ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، صرّح وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار بأن بلاده تسعى إلى زيادة إنتاجها من النفط الخام إلى 6 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية سنة 2027. ولكن هذا النوع من التصريحات – مع تغير طفيف في حجم الإنتاج المأمول والسنة – سبق أن أدلى به وزراء نفط آخرون قبله في عدة مناسبات، ولكن مع بقاء أسعار النفط عند مستويات داعمة للمنتجين يطرح هذا البيان الأخير ثلاثة أسئلة رئيسية: هل هذه الخطوة ممكنة؟ وهل يمكن إنتاج المزيد؟ وهل ذلك ممكن؟
الجواب على السؤال الأول هو نعم. وكما حللته بعمق في كتابي الجديد عن أسواق النفط العالمية، يظل العراق – أكثر من إيران – أكبر دولة نفطية متخلفة نسبيًا في العالم. رسميًا، ووفقًا لأرقام صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تُقدر احتياطيات النفط الخام المثبتة في العراق بنحو 145 مليار برميل (أي ما يعادل 18 بالمئة من إجمالي احتياطات الشرق الأوسط، وحوالي 9 بالمئة من احتياطيات العالم).
وينتج العراق حاليًا ما بين 4.1 و4.2 مليون برميل يوميًا من النفط مقارنة بحصته ضمن أوبك في نسيان/ أبريل المحددة بـ 4.414 مليون برميل يوميًا، التي من المقرر أن تزيد إلى 4.5 مليون برميل يوميًا في حزيران/ يونيو.
على الرغم من أن العراق لم يتمكن حاليًا من إنتاج سوى ما بين 4.1 و4.3 مليون برميل يوميًا، إلا أن هذا النقص يُعزى إلى حد كبير إلى توقف إنتاج حقول النفط في الجنوب لأسباب تتعلق بالصيانة، خاصة توقف حقل غرب القرنة 2 (الذي ينتج 400 ألف برميل يوميًا) لمدة 12 يوما بسبب أعمال الصيانة واستمرار أعمال التحديث على بنيته التحتية المخصصة لعمليات التصدير. ولطالما سجل إنتاج النفط الخام العراقي أكثر من 4.5 مليون برميل يوميًا بين سنتي 2015 و2020، ليبلغ أعلى إنتاج شهري له 4.83 مليون برميل يوميًا في كانون الثاني/ ديسمبر من سنة 2016، وذلك وفقًا لأرقام أوبك.
على المدى القصير نسبيًا، وبالتأكيد قبل نهاية سنة 2027، يبدو أن هناك فرصة لزيادة إنتاج النفط الخام من عدة حقول في العراق – مع التركيز على الحقوق الجنوبية نظرًا للصعوبات المستمرة في منطقة كردستان شبه المستقلة في الشمال – دون بذل الكثير من حيث توسيع البنية التحتية النفطية الأساسية في البلاد المكلفة والمستهلكة للوقت.
في آب/ أغسطس الماضي، وافق العراق على خطط لتمكين شركة بريتيش بتروليوم من فصل عملياتها في حقل الرميلة النفطي العملاق من خلال إنشاء شركة البصرة للطاقة المحدودة التي ستسير مصالح بريتيش بتروليوم في الموقع وتكون مملوكة بشكل مشترك لمؤسسة البترول الوطنية الصينية.
الزيادات ستسمح للعراق بتحقيق هدفه البالغ 6 ملايين برميل في اليوم، إلا أنها لن تصبح ذات أهمية بالنظر في السؤال الثاني: هل يمكن إنتاج المزيد؟
من المتوقع أن تساهم هذه الخطوة في فتح خط تمويل جديد لهذا الحقل الذي ينتج حوالي 1.4-1.5 مليون برميل يوميًا من النفط لسنوات عديدة منذ اكتشافه سنة 1953. ومع وجود حوالي 17 مليار برميل من النفط الخام القابل للاستخراج، فإن هدف الحقل هو إنتاج 2.1 مليون برميل يوميًا. كما هو الحال مع الغالبية العظمى من حقول النفط العراقية في الشمال والجنوب، لا تزال تكلفة استخراج النفط هي الأدنى في العالم عند حوالي 2-3 دولارات للبرميل مما يجعل التكلفة متساوية مع المملكة العربية السعودية.
تُعزى الزيادات الأخيرة في إنتاج حقل الرميلة إلى التحسينات التي أدخلتها بريتيش بتروليوم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، بما في ذلك تجديد محطة قرمط علي لمعالجة المياه التي أصبحت قادرة على معالجة ما يصل إلى 1.3-1.4 مليون برميل يوميًا من مياه الأنهار، مما يسمح باستخراج المزيد من النفط من حوض مشريف (ثلاثة أضعاف الكمية التي تم استخراجها في سنة 2010). وفقًا للأرقام، يتطلب حقل الرميلة حوالي 1.4 برميل من المياه لكل برميل من النفط المنتج من شمال الحقل، في حين أن منشأة مشريف في الجنوب ستتطلب معدلات ضخ مياه أعلى بكثير لدعم الإنتاج.
دعمت منشأة القرمط وستواصل دعم الزيادات في إنتاج النفط الخام في حقل الزبير الملحق، الذي تديره بشكل أساسي شركة “إيني” (بالإضافة إلى شركة “كوغاز” والشركاء العراقيين)، حيث يتم ضخ حوالي 14 بالمئة من المياه من محطة المعالجة في قرمط علي إلى حقل الزبير. مع هدف مبدئي قدره 201 ألف برميل في اليوم، ينتج حقل الزبير الآن حوالي 360 ألف برميل يوميًا، ومن المقرر أن يتلقى دعمًا إضافيًا من خلال بناء محطة كهرباء بقدرة 380 ميغاوات.
من المرجح أن تؤدي هذه التطورات إلى زيادة إنتاج النفط إلى حوالي 600 ألف برميل في اليوم، وهناك فرصة آخرى لزيادات كبيرة في الإنتاج بالنظر إلى هدف حقل الزبير الأولي لتحقيق الاستقرار في الإنتاج عند 1.2 مليون برميل في اليوم.
خلال الأسابيع الأخيرة، مارست وزارة النفط العراقية ضغوطًا على مطوري عدة حقول في محافظة ذي قار، أبرزها الغراف والناصرية. ومن أجل تحقيق هدف الإنتاج المقدر بـ 6 ملايين برميل يوميًا، دعت وزارة النفط شركة “جابيكس” اليابانية إلى تسريع أشغالها لزيادة الإنتاج في حقل الغراف النفطي الذي تزيد احتياطياته عن مليار برميل، من 90 ألف برميل يوميًا إلى 230 ألف برميل يوميًا على الأقل – مع العلم أن هذا الهدف الأصلي للإنتاج المستقر بعد بلوغ الهدف الأولي البالغ 35 ألف برميل في اليوم. ومن شأن التقدم الجيد في حقل الغراف أن يحفّز وزارة النفط العراقية على منح عقود تطوير مواتية لحقل نفط الناصرية القريب، الذي تقدر احتياطياته بـ 4.36 مليار برميل.
مع أن هذه الزيادات ستسمح للعراق بتحقيق هدفه البالغ 6 ملايين برميل في اليوم، إلا أنها لن تصبح ذات أهمية بالنظر في السؤال الثاني: هل يمكن إنتاج المزيد؟ والجواب مرة أخرى هو نعم. في سنة 2013، أطلق العراق “استراتيجية الطاقة الوطنية المتكاملة” صاغت ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لإنتاج النفط في العراق. تمثّل السيناريو الأفضل لهذه الاستراتيجية في زيادة قدرة إنتاج النفط الخام إلى 13 مليون برميل يوميًا (في تلك المرحلة بحلول 2017)، لتبقى عند هذه الذروة حتى سنة 2023، ثم تنخفض تدريجيًا إلى حوالي 10 ملايين برميل يوميًا لفترة مستدامة. وكان السيناريو متوسط المدى للعراق أن يصل الإنتاج إلى 9 ملايين برميل يوميًا (في تلك المرحلة بحلول 2020)، في حين كان السيناريو الأسوأ أن يصل الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يوميًا (في تلك المرحلة بحلول سنة 2020).
استندت هذه الأرقام إلى حقائق وأرقام مثبتة من عدة مصادر خارجية معروفة وموثوقة، وحللتها بعمق في كتابي الجديد عن أسواق النفط العالمية. ووفقًا لتقرير محدود النشر أصدرته وكالة الطاقة الدولية في نفس الفترة تقريبًا، فإن دراسة تفصيلية تعود لسنة 1997 من قبل شركة النفط والغاز المرموقة “بيترولوغ” قدّمت بالفعل أرقامًا تتماشى مع تصريحات وزارة النفط العراقية اللاحقة، وهي أن موارد البلاد غير المكتشفة تُقدّر بحوالي 215 مليار برميل.
الاختلاس الهائل وعمليات الاحتيال في مجال التوريد وغسيل الأموال وتهريب النفط والرشوة البيروقراطية المنتشرة على نطاق واسع قادت البلاد إلى أسفل تصنيفات الفساد الدولية
حتى بالعودة إلى الأرقام الأكثر تحفظًا لوكالة الطاقة الدولية ما بين 2012 و2013، كان العراق قد أنتج في ذلك الوقت حوالي 15 بالمئة فقط من موارده النفطية القابلة للاستخراج مقارنة بـ 23 بالمئة للشرق الأوسط ككل، وكان من المرجح أن تساهم المزيد من الاستكشافات والتطوير “في تنامي حجم الاحتياطيات المؤكدة على مدى العقود المقبلة، لا سيما بالنظر إلى معدل النجاح المرتفع لآفاق الحفر في العراق”.
أما السؤال الثالث والأخير هو: “هل ذلك ممكن؟” – أي إنتاج 6 ملايين برميل في اليوم ثم تحقيق إنتاج أعلى بكثير من ذلك؟ بالنسبة للرقم الأول، فإن تحقيق هذا الهدف ممكن للأسباب الموضحة أعلاه. أما بالنسبة للرقم الثاني، فإن بلوغه يعتمد على اكتمال مشروع إمداد مياه البحر المشترك الذي تأخر تنفيذه إلى أجل غير مسمى.
حسب ما يتضح من مشاريع المياه المحدودة الناجحة في حقلي الرميلة والزبير، فإن مشروع إمداد مياه البحر المشترك – الذي يتضمن نقل ومعالجة 12.5 مليون برميل في اليوم من مياه البحر من الخليج العربي عبر خطوط الأنابيب إلى ست منشآت لإنتاج النفط لضخ المياه لزيادة الضغط في هذه الخزانات الرئيسية – يعد ضروريا لتحقيق زيادات كبيرة في إنتاج النفط الخام في العراق بما يزيد عن 6 ملايين برميل في اليوم.
في هذا الصدد، تعد شركة “إكسون موبيل” الأمريكية الشركة الوحيدة في العالم التي أثبتت قدرتها على تمويل وإكمال مشروع هيدروكربونات صعب تقنيًا ولوجستيًا في غضون موعد نهائي. وتتطلب عودة هذه الشركة إلى مشروع إمداد مياه البحر المشترك، الذي انسحبت منه لأسباب حللها بعمق موقع “أويل برايس”، تغييرًا جذريًا – على الأقل بالنسبة لهذا المشروع إذا لم يكن هناك مشاريع أخرى – في ثقافة الفساد التي سادت مجالات كثيرة من قطاع النفط العراقي (والعديد من القطاعات الأخرى) على مدى سنوات عديدة.
سلط موقع “أويل برايس” الضوء على هذه المسألة عدة مرات، وتطرقت لها منظمة الشفافية الدولية بشكل مستقل على مدى سنوات عديدة في العديد من منشوراتها الخاصة بـ “المؤشر الإدراكي للفساد”، الذي يكون فيه ترتيب العراق عادة ضمن أسوأ 10 دول من أصل 180 دولة من حيث حجم الفساد ومدى تفشيه.
وتنص منظمة الشفافية الدولية على أن “الاختلاس الهائل وعمليات الاحتيال في مجال التوريد وغسيل الأموال وتهريب النفط والرشوة البيروقراطية المنتشرة على نطاق واسع قادت البلاد إلى أسفل تصنيفات الفساد الدولية، وأججت العنف السياسي وعرقلت بناء الدولة بشكل كبير وأعاقت تقديم الخدمات”.
وتضيف أن “التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد وضعف المجتمع المدني وانعدام الأمن ونقص الموارد والأحكام القانونية غير المكتملة يحد بشدة من قدرة الحكومة على الحد من الفساد المستفحل”.
المصدر: أويل برايس