عُرفت الدول الغربية والشركات التجارية التابعة لها منذ القدم بازدواجيتها، فهي تروج للسلام والعدالة والديمقراطية وتضمر مفاهيم ومصالح أخرى، ويظهر هذا الزيف مثلًا في حرب اليمن، حيث نجدُ هذه الدول وعلى رأسها فرنسا تنادي بوقف إطلاق النار وضرورة إرسال المساعدات لشعب اليمن المنكوب، وفي الوقت ذاته تواصلُ شركاتها العسكرية بيع أسلحة لدول التحالف العربي، أثبتت التقارير استعمالها في قتل اليمنيين وتدمير بلادهم.
تورُّط فرنسا في حرب اليمن
رغم الهجمات الموثَّقة على منازل المدنيين والأسواق والمستشفيات والمدارس التي نفّذها التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات، استمرت العديد من الشركات الفرنسية في تزويد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالأسلحة والذخيرة والدعم اللوجستي.
مؤخرًا، أعلنت 3 منظمات غير حكومية تقديم شكوى في باريس ضد شركات فرنسية، وهي “داسو” و”تاليس” و“إم بي دي آ فرانس” بتهمة “التواطؤ في جرائم حرب”، لبيعها السعودية والإمارات العربية المتحدة أسلحة اُستخدمت ضد مدنيين في اليمن.
تصدّر هذه الشركات الفرنسية الثلاث أسلحة إلى التحالف العسكري بقيادة السعودية، وهي على علم بأنه يرتكب جرائم حرب منذ عام 2015 في اليمن، وفق المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، أحد الأطراف المدنية في الشكوى.
لا يمكن أن تخاطر فرنسا بخسارة حليفَين بثقل السعودية والإمارات لنصرة منظمات حقوقية تدعو إلى وقف تصدير الأسلحة لليمن
سمحت مجموعة “داسو” -المختصة في صنع الطائرات الحربية- مثلًا بشنّ هجمات “ضد مدنيين وبنى تحتية مدنية”، وذلك وفق المنظمات الثلاثة التي قدّمت الشكوى، وهي المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومواطنة لحقوق الإنسان ومنظمة الشيربا.
تمّت مشاركة “داسو” في الحرب عبر بيع وخصوصًا تأمين صيانة 59 طائرة ميراج حصلت عليها الإمارات المشاركة في التحالف، ما سمح بمواصلة “تشغيلها”، كما تقول المنظمات إن بيع الإمارات 80 طائرة رافال في ديسمبر/ كانون الأول يمكن تفسيره بأنه “تشجيع” على ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
ونهاية السنة الماضية وقّعت الإمارات وفرنسا اتفاقية لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال، على هامش زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دبي، وتُعتبر هذه أكبر طلبية خارجية للطائرات الفرنسية المقاتلة منذ دخولها الخدمة عام 2004.
شكوى جنائية مقدمة ضد شركات أسلحة فرنسية،
لبدء تحقيق جنائي في شركات الأسلحة داسو للطيران (Dassault Aviation) وطاليس (Thales) و(MBDA- #فرنسا) لضلوعها المحتمل في جرائم حرب وجرائم مزعومة ضد الإنسانية في #اليمن #اليمن_لا_يحتمل_الإنتظار
https://t.co/XtwefEPpqH pic.twitter.com/BcCSRd7leR— مواطنة لحقوق الإنسان (@MwatanaAr) June 2, 2022
أما شركة “إم بي دي آ فرانس” فهي مستهدَفة لتصديرها صواريخ “سكالب”، وهو صاروخ شبحي مخصَّص لضرب الأهداف الحيوية والاستراتيجية العالية القيمة الواقعة في عمق أراضي العدو، مثل المطارات والقواعد الجوية ومحطات الإنذار المبكِّر ومراكز القيادة والسيطرة، وبطاريات الدفاع الجوي، ومراكز القيادة والتحصينات.
تُتهم “تاليس” بتزويد السعودية والإمارات بنظام التوجيه الصاروخي “داموكليس وتاليوس”، ويسمح نظام التوجيه الموجود تحت الطائرات المقاتلة للطيارين بتوجيه جميع أنواع الصواريخ، وهو ما أدّى إلى مقتل الكثير من اليمنيين.
كيف ستتحرك الحكومة الفرنسية؟
تعلم الشركات الفرنسية يقينًا أن أسلحتها التي تُباع للإماراتيين والسعوديين سيتم استعمالها في اليمن، ويعلمون أيضًا أن هذه الأسلحة سهّلت ارتكاب عدة جرائم يمكن وضعها في إطار جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وسبق أن تمكّنت منظمة Disclose من التوصُّل إلى تسريبات لعدد من الوثائق التي تندرج ضمن تصنيف “الدفاع السرّي”، تكشف عن جداول وخرائط تخصّ مناطق الدعم، وتفصح لأول مرة عمّا تحاول الحكومة الفرنسية إخفاءه: القائمة التفصيلية للأسلحة الفرنسية المتورطة في الحرب في اليمن، من دبابات وقاذفات صواريخ ورادارات وعربات مدرَّعة ومروحيات ومدافع.
رغم تعرُّض باريس لانتقادات كثيرة في السنوات الأخيرة على خلفية استخدام أسلحتها في حرب اليمن، إلا أنها لن تعدل عن بيع الأسلحة ودعم الأنظمة في السعودية والإمارات
يعتبر الجيش السعودي الأعلى استيرادًا للأسلحة الفرنسية خلال عام 2020 بطلبات فاقت 703 ملايين يورو، أما الإمارات فقد جاءت في المرتبة الخامسة من بين الزبائن الأكثر أهمية للصناعات الدفاعية الفرنسية في فترة 2011-2020، مع طلبات شراء بلغت قيمتها 4.7 مليارات يورو، بحسب تقرير تمَّ تقديمه للبرلمان حول صادرات الأسلحة الفرنسية.
لا يمكن أن تخاطر فرنسا بخسارة حليفَين بثقل السعودية والإمارات لنصرة منظمات حقوقية تدعو إلى وقف تصدير الأسلحة لليمن، فالحكومة الفرنسية لا يهمّها شيئًا بقدر ما يهمّها إبرام المزيد من الصفقات وخلق حروب جديدة لتصدير أسلحتها والاستفادة من الأرباح والعوائد المادية.
دمار كبير
تسبّبت الضربات الجوية للتحالف في دمار رهيب في اليمن، حيث تتفاقم الأزمة اليمنية بفصولها الدامية التي تخلّفُ يوميًّا قتلى وجرحى ودمار وجوع يطال مختلف المناطق، لتتحول الأزمة إلى مأساة دامية بمساهمة الأسلحة الغربية.
مكّنت الأسلحة التي أنتجتها وصدّرتها فرنسا للتحالف من ارتكاب هذه الجرائم، حيث وثّقت المنظمة اليمنية “مواطنة” “ألفَ هجوم على المدنيين”، خلّفت “ما لا يقل عن 3 آلاف قتيل و4 آلاف جريح” بسبب “الأسلحة الحديثة” التي بيعت للإمارات والسعودية، حسب مديرها التنفيذي عبد الرشيد الفقيه.
تسبّبت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة، إذ يوجد 17.4 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 1.2 مليون عن العام الماضي، كما أصبح 31 ألف يمني في التصنيف الخامس للجوع، وهي مرحلة كارثية تقتربُ من المجاعة.
أزمة إنسانية بسبب الحرب في #اليمن والعالم يدير ظهره…..
فأين راعية السلام #أمريكا
أين منظمات #حقوق_الإنسان
أين دعاة #الدين
أين حكام #العرب
حرب اليمن عرت دعاة الإنسانية والسلام و اكدت إنما هي شعارات لخداع الشعوب وتخديرها على مر العصور وحتى اليوم !#علي_المهري pic.twitter.com/aptwC0OXaO— علي المهري (@almhryly773) May 26, 2022
كما تسبّبت الحرب في مقتل مئات آلاف الأشخاص ونزوح ملايين السكان عن منازلهم نحو مخيمات مؤقتة، وإلى الآن لا يُعرَف موعد انتهاء الحرب رغم مرور شهرَين على الهدنة التي تمَّ إقرارها بين أطراف النزاع برعاية الأمم المتحدة.
تستخدم دول التحالف، مدعومةً من الغرب، العديد من التقنيات والأسلحة المتطورة في حربها في اليمن، من بينها الطائرات والمدفعيات والرشاشات والسفن الحربية والغواصات والشاحنات المدرَّعة، وغيرها من الأسلحة الغربية الفتّاكة.
من شأن دعم باريس الضمني للتحالف العربي أن يؤدي إلى إطالة أمد النزاع في اليمن، الذي بدأ في مارس/ آذار 2015 بعد تدخُّل التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين، الذين طردوا الحكومة من العاصمة صنعاء.
تستفيد فرنسا وشركاتها بشكل غير مباشر من إطالة أمد الحرب في اليمن، فما دامت هناك حرب فهناك صفقات أسلحة جديدة، وهذا الذي يهمُّ الحكومات الأوروبية مهما ادّعت دفاعها عن حقوق الإنسان ووقوفها إلى جانب الفئات المستضعفة.
رغم تعرُّض باريس لانتقادات كثيرة في السنوات الأخيرة على خلفية استخدام أسلحتها في حرب اليمن، إلا أنها لن تعدل عن بيع الأسلحة ودعم الأنظمة في السعودية والإمارات، فنهج الغرب واضح أين وُجدت مصلحته تغيرت لهجته وتبدلت مبادئه، وما الحديث عن حماية حقوق الانسان إلا غاية استعراضية.