمة حفصة جودة
“النوم؛ قطع الموت الصغيرة تلك، كم أكرهها”، “النوم إضاعة مجرمة للوقت وميراث زمن الكهوف” هذان الاقتباسان المنسوبان إلى إدجار آلان بو وتوماس إديسون يعكسان علاقتنا الصعبة بالنوم، ورغم تغير التوجهات ما زال هناك بقايا ازدراء وشك مستمر، فنحن نعلم أننا بحاجة إليه، لكننا نستاء من تلك الحقيقة وفي بعض الأحيان نُضلل بشأن كيفية الحصول عليه.
ما نعرفه بشكل قاطع أن النوم ضروري للصحة الجيدة، فهو يساعدنا على تشكيل الذكريات وحل المشكلات ويسمح للأنسجة بالنمو وإصلاح نفسها ويعزز التمثيل الغذائي الصحي ويزيل السموم من العقل بما في ذلك ألياف “الأميلويد بيتا” المرتبطة بمرض الزهايمر.
ينتج عن النوم المضطرب وغير الكافي استجابات عاطفية متقلبة مثل حدة الطبع والقلق وفقدان التعاطف والاندفاع ونقصان حس الدعابة، كما يتأثر الأداء المعرفي أيضًا، ما يؤدي إلى فقدان الانتباه والتركيز والتواصل والإبداع والقدرة على اتخاذ القرار والقدرة على أداء مهام متعددة.
وأخيرًا تؤثر قلة النوم على الصحة الفسيولوجية، ما يؤدي إلى زيادة خطر التعرض للسكتة الدماغية والنوبات القلبية والعدوى والسرطان والسمنة والسكري والأمراض النفسية، لذا نأمل أن تقنعك تلك القائمة الموسوعية بأن النوم غير الكافي أكثر من مجرد الانزعاج من الشعور بالتعب في الوقت الخاطئ، يدفعنا ذلك إلى التساؤل: ما هو النوم الجيد؟
نعلم دائمًا أن ليلة النوم المثالية تتضمن النوم 8 ساعات غير متقطعة، لكنه اعتقاد خاطئ من عدة نواح، يشبه النوم قياس الحذاء، فالقياس الواحد لا يناسب جميع الناس، وهذا الأمر يسبب ارتباكًا وقلقًا لكثير من الناس، فالحقيقة أن مدة نومنا وأوقات نومنا المفضلة وعدد مرات الاستيقاظ ليلًا تتغير بين الناس وتتغير للشخص نفسه مع التقدم في العمر.
ينام معظم الشباب والأشخاص في منتصف عمرهم (من 18 حتى 64 عامًا) ما بين 7 إلى 9 ساعات كل ليلة، لكن قد ينام بعض الأصحاء 6 ساعات أو حتى 11 ساعة، بعد عمر الـ64 يصبح متوسط ساعات النوم ما بين 7 إلى 8 ساعات، لكن النطاق الكامل يتراوح بين 5 إلى 9 ساعات، وهكذا تقل مدة النوم كلما تقدمنا في العمر.
لسبب ما قررنا أن النوم بشكل متواصل أمر طبيعي، لكنه ليس الوضع الطبيعي لمعظم الناس
يشير النمط الكروني (أوقات النوم المفضلة خلال اليوم) كذلك إذا ما كنت “قبرة” (تفضل الاستيقاظ في الصباح الباكر) (10% من الناس يتبعون هذا النمط) أو “بومة” (تفضل الاستيقاظ ليلًا) (25% من الناس يتبعون هذا النمط) أو “حمامة” وهو النمط ما بين القبرة والبومة (65% من الناس يمثلون هذا النمط).
يتأثر ذلك بشكل كبير بساعتك البيولوجية، لكن هذه الساعات تتغير بتغير العمر، فالمراهقون والشباب يميلون إلى الأنماط المتأخرة، ثم يتحولون إلى النمط المبكر في منتصف العمر والشيخوخة.
ماذا عن الاستيقاظ في منتصف الليل؟ لسبب ما قررنا أن النوم بشكل متواصل أمر طبيعي، لكنه ليس الوضع الطبيعي لمعظم الناس، فقد أظهرت عدة دراسات أن النوم لدى البشر والثدييات الأخرى لا يأتي في مرحلة واحدة، لكنه يحدث على مرحلتين وأحيانًا عدة مراحل تفصلها فترات استيقاظ قصيرة.
يبدو أن مجتمعنا المستيقظ طوال الوقت واستخدام الأضواء الصناعية وتخفيض الوقت المتاح للنوم بالمساء شجعنا على ضغط النوم لفترة واحدة.
لكن الدراسات أظهرت أننا إذا استيقظنا ليلًا فإننا نعود إلى النوم غالبًا ما لم يعترض ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والقلق أو أي سلوكيات مقلقة أخرى، وتذكر أن ذلك قد يمثل نمطًا موروثًا للنوم.
إذا استيقظت ليلًا فحافظ على هدوئك وإذا لم تواصل النوم فلا تظل في سريرك محبطًا، غادر سريرك ولا تستخدم إضاءة عالية ومارس نشاطًا هادئًا مثل القراءة أو الاستماع لموسيقى هادئة، ثم عد إلى النوم عندما تصبح مستعدًا له.
لكل شخص نمط نوم مختلف، لذا لا تسمح لأي شخص بالتنمر عليك وترهيبك وإخبارك أنه يجب عليك أن تقوم بهذا أو ذاك
مؤخرًا، بدأ الناس يلجأون إلى تطبيقات لمراقبة وربما التحكم في نومهم، لكن هذه التطبيقات مصدر للمعلومات المضللة، فهي تأتي في أشكال مختلفة، لكنها بشكل عام تقيس مزيج من معدل الحركة والصوت ونبضات القلب ومعدل التنفس ودرجة الحرارة.
قد تكون هذه التطبيقات مفيدة في إخبارك متى تذهب إلى النوم تقريبًا وكم مرة تستيقظ في أثناء الليل وساعات نومك الإجمالية، هذه البيانات تمتزج بعد ذلك بشكل من أشكال الخوارزميات لاستخلاص ما يُسمى بـ”معدل النوم”.
لكن قياس مراحل النوم المختلفة (مثل REM وNREM) أو جودة النوم أمر يصعب تقييمه، وبالتالي فهذه التطبيقات قد تكون مضللة، لم يحصل أي تطبيق نوم على موافقة أكاديميات النوم الوطنية أو متخصصي النوم، لذا لا تأخذهم على محمل الجد وبالطبع لا تقلق بشأن معدل النوم الضعيف.
بالنظر إلى كل هذه الفوائد، ما زلت ترغب في معرفة إذا ما كنت تحصل على نوم كاف أم لا، حسنًا هذا ليس أمرًا صعبًا، إذا كنت تشعر أنك تستطيع القيام بكل ما تحتاجه خلال اليوم دون تعب ملحوظ فأنت بخير غالبًا.
من ناحية أخرى، إذا كنت تعتمد على شخص آخر لإيقاظك أو تستيقظ متأخرًا في أيام العطلات، وإذا كنت تستغرق وقتًا طويلًا للاستيقاظ والشعور بالنشاط، وإذا كنت تشعر بالنعاس والغضب السريع في أثناء اليوم وتحتاج إلى قيلولة وسط اليوم وتحتاج إلى تناول مشروبات منبهة أو غنية بالسكر، فهذا يشير غالبًا إلى أنك لا تعطي أولوية للنوم الجيد بشكل كاف.
والأهم من ذلك، إذا رأت عائلتك وأصدقاؤك وزملاؤك في العمل أنك أصبحت سريع الغضب ومندفعًا أو تعاني من انخفاض الإنتاج وزيادة القلق وتقلب المزاج والاكتئاب، فالحاجة إلى النوم مسؤولة جزئيًا عن ذلك، وربما تحتاج إلى اتخاذ خطوات جادة مثل تناول طعام صحي وممارسة الرياضة وغيرهما من الطرق المناسبة للحد من التوتر حتى تحصل على نوم أفضل.
لكن تذكر أن النوم عملية فعالة ولكل شخص نمط نوم مختلف، لذا لا تسمح لأي شخص بالتنمر عليك وترهيبك وإخبارك أنه يجب عليك أن تقوم بهذا أو ذاك، نومك مِلك لك فافهمه واحتضنه وقبل كل ذلك استمتع به.
المصدر: الغارديان