ترجمة حفصة جودة
عندما ينظر المرء حوله في أي مكان بإفريقيا، سيلاحظ نشأة مدن جديدة تعد بأن تكون المدينة الفاضلة التي لا تعاني من التحديات التي تواجهها بقية مدن القارة.
وعدت مدينة كونزا التكنولوجية في كينيا بأن تكون أكبر مدينة ذكية جنوب الصحراء الكبرى، لكنها ما زالت تعاني لتقنع المستثمرين بضخ رؤوس الأموال إليها بعد 9 سنوات من تأسيسها.
وفي 2010 وعدت مدينة إكو أتلانتك النيجيرية بتسكين 250 ألف مواطن على أرض مستصلحة من البحر، لكنها ما زالت فارغة.
وعدت مدينتي هوب في غانا وواكاندا في إثيوبيا بتحقيق تحول كبير في المدينة، بينما وعدت مدينة أكون في السنغال باستخدام عملة “أكوين” المشفرة في المدينة رغم أن اللوائح الحكومية غير داعمة للعملات المشفرة، لم تحقق أي من تلك المدن تقدمًا ملموسًا.
في الأسبوع الماضي اجتمع 11 ألف مفوض من 100 دولة بينهم 53 دولة إفريقية في مدينة كيزومو الساحلية في كينيا، لإعادة التفكير في الجدوى الاقتصادية لتحويل البلدات الإفريقية الكبرى إلى مدن.
شجعت قمة المدن الإفريقية في نسختها التاسعة على تلك الفكرة، لأنها بحسب خبراء السياسة ستخلق المزيد من فرص العمل وتفتح الآفاق الاقتصادية في المناطق الريفية بالقارة.
غالبية المدن الإفريقية الموجودة بالفعل تكافح للعمل بشكل صحيح
في كلمته الافتتتاحية، حث الرئيس الكيني أوهورا كينياتا المشاركين على تحويل المؤتمر إلى منتدى استطلاعي يبحث في كيفية دعم الحكومات الوطنية لحشد الموارد من أجل إطلاق خدمات توصيل فعالة في المدن الوسيطة.
إن القارة بحاجة إلى ترقية بلداتها لتصبح بنفس مستوى بقية العالم، إلا أن مشكلة هذه السردية تكمن في أن الكثير من المدن الإفريقية الموجودة بالفعل تواجه عقبات هائلة
وقال: “حان الوقت للتوسع في دور المدن الوسيطة حيث إنها الحدود القادمة للتطوير والتحضر الإفريقي”، لكن هل حان الوقت حقًا لإنشاء المزيد من المدن الإفريقية؟
أضاف الرئيس أن إفريقيا شهدت معدلًا غير مسبوق من التحضر، فقد أصبحت 1086 مدينة وسيطة موطنًا لـ174 مليون شخص، بما يمثل 36% من إجمالي السكان الحضريين في القارة، وتساهم بنحو 40% من إجمالي الناتج المحلي للقارة.
وبينما كانت الرسالة الشاملة تقول إن القارة بحاجة إلى ترقية بلداتها لتصبح بنفس مستوى بقية العالم، إلا أن مشكلة هذه السردية تكمن في أن الكثير من المدن الإفريقية الموجودة بالفعل تواجه عقبات هائلة.
فمن لاغوس إلى دار السلام ومن داكار إلى مقديشو ومن ويندهوك إلى أسمرة، تعاني المدن الإفريقية من الكثير من التحديات، إذ تعاني من سوء الصرف الصحي والمواصلات العامة غير الآمنة وعجز المياه والتلوث ومصادر الطاقة غير النظيفة وانعدام الأمن والبطالة والفساد والمساكن الباهظة.
معظم المدن الإفريقية غير آمنة
رغم حديث المفوضين عن إمكانات المدن الوسيطة لخلق فرص تجارية، فإن العقبات التي تواجهها المدن الكبرى حاليًّا تمنح إفريقيا درجات أقل في المؤشر العالمي لسهولة التجارة، كما سجلت العديد من المدن درجات عالية في مؤشر الفساد العالمي مما يخيف المستثمرين الأجانب.
تواجه الحكومات في المناطق الحضرية مهامًا صعبة من مواجهة تهديدات التطرف والإرهاب والسرقات المسلحة والسرقات الصغيرة، ومع إحراز تقدم ضئيل في تلك العقبات، فإن محاولة إفريقيا تحويل تلك المدن الوسيطة إلى مراكز تنمية اقتصادية جديدة لن تنتهي إلا بكبوة أخرى.
لم تقم معظم المدن حتى بفحص حكومي واجتماعي وبيئي للسيطرة على التلوث والانبعاثات الكربونية، لكنها تسارع في بناء ناطحات السحاب والطرق السريعة التي تزيد فقط من درجات الحرارة في المدن
تعد فكرة الحد من ازدحام المدن الكبرى جديرة بالثناء، حيث إنها ستجعل الحياة أفضل في المدن الحاليّة، خاصة أن إفريقيا صاحبة أعلى معدل نمو سكاني في العالم، لكن الخطر يكمن في تكرار تركيبة تلك المدن الكبرى في المدن الجديدة.
المدن الإفريقية تفشل في التعلم من تقدم مدينة كيغالي
في القارة الإفريقية بأكملها، يبدو أن مدينة واحدة فقط نجحت في فهم مفهوم المدن المستدامة، فقد أظهرت جهودًا حقيقية في معالجة العقبات، يبدو نموذج مدينة كيغالي – عاصمة رواندا – هو النموذج الذي يجب أن تتبعه بقية المدن لأنه يضع في اعتباره أيضًا كيف ستبدو المدن المستقبلية، لكن لم تأخذ أي دولة ملاحظات من مدينة كيغالي للابتكار.
لم تقم معظم المدن حتى بفحص حكومي واجتماعي وبيئي للسيطرة على التلوث والانبعاثات الكربونية، لكنها تسارع في بناء ناطحات السحاب والطرق السريعة التي تزيد فقط من درجات الحرارة في المدن، حيث إنهم يستخدمون أسمنتًا عالي الكربون في البناء.
عندما يتعرض الأسمنت المكربن للشمس ينبعث ثاني أكسيد الكربون الذي يرفع حرارة البيئة المحيطة، ولم تنجح تقنيات احتجاز الكربون في الحد من ذلك.
عالميًا، تنتج المدن ما بين 71% إلى 75% من إجمالي الانبعاثات الدفيئة، قالت منظمة “المدن المتحدة والحكومات المحلية” – وهي مظلة عالمية تدافع عن مصالح المدن – إن نجاح أو فشل معركة المناخ يأتي من المدن.
حلول للمدن الإفريقية
تحدث الرئيس السابق لجمهورية سيشل داني فوري عن الحاجة إلى بنية تحتية إستراتيجية قابلة للتمويل وفقًا للبيانات، فقد قال: “من الضروري أن ندعم تدخلاتنا بالحقائق والبيانات التي توضح لنا أين نحن من الناحية التنموية، لم تتحول المواصلات العامة في إفريقيا بعد إلى مواصلات غير نقدية، ما يشكل ازدحامًا مروريًا تزدهر فيه السرقات الصغيرة”.
معظم الحكومات أظهرت التزامًا أقل في مواجهة الفساد الذي يلتهم تمويل أي مشروع
بحلول عام 2040، سينتقل ثلثا السكان من المناطق الحضرية إلى المدن الوسيطة، ووسط تنامي الاحتياجات الاستثمارية، ستواجه إفريقيا تحديًا يتمثل في كيفية تأمين الخدمات الاجتماعية الأساسية والمستوى المعيشي الأعلى الذي تفتقر إليه المدن الرئيسية بالفعل.
هناك أيضًا تحدي خرائط جوجل، فالمناطق شبه الحضرية في إفريقيا ليست مرسومة بالتفصيل على خرائط جوجل، ما يعني أن شركات السيارات مثل أوبر وبولت وليتل وسمارت كاب وغيرهم لن تستطيع العمل في المدن الوسيطة.
لذا مرة أخرى، كيف يمكن لإفريقيا أن تمول كل ما تحتاجه لتطوير مدنها الحاليّة؟ يقول رايلا أودينغا الممثل السامي للاتحاد الإفريقي لتطوير البنية التحتية إن إفريقيا بحاجة إلى صندوق بنية تحتية إفريقي لتمويل العجز النقدي اللازم لبناء بنية تحتية إفريقية.
وأضاف “تحتاج إفريقيا إلى 170 مليار دولار سنويًا لتلبية احتياجات البنية التحتية، لكنها تواجه عجزًا قدره 110 مليارات دولار”.
هناك أموال في هيئة صناديق الثروة السيادية وصناديق المعاشات وصناديق التأمينات، لكن معظم الحكومات أظهرت التزامًا أقل في مواجهة الفساد الذي يلتهم تمويل أي مشروع، تحتاج إفريقيا أولًا إلى التركيز على تطوير مدنها الحاليّة قبل أن تبدأ في تأسيس مدن جديدة.
المصدر: كوارتز