التطرف والعنصرية سمة المجتمع الإسرائيلي، ويظهر ذلك من خلال تعدد المنظمات والحركات التي تعيث خرابًا في المناطق الفلسطينية خاصة القدس وأراضي الـ48 وتسعى للنيل من صمود السكان عبر طردهم من مساكنهم وأراضيهم ومحاولة تهويد أو إزالة الأماكن والمعالم المقدسة لخلق واقع يحرم الفلسطينيين الرباط والثبات، وذلك بدعم من المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
من فتية التلال إلى تدفيع الثمن إلى جماعة الهيكل وغيرها من عالم الحركات الاستيطانية الواسع الذي يستهدف ويهدد جزءًا كبيرًا من مدينة القدس وسكانها والمسجد الأقصى حسب اختصاص كل منها، كما منظمة “لاهافا” التي تدعو إلى تفكيك قبة الصخرة الأحد المقبل تزامنًا مع ما يسمى “يوم القدس” حسب السنة العبرية.
ومنذ أسابيع تحشد منظمة “لاهافا” المستوطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتدعو إلى اقتحام ساحات المسجد الأقصى وبدء مخطط تفكيك القبة بغية الشروع في تشييد “الهيكل” المزعوم.
ما هي منظمة لاهافا العنصرية؟
لأن لكل منظمة عنصرية مهمتها، تحمل “لاهافا” بمعنى اسمها الأفعال التي ترتكبها، فهي الشعلة واسمها اختصار لعبارة “منع الاندماج في الأراضي المقدسة”، من خلال منع الزواج أو المصادقة أو المعاشرة بين شبان فلسطينيين وفتيات يهوديات.
وتعتبر “لاهافا” أكثر المنظمات تطرفًا وإجرامًا ضد الفلسطينيين، ويتردد اسمها كثيرًا عبر وسائل الإعلام، لا سيما كلما تشتد وتيرة المواجهات في القدس، فهي تدعو باستمرار إلى اقتحام الحرم القدسي ومحيطه وإقامة الطقوس التلمودية، إلى جانب الاعتداء الجسدي والمعنوي على الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين الموجودين فيه.
كما تعمل “لاهافا” وفقًا لأجندات استيطانية قومية متطرفة وعنصرية ضد العرب، وقد أسسها المتطرف بنتسي (بن تسيون) غوفشتاين عام 1999 بهدف منع ظاهرة الزواج المختلط، بالإضافة إلى إحدى أهم المنظمات اليمينية العنصرية التي تتبنى خطاب الكراهية، قولًا وفعلًا، ضد العرب في المناطق المختلفة، وتحديدًا مدينة القدس.
كما يطلق نشطاؤها على عمليات التقصي عن أماكن وجود الفلسطينيين في القدس والتنكيل بهم “صيد العرب”، ورغم أن غالبيتهم من طلاب المدارس الدينية، فإنهم يتجهون إلى المحلات التجارية والمطاعم التي يملكها اليهود في القدس وينهالون بالضرب على العرب الذين يعملون فيها، دون أن تحرك الشرطة الإسرائيلية ساكنًا.
وتتضمن عملية “صيد العرب” الانقضاض على سائقي سيارات الأجرة الفلسطينيين في المدينة والاعتداء عليهم، ولا يترددون بالتنكيل بالمارة خاصة خلال ساعات الليل.
وتحتفي “لاهافا” بمنفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي باروخ غولدشتاين، باعتباره “بطلًا”، وتولى رئاستها عضو الكنيست إيتمار بن غفير قبل أن يتفرغ لحزب “عوتسما يهوديت” ويسلمها لغوبشتاين.
من أين جاءت أفكار ومعتقدات لاهافا؟
تستمد المنظمة أفكارها ومعتقداتها بشكل مباشر من عقيدة كاهانا الذي ولد لعائلة يهودية أرثوذكسية في مدينة نيويورك عام 1932، وكان يؤمن بدولة يهودية متجانسة تدار طبقًا لأحكام التوراة، وكان يطالب بالطرد التام للفلسطينيين وإخراجهم بالقوة من أراضيهم وضم الضفة الغربية المحتلة إلى “إسرائيل”.
تدعو لاهافا دومًا إلى تأديب العرب المسلمين والمسيحيين، كما فعلت في رمضان العام الماضي، وعبأت جمهورها لإحضار مسلحين بما يستطيعون من أدوات إلى ساحة باب العمود في مدينة القدس، ما أدى وقتها إلى اشتعال مواجهات هبة باب العمود، كما تدعو إلى فرض حظر على الاحتفال بعيد ميلاد المسيح (الكريسماس).
الانخراط في العمل السياسي
تعد لاهافا ومؤسسها غوبشتاين جزءًا من حركة دينية متطرفة تُشكِّل كتلة “الصهيونية الدينية” السياسية، التي دخلت الكنيست مُظفَّرةً بعد الانتخابات البرلمانية، في مارس/آذار 2021، وفازت بستة مقاعد وباتت تحت مجهر أكبر بسبب نفوذها المتنامي في “إسرائيل”.
وفي هذا السياق يقول المختص في الشأن الإسرائيلي زياد أبحيص إن لاهافا تسعى لنقاء العرق وتعمل بمقولة القومية اليهودية التي ترى أن اليهود هم الشعب المختار ويجب ألا يذوب مع الأعراق الأخرى.
وذكر أبحيص لـ”نون بوست” أن عناصر منظمة لاهافا يعتبرون أن نقاء الكيان يتحقق بطرد جميع العرب من القدس والضفة المحتلة وحتى جبال الأردن.
ولفت إلى أن الدعاية التي نشرها غوفشتاين على قناة التليغرام الخاصة به هي تصميم لصورة مستوطنة حومش التي أزيلت في خطة الانسحاب من قطاع غزة وعاد لها المستوطنون عدة مرات في رام الله، ويحاول أن يوصل رسالة من الصورة بأنه لا بد من تصحيح البوصلة الصهيونية ويكون بدلًا من حومش قبة الصخرة حسب رؤيته، موكدًا أن أعضاء المنظمة امتداد لسياسة واضحة طبيعتها التحريض.
وأكد أن لاهافا معروفة باتجاهين من الأنشطة أحدهما الاعتداء المستمر على الكنائس خاصة ليلة 25 ديسمبر/كانون الأول أي رأس السنة الميلادية، ودومًا لدى عناصرها محاولات لحرق الكنائس والأديرة وكتابة شعارات على جدرانها، وأبرز تلك الاعتداءات محاولة حرق كنيسة كل الأمم المقامة على سفح جبل الزيتون العام الماضي.
وأوضح أن المنظمة دعت في رمضان 2021 للتسلح والرد على المقدسيين في باب العمود، لكن الشباب سبقوهم ولقنوهم درسًا ولم يستطيعوا الوصول للباب، لذا يحاولون اليوم تسجيل رصيد يمحو العار الذي لحق بهم وباتوا يروجون إلى دعوات لاقتحام الأقصى ومسيرة الأعلام وذكرى توحيد القدس لديهم.
في الآونة الأخيرة زادت لاهافا من أنشطتها العنصرية لإحراج الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها نفتالي بينت ويحمل أفكارًا متطرفة تشبههم
وعن إمكانية اقتحام عناصر لاهافا قبة الصخرة ومحاولة تفكيكها كما ادعت في ترويجها ليوم القدس، رد أبحيص: “القبة ليست قطعة بازل كما يدعون، لكن الهدف من تصريحاتهم وضع الأقصى في قلب الهدف الصهيوني، والتأكيد على أن الهيكل مطلب شعبي”.
وتابع “يجب عدم الاكتراث للتهديد بتفكيك القبة، رغم أن جماعة الهيكل التي تنبثق منها لاهافا لها تاريخ في محاولات تفجير قبة الصخرة عام 1982 مرتين، وسنة 2005 حين وضع صاروخ داخلها وأفشلت الخطة في اللحظة الأخيرة”، ويؤكد أبحيص أن عناصر المنظمات المتطرفة يدركون جيدًا أهمية قبة الصخرة التي تعتبر رمز الحضور الإسلامي.
ولم يذهب فخري أبو دياب الخبير في الشأن المقدسي بعيدًا عن رؤية أبحيص، وذكر بحسب متابعته لما يجرى من اعتداءات على مسلمي ومسيحيي القدس على أيدي عناصر لاهافا، أنها تأتي لجس نبض الشارع الفلسطيني والقيام بأعمال تخيف المقدسيين.
وأشار أبو دياب في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن هناك عددًا لا يستهان به من شرطة حرس الحدود ينتمون إلى المنظمة، ما يسهل عليهم حالات التعدي على المقدسيين، وأوضح أن كل الأحداث الجارية هي محاولة لتغيير واقع الأقصى، عبر عناصر ينتمون لهذه المنظمة الذين يعتدون على الأقصى وأبرز أهدافها تفكيك القبة وإقامة الهيكل المزعوم ومنع المسلمين من دخول الأقصى أو جعله على غرار المسجد الإبراهيمي “التقسيم المكاني والزماني”.
ووفق متابعة أبو دياب فإنه في الآونة الأخيرة زادت لاهافا من أنشطتها العنصرية لإحراج الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها نفتالي بينت ويحمل أفكارًا متطرفة تشبههم، مشيرًا إلى أن هذه المنظمة تصب الزيت على النار لإشعال الأحداث في القدس ويعملون على حرب دينية في المنطقة حيث يفكرون بشكل جدي في الاعتداء على المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
ورغم كثرة التوقعات والتحليلات لما ستفعله حشود لاهافا في “يوم القدس” وفق السنة العبرية الأحد المقبل، يبقى التساؤل: هل سيقبل الاحتلال الإسرائيلي أن يفرض المقدسيون والمقاومة كلمتهم على القدس والتحكم في خط سير عناصر المنظمة وكسر هيبتها خصوصًا بعدما رفعت المقاومة سقفها في المواجهة الأخيرة في معركة سيف القدس ونصبت نفسها وصيًا على القدس والمقدسات الإسلامية فيها واستطاعت تحقيق معادلة يصعب الرجوع عنها خصوصًا أن التهديد في العام الماضي ترافق مع الفعل.