ترجمة حفصة جودة
كان الأساس غير المعلن لسياسة الهجرة البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية بشأن العرق دائمًا، فقد كشفت وثيقة جديدة مسربة من وزارة الداخلية – لم يكن من المفترض أن تظهر للعامة مطلقًا – تلك الحقيقة.
سُرب التقرير لصحيفة الغارديان – الذي كان بتفويض من وزارة الداخلية في أعقاب فضيحة ويندرش – بعد محاولات متكررة من الحكومة لمنع نشره، كان للتقرير نتيجة صارخة: إن أصول العنصرية المتجذرة بشدة في فضيحة ويندرش تكمن في حقيقة أنه في الفترة بين عامي 1950-1981، كان كل تشريع للمواطنة أو الهجرة يُصمم على الأقل جزئيًا للحد من أعداد الأشخاص ذوي البشرة السوداء أو البنية ممن سُمح لهم بالعمل والعيش في المملكة المتحدة.
كان ذلك صحيحًا بغض النظر عن الحزب السياسي الذي كان في السلطة آنذاك، من ينسى الكوب الأحمر الذي سوّق له حزب العامل عام 2015 المزين بعبارة “ضوابط على الهجرة؟” لم تكن المشكلة في الكوب، كانت في حقيقة أن قمع الهجرة كان أحد وعودنا الانتخابية.
كان قانون الكومنولث للمهاجرين عام 1962 أول قانون يفرض قيودًا على دخول مواطني الكومنولث للمملكة المتحدة، قبل ذلك كان هناك حرية تنقل لجميع المواطنين في المملكة المتحدة ومستعمراتها.
كانت بريطانيا قبل الحرب تعاني من نقص العمالة، لذلك في أواخر أربعينيات القرن الماضي، كانت تعيّن الموظفين مباشرة من الكومنولث، فعلى سبيل المثال، كان للمدير التنفيذي لشبكة النقل العام في لندن حملات توظيف في باربادوس وترينيداد وجامايكا.
في عام 1956، شُكلت لجنة وزارية للتحقيق في الهجرة الاستعمارية وإذا كان من المفترض تقييدها
كانت هناك همهمات بالاستنكار منذ ذلك الحين، في اليوم الذي رست فيه سفينة ويندرش على ساحل تيلبوري في إيسكس عام 1948، أرسل 11 نائبًا من حزب العمال خطابًا لرئيس الوزراء كليمنت أتلي يطالبونه فيه بوضع ضوابط على الهجرة، مستشهدين بأن الشعب البريطاني ينعم بغياب مشاكل عنصرية اللون، وأن تدفق الملونين للحياة هنا من شأنه أن يضعف تناغم وتماسك وقوة الحياة العامة والاجتماعية ويسبب الشقاق والبؤس بين الجميع.
في عام 1949، قال تقرير اللجنة الملكية بشأن السكان: “هجرة السلالات الجيدة مرحب بها دون قيود”، في هذه السياق يبدو أن السلالات الجيدة يُفترض أنها تعني البيض، وفي عام 1956، شُكلت لجنة وزارية للتحقيق في الهجرة الاستعمارية وإذا كان من المفترض تقييدها.
قالت اللجنة حينها: “المبدأ الذي يقول بضرورة استمرار المملكة المتحدة في فتح أبوابها للرعايا البريطانيين ظهر ضمنيًا في وقت كانت فيه الأجناس الملونة في الكومنولث في مرحلة بدائية من التطور عن الآن، لم يكن هناك خطر من غزو الملونين للبلاد، لكن الظروف تغيرت ومن الواضح أننا لم نتمكن من التعهد باستيعاب كل هؤلاء المهاجرين الملونين الذين يرغبون في المجئ هنا”.
كانت مخاوف هؤلاء النواب من الغزو الملون نذيرًا بما ستقوله مارجرت تاتشر بعد 20 عامًا من ذلك، عندما أشارت إلى أن بريطانيا تغرق بالمهاجرين، قال تقرير 1956 أيضًا: “لا شك في أن مشروع القانون سيكون في شكل غير تمييزي، ومع ذلك سيكون واضحًا لمن يُوجه هذا القانون حقًا”.
بعد عقود من ذلك، لم يكن لدى المناضلين ضد تشريعات الهجرة العنصرية أي شك بشأن من وُجّه لهم القانون، عندما عُرض أول قانون لمهاجري الكومنولث في مجلس العموم – ردًا على زيادة اللغط المناهض للمهاجرين – كشف وزير الداخلية حينها راب باتلر، الأمر بشكل واضح في النقاش عن التشريع، حين قال إن التشريع لن يكون على أساس التحيز اللوني فقط.
من الناحية النظرية، لم يكن من المفترض أن يقوم على التحيز اللوني مطلقًا، لكن قانون 1962 أنهى حرية التنقل وقيد هجرة حاملي جوازات سفر الكومنولث ولأول مرة ميّز بين العمالة الماهرة وغير الماهرة.
عارض حزب العمال التشريع ووعد بإلغائه، لكن نواب حزب العمال القليلين الذين صوّتوا ضد القانون في البرلمان قالوا إنهم لم يعارضوا القانون بشدة كما كان من المفترض أن يفعلوا، ولم تفعل حكومة حزب العمال التالية شيئًا لإلغاء القانون.
بدلًا من ذلك وضعت قانونًا آخر لهجرة الكومنولث عام 1968، وأرسله وزير الداخلية جيمس كالاهان إلى البرلمان خلال 3 أيام فقط ردًا على هلع وسائل الإعلام بشأن احتمالية وصول 200 ألف كيني آسيوي يحملون جوازات السفر البريطانية إلى المملكة المتحدة هربًا من سياسة أفرقة كينيا.
كانت الحكومة قلقة من أن يبدو التشريع عنصريًا فظًا كما كان، لذا اخترعوا مفهوم “الأبوية” – أن يكون أحد والديك أو أجدادك مولودًا أو مواطنًا في المملكة المتحدة – لم يكن هناك أدنى شك في أن كلمة “الأبوية” تعبيرًا لطيفًا لكلمة “أبيض”.
بحلول عام 1971، أصبح حزب المحافظين في السلطة، ووضعوا قانونًا آخر للهجرة هذا العام يُفصل مفهوم “الأبوية” القانوني (الزائف تمامًا) ويضيق الخناق على هجرة الكومنولث ويوسع من سلطات الترحيل.
سمح القانون لمهاجري الكومنولث ممن جاءوا إلى بريطانيا قبل عام 1973 بالبقاء في المملكة المتحدة للأبد، لكنها ألقت عليهم عبء إثبات أحقيتهم بالبقاء، كان لهذا المطلب النتائج الكارثية لجيل ويندرش الذين سُلط الضوء أخيرًا على قضيتهم عام 2018.
كشفت محاضر جلسات مجلس الوزراء السرية أن الوزارء كانوا على علم بأن قرار استثناء دول الكومنولث القديمة مثل نيوزيلندا وأستراليا من قيود الهجرة سيتعرض للانتقاد لأنه تمييزي لصالح دول الكومنولث البيضاء، لكن وزير الداخلية حينها ريجنالد مودلينغ قال إنه “ضروري ويمكن الدفاع عنه للحد من الهجرة الآسيوية”.
إن أول خطوة لتأسيس نظام هجرة عادل، تقتضي بأن يعترف كل السياسيين في الأحزاب الرئيسية بوجود العنصرية المؤسسية
كان قانون الجنسية عام 1981 من القوانين المصيرية في هذا العقد، فهو يلغي الاتفاقية القديمة التي تقول إن كل من وُلد على أرض بريطانية فهو بريطاني، لم يعد الميلاد في بريطانيا يمنحك حق الحصول على الجنسية تلقائيًا.
منذ السبعينيات، بدأت مجتمعات المهاجرين في بريطانيا بتنظيم الحملات، من أول تلك الحالات، ربة المنزل في مدينة روتشديل أنوار ديتا، كانت قوانين الهجرة البريطانية المعقدة والوحشية تعني أنها لن تستطيع أن تأتي بأطفالها الثلاث من باكستان، لم تكن أنوار أول المهاجرين الذين يعانون من تلك القوانين، لكنها أول من بنى تحالف قوس قزح للدعم، ودون أي خبرة أطلقت أنوار حملتها من عام 1976 حتى عام 1981 وفازن بحق إحضار أطفالها إلى بريطانيا.
كانت هذه الحملة واحدة من سلسلة حملات تعارض الممارسات البريطانية المهينة الموجهة ضد المهاجرين مثل “كشوف العذرية”، سوف يقضي البعض منا العقود القادمة وهو يكتب عن تلك القوانين ويتظاهر ضدها، حتى لو كان ذلك يعني شن حملة ضد حكومتنا العمالية.
لكن ما الذي تعلمته الحكومة؟ انظر إلى الأحداث الأخيرة وسترى: لم تتعلم إلا القليل، فبالنظر إلى تقرير توني سيويل – رئيس لجنة التباينات العرقية والإثنية – السطحي والتافه الذي صدر العام الماضي، سنجد أنه كان محاولة رسمية لتلطيف وتحييد الحملات المناهضة للعنصرية.
إن أول خطوة لتأسيس نظام هجرة عادل، تقتضي بأن يعترف كل السياسيين في الأحزاب الرئيسية بوجود العنصرية المؤسسية، فلا خير في الحديث التافه عن العلاقات العرقية الجيدة بينما عانت أجيال من السود من الواقع الوحشي واللا إنساني لنظام الهجرة.
إن نظام الهجرة معيار للعنصرية وكان كذلك دائمًا، نحن نعلم ذلك والآن خلف الكواليس نعلم أن وزيرة الداخلية بريتي باتل تعلم ذلك أيضًا، والسر القذر لم يعد سرًا.
المصدر: الغارديان