لا تزال أصداء التصريحات الهندية المعادية للإسلام تخيم على الأجواء في ظل موجة غضب عارمة عمت الشارع الإسلامي والعربي استنكارًا لتطاول المتحدثين باسم الحزب الحاكم في الهند “بهاراتيا جاناتا”، نوبور شارما ونافين جيندال، على نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام.
ورغم محاولة الحزب الهندي تخفيف حدة موجة الغضب الإسلامي من خلال وقف شارما واستبعاد جيندال إثر التصريحات التي أدليا بها مؤخرًا، فإن هناك تصاعدًا واضحًا في منسوب الاحتقان الذي تجاوز حاجزه الشعبي إلى المؤسسات الإسلامية الكبرى وحكومات الدول العربية والإسلامية.
وكانت الناطقة باسم الحزب قد أطلقت تصريحات مسيئة عن النبي وزوجاته، خلال مناظرة متلفزة، فيما نشر المتحدث الآخر تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر يسيء فيها للنبي عليه السلام وزوجته عائشة رضي الله عنها، ما أدى إلى ردة فعل غاضبة في العالم الإسلامي.
الإساءة للإسلام من حزب “بهاراتيا جاناتا” وقائده رئيس الوزراء ناريندرا مودي ليس أمرًا مستغربًا، فاستهداف الأقلية المسلمة التي يبلغ عددها 200 مليون نسمة وتمثل 14% من إجمالي عدد السكان بات منهجًا مؤسسًا لدى العقلية الحاكمة في البلاد سواء لتحقيق مكاسب سياسية من جانب أم انتصار لمعتقده الهندوسي الذي ينتمي إليه من جانب آخر.
حزب حاکم بهاراتیا جاناتا هند، سخنگوی این حزب را به خاطر اظهارات موهن علیه پیامبر اسلام صلی الله علیه و آله تعلیق کرد
عضویت شارما تا زمان انجام تحقیقات بیشتر به حالت تعلیق درخواهد آمد.
— خبرگزاری ایرنا (@IRNA_1313) June 5, 2022
المسألة عقدية في المقام الأول
محاولة حصر استهداف مسلمي الهند في إطار النزاع السياسي الضيق بين حزب الأغلبية والأقلية تصور يفتقد للموضوعية والحيادية والدقة، بل يفتقد للأمانة والأخلاقيات كذلك، إذ إن الأقلية لا ترنو لأي حضور سياسي، فقط تبحث عن حياة كريمة تتوافر مقومات العيش الكريم في آمان واستقرار.
المتابع للمشهد بعين مدققة يلاحظ أن مودي نفسه يحمل مشاعر كراهية للمسلمين لم يحملها مسؤول سياسي قبله، فالرجل منذ تعيينه رئيسًا للحكومة المحلية في ولاية غوجارات (شمال غرب) عام 2001 كشف عن وجهه الكاره للأقلية المسلمة بصورة فجة ومباشرة ولا تحتاج عناء التيقن أو التثبت.
فبعد عام واحد فقط من توليه هذا المنصب تعرض المسلمون لواحدة من أعنف الانتهاكات التي شهدتها البلاد، فيما وجهت له اتهامات بالضلوع في مقتل قرابة ألف مسلم، وبدلًا من تقديم اعتذار كخطوة أدنى حفاظًا على مشاعر الأقلية الأكبر في الهند عين بعض المتورطين في تلك الجرائم لحكومة الولاية، وعلى مدار عقد كامل قاطعته بلدان أوروبا والولايات المتحدة بسبب سجله الحقوقي المشين، فيما وضعته جماعات حقوقية على رأس أبرز المجرمين العنصريين في العالم.
بعد سنوات من وضع بنية تشريعية وقانونية عنصرية أصبحت الكراهية في الهند طاغية، وبات الاعتداء على المسلمين أمرًا مستحبًّا، كما يكافأ دعاة الكراهية على أفعالهم
ومن أبرز تصريحاته المستفزة إزاء المسلمين كانت في يوليو/تموز 2013، حين قارن بين المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف قام بها الهندوس والجِراء التي تدعسها السيارات في الشوارع، وهي التصريحات التي أثارت حفيظة الشارع الإسلامي في الداخل والخارج، لكنه كالعادة لم يواجه أي مساءلة في ظل دعم الحزب الهندوسي له الذي يتبنى منهجه وفكره من منبت رأسه حتى أخمص قدميه.
وعلى مدار سنوات حكمه كرئيس للحكومة منذ 2014 وحتى اليوم، أفقد مودي صاحب الـ59 عامًا، الهند صورتها العامة كدولة متسامحة تقبل الآخر وتشجع على الاختلاف، حتى حولها إلى دولة منكفئة على ذاتها في إطار ديني هندوسي ضيق، فيما شوُهت صورته التي طالما حاول تصديرها في حلتها الهادئة صاحبة الابتسامة العريضة واللحية البيضاء، لتكشف خلفها عنصرية لم تشهدها بلاده من قبل.
ويتفق مع هذا الرأي الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، ناجي خليفه الدهان، الذي يرى أن العنف الطائفي ضد مسلمي الهند ليس ظاهرة حديثة “لكنه ينمو بالتوافق مع إستراتيجيات من هم في السلطة وبالتجييش السياسي”، مستشهدًا على ذلك بأن أكثر من 90% من ضحايا جرائم الكراهية في الهند خلال 10 سنوات الماضية كانوا من المسلمين.
وألمح الباحث في مقال له إلى أن بعد سنوات من وضع بنية تشريعية وقانونية عنصرية أصبحت الكراهية في الهند طاغية، “وبات الاعتداء على المسلمين أمرًا مستحبًّا، كما يكافأ دعاة الكراهية على أفعالهم”، بسبب سياسة الدولة من خلال عدد من الإجراءات أبرزها: قانون المواطنة الجديد الذي يقر منح الجنسية الهندية للمضطهدين دينيًا في بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، شرط ألا يكونوا مسلمين، بجانب تجنب رئيس الحكومة انتقاد أي انتهاكات يتعرض لها المسلمون كما هو معتاد، بل إنه في بعض الأحيان يكافئ المجرمون، هذا بخلاف أن “استهداف المسلمين لا يقتصر على الاعتداءات الجسدية، بل يتخذ أشكالًا أخرى، مثل حرق منازل وممتلكات كثير من المسلمين خلال أعمال العنف الأخيرة وإشاعة الأخبار الكاذبة التي تهدف إلى تشويه سمعة الأقلية المسلمة”.
— Nupur Sharma (@NupurSharmaBJP) June 5, 2022
تشجيع العنصرية في جنوب آسيا
الثقل الذي تمثله الهند بين دول جنوب آسيا جعلها رمانة ميزان المنطقة لعقود طويلة مضت، غير أن تبني سياسات عنصرية طائفية ضد الأقليات بوجه عام في الآونة الأخيرة كان له أثره العكسي على أمن هذه البقعة الجغرافية المترامية الأطراف واستقرارها، إذ فتح الباب على مصراعيه أمام تفاقم التوترات العرقية والطائفية.
مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) الأمريكية في جنوب آسيا، مجيب مشعل، يشير في مقال له إلى أن تراجع حقوق الإنسان في الهند خلال السنوات الأخيرة فتح شهية الجماعات الطائفية والعنصرية في البلدان المجاورة، وهو ما أدى في النهاية إلى تفشي الانتهاكات بين الحين والآخر.
ويرى مشعل أن مودي الذي نصب نفسه زعيمًا للهندوس وكان يخطط لأن تصبح بلاده دولة هندوسية كان سببًا رئيسيًا في فقدان الهند نفوذها الإقليمي حتى فقدت السيطرة على التموجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدور بموازاة حدودها، محملًا نيودلهي مسؤولية الخلل الأخلاقي في جنوب آسيا.
واستعرض المقال المنشور في الصحيفة الأمريكية كيف انتقلت عدوى الطائفية من الهند إلى الدول المجاورة، ففي سريلانكا اتخذت الحكومة هناك موقفًا متشددًا إزاء أقلية التايل (جماعة هندوسية) كذلك المسلمين، كما عين الرئيس السريلانكي راهبًا بوذيًا متشددًا لقيادة إصلاح شامل للنظام القانوني، رغم اتهامه قبل ذلك بإثارة الكراهية ضد المسلمين.
وفي باكستان لم يختلف الوضع كثيرًا، حيث تهميش أقليات البشتون والبلوش منذ فترة طويلة، الأمر الذي زاد من الاحتقان الطائفي الأهلي وعلى إثره زادت معدلات ونسب التطرف، فقد تعرضت الأقلية الهندوسية التي لا تمثل إلا 2% فقط من إجمالي السكان إلى تخريب معابدهم واحتلال أراضيهم وتضييق الخناق عليهم.
وخلص التقرير إلى أن سياسات مودي وحزبه “بهاراتيا جاناتا” واستهدافهم الأقليات في البلاد وعلى رأسهم المسلمين، كانت وراء انتشار تلك الجرائم في البلدان المجاورة، مؤكدًا أنه في حال تراجع نيودلهي عن تلك السياسة الاستهدافية العنصرية ستهدأ الأوضاع في المنطقة بأسرها، فما يحدث في القلب ينسحب بطبيعة الحال على الأطراف.
كعادة الصين تحاول توظيف كل الظروف المحيطة لتوسيع دائرة نفوذها الاقتصادي، إذ استغلت التوتر بين الهند وباكستان لتعزز علاقتها الاقتصادية مع الأخيرة من خلال دبلوماسية لقاحات Covid-19، وهي الإستراتيجية ذاتها التي اتبعتها مع نيبال وسريلانكا وبنغلادش
الصين المستفيد الأبرز
فقدان الهند ثقلها الإقليمي بسبب حيدها الواضح عن المسار الأخلاقي والقيمي والحقوقي جراء انتهاكاتها المتواصلة ضد المسلمين أثار مخاوف جيرانها من التعامل معها لا سيما أن كثيرًا منهم يحتضن أقليات مسلمة كبيرة، وبعضهم ذو أغلبية مسلمة، ومن ثم تنشب توترات بين شعوب المنطقة بين الحين والآخر وعليه بات التفكير في البديل الأكثر وثوقية.
وترى مديرة مبادرة الهند في معهد هدسون، أبارنا باندي، أن “الإيديولوجية القومية الهندوسية للحزب الحاكم جعلت الهند أكثر انفتاحًا على الذات في السابق”، مضيفة حسبما نقلت عنها صحيفة “نيويورك تايمز”: “إذا كنت تروج لرواية قومية، فمن الصعب أن تطلب من جيرانك ألا يفعلوا الشيء نفسه، سترى بعد ذلك كل دولة في جنوب آسيا أصبحت أكثر قومية، وتنسى أي شيء آخر، وهذا يخلق تحديًا إستراتيجيًا للهند”.
وهنا يرى البعض أن الصين ربما تكون خيار جيران الهند القلقين من سياساتها، إذ تحتضن العديد من الفرص الاستثمارية وتتمتع باقتصاد قوي ومستقر وقادر على امتصاص الصدمات، هذا بخلاف محاولات بكين تصفير مشاكلها مع الآخرين، رغم وصمة العار التي تلاحقها بسبب استهدافها لمسلمي الأيغور، غير أن قدرة الصين على احتواء تلك الأزمة – إعلاميًا وسياسيًا – يفوق الهند بمراحل ما يجعلها بالنسبة لجيران نيودلهي بديلًا أفضل نسبيًا.
وكعادة الصين تحاول توظيف كل الظروف المحيطة لتوسيع دائرة نفوذها الاقتصادي، إذ استغلت التوتر بين الهند وباكستان لتعزز علاقتها الاقتصادية مع الأخيرة من خلال دبلوماسية لقاحات Covid-19، وهي الإستراتيجية ذاتها التي اتبعتها مع نيبال وسريلانكا وبنغلادش، بجانب فتح قنوات اتصال لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين بكين وتلك البلدان خلال المرحلة المقبلة.
مسلمو الهند.. هل يدفعون الثمن؟
حالة من القلق تخيم على الأقلية المسلمة إزاء رد الفعل الشعبي القوي والزخم الإعلامي الذي قوبلت به تلك التصريحات التي أجبرت الحزب على الإطاحة بالمتحدثين الرئيسيين له رغم ما يتمتعا به من نفوذ وشعبية، وهو الأمر الذي بلا شك لن يمر دون رد فعل انتقامي من الهندوس في محاولة لكسر شوكة المسلمين وسلبهم نشوة الانتصار ولو كان معنويًا.
يرى الهندوس في إيقاف نوبور شارما، المقربة من مودي، واستبعاد السياسي المخضرم نافين جيندال، رضوخًا للأقلية المسلمة، وهو ما يمكن أن يحمل تهديدات مستقبلية، تكون في الغالب تحت مرأى ومسمع الحكومة وسلطات الأمن التي لم ولن تحرك ساكنًا.
وقبل أسبوعين تقريبًا من تلك التصريحات شنت الحكومة الهندية موجة انتهاكات جديدة بحق المسلمين، حيث فرضت حظرًا على التجمعات الكبيرة للمسلمين في أحد مساجدهم التاريخية، وقتلت الشرطة امرأة مسلمة على خلفية ذبح ابنها بقرة، بينما شرعت جماعة هندوسية متطرفة بتدريب أفرادها على استخدام الأسلحة وسط تصاعد العنف ضد الأقلية المسلمة.
ربما تُطوى صفحة الأزمة الأخيرة باستبعاد أصحاب التصريحات من مناصبهم، لكن المعضلة لا تزال قائمة، فاستهداف المسلمين في الهند تحول إلى مسلسل مطول لا نهاية له، وسط حالة صمت مخزٍ من الحكومات العربية والإسلامية التي توثق علاقتها برئيس الوزراء الهندي بشكل كبير يوما تلو الآخر
وبالكاد لا يمر أسبوع على أقصى تقدير دون أن يتعرض المسلمون في الهند لانتهاك من نوع ما، إما انتهاك جسدي واضح وإما اجتماعي عبر تشويه السمعة وتلويثها وإما مادي من خلال جرائم السرقة والحرق والنهب، وهو ما حول حياة تلك الأقلية إلى جحيم، ينتظرون كل صباح أي نوع من العذاب سيصب عليهم اليوم.
يذكر أن العديد من المؤسسات الإسلامية وحكومات الدول استنكرت تلك التصريحات، محذرة من نتائجها على مستوى أمن واستقرار البلاد داخليًا، فقد أكد الأزهر الشريف في بيان له أن مثل تلك التصريحات هي “دعوة صريحة للتطرف وبث الكراهية والفتنة بين أتباع الأديان والعقائد المختلفة، وهو أمر لا يصدر إلا من دعاة التطرف وأنصار الكراهية والفتنة وأعداء سياسة الحوار بين أتباع العقائد والحضارات والثقافات المختلفة”.
كما أعربت الخارجية السعودية عن استيائها من تلك التصريحات المسيئة، فيما استدعت كل من قطر والكويت السفير الهندي لديهما، وسلماه مذكرة احتجاج تطالب بوضع حد لمثل هذا التجاوز بحق الإسلام ورموزه، فيما اعتبرت منظمة التعاون الإسلامي مثل هذا التطاول بأنه يأتي “في سياق تصاعد حدة الكراهية والإساءة للإسلام في الهند وفي إطار الممارسات الممنهجة ضد المسلمين والتضييق عليهم”.
في ضوء ما سبق، ربما تُطوى صفحة الأزمة الأخيرة باستبعاد أصحاب التصريحات من مناصبهم، لكن المعضلة لا تزال قائمة، فاستهداف المسلمين في الهند تحول إلى مسلسل مطول لا نهاية له، وسط حالة صمت مخزٍ من الحكومات العربية والإسلامية التي توثق علاقتها برئيس الوزراء الهندي بشكل كبير يومًا تلو الآخر دون استغلال تلك العلاقات في الضغط عليه لحماية المسلمين من الاستهداف الممنهج الذي يتباهى به حليف العرب ليل نهار على صفحته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.