ترجمة وتحرير: نون بوست
كان ويليام شكسبير (1564-1616)، أشهر كاتب مسرحي في إنجلترا ورمزًا لبريطانية، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالعالم الإسلامي من خلال مجموعة أعماله المحبوبة.
ويقول ماثيو ديموك، أستاذ الدراسات الحديثة المبكرة (الإنجليزية) في جامعة ساسكس، “بدون الإسلام، لن يكون هناك شكسبير”، مضيفًا في تصريحات لموقع “تي آر تي وورلد” بأنه “دون ارتباط عصر تيودور والعصر اليعقوبي الثري والمعقد مع الثقافات الإسلامية، كانت المسرحيات التي كتبها ويليام شكسبير ستكون مختلفة تمامًا، هذا إن وُجدت أصلًا”.
بسبب التحالفات السياسية والتجارية للملكة إليزابيث الأولى مع العالم الإسلامي، ولا سيما الإمبراطورية العثمانية والمملكة المغربية، كان تأثير الثقافة الإسلامية على إنجلترا هائلًا وتغلغل هذا التأثير في الأدب والمسرح.
افتتح أول مسرح تجاري في لندن سنة 1576، وبحلول الوقت الذي صعد فيه شكسبير إلى الساحة، كانت هناك بالفعل مسرحيات توظّف العالم الإسلامي كخلفية، وكانت قصص الإمبراطوريات الإسلامية والشعوب تحظى بشعبية كبيرة. في الواقع، كان هناك أكثر من 60 مسرحية بين 1576-1603 التي تحدثت عن الأتراك والمور (أي المغاربة) والفرس.
وتجسد أشهر تصوير للتراث الإسلامي في بطل مسرحية شكسبير “عطيل” الذي وصف بأنه ينتمي لـ”المور” من البندقية، وتشير المسرحية إلى أنه تحول إلى المسيحية، ومع ذلك؛ كانت هناك بعض النظريات المعقولة بأن عطيل لم يغير دينه أبدًا.
يقدم تفسير 2018 لشخصية عطيل من قبل المسرح السياحي الإنجليزي وإخراج ريتشارد تويمان وجهة النظر البديلة لعطيل كمسلم ملتزم. وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، صرح ريتشارد تويمان أن بحث المؤرخ جيري بروتون حول هذا الموضوع قد جعله يرى الحقيقة.
وأوضح تويمان قائلًا: “سمعنا تاريخيًّا عن مملكة إسبانيا المغاربية (حيث تم تحويل المسلمين الإسبان أو الموريسكيين قسرًا إلى المسيحية في سنة 1492) لكنني لم أعرف أبدًا أن عبارة “مور” ربما تشير أيضًا إلى هوية عطيل الروحية والثقافية”.
ومع ذلك، تم التقليل من ارتباط شكسبير بالعالم الإسلامي في القرون القليلة الماضية، ويجادل ديموك بأن “العصور الحديثة جعلت من عطيل مأساة للصراع العنصري. لقد قللت صور ما بعد القرن العشرين من أهمية السياق الإسلامي الذي يغلق تعقيد معناه، وعنصرًا رئيسيًا لفهم المسرحية”.
يبدو أن بعض الالتباس ينشأ من معنى كلمة “مور” خلال هذه الفترة التي ضاعت في تفسيرنا الحالي، ففي الوقت الذي كان شكسبير يكتب فيه، لم تكن كلمة “مور” تشير فقط إلى لون البشرة الداكن بل إلى المسلم من أي مكان في العالم الإسلامي.
ولم يستخدم الأدب الإليزابيثي مصطلح “مسلم”؛ وبدلًا من ذلك؛ تم استخدام العديد من الكلمات لوصف المسلمين، على غرار “مور” و”العرب” و”ساراسين” و”الترك”. وغالبًا ما تم استخدام الكلمات بالتبادل، وقد أدى عدم فهم هذه المصطلحات إلى إغفال العالم الإسلامي وأهميته بالنسبة لأعمال شكسبير، والأدب الإنجليزي بشكل عام، خلال ذلك الوقت.
كان هناك العديد من مسرحيات شكسبير إلى جانب مسرحية “عطيل” التي تضمنت شخصيات وأماكن وأشياء إسلامية. من جانبه، صرح المخرج المسرحي، شون آيتا، أن “مسرحية “الليلة الثانية عشرة” تقدم لنا مكانًا يظهر دليلًا على وجود الإسلام في الثقافة، على الرغم من حقيقة أنها تشترك في العديد من ميزات العصر الإليزابيثي”. وهناك أيضًا إشارات إلى العالم الإسلامي في مسرحية “تيتوس أندرونيكوس” التي تضم شخصية من المور، وتشير مسرحية “ترويض النمرة” إلى “الوسائد التركية المنقوشة باللؤلؤ”.
ومع ذلك؛ تم التطرق إلى هذا الموضوع بشكل سطحي. في الواقع؛ ذكر ديموك أن شكسبير ضمّن “حوالي 150 إشارة إلى الأنماط الإسلامية في 21 مسرحية – بدءًا من الأتراك والعرب، وصولا إلى “ماهوميت” والمغرب والبربر”.
الوجود الإسلامي في إنجلترا والعالم الغربي حقيقة تاريخية، وليس ظاهرة القرن العشرين
الحقيقة هي أن شكسبير والشعب الإنجليزي في القرن السادس عشر كانوا يعرفون العالم الإسلامي؛ وربما لم يكن لديهم فهم للإسلام ولكنهم كانوا مدركين تمامًا لثروات المسلمين وقوتهم. وكان ذلك هو السياق السائد في تلك الفترة، وقد ساهم المسرح في جعل هذا الوعي أكثر انتشارًا.
ربما التقى بعض الإنجليز بالمسلمين الذي جاؤوا إلى إنجلترا بصفتهم دبلوماسيين أو تجار أو عبيد أسرى. ومن المؤكد أن الإنجليز الأكثر ثراءً كانوا على دراية بالسلع والامتيازات القادمة من العالم الإسلامي، بما في ذلك السجادات والأطعمة العجيبة والقهوة.
وأورد ديموك “نحن بحاجة إلى النظر في سياق العالم الذي كان شكسبير يكتب عنه وعلاقته بالإسلام. ولا يمكن أن يكون هناك طريقة أخرى لأن العالم الإسلامي كان جوهر أعمال شكسبير”.
إن الوجود الإسلامي في إنجلترا والعالم الغربي حقيقة تاريخية، وليس ظاهرة القرن العشرين. وتدور الرواية السائدة بشكل غير صحيح حول المسلمين باعتبارهم أجانب عن الغرب، بعد أن وصلوا فقط إلى المملكة المتحدة مع تدفقات الهجرة في الخمسينات والستينات، ثم بعد ذلك كلاجئين.
وتتجاهل هذه الرواية بشكل ملائم عمق التفاعل الذي كان بين الغرب والعالم الإسلامي، فضلاً عن التأثير الهائل للعالم الإسلامي على هذه الجزيرة الصغيرة؛ حيث إن وجود الإسلام في الواقع متجذر بعمق حتى في أكثر الرموز البريطانية جوهرية مثل وليام شكسبير.
المصدر: تي آر تي وورلد