يمرُّ لبنان في أسوأ وضع اقتصادي ربما لم يعرفه من قبل، فالفقر طال قرابة 80% من اللبنانيين، والبطالة قرابة 40% أو أكثر، والتضخُّم بلغ مستويات كبيرة، والعملة اللبنانية (الليرة) فقدت أكثر من 90% من قيمتها أمام العملات الأخرى، لكنّ أزمة الكهرباء ظلّت ربما أعقد وأكثر الأزمات تأثيرًا، حيث الكثير من المرافق الحيوية وحتى حياة الناس اليومية باتت مرتبطة إلى حدّ كبير وبعيد بالكهرباء.
وفي ظل الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي الذي وصل إلى قرابة 22 ساعة يوميًّا من أصل 24 ساعة، وأحيانًا تنقطع الكهرباء لعدّة أيام بشكل متواصل ومستمر بسبب الأعطال التي تطرأ على معامل الإنتاج أو على الشبكة، أو بسبب انعدام توفُّر الغاز أو “الديزل أويل” لتلك المعامل، فإنّ اللبناني عمدَ إلى البدائل لتوفير الكهرباء لمنزله أو لعمله الذي ما زال صامدًا رغم الأزمة الكبيرة.
أول البدائل التي لجأ إليها اللبنانيون خلال السنوات الماضية كانت الاعتماد على مولدات الكهرباء الخاصة، أو ما يُسمّى هنا في لبنان بـ”مولدات الاشتراك”، وقد شكّلت هذه المولدات بديلًا جزئيًّا عن كهرباء الدولة، حيث كانت تزوّد المواطنين بالكهرباء خلال فترة انقطاع كهرباء الدولة لقاء بدل مالي كان مقبولًا ومعقولًا.
غير أنّ الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، ومعه أسعار البترول، وفي ظل بقاء رواتب أغلب اللبنانيين على ما هي عليه أو أنها زادت بمقدار بسيط جدًّا، جعل أكثرهم غير قادر على دفع فاتورة اشتراك الكهرباء مع المولدات الخاصة، حيث ارتفعت بشكل جنوبي ليصبح البدل المالي الشهري عن كل 5 أمبير كهرباء حوالي 100 دولار أمريكي لقاء تزويد المنازل بمعدل لا يتجاوز 8 إلى 10 ساعات يوميًّا.
وأمام هذا الوضع الصعب راح الكثير من اللبنانيين يبحثون عن بديل آخر، علّه يخفّف عنهم بعض النفقات من ناحية ويوفّر الكهرباء من ناحية أخرى، فوجدوا في الألواح الشمسية ضالتهم المنشودة.
كمّية الطلب على الألواح الشمسية خلال العامَين الأخيرَين تصاعدت بشكل كبير جدًّا في لبنان
قبل 5 سنوات لم تكن الألواح الشمسية والطاقة البديلة معروفتَين لدى اللبنانيين إلّا على نطاق ضيّق جدًّا، ربما لأن أسعار الكهرباء كانت أقلّ كلفة عليهم، أما اليوم تنتشر هذه الطاقة البديلة في كل لبنان بشكل واسع وكبير، حتى أن أسطح المباني في المدن راحت تتحوّل بشكل تدريجي إلى ما يشبه المرايا العاكسة، التي يمكن أن يلحظها الوافد إلى بيروت بشكل واضح أثناء هبوط الطائرة في مطار رفيق الحريري الدولي.
يقول يوسف، وهو مواطن يعمل في قطاع الاستشفاء ويسكن في محيط العاصمة بيروت، لـ”نون بوست”: “راتبي الشهري الذي أتقاضاه من عملي بات يذهب قسم كبير منه لتسديد فاتوة اشتراك الكهرباء التي بلغت أكثر من 3 ملايين ليرة شهريًّا، وهذا أمر لم أعد أتحمّله، مع العلم أنّ مولّد الاشتراك لا يعطينا الكهرباء إلا خلال فترة الليل من الساعة السابعة قبل الغروب حتى الساعة الثانية عشرة ليلًا، وساعة واحدة خلال النهار، ما دفعني إلى التفكير بالبديل وقد وجدته في الألواح الشمسية”.
ولدى سؤاله عن كلفة تركيب الألواح الشمسية للمنزل، أجاب: “كلّفني تركيب 4 ألواح لإنتاج حوالي 7 أمبيرات كهرباء حوالي 2500 دولار، شملت أيضًا ثمن بطاريات من أجل الإنارة ليلًا”.
وعند الاستفسار عن تأمين هذا المبلغ لتركيب الألواح وإتمام المشروع، أجاب أنه اضطّر إلى بيع مصاغ ذهبي لزوجته، وقد أشار يوسف إلى أنه استغنى بعد ذلك عن كهرباء الاشتراك واستراح من دفع الفاتورة الشهرية للمولد الخاص، وحصل أيضًا على كهرباء 24 ساعة يوميًّا.
من جهته، زياد، وهو أستاذ جامعي يعيش في بيروت، اشتكى أيضًا من الانقطاع المزمن للكهرباء ومن غلاء فاتورة المولدات الخاصة، وقرّر أيضًا أن يتحوّل إلى الطاقة البديلة والألواح الشمسية، غير أنه واجهَ مشكلة لناحية عدم توفُّر مكان كافٍ على سطح المبنى الذي يسكنه في العاصمة لتركيب هذه الألواح، وما زال إلى الآن يبحث عن حلٍّ لهذه المعضلة، غير أنّه مقتنع جدًّا أنها توفِّر بديلًا مقبولًا ومريحًا عن كهرباء المولدات الخاصة في زمن الغلاء الفاحش.
من ناحية ثانية، أشار عامر، وهو صاحب شركة محدودة لبيع وتركيب الألواح الشمسية، إلى أن كمّية الطلب على الألواح خلال العامَين الأخيرَين تصاعدت بشكل كبير جدًّا، وأشار لـ”نون بوست” إلى أن كمية الطلب وبيع الألواح الشمسية تضاعفت خلال شهر أبريل/ نيسان من العام الجاري 8 أضعاف ما كانت عليه خلال شهر أبريل/نيسان من العام 2021.
وأرجعَ السبب إلى غلاء فاتورة اشتراك المولدات الخاصة، وانقطاع التيار الكهربائي التابع للدولة فترات طويلة خاصة خلال النهار، وانعدام الأمل عند اللبنانيين بالحلول القريبة التي تتحدث عن استجرار الكهرباء من مصر والأردن عبر الأراضي السورية، وكل هذا أجبرَ اللبنانيين على البحث عن البدائل ووجدوها بالألواح الشمسية.
تعتمد الكلفة على كمية الكهرباء المطلوبة، وتبدأ من حدود 2500 دولار تقريبًا تشمل الألواح الشمسية والبطاريات ونظام التحويل (الأنفرتر) ومستلزماته وقاعدة وأجرة التركيب وخلاف ذلك
من جهته، يشير علي، وهو مهندس كهرباء، إلى أن الألواح الشمسية تشكّل حلًّا مرحليًّا ومقبولًا خلال هذه المرحلة من حياة اللبنانيين، ولكنّ نجاحها وفشلها يتوقفان على طريقة استخدامها، خاصة لناحية طريقة شحن واستخدام البطاريات خلال فترة الليل أو خلال فترة الشتاء.
ونصح بأن يتمَّ التركيز على استخدام هذه الطاقة بشكل مقنَّن، بحيث يُعتمد عليها خلال الفترة الصباحية إلى قرابة الساعة الخامسة عصرًا، ومن بعد ذلك التخفيف من استخدام الكهرباء لأنّ الاعتماد خلال فترة المساء والليل على البطاريات، كما نصح بزيادة عدد البطاريات خلال فترة الشتاء.
وأشار إلى ميزة مهمّة في لبنان لناحية الاستفادة من الشمس، حيث إن الموقع الجغرافي للبنان يسمح بالاستفادة من الشمس حوالي 8 إلى 9 أشهر تقريبًا، تبدأ مع مارس/ آذار وتمتدُّ حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني تقريبًا، تكون في هذه الفترة الشمس ساطعة والنهار طويل، أمّا في بقية أشهر السنة فإن الشمس لا تغيب كلّيًّا غير أنَّ طقس الشتاء يؤثّر عليها، كما أشار إلى أنّ الأثر البيئي للألواح الشمسية قياسًا بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون واحتراق المازوت أو الغاز تكاد لا تُذكر.
إلى ذلك، أشار المركز اللبناني لحفظ الطاقة، وهو مركز تابع لوزارة الطاقة والمياه، إلى أن لبنان شهد زيادةً في تركيب وإنتاج الطاقة الشمسية عام 2021 بلغت نسبة 100 ميغاواط، وهي توازي مجمل الكمية التي شهدها لبنان في 10 سنوات بين عامَي 2010 و2020، وبكل تأكيد هذه النسبة زادت خلال الأشهر الأولى من العام 2022 بالنظر إلى انتشار الطاقة الشمسية واعتماد الكثير من اللبنانيين عليها.
وأمّا عن كلفة تركيب منظومة طاقة شمسية للمنزل أو لشركة أو غيرها، فإنها تعتمد على كمية الكهرباء المطلوبة، وتبدأ الكلفة من حدود 2500 دولار تقريبًا تشمل الألواح الشمسية والبطاريات ونظام التحويل (الأنفرتر) ومستلزماته وقاعدة وأجرة التركيب وخلاف ذلك، وتكاد تكون مفتوحة بعد ذلك بالنظر إلى عدد الألواح والبطاريات ونوعيتها وكمّية الكهرباء المطلوبة.
وتبقى مسألة غير معروفة حتى الآن، وهي كلفة اعتماد هذه الطاقة البديلة على لبنان، إذ إن كل الأدوات المستخدمة فيها مستوردة من الخارج إمّا من الصين أو تركيا أو الأردن أو الهند أو غيرها، وليس هناك قانون ناظم لها، وبالتالي العمل فيها يجري الآن بشكل عشوائي وبعيدًا عن رقابة الدولة ومتابعتها.
كما أن كلفة استيراد هذه الأدوات من الخارج تشكّل نزفًا ليس بسيطًا للعملة الصعبة من الدورة الاقتصادية اللبنانية، في حين أنّ تنشيط معامل إنتاج الكهرباء أو اعتماد صيغ أخرى لتوفير الكهرباء للبنانيين عبر السدود المائية مثلًا، ولبنان يُعتبر دولة مائية، ربما كانت أقل كلفة على الدورة الاقتصادية اللبنانية وعلى المواطن اللبناني في آن.
غير أن الفوضى التي يعيشها لبنان سياسيًّا واقتصاديًّا وإداريًّا وقانونيًّا تفتح المجال على أزمات جديدة، وسبب كل ذلك غياب حسّ المسؤولية عند من يُفترض بهم إدارة البلد بشكل صحيح.