على الرغم من حق “حرية التعبير” المكفولة في الدستور الأردني في المادة 15 من عام 2011، إلا أن السلطات الأردنية مازالت تلاحق الصحفيين والعاملين في الإعلام لـ “جرائم” تتعلق بالتعبير عن الرأي أو ما يتعلق بالعمل بالصحفي.
إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي يعتبر الأردن طرفًا بها، حيث يحمي العهد الحق في حرية التعبير، بما في ذلك “حرية التماس مختلف ضروب المعلومات وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو أية وسيلة أخرى يختارها”. (المادة 19).
ولا يسمح القانون الدولي بفرض قيود على هذه الحقوق إلا القيود ضيقة التعريف المتفقة مع القانون والتي تُعد ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الآداب أو الصحة العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ويبدو أن السلطات الأردنية تضرب بعرض الحائط هذه القوانين دون أي توضيح، وذلك في اعتقال الصحفي الأردني “خالد دعوم” بعد استدراجه إلى منطقة الدوار الثامن مساء الخميس 21 نوفمبر الجاري.
الدعوم الذي يعمل كباحث ومعد للأفلام الوثائقية في شركة طيف للإنتاج الفني وشبكة الجزيرة اﻹخبارية، نقلت شبكة “أردن الإخبارية” عن صديق للدعوم أن سبب الاعتقال جاء بعد رحلة الدعوم الأخيرة لتركيا.
وتضيف “أردن” نقلاً عن صديق الدعوم أنه “كان يقوم بتصوير فيلم وثائقي هناك حول الجماعات الجهادية في سوريا وصعودها في المنطقة مؤخرًا، وحقيقة دور بعض أجهزة المخابرات العالمية مع هذه الجماعات، وهذا ليس فيلم الدعوم الأول وليست هذه رحلته الأولى إلى تركيا من أجل هذا العمل، فهو يعمل كباحث ومعد للأفلام الوثائقية في شركة طيف للإنتاج الفني، والتي تعرض أعمالها على شاشة الجزيرة”.
وعند عودة الدعوم من تركيا تم توقيفه في مطار عمان ومصادرة كل ما لديه من معدات تصوير وأفلام إضافة إلى جواز سفره، ليطلب منه مراجعة دائرة المخابرات العامة فيما بعد لشرح تفاصيل رحلته إلى تركيا، وهو ما فعله خالد لاحقًا، حيث قام بزيارة الدائرة وشرح كل ما يتعلق بعمله كإعلامي وصحفي استقصائي، ورحلته الأخيرة في تركيا، ليُعتقل خالد فيما بعد دون أي تصريح من السلطات الأردنية.
قصة خالد ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة في ظل سعي السلطات الأردنية لـ “ضبط” العملية الصحفية في الأردن، لاسيما تلك المتعلقة بالأردن والجماعات المقاتلة هناك، حيث حدثت العديد من حالات توقيف صحفيين وباحثيين أردنيين ولاسيما سوريين، في سعي السلطات الأردنية لجمع أكبر قدر من المعلومات.
ومن ذات المصدر، يروي الصحفي “عبد العزيز أبو بكر” قصته حينما قامت قوات الدرك الأردني بالاعتداء عليه أثناء تأدية عمله الصحفي إلى جانب زميله “خالد صدقة”، وذلك أثناء تغطيته لاعتصام قريب من السفارة الإسرائيلية في عمان.
ويقول أبو بكر إنه قام على خلفية ذلك بتقديم دعوى قضائية تجاه مديرية الأمن العام ومديرية قوات الدرك، كونهم الجهتين المعنيتين بواقعة الاعتداء في تلك الفترة، الأمر الذي قوبل بطمأنتهم بأن “حقوقكم مصونة” وأن “الضرر سيتم تعويضه، وأن الحادثة لن تتكرر معكم أو مع غيركم من الصحفيين في أماكن تواجدهم”، على حد قوله.
حديثًا، سلم “مركز حماية وحرية الصحفيين” أبو بكر وزميله صدقة كتابًا رسميًا من مديرية الأمن العام، يطالب بتحويل أبو بكرة وصدقة إلى القضاء والجهات الإدارية لقيامهم “بأنشطة صحفية دون الانضمام إلى النقابة”، على حد وصف الأمن العام.
وفي ذلك يرد أبو بكر فيقول: “هناك نحو 550 صحفيًا من أصل 1650 يعملون في الأردن دون انضمامهم إلى نقابة الصحفيين بسبب طبيعة قانون نقابة الصحفيين في الأردن، وهم الذين تصفهم النقابة بأنهم منتحلي صفة صحفي”، ويضيف بأن النقابة دعت مؤخرًا المؤسسات الحكومية إلى عدم التعامل معهم وعدم دعوتهم لتغطية الفعاليات الرسمية.
ويشير إلى أن هذه الأرقام تُظهر تراجع أعداد الصحفيين الذين يعملون خارج النقابة، فقد تراجع عددهم من نحو 650 صحفيًا في شهر تشرين الأول عام 2013 إلى نحو 550، بحسب تقديراتها الأخيرة.
ويعلق أبو بكر على هذه القضية فيقول: “التعامل الحكومي هذا مع الكثير من القضايا المتعلقة بواقع الصحافة في الأردن يثير تساؤلات حول انحدار الاتجاه الذي تسير فيه الحريات الصحفية، في ظل اعتباره من بين الدول ذات الوضع الحرج فيما يتعلق بالحريات الصحفية وفقًا للمؤشر الذي أعدته منظمة مراسلون بلا حدود”.
ويختم كلامه بالقول: “إن مضمون ما حدث من اعتداء ورفض الاعتذار أو حتى الإقرار بهذا الاعتداء على الصحفيين الذين يقومون بواجبهم؛ يحمل في طياته رسالة خطيرة تعني بأنه من السهل بمكان الاعتداء على الصحفيين دون قدرتهم على حماية أنفسهم أو حتى تقديم شكوى، وباعتبار أن السكوت يعتبر تهيئة لجو مناسب لتكريس الاعتداءات على الصحفيين والحديث وتقديم الشكوى لا وزن لهما، في ظل عدم إقرار الجهات الأمنية المعنية بذلك حتى مع وجود أدلة وإثباتات، فذلك يشير إلى طريق طويل وصعب وشاق أمام الصحفيين في إيصال الحقيقة للجمهور، وإنارة طريق المجتمع نحو الأفضل، فإن تحقيق الازدهار يعني تحرير الإعلام من القيود، بالإضافة إلى حماية الإعلام وحقه في الوصول للمعلومة وهي الأهم”.
وفي تقرير “سند” الصادر عن “شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي” عن شهر أكتوبر الماضي حول الانتهاكات والاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون في عدد من الدول العربية أثناء قيامهم بواجبهم المهني، سجل التقرير خمس حالات انتهاك وضغوط وقعت بحق خمسة صحفيين وموقع إخباري إلكتروني.
وذكر التقرير أنه في الثاني من أكتوبر مثل رئيس التحرير المسؤول لجريدة الرأي “سمير الحياري” والكاتب الصحفي “طارق مصاروة” أمام رئيس دائرة ادعاء عام عمان القاضي “عبد الله أبو الغنم” على خلفية مقال نشرته الصحيفة، والذي حمل عنوان (يا عيب العيب!)، تحدث فيه المصاروة عن القضاء والنيابة العامة وحيادهما، حيث أسند المدعي العام التهم التالية للمشتكى عليهما: عدم التوازن والموضوعية وعدم تحري الدقة والحقيقة ونشر إشاعات كاذبة في عرض المادة الصحفية وذم وقدح وتحقير هيئة رسمية.
وفي 14 من أكتوبر طالب رئيس الوزراء الدكتور”عبد الله النسور” ومجلسي النواب والأعيان، نقابة الصحفيين – المعروفة بقربها من النظام الأردني – بضرورة عدم دعوة أو اصطحاب أشخاص من غير أعضاء النقابة في تغطية المناسبات وحضور اللقاءات والزيارات والوفود الرسمية، تنفيذًا لاحكام القانون.
النقابة قالت في رسالة وجهتها لرئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الأعيان والنواب إن “هناك مخالفات من قبل البعض للقوانين والأنظمة من خلال انتحال بعض الأشخاص لصفة الصحفي وممارستهم المهنة بطرق غير مشروعة ، فضلاً عن ممارستهم الابتزاز”، كما طالبت النقابة في الرسالة التعميم على الوزارات والمؤسسات العامة بعدم التعاون مع أي شخص غير منتسب للنقابة، بهدف المساهمة في وضع حد لما أسمته الرسالة “تجاوزات منتحلي صفة العمل الصحفي”، حيث تعد هذه المطالب انتهاكًا وخرقًا واضحًا المادة 22 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: “لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه”، وللمادة 15 من الدستور الأردني والتي تنص على: “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون”.
وأضاف التقرير في عرضه أنه وفي تاريخ 26 أكتوبر حظرت هيئة الإعلام التابعة للحكومة الأردنية على الصحف اليومية والأسبوعية إذاعة أو نشر أو تداول أي من الأخبار أو المعلومات المتعلقة بشؤون القوات المسحلة ومنتسبيها، إلا بطلب مباشر وصريح من المصادر المسؤولة لدى القيادة العامة، ووفق التعميم فإنه يمنع قبول إذاعة أو نشر أي من المقالات أو التعليقات إلا في نطاق المعلومات والأخبارالمنشورة بصورة مشروعة ودون المساس أو التعرض لهيبة وسمعة القوات المسلحة ومنتسبيها بأي صورة كانت (مباشرة أو غير مباشرة).
وقال التقرير نقلاً عن المحامي “خالد خليفات” بأن ذلك يعد خرقًا صريحًا وواضحًا لحرية الرأي والتعبير، حيث يُعد مخالفًا للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 15 من الدستور الأردني والمادة 8 من قانون المطبوعات والنشر والتي تنص جميعها على حق الجمهور بالمعرفة وتداول الأخبار والمعلومات، وأضاف: “وحيث إن ما ورد في هذا التعميم جاء بشكل عام ومُبهمًا دون تحديد المحظور نشره من الأخبار؛ فإنه يعد انتهاكًا واضحًا وصريحًا لحرية الرأي والتعبير”.
مشروع “تغيير” لإصلاح الإعلام
في 21 من سبتمبر الماضي أعلن مركز “حماية وحرية الصحفيين” عن إطلاقه مشروع “تغيير” لإصلاح الإعلام في الأردن.
المركز قال في بيان صادر عنه إن “هذا المشروع سيستمر لمدة عامين ويستهدف العمل مع كل أصحاب المصلحة على تطوير المشهد الإعلامي الراهن بما يحقق مزيدًا ممن الحريات والتزامًا أكبر في المعايير الدولية لحرية الصحافة”.
ونوه المركز بأن “الدراسة ستقترب من قضية شائكة لم تناقش ولم تبحث كثيرًا وترتبط بسؤال مفصلي، هل يوجد لدينا سياسات إعلامية، وما هي، وكيف تصنع، ومن هم اللاعبون الرئيسيون في صياغتها، وكيف تنفذ؟!”، حيث يتضمن أسئلة عن واقع الإعلام الرسمي، والجهات الأكثر تأثيرًا به، والآليات المهنية الناظمة لعمله، وهل يمكن أن يتحول لإعلام عمومي؟
الرئيس التنفيذي لمركز “حماية وحرية الصحفيين”، “نضال منصور” أكد أن مشروع “تغيير” لإصلاح الإعلام في الأردن يعتبر تتويجًا للجهود التي بذلها مركز حماية وحرية الصحفيين طوال 15 عامًا من عمله دفاعًا عن حرية الإعلام، فهذا المشروع ينظر للمشهد الإعلامي بصورة كلية، ويعمل على إدماج ومشاركة كل أطراف المعادلة لتحقيق خطوات ملموسة في تقدم واقع الإعلام.
وأضاف “نحن أمام دائرة متصلة، كل بُعد في الإعلام يؤثر على الآخر، فالتشريعات المقيدة تسبب تجاوزًا وإهدارًا لحق الصحفيين في الحصول على المعلومات مثلاً، وعدم التزام وسائل الإعلام بمدونات سلوك ووضع آليات تنظيم ذاتي متطورة تتيح للمتضررين تبرير تغليظ العقوبات عليها والسعي لحصارها”.
ورغم أن مشروع “تغيير” شمعة في ظل العديد من الانتهاكات والضغوطات التي تمارسها السلطات الأردنية على الصحفيين في إطار التضييق على عملهم مما يعزو بمزيد من القلق حول حرية الصحافة والإعلام التي كفلها الدستور، وعبّر عنها العاهل الأردني في أكثر من محفل بما يضمن حرية الصحافة والإعلام، إلا أنه يبدو أن السلطات الأردنية تتجه في عكس هذا الاتجاه ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والمواد الدستورية وتصريحات الملك التي تكفل ذلك.