ترجمة حفصة جودة
في اجتماع ديني سري، وجه الكاهن الهندوسي القومي المتطرف ياتي نارسينغاناند تحذيرًا للهندوس في الهند البالغ عددهم مليار نسمة، يطالبهم فيه بإنجاب المزيد من الأطفال أو الاستعداد للعيش في دولة إسلامية.
فقد قال في هذا الاجتماع بعد خروجه من السجن بكفالة بتهمة خطاب الكراهية: “الطريقة التي تزداد بها أعداد السكان المسلمين تقول إن رئيس الوزراء في 2029 سيكون مسلمًا، وبمجرد حدوث ذلك فإن 50% من الهندوس سيُجبرون على تغيير دينهم وسيُقتل 40% منهم”.
في بداية هذا الشهر، كشفت بيانات المسح الحكومي عن كذبه الصارخ، فرغم أن 14% فقط من سكان البلاد مسلمون، فإن دعوة نارسينغاناند تكرر ما قاله المتطرفون الهندوس لأجيال لإثارة القلق بشأن احتمالية سيادة المسلمين في الهند التي يتبع 80% من سكانها الديانة الهندوسية، والخرافة الوحيدة التي يستشهدون بها كثيرًا تقول: ارتفاع معدل الخصوبة بين المسلمين مقارنة بالمجتمعات الأخرى في الهند.
والآن تثير حوادث إطلاق النار الجماعية في بافلو ونيويورك فحصًا حديثًا لنظرية اليمين المتطرف الأمريكي “الاستبدال العظيم”، وتكشف البيانات الجديدة عن نسختها الهندية، إذ يزعم الهندوس أنهم ضحايا النمو الديموغرافي السريع للمسلمين.
أظهر المسح الوطني الحديث لصحة الأسرة في الهند انخفاض معدل خصوبة المسلمين لتصبح الأقل بين كل المجتمعات الهندية في الفترتين بين 2015-2016 و2019-2020، والآن أصبحت 2.36 أي نصف النسبة التي وصلت 4.4 قبل 3 عقود.
ورغم أنها الآن النسبة الأعلى بين الأديان الأخرى في الهند، فإن الفجوة بينها وبين معدل خصوبة الهندوس – 1.94 – تقلصت، تؤكد ذلك نتائج الإحصاءات الحديثة لمركز أبحاث بيو في سبتمبر/أيلول الماضي.
يقول رئيس مفوضية الانتخابات الهندية السابق إس واي قريشي الذي يتحدى كتابه “أسطورة السكان” هذه الفكرة: “الأمر واضح كضوء الشمس: فالفكرة التي تقول إن المسلمين سيصبحون أكبر مجتمع في الهند خادعة تمامًا”.
يقول النقاد إن تعليقات نارسينغاناند كذلك في أبريل/نيسان ألمحت إلى ذعر آخر وهو جزء من أدوات القومية الهندوسية الذي يقول إن التحولات الدينية القسرية تستنزف سكان المجتمع.
أثبتت ستيفاني كرامر – خبيرة ديموغرافية دينية قادت دراسة مركز بيو العام الماضي – أن عدد الأشخاص الذين يتحولون إلى الهندوسية مساو لعدد الأشخاص الذين يتركونها، ووفقًا لدراسة مركز بيو، فإن 0.7% من الهنود الذين وُلدوا على الديانة الهندوسية يتبعون دينًا آخر الآن، بينما تحول 0.8% ممن وُلدوا على ديانات أخرى إلى الهندوسية.
الوضع نفسه بالنسبة للمسلمين، عدا أن أعداد المسلمين تقل بطريقة أخرى، تقول كرامر: “يفقد المسلمون نفس عدد الأشخاص نتيجة تغيير الدين، إضافة إلى هجرة الكثير من المسلمين خارج الهند”.
ما دام هناك دعم مؤسسي لنظرية “الاستبدال العظيم” فإنها لن تختفي
يقول قريشي إن الخوف من هذا التهديد المفترض للأغلبية الهندوسية تزايد خلال الثماني سنوات الأخيرة، يتزامن ذلك مع حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الهندوسي القومي “بهاراتيا جاناتا”.
في نفس اليوم الذي أطلق فيه نارسينغاناند تصريحاته، طالبت سادفي ريثامبارا، الزعيمة بمنظمة “Vishwa Hindu Parishad” (VHP) اليمينة الهندوسية المرتبطة بالحزب الحاكم، الأزواج الهندوس بإنجاب 4 أطفال.
إذا كان أعضاء الكونغرس والشخصيات الإعلامية البارزة في الولايات المتحدة قد ساهموا في تضخيم نظرية “الاستبدال العظيم” فإن أعضاء البرلمان في الهند والقنوات التليفزيونية روجوا لكذبة التهديد الديموغرافي بين الهندوس.
ورغم أن مودي نادرًا ما يشترك هذه الأيام بشكل مباشر في تلك التعليقات الجدلية، فإنه غذى مخاوف الانفجار السكاني المسلم في الماضي، ففي 2002، بعد أعمال الشغب المناهضة للمسلمين في ولاية غوجارات حيث كان رئيسًا للوزراء هناك، سخر مودي من مخيمات الإغاثة واصفًا إياها بمصانع لإنتاج الأطفال، فقد قال: “نحن 5 ولدينا 25″، على غرار شعار تنظيم الأسرة الهندي “نحن اثنان ولدينا اثنان”.
غالبًا ما ترفض حكومة مودي أي بيانات مزعجة من باحثين أجانب أو منظمات دولية، فقد رفضت القبول بتقديرات منظمة الصحة العالمية التي قالت إن أكثر من 4 ملايين هندي – 8 أضعاف الرقم الرسمي – ماتوا بسبب كوفيد-19.
يصبح أتباع هذا المنهج أكثر صعوبة عند ملاحقة البيانات التي تأتي من الحكومة نفسها كما هو الحال في الإحصاءات الجديدة لمعدلات الخصوبة.
عند سؤاله عن الأرقام الجديدة، كان ألوك كومار – الرئيس الدولي لمنظمة “VHP” – أكثر حرصًا من زميلته ريثامبارا، إذ قال: “بدلًا من مجرد النظر إلى الفجوة بين معدل الخصوبة، يجب أن ننظر إلى الرقم المطلق، الذي هو أعلى لدى المسلمين، هذا أمر يجب أن يفكر المسلمون فيه”.
في الواقع، يقول مارغوبور رحمن – الباحث في المعهد الدولي للدراسات السكانية ومقره مومباي الذي قاد مسح الحكومة الهندية الحديث -: “ازدادت نسبة استخدام المسلمين لوسائل منع الحمل الحديثة بشكل كبير، من 22% عام 1992-1993 إلى ما يقرب من 66% في 2019-2020”.
رغم تلك الحقائق الواضحة، فإن قريشي ما زال متشككًا في أن يتخلى اليمين الهندوسي المتطرف عن روايته المتطرفة، حيث يقول: “ما دام هناك دعم مؤسسي لتلك النظرية فإنها لن تختفي، لكن ذلك لا يغير من مسؤوليتنا، فسنستمر في مواجهة الأكاذيب بالحقائق”.
المصدر: الغارديان