هل يمكن لتعيينات الأسد العسكرية الجديدة أن تساعد في إعادة بناء نظامه؟
ترجمة وتحرير: نون بوست
على مر التاريخ، كان الجيش عماد النظام السوري، وأدت الحرب التي اندلعت في سنة 2011 إلى زيادة أهمية القوات المسلحة، على الرغم من تدهورها هيكليًّا. وفي ظل احتدام القتال في السنوات الأخيرة، سعى الرئيس بشار الأسد لإعادة تنظيم أجهزته الأمنية التي مزقتها الحرب، من خلال تشديد قبضته على الميليشيات غير النظامية وترقية جيل جديد من الضباط إلى الرتب العليا.
مما لا شك فيه أن الأسد يحتل صدارة التسلسل الهرمي العسكري؛ فهو شخصيًّا يشغل المناصب المشتركة للرئيس، والجنرال السوري الأعلى رتبة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن في الشهر الماضي؛ اختار الأسد اثنين من الجنرالات غير المعروفين لشغل المنصبين الرمزيين الثاني والثالث.
في 28 نيسان/ أبريل، أصدر الأسد مرسومًا بتعيين اللواء علي محمود عباس في المكتب المشترك لوزير الدفاع ونائب القائد الأعلى، خلفًا للواء علي عبد الله أيوب، الذي شغل هذا المنصب منذ سنة 2018.( انظر الجدول أدناه الذي يشرح رتب الضباط السوريين).
بعد يومين؛ رفع الأسد رتبة عباس لتتطابق مع رتبة سلفه، وأجرى تعيينًا مهمًا آخر من خلال تنصيب اللواء عبد الكريم إبراهيم كرئيس للأركان العامة، وهو المنصب الذي تُرِكَ شاغرًا لمدة أربع سنوات.
تتسم النخبة العسكرية السورية بطابع غامض من خلال التكتم على كل نشاطاتها، لكن لا يزال من الممكن استخلاص بعض المعلومات من هذه التعيينات. منذ سبعينيات القرن الماضي، قام نظام الأسد – في البداية تحت حكم حافظ الأسد ثم في عهد نجله بشار – بتشكيل كبار الضباط في الجيش وفقًا لنمط معين من خلال تحقيق التوازن بين الطوائف الدينية في المناصب العليا لأسباب سياسية.
يبدو أن هذا النمط يفسر سبب تفضيل عباس على العديد من كبار الضباط الآخرين. وعلى الرغم من أن رئيس الأركان لم يكن أبدًا محوريًا بالنسبة للجيش السوري كما قد يكون في القوات المسلحة للدول الأخرى، إلا أن تعليقه لمدة أربع سنوات كان غير طبيعي بشكل واضح، وهو ما يكشف تأثير الحرب الأهلية التي دامت 11 سنة على نظام بشار. في المقابل؛ من المحتمل أن إعادة تنشيط منصب رئيس الأركان الشهر الماضي سيسهل الجهود المتجددة لإعادة التنظيم العسكري؛ حيث يعمل بشار على توحيد نظامه وتحقيق الاستقرار فيه.
رتب الضباط المفوضين السوريين |
|
الجنرال |
الفريق( مخصصة للرئيس) |
لواء من الدرجة الأولى |
عماد أول( غير مستخدم) |
الملازم الجنرال |
عماد |
لواء |
لواء |
العميد |
عميد |
الكولونيل |
عقيد |
العقيد الملازم |
مقدم |
رائد |
رائد |
كابتن |
نقيب |
ملازم درجة أولى |
ملازم أول |
ملازم |
ملازم |
عصر حافظ
لم يقم نظام الأسد أبدًا على ديكتاتورية عسكرية، بمعنى أن القوات المسلحة كمؤسسة لم تحكم البلاد بشكل مباشر. لكن حافظ الأسد، والد بشار، الذي حكم سوريا من 1970 إلى 2000، كان ضابطًا محترفًا في القوات الجوية شغل منصب وزير الدفاع قبل الاستيلاء على السلطة بعد تدبير انقلاب، وأمضى حافظ، الانتهازي والماكر، معظم فترة حكمه التي استمرت ثلاثين عامًا في مقاومة النظام، وحرض قادة الأمن ضد بعضهم البعض وملأ فيلق الضباط بأفراد من عائلته ومن طائفة الأقلية الدينية العلوية.
لكن بهامش كبير، ينتمي معظم السوريين إلى العقيدة المسلمة السنية، التي سيطر أتباعها تاريخيًّا على البلاد، ما جعل التوتر الاجتماعي الذي أحدثته شخصية النظام من الضروري أن يعين حافظ شخصيات سنية في مناصب عليا، كوسيلة لإظهار التنوع الطائفي، وإرضاء الجماهير المحافظة دينيًّا في سوريا، وتمكين الرجال الأقوياء المخلصين القادرين على جذب أتباع من السنّة إلى مدار النظام. وبهذه الطريقة؛ يضمن حافظ أنه على الرغم من أن العلويين يهيمنون على المراتب العليا، إلا أن نظامه يحتفظ ببعض الجاذبية الطائفية.
في المؤسسات المدنية، كان من السهل القيام بذلك؛ فقد ألقى حزب البعث التابع لحافظ بظلاله على شبكة واسعة عبر المجتمع، وتم تعيين مئات الآلاف من السوريين من جميع الأديان كموظفين مدنيين في أجهزة الدولة البيروقراطية المتضخمة بشكل متزايد؛ كما حرص الرئيس على اختيار السنة دائمًا للمناصب العليا مثل رئيس الوزراء ووزير الخارجية ونائبيه في حزبه. لكن القوة الحقيقية تكمن في الجهاز الأمني وفي سلك الضباط؛ حيث كان تمثيل الطائفة السنية ضعيفًا.
وحاول حافظ تعويض هذا التمثيل الضعيف عن طريق حجز بعض وظائف القيادية العليا بشكل غير رسمي للضباط السنة، دون التقليل من التمثيل المفرط للعلويين داخل “الدولة العميقة” في سوريا. على سبيل المثال؛ على الرغم من أن معظم الوظائف العسكرية العليا كانت من نصيب الضباط العلويين، إلا أن السنة يميلون إلى أن يتم اختيارهم لشغل مناصب أمنية مدنية، مثل مديري إدارة المخابرات العامة، ومديرية الأمن السياسي، ومكتب الأمن القومي التابع لحزب البعث. لكن حجر الزاوية في إستراتيجية الأسد كانت مناصب وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة للجيش – وهما وظيفتان أمنيتان مرموقتان وظاهرتان للشعب في البلاد – وكلاهما كان يشغلهما مقربون من المسلمين السنة.
طوال فترة حكم حافظ الأسد تقريبًا، كانت وزارة الدفاع تحت سيطرة العماد الأول مصطفى طلاس (1932-2017)، بينما شغل العماد حكمت الشهابي (1931-2013) منصب رئيس هيئة الأركان الذي تم إحالته للتقاعد في النهاية في عام 1998، ليمهد الطريق لخلافة بشار للرئاسة بعد ذلك بسنتين. ظل طلاس في منصبه لتسهيل عملية انتقال السلطة من الأب إلى الابن، ولم يتنحى عن منصبه إلا في سنة 2004. واستمر العديد من أقارب طلاس في تولي مناصب عليا في النظام، على الرغم من تطهير معظمهم عندما توترت العلاقة بين الأسد وطلاس في كانون الأول/ديسمبر 2011.
على الصعيد المؤسسي؛ شغل طلاس والشهابي مناصب حاسمة في صلب القوات المسلحة السورية، لكن تأثيرهما العسكري والسياسي كان محدودًا أكثر مما توحي به ألقابهما. في ساحة المعركة، كان العديد من القادة العسكريين يتجاوزون التسلسل الهرمي على الورق ليقدموا تقاريرهم مباشرة إلى الأسد؛ حيث كانت السياسة الداخلية للنظام تتعلق بالنفوذ الشخصي ومدى القرب من الرئيس أكثر من ارتباطها بالمناصب الرسمية.
وعلى الرغم من أن طلاس كان شخصية عامة معروفة، وتحصل على العديد من المناصب والألقاب، ويحظى ببعض النفوذ الحقيقي، إلا أنه كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه شخصية صورية طوال معظم حياته المهنية، فيما بدا الشهابي وكأنه سياسي محنك؛ حيث عمل في قضايا حساسة مثل لبنان ومحادثات السلام بين سوريا وإسرائيل، لكنه كان بحاجة إلى دعم الأسد الشخصي لممارسة السلطة داخل النخبة العسكرية التي يهيمن عليها الضباط العلويون الذين غالبًا ما كانت تربطهم علاقة بالعائلة الحاكمة عن طريق الدم أو الزواج.
وزراء الدفاع في عهد الأسد |
|||
الطائفة |
الأصول |
||
1972-1970 |
يوسف شكور |
مسيحي من الروم الأرثوذكس |
حمص |
2004-1972 |
مصطفى طلاس |
مسلم سني |
حمص |
2009-2004 |
حسن تركماني |
مسلم سني |
حلب |
2011-2009 |
على حبيب |
علوي |
طرطوس |
2012-1011 |
داود راجحة |
مسيحي من الروم الأرثوذكس |
دمشق |
2018-2012 |
فهد جاسم الفريج |
مسلم سني |
حماة |
2022-2018 |
علي عبدالله أيوب |
علوي |
اللاذقية |
2022- |
على محمود عباس |
مسلم سني |
ريف دمشق |
رؤساء الأركان في عهد آل الأسد |
|||
مسقط الرأس |
المذهب |
||
حمص |
مسلم سني |
مصطفى طلاس |
1968–1972 |
حمص |
مسيحي أرثوذوكسي |
يوسف شقور |
1972–1974 |
حلب |
مسلم سني |
حكمت الشهابي |
1974–1998 |
اللاذقية |
علوي |
علي أصلان |
1998–2002 |
حلب |
مسلم سني |
حسن تركماني |
2002–2004 |
طرطوس |
علوي |
علي حبيب |
2004–2009 |
دمشق |
مسيحي أرثوذوكسي |
داوود راجحة |
2009–2011 |
حماة |
مسلم سني |
فهد جاسم الفريج |
2011–2012 |
اللاذقية |
علوي |
علي عبدالله أيوب |
2012–2018 |
شاغر |
2018 –2022 شاغر شاغر |
||
طرطوس |
علوي |
عبدالكريم إيراهيم |
2022– |
تسلسل منظم للتوريث؟
مع وصوله إلى السلطة في صيف عام 2000، حرص بشار الأسد على الحفاظ على الهيكل الأساسي للنظام الذي أسسه والده، بما في ذلك التفاوتات الطائفية المتأصلة في مؤسساته العسكرية والأمنية. ولكن لن يستمر كل شيء كما كان من قبل؛ كان وصول بشار يعني الإطاحة بالعديد من المقربين من حافظ المسنين الذي بشّر بنهاية العصر الذي كانت فيه المناصب العليا تهيمن مدى الحياة.
من دون إضفاء الطابع الرسمي على الأمر أو جعله قاعدة صارمة، اتجه الرئيس الجديد على ما يبدو إلى سياسة التعيينات العسكرية المحدودة زمنيًّا والقائمة على الأقدمية إلى حد ما، مما سمح بظهور مسار وظيفي موحد لوظائف الضباط الكبار في سوريا.
منذ استقالة طلاس، تم تعيين وزراء الدفاع السوريين مباشرة من منصب رئيس الأركان العامة. وليصبحوا رؤساءً للأركان كان عليهم أولاً قضاء بضع سنوات كنواب لرئيس الأركان؛ وهو ما أصبح أسهل بسبب حقيقة وجود أكثر من نائب واحد.
بنى هذا النظام تسلسلًا منطقيًّا من المرتبة الرابعة في التسلسل الهرمي الرسمي (نائب رئيس الأركان)، إلى المرتبة الثالثة (رئيس الأركان)، وأخيراً المرتبة الثانية (وزير الدفاع ونائب القائد الأعلى).
ومن ناحية الرتبة؛ تمتع نواب رؤساء الأركان برتبة لواء، بينما بقي المنصبين الأعلى برتبة فريق، وهي عمليًّا أعلى رتبة يمكن أن يتطلع إليها ضابط سوري. (توجد رتبتان أعلى، لكن أحداهما غير مستخدمة منذ أيام طلاس، والأخرى مخصصة للرئيس).
سواء كان ذلك عن قصد أو إعداد مسبق، فإن المبادئ الجديدة للتعاقب شبه المنتظم على هذه المناصب العليا الرمزية تعني أن الضباط غير السنة جاؤوا ليشغلوها في بعض الأحيان حيث أصبح شغل هذه المناصب من قبل الضباط غير السنة أكثر شيوعًا بعد ثورة 2011 بعدما انشق العديد من الضباط السنة أو تمت تصفيتهم بسبب الاشتباه في عدم ولائهم، مما أدى إلى تقليص مجموعة صغيرة بالفعل من كبار ضباط الأقليات.
عندما ترك طلاس منصبه عام 2004، خلفه الفريق حسن تركماني، وهو مسلم سني من حلب كان يشغل آنذاك منصب رئيس الأركان، وترك تركماني منصبه في عام 2009 وتولى خليفته رئيس للأركان العامة الفريق علي حبيب مهام الوزارة، والذي كان محاربًا مخضرمًا وعسكريًّا قويًّا، ولأول مرة في عهد عائلة الأسد، كان أول علوي يشغل هذا المنصب، وترك الفريق علي حبيب منصبه بعد وقت قصير من بدء الثورة المناهضة للنظام سنة 2011؛ حيث عزت وسائل الإعلام الحكومية استقالته إلى أسباب صحية، وكان بديله الفريق داود راجحة، وهو مسيحي ومن أندر الرتب العسكرية العليا.
في غضون سنة، لقي راجحة مصرعه في تفجير مما مهد الطريق لتقدم الفريق الركن فهد جاسم الفريج إلى منصب وزير الدفاع، وينحدر الفريج من عشيرة بدوية في وسط سوريا، وشكل تعيينه عودة المنصب إلى مسلم سني بعد سيطرة حبيب وراجحة التي دامت ثلاث سنوات. لكن تمت الإطاحة بالفريج في تعديل حكومي عام 2018 وسط تناقل إشاعات عن فساد أسوأ من المعتاد أو بسبب بعض الفوضى السياسية، ثم انتقلت المسؤولية إلى علي عبد الله أيوب، علوي آخر. ومنذ ذلك الحين بدأت الأمور تتخذ منحى غريبًا بعض الشيء.
فعندما استلم أيوب مهامه كوزير للدفاع، لم يعين الأسد أبدًا خلفاً له كرئيس للأركان العامة. ما بدا وكأنه تأجيل لا أهمية له والذي أصبح محيرًا في نهاية المطاف وأثار دهشة الكثيرين عندما اضطر أيوب، كوزير للدفاع، إلى تمثيل الجانب السوري في اجتماعات على مستوى رؤساء الأركان الدولية بسبب عدم وجود رئيس فعلي لهيئة الأركان العامة. مع مرور السنين؛ واصل الأسد تعيين نواب لرؤساء الأركان، لكن لسبب غير مفهوم لم يتخذ أي خطوة لملء المقعد الشاغر لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة.
وفي 28 آذار/ أبريل من هذه السنة، عين الأسد علي محمود عباس، الذي كان نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة، وزيرًا جديدًا للدفاع، جاء هذا التوقيت من خلال حقيقة أن أيوب دخل عامه السبعين في 28 آذار/أبريل، وتمت إحالته إلى التقاعد. بعد ذلك بيومين؛ عيّن الأسد أخيرًا – وبدون تفسير – عبد الكريم إبراهيم رئيسًا جديدًا لهيئة الأركان العامة في سوريا، شاغلاً هذا المنصب لأول مرة منذ أربع سنوات.
عباس وإبراهيم وحسن
ولد وزير الدفاع السوري الجديد علي محمود عباس سنة 1964 في بلدة إفرة، وهي بلدة سنية صغيرة في منطقة وادي بردى غربي دمشق، ورغم أن اسمه يحمل طابعًا علويًّا شيعيًّا، لكن جميع المعلومات المتاحة تشير إلى أنه من أصول سنية.
وتفيد السيرة الذاتية لوزير الدفاع عباس إنه انضم إلى الأكاديمية العسكرية في حمص سنة 1983 وتخرج بعد ذلك بعامين كقائد للمدرعات، وتتجاهل سيرته الذاتية معظم حياته المهنية، على الرغم من أنها تشير إلى أنه تلقى مجموعة متنوعة من الدورات والبرامج التعليمية في باكستان والمملكة المتحدة والسويد وهولندا بين سنتي 1997 و2006، مما يجعله على الأرجح أول وزير دفاع سوري مدرب على يد الغرب يخدم تحت حكم الأسد.
ومع ذلك؛ لا يوجد سجل لقيادة عباس لأي وحدة عسكرية كبيرة، ولم يتم العثور على اسمه في قوائم العقوبات الأمريكية أو الأوروبية، كما هو الحال بالنسبة لكبار الضباط ذوي النفوذ على مستوى الأرض.
من المحتمل أن عباس، مثل العديد من كبار الضباط السنة، قد اقتصرت مهامهم على الأدوار غير الميدانية في المقام الأول، مثل التعليم العسكري والبحث الأكاديمي والإمداد اللوجيستي والإشراف. في الواقع، في سنة 2017؛ ظهر في إحدى الصحف الرسمية السورية كرئيس للمعهد العسكري للغات الأجنبية. في حين أنه لا حرج في التدريب اللغوي، فمن غير المرجح أن تكون وظيفة مكتبية من هذا النوع قد حظيت باحترام كبير لعباس داخل سلك الضباط المصابين بسبب سنوات الحرب الشرسة لقمع الثورة. (التقارير التي تزعم أن عباس قاد اشتباكًا فاشلًا سنة 2016 مع الثوار في تل صوان في منطقة الغوطة وأصيب أثناؤه تبدو تقارير خاطئة وهي تشير إلى ضابط آخر يحمل نفس الاسم).
على الرغم من هذه المسيرة الفقيرة على ما يبدو، فقد تمت ترقية عباس إلى رتبة لواء سنة 2018. وبعد ثلاث سنوات تم تعيينه نائبًا لرئيس الأركان، مما جعله الشهر الماضي وزيرًا للدفاع وترقيته لاحقًا إلى رتبة فريق.
سرعان ما أثارت مسيرة عباس غير الملهمة ورتبته المنخفضة نسبيًا الدهشة بين مراقبي الجيش السوري؛ حيث قال محمد الفتيح، الباحث السوري في شؤون الشرق الأوسط: “إن اختيار لواء ليكون وزيرًا للدفاع أمر مثير للاهتمام لأنه ربما يكون هناك مائة ضابط من نفس رتبته وكثير منهم شغلوا الرتبة لفترة أطول منه”.
وهناك الكثير من المعلومات المجهولة عن رئيس الأركان الجديد، عبد الكريم إبراهيم، الذي – ومن غير المألوف – لم يتم الكشف عن سيرة ذاتية رسمية له، فيما تزعم وسائل إعلام وباحثون مؤيدون للمعارضة أنه من قرية أرزونة الواقعة غربي تل كلخ قرب الحدود اللبنانية. وإذا كان هذا صحيحًا، فهذا يعني أنه من المحتمل أن يكون علويًّا، كما يمكن أن تشير ندرة المعلومات حول ماضي إبراهيم إلى أنه خدم في الأجهزة الأمنية السورية والتي لا تفصح أبدًا بشأن عملياتها مقارنة بالجيش. ومثل عباس، لا يظهر اسم إبراهيم في قوائم العقوبات الأمريكية أو الأوروبية.
ووفقًا لوسائل التواصل الاجتماعي الموالية للأسد ومسؤول في حزب البعث والعديد من الصحف الإلكترونية التابعة للمعارضة، أجرى الأسد أيضًا تغييرات أخرى غير معلنة على هيكل القيادة، فالجدير بالذكر أنه عين اللواء مفيد حسن نائبًا جديدًا لرئيس هيئة الأركان العامة، ومن المرجح أن يشغل المنصب الذي كان يشغله عباس سابقًا. وعلى عكس عباس وإبراهيم، من المعروف أن حسن، وهو علوي ينحدرمن منطقة عائلة الأسد، قد تولى العديد من القيادات العسكرية المهمة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك كرئيس للفرقة الميكانيكية الخامسة، وكرئيس للفيلق الأول الذي يغطي جنوب سوريا منذ سنة 2022، حيث يقول الفتيح أن حسن قد يكون في الواقع الأقوى بين الجنرالات الثلاثة.
نظرة إلى المستقبل
الجهاز العسكري – الأمني في سوريا سري بقدر ما هو معقد، لكن يبدو أن هناك شيئين واضحين:
أولاً: خلقت فوضى الحرب الأهلية السورية شرخًا في نظام تداول السلطة التقليدي خطوة بخطوة الذي نفذه بشار الأسد في وقت مبكر من عهده، والذي أصبح واضحًا بمجرد مغادرة أيوب لهيئة الأركان العامة في عام 2018. ومن خلال إعادة كامل التسلسل الإداري للمناصب العليا، قد يكون الأسد يضع الأسس للعودة إلى ترتيب منتظم للترقية.
ثانيًا: كان من شبه المؤكد أن تعيين عباس وزيرًا جديدًا للدفاع في سوريا كان مرتبطًا بخلفيته الدينية. سواء على المدى الطويل أو المؤقت، أعاد التعيين ترميم ممارسات عهد حافظ المتمثلة في إبقاء المسلم السني على رأس وزارة الدفاع، فلا توجد طريقة أخرى واضحة لتفسير ترقية عباس السريعة إلى الأعلى في السنوات الأخيرة، متجاوزًا لزملائه العلويين السابقين الذين أدت أقدميتهم وإنجازاتهم إلى إحباط سيرته الذاتية الهزيلة.
ومن المؤكد أن اختيار عباس قد يكون متأثرًا أيضًا بعوامل أخرى، بما أنه لم يكن الضابط السني الوحيد المتاح للأسد عندما بدأ صعوده قبل بضع سنوات. (على سبيل المثال، سبقه إلى منصب نائب رئيس الأركان اللواء موفق أسعد، وهو ضابط سنّي آخر من منطقة دمشق). أحد الاحتمالات هو أن لعباس علاقات مع مجموعة مميزة من الضباط والرجال الأقوياء، وأن تعيينه كان مرتبطًا بالتوازن بين الفصائل الإقليمية داخل النظام. ولكن إذا كان هذا هو الحال، فمن غير المرجح إطلاقًا أن تظهر التفاصيل في الرأي العام.
هناك أيضا قضية التأثير الخارجي؛ حيث تميل مصادر المعارضة الغربية والعربية والسورية إلى المبالغة في مدى النفوذ الروسي والإيراني على نظام الأسد، بهدف الاستخفاف بالزعيم السوري باعتباره لعبة في أيدي لاعبي الدمى الأجانب. ومع ذلك؛ هناك القليل من الأدلة الموثوقة التي تدعم هذا الرأي. وعلى الرغم من أن الأسد يعتمد بشكل كبير على حلفائه الأجانب ويسعى إلى إرضائهم من خلال تصريحات السياسة الخارجية المتعاطفة والتنازلات الاقتصادية، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى تخليه عن السيطرة على الشؤون الداخلية للنظام إلى صديق أو عدو.
ورغم ذلك؛ فليس من المستبعد أن نفترض أن الضباط السوريين الذين يتطلعون إلى الترقية الوظيفية سوف يعتمدون على شركاء أجانب لتقديم كلمة طيبة عنهم مع رئيسهم. ويشير الفتيح إلى أن تعيين عباس قد يكون على العكس طريقة للأسد بالرد على الافتراضات الروسية والإيرانية؛ مبينًا أنه من خلال فرض أي شخص مرن، يمكن للرئيس أن “يُظهر أن لديه خيارات أخرى ويمكنه استبدال أي شخص”. كما هو الحال مع كل شيء آخر يتعلق بالجيش السوري، وعلى كلٍ من الصعب تجاوز التكهنات.
باختصار؛ سيكون من شبه المؤكد أن يكون عباس وزيرًا ضعيفًا للدفاع. فبرغم قلة المعلومات؛ يبدو أنه لا يمتلك أيًا من السمات المرتبطة تقليديًّا بالسلطة في النخبة الأمنية السورية، لكن أن تكون زعيمًا قويًّا ومؤثرًا فهذا من النادر جدًّا ما كان عليه دائمًا منصب وزير الدفاع في نظام الأسد. في كثير من الأحيان كانت مهمة الوزير هي التوقيع على الأوراق، وحضور الاحتفالات، والمساعدة في إخفاء التركيبة الطائفية غير المتوازنة لضباط الضباط السوريين؛ وبهذا المعنى، يمكن أن يكون عباس هو الرجل الوحيد المناسب لهذه الوظيفة.
إعادة تنظيم الجيش
في النهاية، قد تكون هوية الرجال الذين عينهم الأسد الشهر الماضي أقل أهمية من حقيقة أن المؤسسة العسكرية السورية بدأت تستعيد شكلها المألوف، ومهما كانت أسباب الشغور لمدة أربع سنوات في منصب رئيس الأركان العامة، فإن إعادة التسلسل الهرمي للأركان العامة السورية إلى حالتها الطبيعية قد تسهل جهود إعادة هيكلة القوات المسلحة.
خلال أكثر من عقد من الحرب؛ تحلل الكثير من الجيش السوري إلى خليط من الوحدات الرديئة والميليشيات المحلية والطائفية، وتم تجميع بعض هذه المجموعات المحلية في أطر أكبر، مثل قوات الدفاع الوطني، التي ترتبط بالجيش النظامي وتعتمد عليه دون أن تكون جزءًا منه، ولتكون انعكاسًا للطبيعة اللامركزية للتمرد، عمل الجيش وملحقاته من الميليشيات وحلفاؤهم الأجانب من خلال غرف عمليات مخصصة تم تنظيمها حسب اختصاصهم الوظيفي أو الإقليمي.
وبعد التدخل الروسي في عام 2015، والذي أدى إلى استقرار وضع الأسد وساعد قواته على استعادة السيطرة على معظم البلاد، بذلت الحكومة السورية جهودًا محدودة للإصلاح العسكري، فقد تم تسريح بعض الميليشيات وتم دمج بعضها في تشكيلات الجيش، حتى مع بقاء البعض الآخر منفصلاً عن الهيكل العسكري. لكن بشكل عام؛ لا يزال الجيش السوري مختلفًا تمامًا عن القوة التي كانت موجودة في عام 2011. إنه بالكاد يشبه القوة العسكرية التقليدية، ويبدو أنه غير مستعد لأي شيء يتجاوز الهجمات المحلية المحدودة وحملات مكافحة التمرد.
منذ حوالي عام 2018؛ ساعد الدعم العسكري والدبلوماسي الروسي في تجميد الحرب بشروط مواتية للحكومة السورية. نتيجة لذلك، تم تغيير ملكية القليل من الأراضي في السنوات الأخيرة، وكان الصراع راكدًا إلى حد كبير منذ سلسلة من المعارك المدمرة في شتاء وربيع 2019-2020/، وتواصل القوات العسكرية التركية والأمريكية العمل في الأجزاء غير الخاضعة لسيطرة الحكومة من سوريا، لكن الردع العسكري وصفقات عدم التضارب مع روسيا ضمنت أن يسود سلام فاتر غير معترف به في أغلب الأحيان. وعلى الرغم من احتمال اشتعال القتال مرة أخرى في مرحلة ما، إلا أن الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا كانت فعليًّا في حالة انتهاء الصراع لعدة سنوات. وطالما استمر هذا الوضع سيكون تركيز الأسد بطبيعة الحال على إعادة توطيد حكمه، بما في ذلك الإصلاحات العسكرية.
الأسد قد يختار الإبقاء على عباس في منصبه لمدة عقد أو أكثر، نظرًا لأنه يمنح الرئيس متسعًا من الوقت لإعادة تشكيل خط تداول السلطة
ويبدو أن التعيينات العسكرية في الشهر الماضي تنسجم مع هذا السياق، فإذا كان الأسد يأمل في إعادة تأسيس قوة مسلحة تقليدية من أعلى إلى أسفل قادرة على حرب دولة ضد دولة – حتى لو إلى درجة محدودة – فإنه يحتاج إلى إعادة بناء الوظائف المركزية مثل هيئة الأركان العامة؛ حيث إن وجود رئيس أركان مرة أخرى هو البداية، لكن تنظيف الدمار الذي خلقته الميليشيات على المستوى الميداني قد يكون مهمة أكثر صعوبة.
أما بالنسبة لتعيين رئيس الأركان، فإن الحقيقة الأكثر بروزًا حول الدور الجديد لإبراهيم هي ببساطة إجراء التعيين بحد ذاته، وأنهى فراغًا دام أربع سنوات في إحدى المؤسسات العسكرية الأساسية.
وقد يكون منصب رئيس الأركان الشاغر إجراء من الأسد لكسب الوقت حيث قام بترقية مجموعة جديدة من الضباط السنة المناسبين (بما في ذلك عباس) إلى الرتب العليا، لتعويض الانشقاقات والتصفيات في زمن الحرب، وكان من الممكن أيضًا أن يكون الغرض منه هو منع شخص معين من الوصول إلى هذه المناصب العليا، وتجميد الحركة الصعودية حتى تقوم عمليات النقل والتقاعد المرتبطة بالعمر بحل المشكلة.
الآن وعلى أي حال؛ يبدو أن إبراهيم سيصبح في طابور وزارة الدفاع بمجرد تقاعد عباس. إذا كانت المعلومات حول أصول إبراهيم صحيحة، فسيكون لدى سوريا وزير دفاع علوي مرة أخرى. (من غير الواضح أن حسن أيضًا سيخلف إبراهيم كرئيس للأركان؛ حيث يمكن أن يكون هناك أكثر من نائب واحد في أي وقت من الأوقات.) لكن الأسد قد يختار الإبقاء على عباس في منصبه لمدة عقد أو أكثر، نظرًا لأنه لا يزال في الثامنة والخمسين من عمره؛ أي أنه أصغر وزير دفاع منذ عقود، وسيؤدي القيام بذلك إلى منح الرئيس متسعًا من الوقت لإعادة تشكيل خط تداول السلطة، إذا كان يريد ترقية مرشح معين أو ضمان بقاء وزارة الدفاع تحت القيادة السنية.
المصدر: ذا سينشري فاونديشن