ترجمة وتحرير: نون بوست
لا يزال إبراهيم الكرد يتذكر اليوم الذي سمع فيه عن عملة البيتكوين، وقال إن أول ما فعله كان البحث على “غوغل” عما إذا كانت البيتكوين حلالًا. وبعد ما يقارب عقدًا من الزمان، يكافح رجل الأعمال البالغ من العمر 25 سنة، الذي أسس عددًا من صناديق رأس المال الاستثماري، بما في ذلك صندوق يركز على الأصول الرقمية وآخر يركز على الشركات الناشئة في الاقتصاد الإسلامي، لإيجاد استثمارات تشفير تتناسب مع عقيدته.
صرّح الكرد لموقع “ميدل إيست آي” بأن “الأمر لا يبدو كما لو أنه يوجد أمامك 50 مشروعًا للاختيار من بينها. إن عدد الشركات في هذا المجال هناك محدود، وعندما تتطلع إلى الشركات الناجحة، فإن عددها محدود للغاية”.
زادت شعبية العملات المشفرة، ووفقًا لموقع “كوين ماركت كاب”، يبلغ إجمالي قيمتها السوقية 1.2 تريليون دولار على مستوى العالم. وفي ظل انتشار الأصول الرقمية، دخل المسلمون هذه السوق أيضا. ومثل غيرهم من المستثمرين، يدرك هؤلاء المستثمرون مدى تقلب هذه السوق وما تشهده من اضطرابات، لكن الكثيرين منهم لديهم أيضا شكوك حول مدى توافقها مع عقيدتهم الإسلامية.
يحدد الإسلام مبادئ توجيهية صارمة بشأن التمويل أشهرها تحريم الربا. توجد صناعة تمويل بقيمة 3 تريليونات دولار تعتمد على أحكام علماء الشريعة وخبراء الدين لخدمة المسلمين الملتزمين. ومع أن الخدمات المصرفية التقليدية تعمل في النظام لعدة قرون، فإن العملة المشفرة تعتبر حديثة العهد نسبيًا.
مستثمرو العملات الرقمية المسلمين يرغبون في الحصول على خيار حلال، أو على الأقل الحصول على منتجات تحترم التعاليم الإسلامية
قال مازن خليل، المدير المساعد للخدمات المالية والتمويل الإسلامي في شركة “غرانت ثورنتون” بأبو ظبي، إن “العملات المشفرة لا تزال موضع نقاش من منظور الشريعة”. لا توجد سلطة مركزية في العالم الإسلامي لتحديد ما إذا كان الاستثمار في العملة المشفرة حلالا أم حرام. وذكر خليل أن المشككين فيها يعتبرون التشفير مجرد نشاط افتراضي. تقليديًا، تعتبر العملة الورقية مثل الدولار الأمريكي حرامًا لأنها غير مرتبطة بأصل ملموس مثل الذهب، على الرغم من أن معظم علماء الإسلام البارزين قد تجاوزوا هذا الحد.
وأضاف أن “حالة عدم اليقين المبالغ فيها” بشأن أسعار العملات المشفرة يمكن تفسيرها على أنها شكل من أشكال المقامرة. ورغم استمرار حالة عدم اليقين لدى البعض، لا يمكن إنكار حقيقة اكتساب العملة المشفرة شعبيةً لدى مستثمرين مثل الكرد وبدئها الانتشار في العالم الإسلامي الأوسع.
في سنة 2021، احتلت باكستان المرتبة الثالثة عالميًا في اعتماد العملات المشفرة. وجاءت الهند في المرتبة الثانية – التي تبلغ نسبة السكان المسلمين فيها 15 بالمئة – واحتلت نيجيريا المرتبة السادسة، علما بأن نصف سكان البلاد من المسلمين.
أشار إبراهيم خان، المؤسس المشارك لمنصة “غورو للتمويل الإسلامي” التي تركز على الاستثمار الحلال، إلى أنه “تم كشف الحقائق المخفية في هذه المرحلة، حيث تبيّن أن شرائح ضخمة من المسلمين يستخدمون العملات الرقمية”.
تحتفظ منصة “غورو للتمويل الإسلامي” بقائمة مفتوحة للأصول الرقمية الحلال، التي أكد خان أنها أصبحت “قناةً رئيسية” لعالم التشفير الإسلامي. وأضاف أن “المنتجات التي تعتبر حلالا تمتلك بالتأكيد ميزة لدى المستثمرين المسلمين”.
تتشاور المنصة مع علماء الشريعة وتحدد ما إذا كانت العملة المميزة مرتبطةً بنشاط حرام مثل الربا أو الكحول. وتوفر تحليلاً لقراراته وأسهمه في حال كان الصندوق الخاص بمنصة “غورو للتمويل الإسلامي” يحتفظ بالأصل. وتعتبر العملات المعروفة مثل “بيتكوين” و”إيثوريوم” و”تيثر” حلالًا. وحسب خان فإن “مستثمري العملات الرقمية المسلمين يرغبون في الحصول على خيار حلال، أو على الأقل الحصول على منتجات تحترم التعاليم الإسلامية”.
“معظم العملات حلال”
في هذا المجال الجديد، رأى عدد صغير ولكن طموح من الشركات الناشئة فرصةً، وهي تتخطى مرحلة فرز الرموز المميزة. وكانت شركة “مرحبا دي-في”، التي تأسست في كانون الأول/ ديسمبر 2021، من أبرز هذه الشركات وهي تصف نفسها بأنها أول نظام مالي لا مركزي مالي حلال في العالم.
يعد التمويل اللامركزي القائم على تقنية “البلوكشين” بديلا للنظام المالي التقليدي، وهو يسمح للمستخدمين باقتراض وإقراض وتداول العملات المشفرة دون وسيط مثل البنوك. ويمتلك المستثمرون القدرة على تحقيق عوائد على أصولهم الرقمية بعيدًا عن الفائدة، ولكن أيضًا بعيدًا عن الخسائر أو المخاطرة.
وأكد خالد هولدار، رئيس مجلس إدارة شركة “مرحبا دي-في” في دبي، أن شركته “تشهد طلبًا كبيرًا في صفوف مستثمري العملات الرقمية من جيل الألفية و”الجيل زد” على منتجاتها الحلال”. وقال إن “هذا الجيل الجديد واع اجتماعيًا ومثقف. أعتقد أن ما نراه هو شبابًا مسلمين يعبرون عن أخلاقهم من خلال دينهم أكثر من مجرّد الاستثمار في الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة”.
بالنسبة إلى هولدار، تتجاوز مهمة شركة “مرحبا” مجرد تقديم منتجات استثمارية حلال. لقد عمِل لأكثر من عقدين في مجال التمويل التقليدي الذي لعب دورا أساسيا في الأزمة المالية التي تركت انطباعًا عن مخاطر النقود الورقية وأسعار الفائدة.
ستطلق شركة “مرحبا” هذا الصيف آلية رهان حلال، وهي عملية يقوم فيها المشاركون بتعليق عملاتهم لدعم تقنية “البلوكشين” والتحقق من المعاملات. ومن شأن هذه الخطوة تعزيز قيمة العملة ويتم في المقابل الدفع للمشاركين بعملات جديدة.
ينتج عن بعض أشكال الرهانات فوائد، وهذا ممنوع حسب التمويل الإسلامي ويتم استبعاده من المنصة. لكن حسب هولدار فإن تشغيل الأصول لتوليد قيمة جديدة وكسب عائد هو “الحلال المطلق” وتهدف شركة “مرحبا” إلى إتاحة هذا الخيار للمستخدمين. ويعتمد التمويل الإسلامي بشكل كبير على تقاسم الأرباح.
قدرة التشفير على المساعدة في معالجة مشاكل مثل العدد المرتفع للأفراد غير القادرين على الوصول لخدمات البنوك في العالم المتنامي، دفعت الكثيرين إلى تجاوز الشكوك المتلعقة بمدى توافقه مع قواعد الشريعة
تمتلك الشركة بالفعل محفظة “ساهال” التي تحتوي على عملات مشفرة حلال ويرتكز الموقع بأكمله على رموز المنفعة الخاصة به. وتخطط شركة “مرحبا” في المستقبل لتقديم حصاد السيولة المالية الذي يمنح المستثمرين طرقا حلال لإقراض عملاتهم للبورصات. كما أنها تعمل على تقديم الرموز المادية المدعومة بالذهب.
يقول هولدار، الذي يرى إمكانيات غير مستغلة بشكل كاف في الاقتصاد الإسلامي: “نحن لا نحاول تضخيمه وإعطاء الناس نصف المنتجات المتاحة في عالم التشفير، إن المالية الإسلامية هي صناعة تقدر بـ 3 تريليونات دولار. والوصول إلى 1 بالمئة من هذا السوق يعادل 30 مليار دولار”.
تعتبر “فاسيت” شركة أخرى رائدة في هذا المجال وقد خرجت حديثا من جولة تمويل بقيمة 22 مليون دولار بقيادة صندوق رأس المال الاستثماري “ليبرتي سيتي فينتشرز” ومقره نيويورك. أكملت شركة “فاسيت” مؤخرًا آلية “ساند بوكس” في البحرين وتحقق تقدما كبيرا في العالم النامي. وقد حصلت على ترخيص لإنشاء بورصة تشفير في إندونيسيا وهي في المراحل الأولى من إتاحة خدمة إقراض العملات المشفرة من نظير إلى نظير في باكستان.
قال دانيال أحمد، الذي شارك في تأسيس الشركة بعد عمله كمستشار في مكتب رئيس الوزراء الإماراتي: “لقد أدركنا أن التشفير هو منتج مصمم خصيصًا للأسواق الناشئة التي يقع العديد منها في العالم الإسلامي”.
يرى أحمد أن التشفير والتمويل اللامركزي يقدمان حلولًا ابتكارية في الدول التي تعاني من المخاطر السياسية وتقوم حكوماتها بخفض قيمة العملة. توافد الناس السنة الماضية في تركيا على الأصول الرقمية مع هبوط قيمة الليرة. وشهدت قيمة البيتكوين ارتفاعًا حادًا بنسبة 600 في المئة من نيسان/ أبريل 2020 إلى 2021، بينما تضاعفت معاملات التشفير أربع أضعاف.
أضاف أحمد أن قدرة التشفير على المساعدة في معالجة مشاكل مثل العدد المرتفع للأفراد غير القادرين على الوصول لخدمات البنوك في العالم المتنامي، وزيادة الوصول للخدمات المالية، دفعت الكثيرين إلى تجاوز الشكوك المتلعقة بمدى توافقه مع قواعد الشريعة. وحسب أحمد “من اللافت للنظر أن حالة عدم اليقين لم تشكل عائقًا أمام المتبنين المبكرين. ولكن المرحلة اللاحقة ستكون أكثر صعوبة”.
“أموال لا تخضع للضرائب”
قال أحمد إن ميزة فاسيت هي قدرتها على التموقع في السوق، موضحًا “لن تتمكن شركة مثل باينانس مثلًا أن تعلن فجأة أن آلية عملها متوافقة مع الشريعة. نحن نتفهم احتياجات هذه المنطقة لأن تراثنا فيها” – علما بأن عائلة أحمد من باكستان وشريكه المؤسس من بنغلاديش.
أقرّ أحمد بأنه في بعض الأحيان يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت إحدى الخدمات أو الأصول المشفرة حلالًا، موضحًا “هناك الكثير من الآراء المختلفة بين العلماء”، وشريحة كبيرة من المجموعات التي تصدر شهادات متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وأضاف “ما نوضحه هو أننا نأخذ الامتثال للشريعة على محمل الجد عند بناء منتجاتنا، ولا يمكن وصف الأصول الرقمية في حد ذاتها بأنها مطابقة أو غير مطابقة للشريعة، لكن يجب النظر إليها كل على حدة”.
لا يزال التحدي الرئيسي في هذه الصناعة هو تغيير الطريقة التي ينظر بها الأفراد في الأسواق الإسلامية إلى العملات المشفرة. يعتقد مارك زوبوف، مؤسس شركة “أمة فاينانس”، وهي شركة ناشئة مقرها دبي تتطلع إلى ربط مستثمري العملات المشفرة الحلال بالشركات في الأسواق الناشئة، أن “المنصات الاستثمارية الأخرى ليست هي المنافس الرئيسي، بل الأموال غير الخاضعة للضرائب. وما نفعله هو محاولة تثقيف الناس حول خيارات الاستثمار”.
يمكن أن تواجه العديد من المشاريع الجديدة رياحًا معاكسة عند انطلاقها. فقد تراجعت قيمة الأصول الرقمية في الأسابيع الأخيرة مع خسارة عملة البيتكوين نحو 50 في المئة من قيمتها مقارنة بأعلى مستوى قياسي مسجل، في حين انهار ما يقارب تريليون دولار من قيمة العملات المشفرة منذ بداية العام حتى تاريخنا هذا.
يدير سلمان مسعود شركة “أوستراليان غلف كابيتال”، وهو صندوق رأس مال استثماري ذو توجه إسلامي استثمر في شركة “مرحبا”، وهو لا يشعر بالارتباك من عمليات البيع المكثفة في سوق العملات المشفرة، قائلًا إن استثمارته طويلة الأجل وأن شركته تبحث بنشاط عن مشاريع جديدة.
حيال هذا الشأن، قال “نحن نرى أن هذه فرصة مذهلة، سواء للشركات الناشئة التي تقدم خيارات حلال للمسلمين في الغرب، أو جلب هذه التكنولوجيا إلى العالم النامي”. وأضاف “يمكن أن يكون السوق الهبوطي جيدًا، فخلال فترة الصعود، يكون من الصعب العثور على مشاريع جيدة ذات قيمة معقولة”.
افتتحت شركة “أوستراليان غلف كابيتال” مؤخرًا مكتبًا في أبو ظبي، وقال مسعود إن المكتب نشط بفضل دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لمشاريع التشفير، في إطار السعي لأن تصبح مركزا عالميا لهذه الصناعة. افتتحت “باينانس” متجرًا في دبي في وقت سابق من هذه السنة، وفي نيسان/ أبريل منحت أبو ظبي شركة “كراكن” ترخيصًا لتشغيل بورصة تبادل افتراضية. وقال “إن الكثير من دول الشرق الأوسط داعمة وبشدة، وهذا يساعد النظام البيئي في العالم الإسلامي الأوسع”.
المصدر: ميدل إيست آي