تشتهر موريتانيا بين العرب بالأسماك وإنتاج الحديد، لكن ما لا يعرفه العديد منّا أن بلاد شنقيط كما يحلو للأهالي مناداتها، تزخر أيضًا بالعديد من المناطق السياحية بالغة الجمال والدلالة التاريخية، إلا أن الإرهاب وغياب البنية التحتية القوية حالا دون شهرتها عالميًا.
عوامل جذب سياحي كثيرة
مدن تاريخية
تمتلك هذه البلاد العربية الواقعة غرب القارة الإفريقية، عوامل جذب سياحي كثيرة، أهمها مدنها التاريخية الرائعة التي تحكي جزءًا كبيرًا من قصة الشعب الموريتاني وتاريخه وأنماط اهتمامه القديمة والمتغيرات التي طرأت عليه وغنى مكوناته وتعدده الثقافي وعمارته الفريدة.
يحتضن شمال موريتانيا العديد من المدن الأثرية، أهمها شنقيط التي منحت اسمها موريتانيا عبر التاريخ، وتقع هذه المدينة على بعد 516 كيلومترًا من العاصمة نواكشوط، بين جوانح سلسلة جبال آدرار الشامخة وكثبان الصحراء الرملية الممتدة مدّ البصر.
يطلق على هذه المدينة لقب “مدينة المكتبات”، لاحتوائها على مكتبات تضم مخطوطات كُتِب قسم كبير منها على جلود الغزلان وأحيطت بغلاف من جلد الماعز، تتناول جميع العلوم والفنون بما في ذلك علوم القرآن والحديث وعلم الفلك والرياضيات والهندسة والنحو وعلوم اللغة والشعر والتاريخ والطب والجغرافيا وغيرها.
تحدثك بناءات شنقيط التي بُنيت سنة 660 هجريًا عن ماضي المدينة السحيق والفكر الخلاق لدى الرجل الشنقيطي الذي سخّر الحجارة والطين لبناء مدينة متكاملة في تناسق بديع، ليشكل فنًا معماريًا قلما يوجد مثله في كثير من المدن العالمية، فهو يبرز خصوصية حقيقية لليد التي صنعته وللعقل الذي صممه.
كل ما في المدينة يجب زيارته والتعرف عليه عن كثب، لكن أبرز ما يمكن زيارته هناك هو مسجدها العتيق الذي احتل قلب المدينة حتى يقصده المصلون من جميع أطرافها، مسجد لم يلاحظ عليه أي خلل في جسمه المتماسك، حاز قمة الجمال لما فيه من عناصر تراثية قيمة تتجلى في صومعته الشاهقة ذات العشرة أمتار التي تعتبر رمزًا لدولة موريتانيا وذات البناء المتميز، حتى أضحت تحفة تراثية خالدة على مر السنين.
إلى جانب شنقيط نجد مدينة وادان التي تعرف بحصنها المنيع ومكتباتها العتيقة ووديانها البهية، لذلك جاء اسمها تثنية وادٍ، وادي علم ووادي تمر، وتعكس مدينتها القديمة ودورها الضاربة في القدم وسورها ذو الأبواب الأربع الذي ما زالت بقاياه قائمة إلى الآن، جزءًا من حضارات وأمم مرت بصحراء موريتانيا على امتداد التاريخ، مقدمة لزائرها صورةً عن ماضٍ مزدهر وعمران فريد، تأقلم مع الصحراء.
هناك يمكن للسائح أن يتعرف على عظمة الفن المعماري الذي بلغته الحضارة الموريتانية، من خلال زيارة قلعة وادان ومسجدها وبيوتها العتيقة التي شيدت بالحجر الجيري ويغطي جدرانها الطين الأحمر، وأبوابها المصنوعة من خشب السنط الأحمر الأصلي وتؤطرها زخارف ورسوم وأقواس وأشكال هندسية مختلفة.
لك أن تزور أيضًا مدينة “تيشيت” – حاضرة العلم والتجارة ومحطة للقوافل في ساحل إفريقيا – مدينة تحكي تاريخًا طويلًا، طرقات كانت القوافل التي تحمل الكتب والملح والعطور تتخذها قبل قرون ولعدة قرون.
تشتهر المدينة بمسجدها العتيق ومنارته الشهيرة التي يبلغ ارتفاعها 16 مترًا، فضلًا عن أزقتها وممراتها الضيقة المتعرجة التي تروي لك قصصًا تمتد لمئات السنين، وجهود سكان تحدوا قساوة الطبيعة، سكان نحتوا من الجبال الحجارة للبناء واستغلوا البطاح لاستخراج الملح وتسويقه عبر قوافل تجوب إفريقيا وأصقاع البلاد الفسيحة.
نتوجه قليلًا إلى عمق الصحراء الموريتانية بالقرب من الحدود المالية، حيث نجد مدينة “ولاتة” التي ظلت عبر عدة عصور، محطة إشعاع علمي وحضاري وملتقى للتجارة بين العالم العربي وإفريقيا، وتضم كغيرها من مدن موريتانيا التاريخية مكتبات تحوي مئات المخطوطات والتحف الفنية التي تقدم للقارئ والباحث نبذة تاريخية كافية عن الحضارة الصحراوية التي قامت على هذه الأرض منذ عدة قرون.
حدائق ومحميات
إلى جانب المدن الأثرية لك أن تتمتع عند زيارة موريتانيا بحدائقها الطبيعية ومحمياتها الوطنية، ففي شمال صحراء البلاد، بين رأس تيميريس وخليج الكلب، يقع حوض آركين تلك السبخة الموحلة التي يجلها الباحثون والعلماء وتم إعلانها حظيرة وطنية محمية.
تمتد هذه المحمية على طول 180 كيلومترًا، وتشكل بتنوعها البيئي والطبيعي إحدى أهم المحميات البيئية في المنطقة، وأكبر مصائد الأسماك حول العالم، كما أنها ملجأ طبيعي تهاجر إليه سنويًا ملايين الطيور من سيبيريا وشمال أوروبا وغرينلاند.
هناك يمكن لمحبي الطبيعة أن يجدوا أسراب البجع الأبيض والخطاف الملكي والبقويق الأشقر والنحام الوردي، فضلًا عن أنواع نادرة من الكائنات البحرية كالدلافين والعقارب البحرية وسمك البوري الأصفر وسمك السلّور والسلاحف البحرية وغيرها، كما يمكنهم أن يشاركوا صيادي “أيمراكن” متعة الصيد في مياه الأطلسي باستخدام الشباك المحمولة على الكتف أو الصيد بالقوارب الشراعية.
أما في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، وعلى ضفاف نهر صنهاجة، نهر السنغال، الذي يغذي دولًا إفريقيةً عدة بمياه الشرب والري وفي عمق الأراضي الزراعية الخصبة عند مصب النهر في المحيط الأطلسي، تقع حديقة جاولينغ الطبيعية.
في هذه الحديقة يمكن للزائر أن يشاهد مباشرة عشرات الأنواع من الطيور النادرة منها طائر مالك الحزين واللقلق والبلشون الأبيض والنعام والأوز والبط البري والمائي، إلى جانب أنواع متعددة من الحيوانات والكائنات البحرية.
كما يمكنه أيضًا أن يتمتع بجمال الطبيعة الموريتانية، حيث تتدفق الشلالات من الوديان والبحيرات المتناثرة هنا وهناك، فتشكّل روافد مائية تحيط جوانبها النباتات والعشب والأشجار، والجروف الصخرية التي تعلوها الكثبان.
بنية تحتية متردية
نلاحظ أن موريتانيا تتمتع بطبيعة خلابة – حيث الصحاري والواحات والوديان والشلالات وشواطئ الأطلسي والحيوانات النادرة – كما تتمتع ببيئة تقليدية – حيث العمارة القديمة والمخطوطات التاريخية والعادات الضاربة في القدم -، مع ذلك فإنها تستقبل عددًا قليلًا من السياح.
يتوقع المسؤولون في هذا البلد العربي أن تصل أعداد السياح هذه السنة إلى نحو 5 آلاف سائح، مقارنة بنحو 20 ألف سائح في السنوات الماضية قبل انتشار وباء كورونا، وهي أعداد قليلة جدًا مقارنة بما تحتويه البلاد من عوامل جذب سياحي كثيرة.
يعود السبب الأساسي لانخفاض أعداد السياح الوافدين إلى موريتانيا إلى تردي البنية التحتية في البلاد، فلا توجد طرقات متقدمة ولا توجد مطارات أو موانئ لها أن تستقبل أعدادًا كبيرةً من السياح الراغبين في زيارة البلاد.
كما تفتقر البلاد إلى المنشآت السياحية المتطورة، فلا تحتوي إلا على عدد قليل من النزل التقليدية التي تقدم خدمات بسيطة لا تلبي حاجة السياح، فالدولة لم تستثمر في قطاع السياحة بالطريقة المطلوبة ولا الخواص أيضًا، فلا يوجد اهتمام كافٍ بهذا القطاع.
عدم اهتمام الدولة بالقطاع السياحي، أثر بشكل كبير على مدن البلاد التقليدية، فتراجعت أعداد المكتبات القديمة وانهارت العديد من المعالم المعمارية وفقدت أصالتها، حتى السواحل لم تهتم بها الدولة ما أثر عليها.
ويصنف البنك الدولي موريتانيا “ضمن الدول الأقل تطورًا”، فتحتل المرتبة 160 من أصل 189 دولة شملها التصنيف، حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري، لافتقارها لأبسط مقومات الدولة.
البعد الأمني
عدم قدوم السياح لموريتانيا بنفس الأعداد التي تأتي لجارتها الشمالية المغربية، يعود أيضًا إلى الجانب الأمني، ذلك أن القطاع السياحي يعتبر بامتياز ضحية الإرهاب الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة، وما زال يضرب دول المنطقة.
شهدت موريتانيا في سنوات 2005 و2007 و2008 هجمات إرهابية دامية خلفت عشرات القتلى والجرحى من العسكريين، علاوة على مقتل 4 سياح فرنسيين في 24 من ديسمبر/كانون الأول 2007، في مدينة “ألاك” (250 شرق نواكشوط)، إلى جانب اختطاف رعايا أجانب، بينهم إسبان شمال نواكشوط، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2009.
أدت هذه الهجمات إلى تراجع إقبال السياح الأجانب على موريتانيا، وقرر الاتحاد الأوروبي، سنة 2008 حظر سفر مواطنيه إلى موريتانيا، كما وضعت الخارجية الفرنسية مناطق واسعة من البلد الإفريقي في “القائمة الحمراء” الخطيرة للمناطق التي يمنع على الفرنسيين زيارتها.
رغم تحول موريتانيا من الحلقة الأضعف في منطقة الساحل والصحراء المشحونة بالأزمات إلى واحدة من الحلقات الأكثر صلابة، فإنها ما زالت معنية بخطر الإرهاب، لذلك يعدل العديد من السياح عن القدوم إليها خشية الوقوع في مصيدة الجماعات المسلحة.
يتطلب النهوض بالقطاع السياحي، من الدولة الموريتانية القيام بمجهودات أكبر تمس البنية التحتية المتعلقة بالقطاع فضلًا عن التسويق للمنتج السياحي الوطني والتعريف به خارجيًا وداخليًا، إلى جانب فرض الأمن في البلاد.