ترجمة وتحرير: نون بوست
حثّ القادة الأوروبيون هذا الأسبوع الدول الإفريقية والشرق أوسطية على عدم قبول دعاية الكرملين التي تُلقي اللوم على الغرب في تفاقم أزمة الغذاء العالمية، وهي أزمة سبق أن حذر الاتحاد الإفريقي منها فيما اعتبره مخاطر “سيناريو كارثي” في قارة يقدّر عدد سكانها بـ 282 مليون نسمة بالكاد يحصلون على ما يكفيهم من الغذاء.
ونتيجة حصار الكرملين للموانئ الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا تلوح كارثة في أفق إفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني والروسي. وبات القادة الأفارقة في أَمَسّ الحاجة لأن يضعوا جانبًا لعبة إلقاء اللوم ويبحثوا عن حلول عمليّة.
في الوقت الحالي، تعتمد حوالي 50 دولة على روسيا وأوكرانيا لتوفير 30 بالمئة على الأقل من وارداتها من القمح. ووفقًا لمنظمة الزراعة والتغذية التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، فإن 36 من هذه الدول تستورد 50 بالمئة من قمحها من هذين البلدين.
فاقمت الحرب الروسية على أوكرانيا الاضطرابات الشديدة التي تعرضت لها سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية: إذ أن الجفاف في فرنسا والولايات المتحدة والهند والقرن الإفريقي قلّل من المحاصيل؛ وينضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة التي زادت ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزادت ندرة السلع. وكما كان متوقّعًا، ألقت موسكو باللوم على العقوبات الغربية بالتسبّب في هذه الأزمة العالمية للغذاء.
خلال الأسبوع الماضي، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز عن استعداده للمساعدة في تخفيف الأزمة، وأنه مستعدّ للإفراج عن مخزونات الغذاء فقط في حال التراجع عن العقوبات. يشكو الكرملين من أن العقوبات أغلقت الموانئ الغربية أمام السفن الروسية، ووجد المستوردون صعوبة في شراء الحبوب من روسيا نظرًا للعقبات التي تواجههم في تأمين السفن وتسديد المدفوعات للشركات الروسية.
وعلى نفس النهج، سار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي صرّح يوم الثلاثاء بأنه في حالة قيام أوكرانيا بإزالة الألغام المزروعة في المياه الساحلية لمدينة أوديسا، فإن روسيا ستسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية مجانًا عن طريق السفن العالقة حاليّا في الموانئ الأوكرانية.
وكان رد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن قال: “ألا يمكنك إيجاد مثالٍ أفضل للابتزاز؟”، إذ أنه يرى أن حرب الحبوب التي لجأت إليها روسيا تهدف إلى اختبار العزم الغربي وضرب تماسكه تمامًا مثل مواجهات الطاقة، وهو أمر مشابه لمخاطر المجاعة التي تأتي مع احتمال حدوث أزمة هجرة أخرى؛ في حين يتّهم آخرون الكرملين بذرف دموع التماسيح وهو يخوض هذا الصراع الروائي مع الغرب حول من يقع عليه اللوم.
ولكن هناك حاليًا إحباط متزايد بين الحكومات الإفريقية والشرق أوسطية التي وجدت نفسها عالقة في خضم أزمة لا دخل لها فيها وتتعرض للضغط من أجل الانحياز إلى أحد الجانبين، وهو ما جعلها حسب مجموعة الأزمات الدولية تعاني في مثل هذه الأوقات العصيبة من أزمات اقتصادية وسياسية وإنسانية فورية وخطيرة.
بالنسبة لكثير من القادة الأفارقة، تمثل أزمة الغذاء رمزيةً للكيفية التي تتعامل بها القوى الغربية مع القارة السمراء – بإيلائها الاهتمام حين حاجتهم إليها وتجاهلها حين لا يكون لهم مصلحة وتوقّع أن تنظر القارة إلى العالم بأعين أوروبا
في جميع أنحاء المنطقة وداخل البلدان الغارقة في حرب أهلية، يتجنّب الفاعلون السياسيون الاصطفاف بشكل علني مع الجانب الروسي أو مع الجانب الأوكراني الغربي مفضِّلين في الوقت الحالي الحيطة والحذر في رهاناتهم.
وبالعودة إلى شهر آذار/ مارس، نجد أن 17 دولة أفريقية انضمّت إلى 18 دولة أخرى للامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي على أوكرانيا، وكان بالإمكان أن يصبح عدد هذه الدول التي امتنعت عن التصويت أكبر لولا الضغوطات الدبلوماسية الغربية خلف الكواليس والاستفادة من العلاقات الوثيقة مع بعضها، ما جعل الأمر يبدو وكأن معظم الدول الأفريقية – 28 من أصل 54 – أيّدت القرار، وفقًا لبعض المراقبين.
ومن بين الدول التي وافقت على القرار، كانت بعضها بشكل علني وصريح تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، غير أن معظمها فضّلت التزام الصمت ومراقبة الوضع في هدوء. ومن بين الممتنعين عن التصويت، السنغال وهي دولة أفريقية تعتبر صديقة للغرب حذّر رئيسُها ماكي سال القادةَ الأوروبيين هذا الأسبوع من أن أزمة الغذاء مقلقة وأن رواية روسيا بشأن من يقع عليه اللوم قد تكتسب جاذبية في إفريقيا. وقبل أيام قليلة فقط، وبينما كانت زيارة شولتز جارية، حذر سال بالفعل من أن “الأفارقة لا يريدون أن يكونوا متحالفين بشأن هذا الصراع، ولكن من الواضح أننا نريد السلام، وعلى الرغم من إدانتنا للغزو، فإننا نعمل من أجل وقف التصعيد ومن أجل وقف إطلاق النار، من أجل الحوار … هذا هو الموقف الإفريقي”.
على مدى السنوات القليلة الماضية، قام الكرملين بإحياء علاقاته مع الدول الإفريقية وعزّز التعاون الاقتصادي والعسكري – خاصة مع الدول التي كانت تتمتع في السابق بعلاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي الذي لطالما دعّم الحركات الاشتراكية ونضالات التحرر الوطني في جميع أنحاء إفريقيا.
في سنة 2019، استضاف بوتين القمة الروسية الأفريقية الأولى للقادة السياسيين ورجال الأعمال، وهو الحدث الذي سعى مسؤولو الكرملين إلى الترويج له باعتباره تأكيدًا على إبطال انسحاب روسيا من القارة. وقد تضمنت الخبرة الأمنية المعروضة حتى الآن متعاقدين عسكريين روس وخبراء في المعلومات المضللة يساعدون في دعم الحكومات الفاشلة أو الفاسدة أو الاستبدادية، وهم يساعدون في اكتساب رواية روسيا حول الحرب في أوكرانيا بعض الزخم سعيًا منهم في إثارة الشكوك حول تكتيكات الغرب وأهدافه بشأن القارة.
بالنسبة لكثير من القادة الأفارقة، تمثل أزمة الغذاء رمزيةً للكيفية التي تتعامل بها القوى الغربية مع القارة السمراء – بإيلائها الاهتمام حين حاجتهم إليها وتجاهلها حين لا يكون لهم مصلحة وتوقّع أن تنظر القارة إلى العالم بأعين أوروبا.
لا تقتصر المؤشرات المقلقة بشأن انعدام الأمن الغذائي على أفريقيا فحسب، ففي سريلانكا أدى ارتفاع التضخم إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية ونقص حاد في الغذاء والوقود أيضًا
صدم انتهاك روسيا للمعايير العالمية الكثيرين في أفريقيا، إلا أنهم قلقون حاليًا بشأن احتياجاتهم ومصالحهم الحالية – من المجاعات إلى الحروب والصراعات. ويشتكي الدبلوماسيون من أفريقيا والشرق الأوسط من أن نظراءهم في الأمم المتحدة وأماكن أخرى يوجهون النقاشات نحو أوكرانيا وأن كل ما يشغل بالهم حاليًا الأحداث في أوروبا.
أخبرني مبعوث أفريقي في بروكسل: “ما لا يبدو لنا أنهم يقدرونه هو أنه يبدو لنا أنهم يقولون إن حياة الأوروبيين أكثر أهمية من حياة الأفارقة”، وأضاف: “يأتي إلينا كل من شولتز والإيطالي ماريو دراجي للبحث عن طرق لتنويع مصادر الطاقة لبلديهما – حسنًا، نحن في المقابل بحاجة إلى المساعدة في الغذاء”.
بينما تتعهد القوى الغربية بتقديم أموال لدعم أوكرانيا، أصبح تأمين المساعدات الخارجية لأفريقيا أكثر صعوبة علما بأن أزمة الغذاء الشاملة قد تؤدي إلى حصيلة قتلى أعلى مما قد يُسجل في حرب أوكرانيا.
حذّر عبد الرحمن عبد الشكور ورسامي، المبعوث الصومالي الخاص للقضايا الإنسانية، في مؤتمر صحفي انعقد يوم الإثنين في مقديشو من أن أكثر من 6 ملايين صومالي في 72 من أصل 84 مقاطعة في البلاد قد تضرروا بالفعل من الجفاف القياسي، الذي يتحول بسرعة إلى مجاعة قد تسفر قريبا بدورها عن وفيات. وأشار إلى أن الأمم المتحدة ووكالات المعونة الأخرى طلبت 1.4 مليار دولار للإغاثة من الجفاف لكنها لم تتلق حتى الآن سوى 58 مليون دولار، ملقيًا باللوم جزئيًا على الحرب في أوكرانيا في إرهاق المانحين.
أما بالنسبة للدول المجاورة، فهي أيضًا عرضة للخطر بما في ذلك أثيوبيا وكينيا وكذلك نيجيريا حيث تتجاوز أسعار المواد الغذائية الأساسية القدرة الشرائية للأسر المتوسطة. سُجّل أيضًا نقص في المكونات الأساسية لعلف الماشية مثل الذرة بسبب انخفاض المحاصيل، ناهيك عن أن ارتفاع تكلفة المواد غير العضوية والفيتامينات المستخدمة في إنتاج الدواجن يؤدي إلى ارتفاع أسعار البيض والدجاج.
ولا تقتصر المؤشرات المقلقة بشأن انعدام الأمن الغذائي على أفريقيا فحسب، ففي سريلانكا أدى ارتفاع التضخم إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية ونقص حاد في الغذاء والوقود أيضًا.
بدأ القادة الغربيون الآن في محاولة تسليط الضوء على أوجه التشابه بين كفاح أوكرانيا لتكون سيدة مصيرها بعيدًا عن تدخل قوة إمبريالية مثل روسيا، ومع نضالات الدول الأفريقية والآسيوية للهروب من الاستعمار. كما أكدوا أن المواد الغذائية والأسمدة والبذور معفاة من العقوبات المفروضة على روسيا. ولكن ما لم يأتِ الغرب بمخططات عملية وسريعة للمساعدة في التخفيف من حدة المجاعة والجوع اللذان تفاقما بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن بعض القادة يعترفون الآن بأن هذه الرواية مهددة بالفشل إلى حد كبير.
المصدر: بوليتيكو