ترجمة وتحرير: نون بوست
تكشف آلاف الوثائق التي تعود للشرطة الصينية وتسلّمها أحد الباحثين وتداولتها فيما بعد وسائل إعلام دولية مرموقة، عن الهاجس الأمني في معسكرات الاعتقال الصينية المخصصة لأقلية الإيغور المسلمة.
ورد في هذه الوثائق أنه “في حال امتناع الطلاب عن تنفيذ التعليمات يطلق أفراد الشرطة المسلحة طلقات تحذيرية. وعدم استسلام الطلاب واستمرارهم في المقاومة أو محاولة الهروب أو الاستحواذ على أسلحة الضباط يجعلهم عرضة لإطلاق النار والمجازفة بحياتهم”. على هذا النحو تسير الأمور في مركز التدريب المهني المخصص للأقلية المسلمة في مقاطعة شوفو، وهي مقاطعة في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم أغلبية سكانها من قومية الإيغور.
هذه التعليمات الصادرة في سنة 2018، التي يُزعم أنها تهدف إلى القضاء على الفوضى وإفشال محاولات الهروب أثناء تلقي الدروس، اقتُطفت بعد قرصنة حوالي مئة ألف وثيقة تعود إلى الشرطة الصينية جزء كبير منها يتحدث عن جهود “التحول التعليمي” للأويغور أو احتجازهم بشكل جماعي من أجل “إعادة تأهيلهم” بحسب مفهوم الحزب الشيوعي الصيني.
سُلّمت “ملفات شرطة شينجيانغ” التي نشرت بتاريخ 24 أيار/ مايو الجاري إلى عالم الأنثروبولوجيا الألماني أدريان زينز من طرف مصدر رفض الحصول على مكافأة مقابل ذلك. وقد تولت 14 عشر وسيلة إعلام دولية النظر في مدى صحة هذه الوثائق. وتسلط هذه الوثائق جنبا إلى جنب مع الحقائق التي كشف عنها أدريان زينز والمنظمات غير الحكومية منذ سنة 2019 الضوء على القمع الذي تمارسه بكين ضد الأقلية المسلمة في هذه المنطقة.
تضم الوثائق المسربة آلاف الملفات الحاسوبية التي تعود إلى ما بين 2000 و2018، بالإضافة إلى دفاتر تحمل هويات أكثر من 20 ألف معتقل من الإيغور وتوجيهات لا حصر لها فضلا عن إحاطات وتقارير عمل الشرطة. وقد استُخرجت هذه الوثائق من الحواسيب التابعة لمكتب الأمن العام في منطقتي كوناشير شوفو في محافظة كاشغر وتيكيس في مقاطعة إيلي.
بلغة بيروقراطية مجردة، تكشف هذه الوثائق جرائم التنظيم المسلح والقسري داخل معسكرات “التدريب المهني” الجديدة وتؤكد تمركز قوات الشرطة هناك. من جانبه، يفسر الحزب الشيوعي الصيني ممارسات الأجهزة الأمنية بالرغبة في الحفاظ على استقرار شينجيانغ المهدد من طرف “الانفصاليين” المسلمين حسب مزاعمه.
أكد أدريان زينز في بحوثه التي نشرتها مجلة “الرابطة الأوروبية للدراسات الصينية” أن الملفات الداخلية لمقاطعة شوفو تحتوي على معلومات شخصية لحوالي 268 ألف شخص من سكان المنطقة، مما يعني أن ما بين 12.1 و12.5 بالمئة من البالغين الذين ينتمون إلى هذه الأقلية العرقية خضعوا لشكل من أشكال الاعتقال أو إعادة التأهيل أو الاحتجاز أو السجن في سنة 2018. ويضم “مركز التأهيل المهني” الجديد في مقاطعة شوفو 8 آلاف شخص، وقد وقع إنشاء سجّل يضم جميع بياناتهم الشخصية.
تجاوزت معدلات الاحتجاز التي نفذتها السلطات الصينية في حق الإيغور المعدلات المسجلة زمن حكم ستالين. وحسب البيانات الصادرة في سنة 2021، تبلغ معدلات احتجاز الإيغور ضعف معدل السجناء الصينيين بـ 64 مرة. نُشرت ولأول مرة حوالي خمسة آلاف صورة للأويغور المسجلين الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة و94 عاما أغلبهم من الفلاحين، التقطت خلال تواجدهم في مركز الشرطة أو مركز إعادة التأهيل بين كانون الثاني/ يناير وتموز/ يوليو 2018 في مقاطعة شوفو. ومن بين هؤلاء تم التعرف على 2884 معتقلا تتراوح أعمارهم بين 15 و73 عاما. وبسبب عدم التأكد من حصولهم على حريتهم، اختارت صحيفة “لوموند” عدم الكشف عن هويتهم من خلال تشويش صورهم.
الأمن المطلق
يعتقد رجل الأعمال عبد الرحمن حسن أن زوجته تورنسا البالغة من العمر 22 عامًا توفيت بعد أربعة أشهر من تواجدها في المعسكر سنة 2017. لكن اكتشفت شبكة “بي بي سي” البريطانية أنه تم التقاط صورة لتورنسا في مركز الشرطة في 23 شباط/ فبراير 2018، بعد الحكم عليها بالسجن لـ 16 بتهمة “تنظيم تجمعات تهدد النظام الاجتماعي” – وهي الحجة التي غالبا ما تتذرع بها السلطات الصينية لتبرير انتهاكاتها.
في تصريح لشبكة “بي بي سي” قال عبد الرحمن حسن إن “الصورة تظهر أنها تعرضت للإهانة. أخبرتني أجهزة الاستخبارات الصينية أكثر من مرة أن زوجتي توفيت. بسبب عدم الرغبة في اكتشاف العالم الطبيعة الحقيقية لتلك لمخيمات، وبدلا من إخباري بالحقيقة أخبروني أنها توفيت. عن طريق إخفاء الحقيقة، أرادوا إرهاقي نفسيا من أجل إرغامي على التوقف عن البحث”.
في 18 حزيران/ يونيو 2018، ألقى تشين تشوانغو سكرتير الحزب الشيوعي في شينجيانغ خطابا أمام أعضاء الحزب في مدينة أورومتشي مشيرًا إلى الهدف الذي يسعى لتحقيقه دون الفشل في ذلك وهو الحفاظ على أمن السجون ومراكز الاحتجاز ومراكز التأهيل المهني. في سنة 2017، أصدر تشوانغو أوامر تقتضي من ضباط الشرطة قتل أي شخص يحاول الفرار أو التمرد على النظام القائم هناك. وتقوم مهمته كحاكم على تحقيق أهداف أهمها إلقاء القبض على المشتبه بهم واحتجاز أي شخص يشكل خطرًا على المجتمع.
وفقًا للوثائق التي كشف عنها أدريان زينز بشأن حقيقة المعسكرات التي تعود لسنة 2018، لا يزال أمام السلطات الصينية الكثير من الإجراءات في سبيل تعزيز نظام الحجز. وصف المسؤول عن إعادة التأهيل في مقاطعة شوفو ميميتساليجان سيلي النشطاء الذين يطالبون باستقلال الإيغور بـ “الأوغاد “و”الخونة”. وقد أشرف على تشكيل “لواء شرطة التعليم والتدريب” الجديد الذي ضم ثلاث من كبار ضباط الشرطة وهم: جو وي، نائب رئيس اللواء ومساعده إيسكن تاش ونائب النقيب لي لونغ، الموكلين بتنظيم جميع الأمور مع الحفاظ على سرية ما يجري داخل المعسكر.
يشيد تشين تشوانغو “بالنهج الجديد” لمركز التدريب المهني الموجّه حسب قوله إلى “لضحايا” الدين الذين سوف يتعلمون هناك لغة الماندرين ويتلقون تدريبا مهنيا ويخضعون لمكافحة التطرف. لكن هوس تشوانغو بالأمن يؤدي في الواقع إلى معاملة هؤلاء الأشخاص مثل المجرمين الخطرين حسب ما توضحه “ملفات شرطة شينجيانغ”.
تشدد خطة تنفيذ محافظة إيلي، المؤرخة في 31 أغسطس/ آب سنة 2017، على أن تكبيل اليدين وتغطية الرأس أمر إجباري. وقد أكد هذه ممارسات بشكل خاص عمر بكالي، أحد الناجين من الإيغور الذي أدلى مؤخرًا بشهادته أمام الجمعية الوطنية في باريس.
في سنة 2021، أدلى وكيل متقاعد يدعى وانغ ليتشان بشهادته لصالح “محكمة الإيغور”، وهي مجموعة من المحامين وخبراء حقوق الإنسان الذين اجتمعوا في لندن، وأفاد بأنه تم تجنيد 150 ألف ضابط شرطة لإرساء جهاز الإكراه في شينجيانغ. وكما هو موضح في ورقة حول “الوظائف الجديدة لمركز شرطة مركز التدريب المهني في مقاطعة شوفو”، فإن مهام هؤلاء الضباط واسعة في خدمة “4 + 2” أي أن مهمتهم تتمثّل في “ضمان سلامة الطلاب بين الفصول الدراسية والتحدث معهم من خلال حصص علم النفس والإشراف على نظافتهم الشخصية فيما بتعلق بالاستحمام وقص الشعر والحلاقة) فضلا عن إجراء جولات والإشراف على الغرف والممرات ومساعدة المعلمين في عملهم ومساعدة مديري الطوابق ومساعدة الموظفين أثناء الزيارات الطبية وأخذ العينات البيولوجية”.
لم يتم تحديد النقطة الأخيرة في الوثيقة التي تحصلت عليها صحيفة “لوموند” ولكن في السنوات الأخيرة ورد في شهادات من اللاجئين الإيغور أنه كانت تؤخذ منهم عينات منتظمة من الحمض النووي والدم. يُشرف على هذه المراكز المكوّنة من أربعة طوابق شرطي واحد لكل عشرة معتقلين، وذلك حسب المعلومات الجديدة التي تحصلت عليها الصحيفة. ويوجد وحدة شرطة في كل طابق تتكون من ضباط من الأقليات العرقية مع مجموعة ما يسمى شعب الهان (التي تمثل الأغلبية العرقية في الصين) وأقسام متخصصة في الاستخبارات.
توضح العديد من وثائق برنامج باور بوينت بالتفصيل تكتيكات الشرطة التي يتم استخدامها – مثل استخدام الأصفاد وإدارة الأسلحة النارية وطريقة إنشاء ملف ضخم للمعتقلين وطريقة التقاط صور الهوية
في مركز التدريب المهني في مقاطعة شوفو، تقتضي التعليمات أن فريق التدخل المجهّز بالدروع والهراوات والأصفاد يمكنه مساعدة الموجودين في الفصول الدراسية، بينما تقتصر الأسلحة النارية على الوحدات من شعب الهان التي تضم ترسانة عناصرها بنادق هجومية من طراز QBZ-95 مع حربة (أو كما يسمى سكين البندقية) ومسدسات أو بنادق مكافحة الشغب وبنادق قنص من طراز QBU-88 ومدافع رشاشة من طراز QBB-95 مخصصة لمواقع الحراسة الخارجية.
يؤكد مركز الأمن الخاص أن “المركز آمن تماما” لأنه مدعوم من قبل “مراكز شرطة الكانتون الخمسة أ وبي وسي ودي ومركز الشرطة المركزي إس إف 30” الذي يضم عشرة رؤساء وعشرة نواب رؤساء. من المفترض أن تكون الشبكة الإقليمية للمحطات المحلية ضيقة للغاية حيث تتراوح مساحتها بأكملها ما بين 300 إلى 500 متر. وفي حالة الطوارئ، يجب أن تكون قواتهم قادرة على التدخل في غضون دقيقة مع قدوم التعزيزات في غضون ثلاث دقائق.
“خطة مكافحة الشغب”
من بين الملفات التي تم اختراقها، توضح العديد من وثائق برنامج باور بوينت بالتفصيل تكتيكات الشرطة التي يتم استخدامها – مثل استخدام الأصفاد وإدارة الأسلحة النارية وطريقة إنشاء ملف ضخم للمعتقلين وطريقة التقاط صور الهوية عن طريق وضع السجناء والمعدات على مسافة قريبة في الغرفة – وذلك بفضل توضيحات الشركة الموردة للمعدات “خدمة تكنولوجيا المعلومات أورومتشي تيانياو ويي”. تُظهر أوراق تدريب مقاطعة شوفو كيفية تجهيز مجندين جدد لجميع سيناريوهات الطوارئ المحتملة مثل العنف من الزائر عند مدخل مركز الشرطة والتحركات داخل حدود المراكز المغلقة والهرب من المركز.
وتهدف التدريبات إلى التدخل في “أقرب وقت ممكن من القتال الحقيقي” من أجل “القضاء” على المشاكل وتنتهي التدريبات دائمًا بموت المهاجمين المعنيين. وينتهي الحادث حتما بتدخل “الفريق 119” المسؤول عن “تنظيف المكان”.
لا توجد دلائل إلى تدخل وحدات الشرطة في 2018 ولا تزال التقارير تحدد “ثغرات”. ويشير تقرير مركز شرطة ووكوزاك الصادر في الأول من أيلول/ سبتمبر سنة 2018 إلى أن “طاقم العمل يواجه مشاكل نفسية وليس هادئا بدرجة كافية ويجب توفير المزيد من التدريب النفسي والعصبي”، وذلك في إشارة إلى إدارة انفجار مزيّف في غرفة القيد العائلي من قبل سبعة ضباط. ويضيف مع الأسف، في ملف يعود لـ 17 أيلول/ سبتمبر حول هجوم وهمي أن “حارس البوابة الخارجية لم يتفاعل على الفور مع الخطر”.
تظهر الوثائق أن جودة عمل عناصر الشرطة تمثل مصدر قلق رئيسي لأن “خطة مكافحة الشغب” للمركز رقم 1 في محافظة تيكيس تشير إلى ضرورة “منع وقوع الحوادث الجماعية بشكل صارم مثل اضطرابات الطلاب أو محاولة الهروب أو أعمال الشغب” و”الحفاظ على استقرار مراكز التعليم والتدريب”، من أجل “تحسين فعالية عملية المكافحة”.
لم يكن الشاب وانغ رويلي على مستوى المهمة الموكلة إليه، حيث تم تكليفه في نيسان/ أبريل 2018 بمراقبة المبنى أ في وسط مقاطعة شوفو. وقد اتهم هذا الوكيل البالغ من العمر 23 سنة من مقاطعة شانشي شمال شرق الصين بعدم الانضباط، إذ لم يكتف بالنوم أثناء وقت الغداء فحسب، بل طلب طبقا تقليديا من الإيغور بدلا من قائمة الكانتين التي لم تعجبه وتناول الطعام أثناء محاولة إخفاء نفسه عن كاميرات المراقبة. وفي قرارها الصادر في 16 تموز/ يوليو، أعلنت لجنة الحزب أن وانغ غير مؤهل للخدمة.
يتم تدوين الأعمال اليومية في هذه المراكز بأدق التفاصيل. حسب تعليمات مركز التدريب المهني في مقاطعة شوفو، يجب يوميًا عقد “اجتماع لتحليل الديناميكيات الأيديولوجية لنزلاء مراكز التأهيل بالمشاركة الإلزامية لجميع ضباط الشرطة”. وكل واحد منهم مدعو إلى التعبير عن نفسه بشكل دوري من أجل إطلاع زملائه على أي شذوذ يُلاحظ في الانضباط اليومي. ويُطلب من الفريق تحليل أداء النزلاء وحالتهم النفسية بعناية ليلا ونهارا، ولا توجد فترة راحة يمكن أن تضعف المراقبة”، وذلك حسب ما تؤكده الوثائق المقرصنة. بالإضافة إلى كاميرات المراقبة، يتم تنظيم دوريات ليلية كل ربع ساعة من الساعة 10:15 ليلًا حتى 8:30 صباحًا تحت إشراف رئيس الأمن في كل طابق. وتحذّر إحدى التعليمات من أنه “ممنوع منعا باتا ترك مناوبتك أو النوم أثناء وقت العمل”.
كما تظهر الوثائق أن المراقبة تكون مشددة بشكل خاص على أولئك الذين يتسمون بسلوكيات معينة تم تفصيلها في تعليمات محددة. وسيعاقب، كما في أي سجن يحترم نفسه، أولئك الذين يشكلون العصابات وينظمون المناوشات ويحاولون تنظيم المعتقلين من أجل الهروب أو الإضراب الجماعي عن الطعام، وكل من يُخلّ بالنظام. ومن غير المستغرب أن “يعاقب كل من تصادر لديه كتب دينية أو يثبت انخراطه في أنشطة دينية أو يحاول حمل أشخاص آخرين للانخراط فيها بشهر من الحبس الانفرادي وشهران في حالة تكرار ذلك.
إن الخطة الأمنية الدقيقة التي تعود لتاريخ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 المخصصة لنقل 505 نزيلا من مركز التدريب المهني في مقاطعة شوفو إلى مدرسة الحزب في المنطقة (مركز إعادة تأهيل آخر)، توضح مدى تشديد الأمن. أخيرًا، أمرت الشرطة بإعداد 430 زوجًا من الأصفاد وسلاسل وأقنعة، ويجب على جميع المنقولين وضع الأصفاد خلف ظهورهم مع أغطية للرأس وقيود للأرجل لمنعهم من الهروب أو إيذاء أنفسهم أو الآخرين، كما هو محدد في الوثائق.
تحت قيادة تشيو واي، رئيس لواء التعليم شخصيًا، ونائبه إركين تاش، تم تشكيل مجموعة تجريبية للأمن تضم رئيس الشرطة المركزي إيلشاتي إلهام وجميع أفراد الشرطة والشرطة الخاصة والخدمات الخاصة والشرطة المساعدة لوحدة الأمن في مركز التدريب المهني. يجب أن يكون برفقة كل نزيل حارس أمن على الأقل. وسيتم تجهيز خمس سيارات في ذلك اليوم لنقل 300 نزيل من الرجال و130 نزيلة من النساء على مرحلتين. حيث ستمر القوافل عبر الطريق الوطني 314، الذي فتحته الشرطة، باتجاه شوفو، في حين أن المهجع والمباني الثلاثة المعنية يجب أن تكون جاهزة قبل الساعة 4 مساءً.
اعتقال أسر بأكملها
تحكم نفس الهواجس الأمنية الزيارات الطبية ومواعيد الوجبات. ومن المتفق عليه رسميًا أن النزلاء المحتجزين يأكلون طعاما بشكل كافٍ مطبوخًا وساخنًا وموافقًا لمعايير النظافة، كما تأمر تعليمات موجهة للمسؤولين على مركز شوفو مخصصة لإدارة المقصف. ويتعين على الشرطة الداخلية أن تحرص على احترام عادات وتقاليد الأقليات العرقية، وهي واحدة من الإشارات النادرة إلى وجود الإيغور في مراكز الاحتجاز. لكن منذ سنة 2019، أفاد شهود بالحرمان وسوء المعاملة.
في سنة 2018، جرّبت السلطات تنظيم مكالمات هاتفية بين النزلاء وعائلاتهم وُضعت تحت المراقبة الدقيقة. تم تركيب هاتف ثابت لكل خمسين نزيلا، مع ما لا يزيد عن ستة ملحقات لكل طابق – إن أمكن – في غرفة مغلقة بحضور حارسي أمن. ويتم نقل النزلاء إلى هناك مكبلي الأيدي، ولا يوجد أكثر من أربعة في قائمة الانتظار. وتقول التعليمات: “سيتحدث النزلاء إلى أحبائهم مرة كل عشرة أيام، ولن يتجاوز وقت المحادثة عشر دقائق”. كما يجب أن تعرف الإدارة موضوع المحادثة في اليوم السابق للمكالمة.
“الانفصاليون العنيفون”، مثل “الأشخاص المتدينين ذوي الوجهين”، أي المسلمين المتهمين بخيانة الحزب، هم موضوع جداول إحصائية محددة. يتم حبس أولئك الذين أدينوا بالإرهاب لإعادة تأهيلهم بأحكام تتراوح بين سنة واحدة في السجن (بسبب تحميل محتوى غير قانوني على الهواتف الذكية) إلى عشر سنوات كأقصى حد (بتهمة التحريض على الأنشطة الإرهابية). والتجمع الذي من المحتمل أن يخل بالنظام الاجتماعي تكون عقوبته السجن لمدة ست سنوات وفقًا لسجلات مراكز التدريب المهني، وأحيانًا أكثر من ذلك بكثير، كما يتضح من إدانة زوجة عبد الرحمن حسن.
لكن النزلاء الإيغور لديهم خلفيات متنوعة. تم تفصيل قائمة الأشخاص الذين سيُقتادون لإعادة التأهيل في مذكرة بخصوص مركز تيكيس رقم 1: “مهاجرون، أشخاص مشكوك في هويتهم مرسلين من قبل المحافظات، أئمة غير رسميين، حجاج غير معلنين، مدمنو مخدرات، أشخاص رفضوا التجاوب مع الشرطة، معتلون نفسيًا تسببوا في مشاكل، وجميع الأشخاص ذوي السلوكيات المشكوك فيها”. تحدد التعليمات أنه ليس من المناسب تدريب كبار السن، المرضى أو المعوقين النساء الحوامل والمرضعات حتى بلوغ أطفالهن عمر السنة. وتظهر الملفات المقرصنة أن واقع القمع، الذي تم إطلاق العنان له بأقصى سرعة في 2018، يتجاوز ذلك بكثير.
جزء كبير من الأشخاص الذين احتجزوا في مركز إعادة التأهيل تم التعرف عليهم بواسطة نظام المراقبة المسبقة (وهو جهاز مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي، وتم تعميمه منذ ذلك الحين في جميع أنحاء الصين)، وهذا يشمل كبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك حسب ما تؤكده الصور من ملفات الشرطة في شينجيانغ. أما البقية، فيتم إدارتهم من قبل الشرطة المحلية، مثل ملف توهتي أ (31 سنة) الذي اعتقل في 3 أيار/ مايو 2018 عقب اتهام شقيق زوجته بالإرهاب. وتم التعرف على أربعة أشخاص من محيطه، هم شقيقه عمر وثلاثة عمال من موقع البناء، وجميعهم شباب من مواليد 1980 و1990 و2000، وقد لاحظت الشرطة أن على الحكومة مراقبتهم لأنهم يشكلون خطرا ويجب ضربهم بعنف واقتيادهم إلى المعتقل.
على هذا النحو، فإن عائلات بأكملها ممن يشتبه في ارتباطهم بأعمال مشبوهة يتم احتجازهم لمجرد صلة القرابة بين أفرادها بأحد المعتقلين أو بمجرم مفترض أو شخص صدر في حقه حكم، أو بسبب التزام العائلة الديني. وقد ذُكر في ملف قاسمجان م (17 سنة) المحتجز في مركز “شوفو”، أن ستة من أفراد عائلته تم اعتقالهم لأن معتقداتهم غير ثابتة. وتم إخضاع موزبار أ (16 سنة) لإعادة التأهيل لأنه يملك أفكارا متطرفة وقام في 2016 رفقة أشخاص آخرين بارتكاب عملية سطو على منازل يملكها مواطنون من شعب الهان، مع الإشارة إلى وضع 18 فردا من عائلته تحت المراقبة. وينطبق الأمر ذاته على ماماتجان ر (29 سنة) الذي يوصف هو أيضا بأنه شخص مهدد للأمن الاجتماعي وغير مستقر في حكم سابق في مركز التأهيل يفيد بأن لديه ميولا انتحارية يعود تاريخه لأيار/ مايو 2017، وقبل كل شيء يشير ملفه إلى أن عمه حُكم عليه في 2008 بالسجن لمدة 13 سنة.
عادة ما تكون أسباب الاعتقال تعسفية وفي كثير من الأحيان غامضةً وراجعة للانتماء الديني: مثل إطلاق رجل من أقلية الإيغور لحيته في سنة 2014 ورفضه حلقها عندما أمره مسؤول لجنة القرية بذلك؛ أو الانتماء إلى عائلة ملتزمة دينيًا؛ أو ارتداء إحداهن الحجاب من 2012 إلى 2018، بينما حُكم على الزوج بالسجن 11 سنة، وفي سنة 2014 انتهكت قوانين الأسرة وأنجبت طفلا آخر. أو اعتقال شخص آخر في سنة 2013 أثناء جني محصول القطن في “أكسو” بينما كان يستمع إلى خطبة ليوسف عز سيفانغ التي تدعو المسلمين للصلاة وعدم مخالطة غير المسلمين وقتل المهرطقين (الزنادقة) من أجل الذهاب إلى الجنة. وبعض النساء كذلك تم احتجازهن بسبب أزواجهن مثل زوجة في 2014 استمع زوجها إلى خطبة غير قانونية وأجبرها على ارتداء الحجاب.
يحمل العديد من المعتقلين إشارة خاصة (بالصينية 回 头 看) تعني تم احتجازه في إطار البحث عن أشخاص مرتبطين بهجمات إرهابية سابقًا، وهي تشير إلى أن الاعتقال التعسفي مرتبط بتحقيقات الشرطة الداخلية.
تتوافق سنتا 2017 و2018 – المميّزتان بهذه الوثائق العديدة غير المنشورة – مع العامين الأولين للمخطط الخماسي الذي أقره الزعيم الصيني شي جين بينغ في شينجيانغ: خطة “الاستقرار” وخطة “التوطيد”. وقد تلقّت النتائج الأولية الإشادة من طرف السلطات. في حزيران/ يونيو 2018، أوضح سكرتير الحزب في شينجيانغ تشين تشوانغو أن هناك من يمثّلون خطرا مباشرا على المجتمع (…)، وهناك من شاهدوا – ولو مرة واحدة على الأقل – مقاطع فيديو إرهابية (…)، واستمعوا إلى قراءة مناشير. ويجب تمييزهم: إذا لم يتحول هؤلاء إلى عصابات، فيجب إعادة تأهيلهم وتحويلهم. يجب عليهم أن يقتنعوا”.
في سنة 2018، نظّمت الحكومة تهجير العمال الفقراء في شينجيانغ – حوالي 500 ألف شخص – باسم التنمية الاقتصادية في حين أعلنت رسميا أنها تريد توفير تدريب مخصّص لـ 1.1 مليون مواطن في المنطقة. ويقدّر أدريان زينز أن عدد الإيغور الذين مروا في نظام الاعتقال للحزب الشيوعي الصيني يتراوح ما بين 900 ألف و1 مليون شخص من بين 11 مليون شخص مقيمين في المنطقة. وتزعم السلطات أنها أغلقت مراكز التأهيل قصيرة الأجل في 2019، غير أن وزارة الخارجية الصينية لم تردّ على الأسئلة التي أرسلتها المجموعة الإعلامية حول “ملفات شرطة شينجيانغ” قبل نشرها.
كان من المقرر تحقيق الاستقرار العام في المنطقة في 2022. على مستوى التعليم، كانت المهمة جيدة على المدى الطويل وذك حسب ما كشفته “ملفات شرطة شينجيانغ” حيث صرّح الرئيس الصيني: “سوف نستمر في الضرب بيد من حديد في السنوات الخمس المقبلة”. ووفقا لأدريان زينز، لا يمكن إنهاء الهوس الأمني لشين والحزب الشيوعي الصيني، موضحًا “لم يعد العدو مقتصرًا على المنخرطين في مقاومة عنيفة فقط، بل أيضا أولئك الذين يحتمل أنهم ليسوا أهلا للثقة، لأن الدولة فشلت في التحقق من أفكارهم، والحل هو اعتقالهم. ومع ذلك، يظل مكان من المفروض أنه محل ثقة مثل مركز إعادة التأهيل يشكل تهديدا إذا كان مليئًا بأشخاص غير جديرين بالثقة”.
المصدر: لوموند