تستعد الجماعات الاستيطانية المتطرفة لإقامة “مسيرة الأعلام” في مدينة القدس يوم غدٍ الأحد تزامنًا مع ما يسمى يوم “توحيد القدس” حسب السنة العبرية – العيد الوطني للمستوطنين المتطرفين -، وسط تهديدات فصائل المقاومة الفلسطينية بتدفيع “إسرائيل” ثمن السلوكيات العنصرية لمستوطنيها حال سمحت لهم باقتحام الأقصى والمساس بقدسيته.
تأتي المسيرة الاستفزازية بهدف فرض مظهر استعراضي للسيادة الإسرائيلية على القدس، خاصة أن حكومة الاحتلال تصر على مرورها من باب العمود نظرًا لأهميته للمقدسيين كونه يحدد جزءًا من هويتهم، ويأتي ذلك في محاولة منها لتفريغ الإنجازات والانتصارات التي حققها أهل القدس في تلك المنطقة الإستراتيجية ولإثبات أنهم “أصحاب السيادة”.
وبحسب ما أعلنته الجماعات الاستيطانية فإن خط “مسيرة الأعلام” سيخترق باب العمود والحي الإسلامي بالبلدة القديمة، في محاولة لفرض سيادتها الكاملة على المدينة، وبكل عدوانية تعبر “إسرائيل” على جميع المستويات السياسية والأمنية والعسكرية عن تنفيذ المسيرة وفق المسار الذي اعتادت أن تسلكه كل عام، مقابل الصمت الفلسطيني دون الدفاع عن حقوقه.
وفي المقابل انطلقت دعوات فلسطينية للاحتشاد في باحات الأقصى منذ فجر الأحد للدفاع عن المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومنع إقامة المسيرة التي تحمل في معناها منذ انطلاقها الكثير من تعزيز الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.
يرصد “نون بوست” تاريخ مسيرة الأعلام والفعاليات التي ينفذها المستوطنون خلالها، وكذلك المرات التي أوقفت فيها، بالإضافة إلى رد المقاومة والشارع الفلسطيني حين يتم إعلان تسييرها.
ما هي مسيرة الأعلام؟
بعد هزيمة يونيو/حزيران (حرب الأيام الست) 1967 صادق الكنيست الإسرائيلي على ثلاثة قوانين قدمتها الحكومة آنذاك وهي:
– توحيد القدس.
– منح شرعية للقانون الإسرائيلي في كل المدينة الموحدة.
– حدود القدس، منح سكان شرق القدس مكانة مقيم دائم.
ومن بين قرارات حكومة الاحتلال اعتبار يوم 28 مايو/أيار – حسب التقويم العبري – عيدًا للقدس، الذي يمثل العلاقة التاريخية الخاصة بين الشعب اليهودي والقدس.
وفي 23 مارس/آذار 1998 صادق الكنيست على قانون يوم القدس لسنة 1998 الذي أقر يوم 28 مايو/أيار حسب التقويم العبري، اليوم الذي حررت فيه مدينة القدس بعد حرب الأيام الست، كيوم وطني، وفق مزاعمهم.
وفكرة “مسيرة الأعلام” أطلقها الحاخام اليهودي تسفي يهودا كوك وتلامذة المدرسة الدينية المتطرفة “مركاز هراب” التي تكونت فيها النواة الصلبة للمنظمات الاستيطانية المتطرفة.
وفي عام 1968، نظم الاحتلال المسيرة الأولى احتفاءً بالذكرى السنوية الأولى لاحتلال القدس، بمشاركة عشرات المستوطنين فقط، ومن ثم تطورت لمئات المشاركين، حتى وصلت قبل عدة سنوات إلى نحو 30 ألف مشارك.
ومنذ ذلك الوقت، تقام المسيرة الاستفزازية كل عام بمناسبة هذه الذكرى التي توافق هذا العام 29 مايو/أيار الحاليّ، وفقًا للتقويم العبري.
تنظم جمعية “عام كلبيا” برئاسة الحاخام “حاييم دروكمان” وحزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسليئل سموتريتش وعضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، المسيرة التي يشارك فيها آلاف القوميين اليهود الذين يتوافدون على القدس ويسيرون عبر شوارعها وأزقتها، بتمويل من بلدية الاحتلال في القدس.
وفي ليلة الذكرى يقيم الحاخامات جلسات في المعابد اليهودية والأماكن الدينية بمشاركة بعض السياسيين وأعضاء الكنيست.
وعادة ما تنطلق المسيرة بعد الساعة الخامسة عصرًا، ويحمل المشاركون فيها وبينهم عدد كبير من الصبية والمراهقون الأعلام الإسرائيلية ومكبرات الصوت وهم يؤدون الرقصات التلمودية وينشدون أغاني وأناشيد قومية، ويقومون بأعمال استفزازية ويرددون هتافات عنصرية تحرض على قتل العرب.
المرات التي ألغيت فيها؟
توقفت المسيرة خلال الفترة بين عامي 2010 و2016 بسبب المواجهات التي كانت تندلع بين المشاركين في المسيرة والفلسطينيين، فمنعت الشرطة الإسرائيلية المستوطنين من اقتحام البلدة القديمة من باب الأسباط، لأسباب أمنية.
وفي عام 2021، فشلت “مسيرة الأعلام” في تحقيق أهدافها، بعد تنفيذ كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) تهديدها وقصفت أهداف الاحتلال في مدينة القدس برشقة صاروخية، ردًا على تصاعد انتهاكات الاحتلال بالمدينة.
وبحسب شرطة الاحتلال، فإنها وافقت هذا العام 2022 على مشاركة 16 ألف مستوطن في المسيرة، بحيث يبدأ التجمع الساعة الرابعة عصرًا وحتى الساعة 6:30 في ساحة شارع الملك جورج قرب شارع يافا، ويبدأ خروج المستوطنين الذكور الساعة السادسة باتجاه باب العمود بعدد ثمانية آلاف، والساعة 6:15 للإناث بنفس العدد باتجاه باب الجديد.
ولتأمين “مسيرة الأعلام”، تتحول مدينة القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية، عبر نشر الآلاف من عناصر شرطة الاحتلال ووحداتها الخاصة وقوات حرس الحدود والخيالة، بما يتخللها من نصب الحواجز العسكرية وإغلاق الشوارع والطرقات وأزقة البلدة القديمة، ما يعيق حركة تنقل المقدسيين.
يقول ناصر الهدمي رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد إن مسيرة الأعلام مهمة للاحتلال، ففي السابق كانت تقتصر على عدد قليل من المستوطنين وتنتقل من القسم الغربي من القدس باتجاه باب الخليل، مضيفًا “في السنوات الأخيرة حول مسارها ليصبح أكثر استفزازًا واعتداءً على المدينة المقدسة، فبات المستوطنون يمرون وهم يرفعون الأعلام من باب العمود ثم الحي الإسلامي للبلدة القديمة”.
يرى الهدمي ضرورة تكثيف الدعوات للمقدسيين وفلسطينيي الداخل المحتل للوجود في الأقصى وباب العمود وإحضار العلم الفلسطيني
وأكد لـ”نون بوست” أن هذا الواقع المستفز تنامى عامًا بعد الآخر، إذ يتعمد المستوطنون استفزاز المقدسيين والتنكيل بهم، موضحًا أن بلدية وشرطة الاحتلال تفرض على أهل المدينة إغلاق حوانيتهم وطرقات المدينة، ما يدفع المقدسيين للذهاب لبيوتهم باكرًا كي لا يعلقوا في الإغلاقات المفروضة.
وبحسب متابعة هدمي فإن يوم غدٍ حسب التخطيط له سيؤدي إلى انفجار كبير في الأوضاع الميدانية، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” لا تزال تحاول فرض سيادتها على مدينة القدس بعدما تآكلت خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد معركة سيف القدس.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تحشد أعدادًا وطاقات كبيرة لتمرير مسيرة الأعلام واقتحام المسجد الأقصى، وفي المقابل المقاومة تهدد وتتوعد وكذلك الشارع المقدسي يزداد توترًا وإعدادًا لهذه المسيرة.
ويرى الهدمي ضرورة تكثيف الدعوات للمقدسيين وفلسطينيي الداخل المحتل للوجود في الأقصى وباب العمود وإحضار العلم الفلسطيني الذي أصبح يزاحم الإسرائيلي في القدس، مؤكدًا أن هذه الدعوات تحظى بقبول والتزام الشارع المقدسي.
وفور انتهاء حديثه لـ”نون بوست” تلقى الهدمي استدعاءً من مخابرات الاحتلال للتحقيق معه وتهديده بالاعتقال إذا كرر دعوته للمقدسيين بعمارة المسجد الأقصى المبارك والرباط فيه.
اشتعال الأحداث
حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية خلال اجتماع طارئ عقد الخميس الماضي، الاحتلال الإسرائيلي من “ارتكاب أي حماقة بالسماح باقتحام المسجد الأقصى عبر تنظيم مسيرة الأعلام الإرهابية”، مؤكدة “هذا المُخطط سيكون بمثابة برميل بارود سينفجر ويُشعل المنطقة بأكملها”.
وقالت حركة حماس: “قرار ما يسمَّى “محكمة الصلح” الصهيونية بالسماح للمستوطنين بممارسة طقوسهم التلمودية، خلال اقتحاماتهم المستفزة لباحات المسجد الأقصى، لعبٌ بالنار، وتجاوز لكل الخطوط الحمراء”، ودعت الوسطاء وصناع القرار في المنطقة إلى الضغط على “إسرائيل” لكبح جماحها، مؤكدة أن المقاومة لن تتخلى عن واجبها في حماية الشعب الفلسطيني ومقدساته وأنها جاهزة للتعامل مع جميع السيناريوهات.
في حين رفعت الشرطة الإسرائيلية حالة التأهب في صفوفها واستدعت قوات احتياط لتأمين ما يسمى “مسيرة الأعلام”، فنشر المتحدث باسم شرطة الاحتلال خريطة لمسار هذ المسيرة ويظهر مرورها بباب العمود في البلدة القديمة من القدس المحتلة.
وأمر قائد شرطة الاحتلال كوبي شبتاي بنشر الآلاف من رجاله في القدس الشرقية المحتلة وما توصف بالمدن المختلطة، في حين نشر الجيش الإسرائيلي منظومة القبة الحديدية قرب الحدود مع قطاع غزة تحسبًا لردة فعل من المقاومة على خلفية مسيرة الأعلام وفق ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
ومن المتوقع أن تكون مسيرة الأعلام لهذا العام الأكثر عنفًا ضد المقدسيين مقارنة بالأعوام السابقة، خاصة أن منظمة “لاهافا” المتطرفة التي تربي أتباعها على كره العرب والمسلمين هي من تتصدر الدعوات والتنظيم.