أسدلت الكويت الستار على انتخابات المجلس البلدي في الفصل التشريعي الثالث عشر، التي جرت السبت 21 مايو/أيار الحاليّ، وأسفرت عن انتخاب 10 مرشحين من بين 36 مرشحًا في 8 دوائر انتخابية بها 443 لجنة موزعة على 76 مدرسة، فيما بلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت 438 ألفًا و283 ما بين الذكور والإناث حسب كشوفات الناخبين لسنة 2021.
تأتي الانتخابات في وقت سياسي حساس على المستوى الداخلي، حيث الأزمة العاصفة بين الحكومة والبرلمان، وبعد أسبوعين تقريبًا من تقديم رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد ووزراء حكومته استقالتهم، كما أنها تأتي قبل 24 ساعة فقط من تصويت مجلس الأمة (البرلمان) على طلب بعدم التعاون مع الحكومة.
لم يفرض الماراثون الانتخابي نفسه – رغم أهميته – على دائرة اهتمام الشارع الكويتي، فضلًا عن الشارع العربي، فقد جرت الأمور في هدوء تام، رغم سهام النقد المتعددة التي وجهت للمجلس، سواء فيما يتعلق بهيكله وتشكيله أم الصلاحيات الممنوحة له رغم الدور المنوط به دستوريًا.
ويعد المجلس البلدي الكويتي الذي نشأ عام 1962 أول ممارسة ديمقراطية تشهدها البلاد بعد إنشاء بلدية الكويت 1930، ويختص برسم السياسات العامة للبلدية وتخطيط وتشريع ومراقبة أنشطة الدولة، فيما يتسم نشاطه في الغالب بالطابع الفني الاستشاري بعيدًا عن أي نشاطات سياسية.
بلا ضجيج
من المقرر أن يتم تعيين 6 أعضاء جدد خلال 15 يومًا من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات وفق أحكام القانون 35 لسنة 1962 التي تشير إلى تآلف المجلس البلدي من 16 عضوًا، 10 بالانتخاب و6 بالتعيين، كما تجب دعوة المجلس الجديد إلى الانعقاد خلال أسبوعين من تاريخ صدور مرسوم الأعضاء المعينين وتكون الدعوة إلى انعقاد الجلسة الأولى للمجلس بقرار من الوزير.
اتسمت الانتخابات بغياب عناصر التشويق والمنافسة القوية كما هو الحال في معظم الاستحقاقات، فقد جرت في أجواء هادئة للغاية، لا ضجيج ولا همهمات المتنافسين، كما غابت بشكل كبير حملات الدعاية التقليدية، لتكون العلاقات الشخصية الورقة الأبرز للحصول على الأصوات داخل صناديق الاقتراع.
المدير العام للبلدية أحمد المنفوحي، كشف عن استعداد كل الأجهزة الحكومية في الكويت لإخراج ما أسماه “العرس الديمقراطي” بهذا الشكل، “لاسيما أن المجلس البلدي في الكويت من أقدم الديمقراطيات في المنطقة” وفق تصريحات له بالأمس خلال جولته التفقدية لإحدى اللجان الانتخابية، منوهًا أن بلدية الكويت استعدت بشكل جيد لهذا الحدث عبر ترخيص المقار الانتخابية وتوفيرها وضمانات الأمن والحماية وغيرها من المتطلبات التي توفر أجواءً مناسبةً لعملية الاقتراع.
فيما يرى المرشح عن الدائرة الثامنة في الانتخابات عبد الله الهذال أن أهمية تلك الانتخابات تكمن في التعبير عن رغبة الشعب في تحقيق التنمية، مضيفًا في تصريحات صحفية له أنها تعد انعكاسًا مباشرًا للمشهد السياسي “فرغبة الشعب في تغيير النمط التقليدي رسالة مهمة لتحقيق الرؤى عن طريق الشباب الواعي المتعلم، الذي سيعكس الرغبة الحقيقية في الإنجاز، ورسالة لأصحاب القرار بأن الكويت تملك العناصر البشرية الوطنية الماهرة، وكذلك تملك الموارد والمراكز الاقتصادية القوية، التي تحتاج إلى العمل الجاد لتوظيفها وإنفاقها في الطريق الصحيح” على حد قوله.
وعلى المستوى الرسمي أشاد أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، في بيان نشرته الوكالة الرسمية (كونا)، بالعملية الانتخابية والأجواء التي جرت خلالها قائلًا: “أثمن ما تحلى به المواطنون الكرام من وعي كبير تجسد في التزامهم باللوائح والتعليمات خلال عملية الاقتراع، ما عكس الوجه الحضاري لدولة الكويت”.
ويعول البعض على المجلس البلدي في تشكيلته الجديدة في إنجاز المهام الموكلة إليه في ظل الظروف والمستجدات الأخيرة التي فرضت العديد من التحديات، أسوة بما كان عليه المجلس السابق الذي أصدر خلال دورته الأخيرة قرابة 1189 قرارًا في 75 جلسة رئيسية، على مدار أربعة أعوام، من أبرزها: اعتماد المخطط الهيكلي المعدل لمشروع مدينة صباح السالم الجامعية، والموافقة على طلب الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
لا اتابع #انتخابات_البلدي ولكن على جميع من يشارك وضع الوطن نصب عينية ويبتعد عن الطائفية والعشائرية والفئوية فهي تهدم ولا تبني الوطن،
الكويت هي طائفتك??
الكويت هي عائلتك??
الكويت هي عشيرتك وقبيلتك??
?يرجى التأكد أن من تصوت له ليس فاسد او
من اتباع المرياع!#رحيل_مرزوق_مطلب_شعبي
— Salwa Saeed?? (@Salwa_S_Sa) May 17, 2022
بلا نساء
“مجلس بلا نساء”.. كان هذا الشعار هو الأبرز للمجلس البلدي الكويتي على مدار سنواته الطويلة، فمنذ تدشينه لم تسفر الانتخابات عن فوز أي مرشحة بعضوية المجلس، وجاءت المشاركات المحدودة عبر التعيين، ففي المرة الأولى في 2005 تم تعيين سيدتين، هما الوكيل المساعد بالديوان الأميري المهندسة فاطمة الصباح والمهندسة فوزية البحر، الأمر كذلك في 2009 حين تم تعيين المهندسات أشواق المضف وجنان بوشهري ومنى بورسلي، وفي مجلس 2018 تم تعيين مها البغلي.
وفي الانتخابات التي جرت مؤخرًا، لم تتقدم إلا امرأة واحدة فقط، هي زينب الحساوي، وسط عزوف غير مسبوق للمشاركة النسائية حتى على مستوى الانتخاب، فيما يعول آخرون على الأسماء الست المقترح تعيينها من أجل التمثيل النسوي داخل المجلس وهو ما أثار الكثير من التساؤلات.
وفي تعليقها على تلك الظاهرة، قالت الحساوي: “عدد الرجال الناخبين أعلى بكثير من النساء، لكن هذا ليس مهمًا، الأهم هو أن نقدم الأفضل للكويت، فدور المرأة مساند لدور الرجل، وكلاهما معًا في العمل سيقدمان الأفضل”، بحسب تصريحاتها لصحيفة “الجريدة” المحلية الكويتية.
وفي ذات الصحيفة حملت بعض الناخبات الرجال مسؤولية هذا العزوف، فقالت إحداهن إن الرجال يمنعون زوجاتهم من الترشح لضمان فوز الرجال بالمقاعد، كما أنهم يمنعونهن كذلك من التصويت لأي امرأة تترشح، منوهة أن المجتمع الكويتي ما زال يعاني من أزمة ثقة إزاء قدرات المرأة في مجال العمل العام.
الكويت أولا وأخيراً
??✌???✌???#انتخابات_المجلس_البلدي #انتخابات_البلدي#الكويت#بلدي2022#انتخابات_البلدي2022#الدائرة_الثالثة pic.twitter.com/5QMEVTMgNe
— Eng.H!nd Abdulaziz (@Eng_Hind3) May 21, 2022
صلاحيات منزوعة الدسم
يعاني المجلس البلدي الكويتي من حزمة من العراقيل التي يعتبرها البعض حجر عثرة أمام الأدوار المنوط به القيام بها وتمنحه – نظريًا – ريادة المؤسسات الوطنية التنفيذية في ضوء دوره القوي في دعم مخططات التنمية، لكنها سرعان ما تصطدم بالواقع الفعلي الذي يواجه انفصامًا حادًا بين ما يفترض أن يكون دستوريًا والمعاش ميدانيًا.
وبينما تمثل المجالس البلدية قيمة كبيرة لدى كل أنظمة وحكومات العالم، تفوق في كثير من الأحيان أدوار البرلمانات، كونها المسؤول الأقرب للشارع والأكثر اقترابًا من هموم ومشاكل المواطنين، والقائم فعليًا على تلبية طموحات الشعب ودعم مساراته التنموية، إلا أن الوضع في الكويت يعاني من بعض المشاكل، حيث تتقزم صلاحيات المجلس البلدي أمام الحكومة وتدخلاتها المستمرة التي جعلته مجلسًا منزوع الدسم.
وطيلة السنوات الماضية تصاعدت الأصوات التي تطالب بتحجيم التدخلات الحكومية في عمل ونشاط المجالس البلدية وأن يعاد النظر في قانونها العام بما يمنحها شيئًا من الاستقلالية والسيادة تستطيع من خلاله القيام بالمهام الموكلة إليها على أكمل وجه، بعيدًا عن التكبيل والقيود المفروضة عليها التي تحولها إلى كيان اعتباري هش.
لم تكن الحكومة وحدها المتورطة في تقزيم دور المجلس البلدي، فقد أدى ظهور المجلس التشريعي عام 1938 إلى الهيمنة على معظم صلاحيات المجلس، كذلك مجلس الإنشاء المشكل عام 1952 الذي ساهم هو الآخر في تقليص صلاحيات البلديات حتى اليوم رغم صدور قانون البلدية عام 1960 الذي أعاد بعض اختصاصات البلدية.
تحد آخر يقزم من صلاحيات المجلس يتعلق بمحدودية الموارد والإيرادات، فبحسب العضو السابق في المجلس البلدي، حمود العنزي، فإن مجلس بلدية الكويت فقير للغاية، فضلًا عن مواردها الضعيفة التي لا تتعدى رسم المظلات والطرق، مضيفًا “البلدية تكلف الدولة سنويًا نحو 200 مليون دينار، لكن الإيرادات لا تتجاوز 15%”.
وبعيدًا عن تلك التحديات والعراقيل يمني الشارع الكويتي نفسه بأن ينجح المجلس البلدي في دورته الجديدة وتشكيلته المختلفة في تحريك المياه الراكدة في المسارات التنموية بتفريعاتها المتعددة، في ضوء التحديات الإقليمية والدولية التي تفرض على الجميع الوفاء بالتزاماته الوطنية.. فهل ينجح المجلس في مهمته؟