قبل 10 سنوات من الآن، سيطرت جماعات جهادية مسلحة وأخرى طارقية انفصالية أغلبها قادم من ليبيا على شمال مالي – تلك الدولة الواقعة في غرب إفريقيا -، مستغلين الإطاحة بالرئيس آمادو توماني توري في انقلاب عسكري قاده الرائد آمادو هيا سنوغو، بدعوى إنقاذ الديمقراطية وتأهيل الدولة.
بعد انفصال الشمال، ظهرت مقاربتان للتعامل مع الوضع الجديد في المستعمرة الفرنسية القديمة: مقاربة أولى ترى ضرورة تغليب الحوار والجمع بين الأطراف المتصارعة حول طاولة واحدة، ومن أهم الدول الداعية إلى هذا التوجه الجزائر وموريتانيا وبوركينافاسو، فضلًا عن الولايات المتحدة الأمريكية.
أما المقاربة الثانية فتقوم على الحسم العسكري السريع لطرد المسلحين من الشمال وإعادة الوضع لما كان عليه قبل شهر أبريل/نيسان 2012، ومن أبرز الداعمين لهذا التمشي المغرب والنيجر وتشاد وكوت ديفوار ونيجيريا، إلى جانب فرنسا.
في الأخير انتصر دعاة الحل العسكري، وجرى الاتفاق على تفاصيل التدخل، والهدف من ذلك عودة الحكومة المالية للشمال ووقف تمدد الجماعات الإرهابية المسلحة في مالي وفي منطقة الساحل والصحراء ككل.
مرت 10 سنوات على أول تدخل عسكري في منطقة الساحل الإفريقية، ولم يتحقق الهدف بعد، بل العكس، فنشاط الجماعات المسلحة ارتفع ووصل مناطق أخرى وتمدد نحو غرب القارة السمراء، مستغلين ضعف جيوش المنطقة والبيئة الخصبة لتنامي الإرهاب.
وجود عسكري مركّز
تعتبر منطقة الساحل والصحراء الإفريقية من أكثر المناطق في العالم التي تتركز فيها قوات عسكرية أجنبية، وتعود أولى العمليات العسكرية في المنطقة في العقد الأخير إلى بداية سنة 2013، فمع سقوط شمال مالي، في قبضة مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة، سارعت فرنسا إلى التدخل العسكري هناك.
أرسلت فرنسا الآلاف من جنودها التابعين لجيوش البر والجو والبحر في يناير/كانون الثاني 2013 لوقف زحف الجماعات المسلحة على باماكو، ضمن عملية عسكرية حملت اسم “سرفال”، وشرعنت الحكومة الفرنسية تدخلها آنذاك بطلب الحكومة المالية مساعدتها في حربها لاستعادة الشمال ومواجهة المسلحين الإسلاميين ومنع قيام كيان إرهابي هناك يشكل تهديدًا للمنطقة والعالم بأسره.
في الأول من أغسطس/آب 2014، استلمت عملية “برخان” المشعل من عمليتي “سرفال” و”إيبرفييه” في كل من مالي وتشاد لتتخذ بعدًا إقليميًا بررته مصالح فرنسا الإستراتيجية في الساحل الإفريقي والتهديدات التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها محاربة الإرهاب.
استوحي اسم هذه القوة من كثبان تعطيها الرياح شكل الهلال، وتعتبر عملية برخان أكبر مهمة عسكرية للجيش الفرنسي خارج أراضي فرنسا، وبلغ تعدادها 5100 عنصر موزعين على خمس قواعد متقدمة مؤقتة، وثلاث نقاط دعم دائمة ومواقع أخرى، لا سيما بالعاصمة البوركينية واغادوغو وعطار الموريتانية وغاو المالية.
انتهت العملية العسكرية الكبرى في المنطقة دون أن تحقق أهدافها
تقع القاعدة الأساسية في غاو وهي مزودة بمروحيات هجومية ووحدات يطلق عليها اختصارًا “جي تي دي” أو “مجموعات معارك الصحراء”، إلى جانب ذلك توجد عربات مدرعة ثقيلة ومعدات لوجستية للنقل.
إلى جانب الجنود الفرنسيين توجد قوات عسكرية أوروبية في المنطقة، ضمن مجموعة “تاكوبا” وهي عبارة عن قوات أوروبية مكونة من 800 عسكري أرسلتهم كل من بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وفرنسا وإيطاليا والمجر وهولندا والبرتغال والسويد، إضافة إلى بريطانيا.
كما توجد هناك قوة أوروبية تضم 620 عسكريًا من 28 بلدًا أوروبيًا، بدأت عملها في فبراير/شباط 2013، وكان تفويضها بادئ الأمر يقتصر على تدريب الجيش المالي الذي يفتقر للتأهيل والتجهيز، من دون المشاركة في المعارك وتم في مرحلة لاحقة توسيع مهمتها إلى تدريب قوات مجموعة دول الساحل الخمس.
فضلًا عن القوات الفرنسية، تتركز في منطقة الساحل والصحراء قوة عسكرية مشتركة لدول المنطقة، تضم رسميًا ثماني كتائب أي نحو خمسة آلاف رجل يتمركزون في بلدانهم، باستثناء كتيبة تشادية منتشرة في النيجر منذ مارس/آذار 2021.
كما تنشر الأمم المتحدة قوتها في منطقة الساحل منذ يوليو/تموز 2013، ويبلغ تعداد هذه القوة 13 ألف جندي من الخوذ الزرقاء، وهي إحدى أكبر البعثات التابعة للأمم المتحدة، وتشارك ألمانيا في قوة “مينوسما” بألف ومئة جندي.
إلى جانب هذه القوات المتمركزة على الأرض، نجد القوات الأمريكية “أفريكوم” التي لا تقوم بتدخلات مباشرة إلا في حالات دقيقة، ويقتصر حضورها الأساسي على حماية المصالح الأمريكية في دول إفريقيا ومن ذلك دول الساحل والصحراء.
خسائر كبرى
في الوقت الذي كانت فيه شعوب المنطقة تنتظر خروج المسؤولين الغربيين للإعلان عن نهاية الحرب والقضاء على الإرهاب وخطر الجماعات المسلحة في بلدانهم، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بداية هذه السنة معلنًا نهاية عملية برخان التي تضم أكبر عدد من الجنود في المنطقة.
انتهت العملية العسكرية الكبرى في المنطقة دون أن تحقق أهدافها، مخلفة نتائج سلبية تمثلت في استمرار الخسائر البشرية، إذ قتل أكثر من 8 آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، في مالي والنيجر وبوركينافاسو منذ سنة 2013، تاريخ بداية عملية سرفال.
وظهر الفشل الفرنسي في عدد الجنود القتلى منذ سنة 2013، فقد لقي 53 جنديًا فرنسيًا مصرعهم في العمليات العسكرية، إلى جانب عشرات الجرحى، ومن مظاهر الفشل أيضًا نزوح مليون شخص وتشريد ملايين السكان من مواطنهم الفقيرة إلى فضاءات جديدة من اللجوء البائس بسبب القتال.
تعرضت كوت ديفوار الواقعة غرب إفريقيا لأول مرة لهجوم مسلح إرهابي في مارس/آذار 2016
بجانب الفاتورة البشرية المرهقة، تتحمل باريس فاتورة مالية ضخمة جراء وجودها العسكري في دول الساحل والصحراء، إذ تنفق قرابة 700 مليون يورو سنويًا على أنشطتها العسكرية والأمنية هناك، ما جعلها تطلب دعم حلفائها الأوروبيين والأمريكان فضلًا عن الخليجيين.
كما دفعت “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” (مينوسما) ثمنًا باهظًا بمقتل أكثر من مئتين من جنودها منذ بداية عملها وجرح المئات منهم، وتعد حاليًا البعثة الأممية الأكثر تكبدًا للخسائر البشرية في العالم.
تمدد الإرهاب في الساحل
كان من المفترض أن تقضي هذه العمليات العسكرية على الإرهاب في منطقة الساحل، لكن بعد قرابة 10 سنوات من انطلاق أول عملية هناك، عقب سقوط شمال مالي في أيدي الجماعات المسلحة، يتبين أن الهدف المعلن لم يتحقق.
تؤكد العديد من المعطيات هذا الأمر، فالوضع الميداني في دول الساحل والصحراء الإفريقية ازداد سوءًا، فشمال مالي لم يسترجع بعد، ومناطق بكاملها لا تزال خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية التي تتعرض بشكل متواصل لهجمات دامية، كما سقطت مناطق أخرى في أيدي الجماعات المسلحة.
إلى جانب ذلك، أعادت التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة ضبط خريطة توزعها في إفريقيا بداية من مصر مرورًا بتشاد والسودان وصولًا إلى مالي والنيجر، كما عززت قدراتها واستقطبت أعدادًا أكبر من الشباب.
شهدت العمليات الإرهابية منذ منتصف سنة 2017 تصاعدًا كبيرًا، فالتحالف المشكل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى قاد ما يفوق الألف هجوم منذ ذلك الوقت إلى الآن، لتنال كل من مالي والنيجر بوركينافاسو، حصة الأسد من تلك الهجمات.
وتعرف منطقة الساحل والصحراء انتشارًا كثيفًا لكل من تنظيم داعش والقاعدة في بلاد المغرب وجماعة نصرة الإسلام وبوكو حرام، وتتكبد المنطقة خسائر كبيرة تقدر بملايين الدولارات، بسبب اتساع رقعة العمليات الإرهابية هناك.
نتيجة ذلك، أصبحت الكتلة الجغرافية في الصحراء والساحل تمثل أكبر المناطق إزعاجًا للدول الإفريقية والأوروبية وأكثرها هشاشة في المنظومة الأمنية وأوسعها رخاوة في جلب التنظيمات الإرهابية المسلحة.
الوجهة إلى غرب القارة
بدل القضاء عليها، تمكَّنت الجماعات الإرهابية المسلحة من نشر مخالبها في منطقة الساحل والصحراء وتجاوز مركز نشاطها شمال مالي وتمددت عبر المناطق القاحلة في الساحل إلى الجنوب من الصحراء، لتصل غرب إفريقيا بما في ذلك بنين وكوت ديفوار وتوغو وبوركينافاسو.
تقدمت الجماعات المسلحة بأسلحتها من منطقة الساحل نحو بلدان ساحل المحيط الأطلسي، ونشطت خاصة في بوركينافاسو التي شهدت منذ سنة 2015 العديد من الهجمات الإرهابية المتكررة، وتتركز غالبية الهجمات في شمال وشرق البلاد، كما تتأثر مناطق معينة في الغرب أيضًا بأعمال العنف بوتيرة أقل.
وقبل نحو أسبوع شهدت بوركينافاسو هجومين الأول استهدف الوحدة العسكرية في مادجواري، القرية الواقعة ضمن نطاق منطقة كومبيينغا في شرق البلاد وأسفر عن مقتل سبعة جنود، وهجوم آخر استهدف حافلة للركاب في سيتنغا في منطقة سينو شمال البلاد، أسفر عن مقتل مدني وإصابة 12 آخرين.
وتسبب الإرهاب في هذا البلد الإفريقي في مقتل المئات من الجنود المحليين والمدنيين، إلى جانب نزوح أكثر من 1.4 مليون شخص داخليًا، وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من 2.8 مليون آخرين، وتشريد مئات الآلاف.
كما تسببت هجمات المسلحين في إغلاق 3 آلاف و280 مدرسة حتى نهاية عام 2021 في بوركينافاسو، ويمثل الرقم المذكور 13.09% من عدد المدارس في البلاد التي تحتضن 511 ألفًا و221 طالبًا، إضافة إلى 14 ألفًا و901 معلم.
تمددت الهجمات أيضًا إلى كوت ديفوار، إذ عرفت البلاد السنة الماضية تنامي الهجمات الإرهابية، وكانت أولى الهجمات في الليلة الفاصلة بين 28 و29 مارس/آذار الماضي، حين تعرض موقعان للقوات المسلحة الإفوارية لهجمات مسلحة من إرهابيين قادمين من بوركينافسو، وراح ضحية الهجمات جنديين وضابط في الدرك الإيفواري.
وتعرضت كوت ديفوار الواقعة غرب إفريقيا لأول مرة لهجوم مسلح إرهابي في مارس/آذار 2016، في بلدة غراند بسام الساحلية، بالقرب من العاصمة أبيدجان، حين فتح مسلحون النار على الشاطئ والفنادق، ما أسفر عن مقتل 19 شخصًا.
تعدّ كل من بنين وتوغو الحلقة الأضعف بين دول خليج غينيا الرئيسية، فكلتاهما لا تملك جيشًا قويًا، فجيشا بنين وتوغو غير مصنفين أصلًا ضمن قائمة أقوى 140 جيشًا في العالم نتيجة تواضع قواتهما، فتعداد جيش بنين يبلغ نحو 11.1 ألف جندي وضابط فقط، وهو الأمر نفسه بالنسبة للجيش التوغولي، الذي لا يتجاوزه تعداده 11 ألف عنصر.
ودفعت بنين الثمن بالفعل في فبراير/شباط الماضي بعد مقتل تسعة أشخاص في منطقة بارك دبليو بشمال البلاد بينهم فرنسي، في ثلاث هجمات بقنابل محلية الصنع وهي الأكثر دموية في البلاد، كما قُتل ما لا يقل عن ثلاثة جنود يوم 11 أبريل/نيسان الماضي، بعد انفجار لغم، وأصيب عدة أشخاص في نفس مكان هجمات فبراير/شباط.
أما توغو فقد قُتل ما لا يقل عن ثمانية جنود توغوليين وأصيب ثلاثة عشر خلال هجوم إرهابي خلال الليلة الفاصلة بين الثلاثاء 10 مايو/أيار الماضي والأربعاء 11 مايو/أيار في شمال البلاد، وهو الأول من نوعه في البلاد.
بيئة خصبة للإرهاب
يرجع تمدد الجماعات المسلحة في غرب إفريقيا أولًا إلى فشل الحملات العسكرية ضد الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، فضلًا عن توافر العديد من الأسباب المحلية الأخرى، ففي تلك المنطقة تتوافر بيئة خصبة للإرهاب، في ظل ضعف جيوش دول المنطقة وقلة عتادهم.
يُعتبر شمال كوت ديفوار مثلًا ملاذًا آمنًا للمسلحين الذين يأتون للتنفس واستعادة قوتهم هناك، ولما لا السيطرة على جزء منه، في ظل عدم قدرة الحكومة على تأمين المنطقة الحدودية مع بوركينافاسو المغطاة بالغابات.
صحيح أن أغلب الهجمات المسلحة هناك، ينفذها عادة مسلحون قادمون من خارج البلاد – أغلبهم من بوركينافاسو مستغلين سهولة اختراق الحدود – إلا أنه يوجد أفراد مرتبطون بالجماعات المسلحة في الأراضي الإيفوارية، ورغم عددهم الصغير فإنهم يعكسون إرادة وقدرة الجماعات المسلحة على شن الهجمات الإرهابية على الأراضي الإيفوارية.
إلى جانب ذلك، يعمل العديد من المتورطين داخل دول غرب إفريقيا، إلى جانب الجماعات الإرهابية، إذ يقدمون لهم يد المساعدة، من حيث المعلومات واللوجستيات والموارد المالية، فيجب على الجماعات المسلحة معرفة المجال الذي سينشطون فيه وليتمكنوا من ذلك، يحتاجون إلى مخبرين على الأرض، أشخاص يعرفون المجال بشكل أفضل لذلك يفترض أن يكون هؤلاء المخبرين بالضرورة من دول المنطقة.
تستغل الجماعات المسلحة العديد من نقاط الضعف مثل النزاعات المحلية وغياب الحوكمة وفشل الأنظمة الأمنية، فضلًا عن القيام بأنشطة غير المشروعة، وذلك لتوسيع نشاطها وتجنيد مزيد من المسلحين وجمع الأموال.
نبقى في كوت ديفوار – إحدى أبرز الدول المتضررة من الإرهاب في غرب إفريقيا – حيث تستغل الجماعات المسلحة هناك النزاعات المتكررة بين الرعاة والمزارعين بخصوص الوصول إلى المراعي والمياه، كما تستغل استياء بعض المقاتلين السابقين الذين يشعرون أنهم لم يستفيدوا من برامج إعادة الإدماج في البلاد.
فضلًا عن ذلك، تستغل الجماعات المسلحة الظروف المعيشية الصعبة لأغلبية سكان المنطقة وافتقارهم إلى أبسط الخدمات الصحية والتعليمية والفرص الاقتصادية، ما يُسهل عليهم تجنيد الشباب، من خلال تقديم وعود بالحصول على مكاسب مالية كبيرة.
جهود متواضعة
تدرك سلطات دول غرب إفريقيا خطر التهديد الإرهابي وبدأت في اتخاذ بعض الخطوات لمجابهته، ففي كوت ديفوار مثلًا رفعت الحكومة ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2022 بنحو 43 مليون دولار لتبلغ 651 مليون دولار مقارنة بـ609 ملايين دولار سنة 2021، وهو ما يمثل نحو 3% من إجمالي الميزانية البالغة 17 مليار دولار.
كما أنشأت كوت ديفوار مؤخرًا الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب (AILCT) بدعم من فرنسا لتجهيز الجيش بشكل أفضل لمحاربة الإرهاب، واقتنى الجيش آليات عسكرية جديدة منها طائرات لتعزيز مراقبة الحدود مع بوركينافاسو التي تعتبر أبرز بؤر الإرهاب في المنطقة.
بدورها، أعلنت بنين نيتها سحب جميع قواتها العسكرية والشرطية المشاركة في المهمة العسكرية للأمم المتحدة في مالي بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، البالغ عددها 140 رجلًا، كما سيتم بعد ذلك، إعادة 250 جنديًا يشكلون فوج مشاة متمركز في سينو، على مشارف العاصمة المالية باماكو.
الهدف من سحب هذه القوات تعزيز قوة الجيش البنيني الضعيف، فالبلاد في حاجة لكل جندي في معركتها مع الإرهاب، وأيضًا لفك الارتباط مع منطقة الساحل بهدف الهرب من “انتقام” الجماعات الإرهابية، فسلطات بنين تخشى أن يشكل عملها في مالي سببًا للانتقام منها.
أما توغو فقد بدأت بتطوير جيشها وتعزيز قدراته لاحتواء التهديد الإرهابي بشكل أفضل، كما سيتم إرسال مزيد من الجنود نحو مدن الشمال المهددة بخطر الإرهاب القادم من بوركينافاسو لتعزيز مختلف النقاط الأمنية.
يجب على الحكومات أن تعمل أيضًا على تعزيز التماسك داخل المجتمعات وأن تعزز آليات منع وإدارة النزاعات المحلية
كما سيتم تزويد الجيش، المكون من عدة وحدات محددة، بمعدات إضافية مع 15 دبابة قتالية خفيفة و25 ناقلة جنود مصفحة و127 مركبة تكتيكية خفيفة و7 ناقلات و4 مركبات قيادة خفيفة و19 مركبة استطلاع واتصال خفيفة و20 مركبة بمحرك و59 مركبة نقل لوجستي.
وتعمل حكومة توغو على تنمية منطقة السافانا، الأفقر في البلاد والأكثر تعرضًا للتهديد الإرهابي، فخصصت لها برنامج إنمائي طارئ يصل إلى أكثر من 16 مليار فرنك إفريقي من خلاله سيتم حفر الآبار فيما يقرب من 30 منطقة حدودية، ومن المقرر توفير مياه الشرب في جميع القواعد العسكرية بالمحافظة، وسيتم تركيب مصابيح شوارع تعمل بالطاقة الشمسية وبناء وحدات العناية، فضلًا عن إنشاء مسارات ريفية.
لكن تبقى هذه الجهود متواضعة ولا يمكن لها أن توقف تمدد خطر الإرهاب نحو دول غرب إفريقيا خاصة أن التنسيق الإقليمي غير موجود، فرغم إقرار مبادرة أكرا بين بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا وتوغو، وهي آلية أمنية تعاونية تم إنشاؤها عام 2017 في مواجهة المخاوف من انتشار خطر الإرهاب، فإن هذه المبادرة لم يتم تفعيلها على أرض الواقع، فكل دولة تعمل وحدها دون تنسيق مع البقية.
حضور الدولة
بينما تستخدم الجماعات الإرهابية السكان المحليين لتزدهر وترفع درجة جهوزيتها وتتمدد أكثر فأكثر، توجه أنظمة دول غرب إفريقيا اهتمامها إلى كيفية المحافظة على كرسي الحكم دون النظر إلى احتياجات شعوبهم.
لمواجهة خطر الإرهاب، وجب تعزيز وجود الدولة، فلا يزال الحضور ضعيفًا، لذلك يجب تطوير الخدمات العامة وتلبية الاحتياجات الاجتماعية الأساسية بالمدارس والمراكز الصحية ومراكز الترفيه، ما يضمن الحد الأدنى من الرفاه للسكان.
كما يجب على الحكومات أن تعمل أيضًا على تعزيز التماسك داخل المجتمعات وأن تعزز آليات منع وإدارة النزاعات المحلية، بالإضافة إلى تحسين العلاقات بين السكان وممثلي الدولة، خاصة في منطقة الشمال.
الأهم من ذلك، على دول المنطقة التركيز على تحقيق العدل، فالعدالة فوق كل شيء وفوق كل اعتبار، حتى تمنح السكان الطمأنينة ولا يلجأون للقوة لأخذ حقهم سواء من الدولة أم من بعضهم البعض.
من شأن تنامي خطر الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا أن يؤدي تدريجيًا إلى ظهور أوكار محلية بشكل متزايد في دول المنطقة تتكون من مجندين محليين وتتغذى على الهشاشة، فهل تتحرك الحكومات بالسرعة والكفاءة الكافية؟