ترجمة وتحرير: نون بوست
وصل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى العاصمة الهندية هذا الأسبوع للاحتفال بمرور 30 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، حيث التقى بنظيره راغناث سينغ ورئيس الوزراء ناريندرا مودي “بهدف توسيع وتعزيز التعاون بين المؤسستين”. رافق غانتس في رحلته عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين من مديرية البحث والتطوير الدفاعية بوزارة الدفاع وكذلك من مكتب الشؤون السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى ممثلين عن صناعات الأسلحة الإسرائيلية.
خلال السنوات الأخيرة، أولت الحكومة الإسرائيلية أهمية كبيرة لسوق الأسلحة الهندية كأكبر عميل لها في توريد المعدات العسكرية وربما الأكثر موثوقية. ووفقًا لمراقبي الأسلحة، تعد الهند أكبر مشترٍ للأسلحة إسرائيلية الصنع بإنفاق يتجاوز المليار دولار سنويًا.
منذ سنة 2017، أصبحت الهند أيضًا شريكًا استراتيجيًا ومنتجًا مشاركًا للأسلحة الإسرائيلية. وعلى امتداد السنوات الخمس الماضية، أجرى البلَدان تدريبات عسكرية مشتركة واستضافا تدريبات للشرطة والجيش وتبادلا الزيارات، لكن الأمر لم يكن دائما على هذا النحو. فإلى غاية سنة 1992، لم يكن للهند أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وتوضح الرسوم البيانية أدناه كيف تطورت تجارة الأسلحة في الهند وعلاقاتها مع “إسرائيل” على مدار الثلاثين عامًا الماضية.
لمحة تاريخية
مع أن الصفقات العسكرية لم تتضاعف إلا بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية، كانت تجمع بين الطرفين علاقات سرية قبل سنة 1992. زوّدت “إسرائيل” الهند بالأسلحة في سنة 1962 وكذلك في 1965 في حروبها ضد الصين وباكستان. وبحلول أوائل السبعينيات، انبهرت المؤسسة العسكرية الهندية بالتكنولوجيا الإسرائيلية وافتنت بها. وبعد عدة محادثات بين القادة العسكريين في أوائل التسعينيات، وافقت الهند على تعيين تل أبيب ملحقًا عسكريًا في 1995. في عام 1999، قدمت “إسرائيل” للهند مساعدة عاجلة في حربها مع باكستان، وهي الخطوة التي جعلت من “إسرائيل” شريكا عسكريا موثوقا به.
تحسّن العلاقات بعد الحرب الباردة
منذ نهاية الحرب الباردة، سعت الهند إلى تنويع موّردي الأسلحة ولا تزال روسيا أكبر مورّد لها، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة الذين يُعدّون أيضًا من بين المورّدين الرئيسيين، لكن علاقة الهند بـ”إسرائيل” هي التي كانت واعدة.
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، بلغ الإنفاق العسكري للهند في سنة 2021 ما يقارب 76.6 مليار دولار، وهو ثالث أعلى معدل في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. وما بين 2017 و2021، كانت الهند والمملكة العربية السعودية أهم مستوردين للأسلحة في العالم، إذ يمثل كل منهما 11 بالمئة من التجارة العالمية.
أدت الأعمال العدائية المتزايدة بين الهند والصين إلى انطلاق سباق تسلح فعلي بين الطرفين. وفي سنة 2021، شكّلت الهند والصين حوالي 63 بالمئة من إجمالي الإنفاق العسكري لمنطقة آسيا وأوقيانوسيا، وفي هذا الشأن صرّح معهد سيبري في نيسان/ أبريل بأن “التأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 لم تضع حدًا للاتجاه التصاعدي المستمر في الإنفاق العسكري العالمي الذي شهدناه منذ 2015”.
الهند مورّد للأسلحة الإسرائيلية
ما بين 1997 و2000، استأثرت الهند بـ 15 بالمئة من إجمالي الصادرات العسكرية الإسرائيلية. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زادت هذه النسبة إلى 27 بالمئة بفضل توسيع الهند لقائمة وارداتها مثل تجهيزات المراقبة والطائرات المسيرة وصواريخ أرض-جو. وما بين 2000 و2010، أنفقت الهند 10 مليارات دولار على الأسلحة الإسرائيلية.
ومنذ وصول ناريدرا مودي إلى السلطة في سنة 2014، كانت 42.1 بالمئة من صادرات “إسرائيل” العسكرية موجهة إلى الهند، مقابل 13.9 إلى أذربيجان و8.5 إلى فيتنام و6.2 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يمثلون بقية عملائها. ووفقا لمعهد سيبري، زادت شحنات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند بنسبة 175 بالمئة ما بين سنة 2015 و2019.
في غضون ذلك، ارتفعت صادرات “إسرائيل” من الأسلحة بنسبة 19 بالمئة بين 2012 و2016 وبين 2017 و2021، كما زاد إنفاقها على التسلّح بنسبة 3.1 بالمئة. لكن العلاقة العسكرية بين الطرفين تجاوزت تصدير المعدات العسكرية. ففي سنة 2019، وبعد أن ضمّت الهند كليًّا إقليم كشمير المتنازع عليه، اقترح دبلوماسي هندي كبير في الولايات المتحدة تطبيق الهند للنموذج الإسرائيلي في المنطقة، في إشارة إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
وقّعت الهند وإسرائيل في سنة 2020 اتفاقية لتوسيع التعاون في مجال الأمن السيبراني. قال حينها إيغال أونا، المدير العام لإدارة الإنترنت الوطنية الإسرائيلية، إن توسيع التعاون مع الهند خطوة مهمة أخرى في مواجهة التهديدات السيبرانية العالمية. ووفقا لصحيفة “ذا هيندو”، تمّ تحديد الأمن السيبراني كمجال مهم للتعاون خلال زيارة مودي لإسرائيل في تموز/ يوليو 2017.
في وقت سابق من هذه السنة، زعم تحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أنه أثناء زيارة مودي في 2017 قامت الهند بشراء برنامج “بيغاسوس” الذي استُخدم في اختراق الحسابات الشخصية لـ 300 هندي، بمن فيهم نشطاء وصحفيون وقادة من المعارضة.
ما هي الأسلحة التي تقتنيها الهند من “إسرائيل”؟
تمثّلت أولى عمليات الشراء التي قامت بها الهند من “إسرائيل” في زورقين سريعين للدوريات الأمنية من طراز “سوبر دفورا إم.كيه II”، وكان ذلك في منتصف السبعينات. وسرعان ما شرعت نيودلهي في استيراد معدات دفاع متطورة بما في ذلك الطائرات الإسرائيلية المسيّرة من طراز ” سيرتشر” و”هيرون”، وكذلك الطائرات المسيّرة المسلحة وأنظمة الصواريخ وأجهزة الاستشعار، والأنظمة الكهروضوئية أو أسلحة هجوم تافور التي تستخدمها القوات الخاصة الهندية في كشمير المحتلة.
ما بين 2014 و2021، تلقّت الهند من “إسرائيل” معدات رادار لرصد الطائرات المقاتلة، وطائرات مسيّرة مسلحة وصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض – جو، بالإضافة إلى معدّات أخرى. وحسب المعلومات الواردة، يمتلك الجيش الهندي 108 طائرة مسيّرة إسرائيلية من نوع “سيرتشر” و68 من نوع “هيرون” غير المسلحة. كما تمتلك أيضًا العديد من الطائرات المسيّرة من نوع “هاربي” المعروفة أيضًا باسم الطائرات المسيرة الانتحارية.
“تواصل “إسرائيل” احتلال الأراضي الفلسطينية على مدى أكثر من 70 عاما، حيث يعيش ملايين الفلسطينيين تحت رحمة هذه السلطة العسكرية مجرّدين من حقوقهم المدنية. إنها كيان فصل عنصري واستعماري استيطاني ينفذ نشاطاته غير الشرعية ويفلت من العقاب بسبب الدعم الذي يتلقاه من بعض الدول والشركات”، وذلك حسب ما ورد في تقرير نشره فرع “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” في الهند في سنة 2020، بالتعاون مع منظمة “بيبلز ديسباتش” وموقع “نيوزكليك”.
بالتزامن مع بداية انتشار جائحة كوفيد-19 في أوائل 2020، طلبت حكومة مودي 16479 رشاشًا خفيفًا من طراز “نيجيف”، وهو ما أثار غضبًا بين بعض النشطاء في الهند. وفي ضرباتها العسكرية في باكستان في 2019، استخدمت الهند قنابل من طراز “سبايس 200” إسرائيلية الصنع.
وفي السنة الماضية، وخلال مواجهتها مع الصين، استأجرت الهند أربع طائرات مسيّرة من طراز “هيرون تي بي” متوسطة الإرتفاع وطويلة التحمل من شركة صناعات الطائرات الإسرائيلية، ثم قامت لاحقًا بشرائها بشكل نهائي.
الإنتاج المشترك للأسلحة
على مدى العقد الماضي، أولت الهند أولويةً لتحديث قواتها المسلحة وركزت بشكل كبير على الاعتماد الذاتي في إنتاج الأسلحة بما يتماشى مع خطة مودي “صنع في الهند”. وحسب معهد سيبري: “في محاولة لتعزيز صناعة الأسلحة المحلية تم تخصيص 64 بالمئة من نفقات الميزانية العسكرية الهندية لسنة 2021 لحيازة أسلحة منتجة محليًا، وكجزء من هذا المسعى، عملت الهند مع “إسرائيل” لإنتاج الأسلحة بشكل مشترك”.
في سنة 2017، أنشأت شركة صناعة الأسلحة الإسرائيلية وشركة البناء الهندية “بونج لويد” أول مصنع خاص للأسلحة الصغيرة في مالانبور تحت اسم “بونج لويد راكشا سيستمز” أو مجموعة “بي إل آر سيستمز”.
ووفقًا لمجموعة “بي إل آر سيستمز” – وهي أيضًا مشروع مشترك مع مجموعة أداني ومجموعة إس كيه – ينتج المصنع رشاش “تافور” ورشاش “إكس 95” ورشاش القنص “آي إم آي غاليل” ومسدس “نيجيف” الأوتوماتيكي، ومسدس رشاش “أوزي أو عوزي” الذي يستخدمه الجيش الهندي بما في ذلك القوات الخاصة، وكلها أسلحة إسرائيلية الصنع.
في وقت لاحق من سنة 2017، بدأت شركة “كراس”، وهي مشروع مشترك بين شركة “كيليان ستراتيجيك سيستمز” الهندية وشركة “رافاييل أدفانسد سيستمز” الإسرائيلية، في تصنيع صواريخ “سبايك” الموجهة وهي صواريخ مضادة للدبابات بغرض تزويد الجيش الهندي بها، وقد كانت أول شركة خاصة تنتج الصواريخ في الهند.
في سنة 2019، تلقّت “كراس” طلبا بقيمة 100 مليون دولار لإنتاج صاروخ “باراك 8″، وهو صاروخ أرض-جو بعيد المدى، وذلك لصالح البحرية الهندية.
قال العميد المتقاعد بيني يونغمان في بيان له: “نحن في رافائيل فخورون بدورنا – ليس فقط بالشراكة في – وإنما أيضًا بمشاركتنا في خطة “صنع في الهند”، وبعلاقتنا القوية مع المواهب النابضة بالحياة عبر الصناعات الدفاعية الهندية”.
وفي أواخر سنة 2021، طلب الجيش طائرات مسيّرة من طراز “سكاي سترايكر”، ويتمّ إنتاجها الآن في مشروع مشترك بين “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية و”ألفا ديزاين تكنولوجي” المملوكة من “مجموعة أداني” الهندية، وذلك في مدينة بنغالور بالهند.
وفيما يتعلق بالشراكة مع إسرائيل، صرّح ريتشارد روسو، كبير المستشارين ومسؤول من شركة “وادهواني” للدراسات السياسية الأمريكية-الهندية في المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية، لشبكة “سي إن بي سي” قائلا: “الهند تبلي جيدًّا في مجالات واسعة النطاق مثل مراكز الاتصال وتطوير البرمجيات، ولكن “إسرائيل” تقوم بتنفيذ البرمجيات. تجري الهند أبحاث التكنولوجيا الحيوية في المكاتب الخلفية، بينما تملك “إسرائيل” بالفعل منتجات موجودة في الأسواق العالمية أكثر من الهند. لذلك، قد تكون الشركات الإسرائيلية هي التي تبحث عن قاعدة إنتاج أكبر، وفي هذه الحالة فإن الهند جاهزة للمضي قُدمًا”.
المصدر: ميدل إيست آي