“أنا من حمص وأريد العودة إلى الحي الذي نشأت فيه ولا أريد العودة إلى مكان يسمى منطقة آمنة على الحدود، إن كانت المنطقة الآمنة تعيد لي بيتي الأصلي يمكن أن أفكر بالعودة، وإلا لماذا أعود إلى أرض ليست أرضي ومدينة ليست مدينتي وأعيش دون عمل أو استقرار؟”، هذا ما قاله الشاب أحمد أبو صلاح عند سؤاله عن إمكانية عودته إلى المنطقة الآمنة التي تعتزم تركيا إقامتها في مناطق سورية حدودية وإعادة أكثر من مليون لاجئ إليها.
بالعموم فإن آراء السوريين تتضارب هذه الأيام بخصوص المنطقة الآمنة والعملية العسكرية التركية المحتمل إطلاقها في المنطقة لاستكمال مخطط تأمين الحدود من هجمات الوحدات الكردية، وبين من يقول إن المنطقة الآمنة ضرورة ومن يرى أن لا فائدة منها، يتطلع السوريون إلى تفاهم دولي لعودة كل مهجر إلى أرضه وبيته وليس إلى منطقة مؤقتة غير معروف مصيرها، وفي هذا التقرير نستطلع آراء بعض السوريين عما يجري حاليًّا.
وضع اقتصادي سيئ
الشاب أحمد أبو صلاح مقيم في تركيا منذ عام 2015 ويعمل في مجال الوساطة العقارية، يرى أن المنطقة الآمنة التي تروج لها تركيا “لن تحل الوضع في سوريا، بل ستزيده تعقيدًا على عدة أصعدة أهمها ترسيخ التقسيم في سوريا بالإضافة إلى أن نموذج المناطق التي سيطرت عليها تركيا سابقًا مثل عفرين وأعزاز والباب غير مشجع، حيث تكثر الخلافات الفصائلية والتفجيرات الإرهابية واستهداف النظام المستمر لهذه المناطق”.
يشير أبو صلاح إلى أنه يتمنى أن يعود إلى بيته في حمص، لكن كل الحلول والاتفاقيات والتفاهمات الدولية لم ولن تعمل على أن يعود اللاجئون بأمان، فالحل بالنسبة لأبو صلاح معروف وهو “إزاحة نظام الأسد وأفرعه الأمنية ومن ثم لن تجد هذه الدول أي صعوبات في إعادة السوريين إلى بلادهم”، مشيرًا إلى عدم وجود ولا دولة حتى تركيا تفكر بهذا الأمر “الكل يريد مصلحته لا مصلحة السوريين”.
وتأكيدًا لكلام أبو صلاح، فإن النظام السوري ما زال يستهدف بالمدافع والقذائف المناطق التي سيطرت عليها تركيا سابقًا وهي ما صار يطلق عليها تسمية درع الفرات وغصن الزيتون، وكذا فإن الوحدات الكردية تقصف هذه المناطق بالإضافة إلى مناطق نبع السلام التي تضم بشكل أساسي مدينتي تل أبيض ورأس العين، إضافة إلى ذلك تشهد هذه المناطق استهدافًا متكررًا بالسيارات المفخخة والتفجيرات من التنظيمات الكردية و”داعش”، ما يشير إلى أن المنطقة رخوة أمنيًا، ما يجعلها غير آمنة.
إلى ذلك يقول أبو صلاح: “الوضع الاقتصادي في الداخل سيئ جدًا ولا يمكن تحمل نفقات المعيشة خاصة مع الغلاء الفاحش وعدم وجود عمل ولن تكون المناطق التي ستسيطر عليها تركيا أفضل حالًا”، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المناطق تعاني من قلة فرص العمل وانتشار البطالة بنسب هائلة، ويوضح تقرير لمنظمة الدفاع المدني السوري أن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، من جراء التهجير والتدمير الممنهج للبنية التحتية من النظام وروسيا.
بدوره قال “منسقو استجابة سوريا” إن نسبة العاطلين عن العمل في مناطق شمال غرب سوريا بلغت 89%، وأضاف الاستبيان أن 11% فقط من الذين شملهم الاستبيان يعملون.
فصائل متناحرة
بدوره، يرى المهندس السوري عبد العزيز الأحمد أن أكبر مشكلة تواجه المناطق المحررة في سوريا حاليًّا هي سلطات الأمر الواقع، ويقول في حديثه لـ”نون بوست”: “إذا كانت تركيا ستنشئ منطقة آمنة جديدة وتسيطر على مناطق جديدة وتطلق يد نفس الفصائل وذات القيادات فإن المشروع فاشل حتمًا”، ويوضح الأحمد أن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام تعاني كثيرًا من “وقوع المظالم والسرقات والنهب والضرائب غير المشروعة ومن أجل ذلك لا أؤيد هذه الفكرة”.
الأحمد خرج من منطقة أعزاز عام 2019 بسبب ما قال إنه “تشبيح فصائلي يطال المنطقة والسكان” وبنظرة متشائمة يقول: “لن يصلح أمر هذه المناطق أبدًا بوجود هذه القيادات والفصائل وذات الأمر يحصل فيما لو سيطرت تركيا على مناطق جديدة”، مشيرًا إلى أنه يفكر بالخروج من تركيا إلى أوروبا ولا يفكر بالعودة إلى سوريا في الوقت الحاليّ.
يشار إلى أن الخلافات الفصائلية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا تتسع يومًا بعد يوم، وتصل أحيانًا إلى الاشتباكات وتحشيد العناصر وكل ذلك في إطار توسيع النفوذ في المناطق، وهو ما يسهم سلبًا في أمن المنطقة التي يقطنها ملايين السوريين من أهالي المناطق والمدن ومن المهجرين والنازحين، وقد وصل عدد سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى 4 ملايين نسمة منهم مليون في المخيمات.
يذكر أن المنطقة شهدت منذ أيام فقط اقتتالًا عشائريًا ساهمت فيه الفصائل، فقد شهد أهالي بلدة رأس العين في ريف الحسكة، اشتباكات بالأسلحة المتوسطة بين مجموعات عشائرية مسلحة، الأمر الذي استدعى تدخلًا من الجيش التركي لتطويق هذا الاقتتال للحيلولة دون انتقاله إلى مناطق أخرى، واقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، ولم تهدأ الخلافات الفصائلية في هذه المناطق أبدًا منذ تم السيطرة عليها.
سوريا لنا وسنعود
الطالب أحمد أبو بكر لديه وجهة نظر مختلفة، حيث يقول: “هذه المناطق ملكنا نحن ويجب علينا العمل جميعنا لتنميتها وتحسين الأوضاع فيها وإذا كان كل شخص يرى أنه لا يمكن إصلاحها لن يتم إصلاح هذه المناطق”، ويشير أبو بكر خلال حديثه لـ”نون بوست” إلى أنه “مستعد للعودة إلى المناطق الآمنة رغم أنه ولد في درعا، لكن الضغط الموجود في تركيا يجعلني أفضّل أي مكان في سوريا هنا وبالطبع عندما أتخرج من الجامعة سأعود فورًا”.
أحمد أبو بكر يكمل دراسته في مجال الهندسة الطبية بإحدى الجامعات التركية، ويرى أن “السلبية المفرطة تجاه العودة إلى سوريا غير موضوعية لدى البعض، والمحصلة أن هذه بلادنا ويجب أن نعود إليها عاجلًا أم آجلًا” ويضيف أبو بكر: “العنصرية المتصاعدة في تركيا وخطاب الكراهية الذي لا يستطيع أحد السيطرة عليه في تركيا يدفعني دفعًا للعودة إلى البلاد، وهناك سأجد وأبحث عن عمل وأعيش ولو بالحد الأدنى، وللعلم فأنا هنا أعيش حياة الكفاف كطالب لا يملك عملًا أو مصدر دخل ثابت”.
كلام أبو بكر يشابه إلى حد كبير ما قاله العم خالد الحلبي حيث قال: “عودتنا إلى سوريا حتمية اليوم أو غدًا”، لكن العم الحلبي يتخوف من الأوضاع الاقتصادية والخدماتية في الشمال السوري أو المنطقة الآمنة المزمع إقامتها ويقول خلال حديثه لـ”نون بوست”: “أخي يعيش في منطقة أعزاز ويقول لي إن الأوضاع سيئة جدًا والغلاء يسيطر على كل السلع إياك والعودة إلى هنا”، مضيفًا: “يعني الوضع في سوريا نفس الوضع هنا بالنسبة للحالة الاقتصادية، لكن في تركيا توجد مقومات للحياة مثل الكهرباء والماء والتدفئة”.
لكن يتساءل الحلبي “إلى متى سنظل هنا؟ أنا حاج كبير وأريد أن أموت في مدينتي، لكن مدينتي غير مشمولة بالخطة التركية، فماذا أفعل؟ لا أستطيع الرجوع للعيش في خيمة، في أرض ليست لي، إذ إنني سأكون غريبًا هنا وهناك”، ويقول الحلبي: “في بداية الثورة طالبنا كثيرًا بالمنطقة الآمنة حتى إن ابن أخي استشهد في تلك الجمعة التي كان شعارها المنطقة العازلة مطلبنا، لماذا لم يقوموا بها منذ ذلك الوقت ويريحونا؟”، تساؤلات الحاج أبو علي لم تنته خلال اتصالنا معه، لكن يبدو أن الموقف ما زال ضبابيًا لديه ككثير من السوريين الذين باتوا ضحية للأخبار والتوقعات والتحليلات.
إذًا، بين رافض ومؤيد لفكرة المنطقة الآمنة والعودة، يجمع السوريون أنه في حال كان هناك عودة، يجب أن يعود كل واحد إلى مدينته وليس إلى أرض ليس له فيها شيء، ويبقى الثابت الوحيد أن كل عملية عسكرية إنما يكون تأثيرها المبدأي على السوريين أنفسهم الذين لا يعمل أحد من أجلهم إنما من أجل المصالح والتفاهمات الدولية البينية.