ترجمة وتحرير: نون بوست
في منطقة محروقة غنية بالذهب على بعد 200 ميل شمال العاصمة السودانية الخرطوم حيث تنبع الثروات من صخور الصحراء، يُهيمن مشغّل أجنبي غامض على عالم الأعمال في المنطقة يسميه السكان المحليون “الشركة الروسية” – وهو مصنع يخضع لحراسة مشددة بأبراج لامعة يقع في أعماق الصحراء يعالج أكوام الخام ليحولها إلى سبائك من الذهب شبه المصقول.
صرّح عمار الأمير، عامل منجم وزعيم مجموعة في مدينة العبيدية التي تعتبر من البلدات الغنية بالمعادن الصلبة تقع على بعد عشرة أميال من المصنع الروسي: “الروس يدفعون أفضل سعر ولكننا لا نعرف الكثير من المعلومات عنهم”.
في الواقع، تُظهر سجلات الشركة والحكومة السودانية أن هذا المنجم يعد من البؤر الاستيطانية لمجموعة “فاغنر”، وهي شبكة غامضة من المرتزقة الروس تمتلك شركات التعدين ولها نفوذ سياسي هائل في البلاد – يسيطر عليها حليف مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – شهد نفوذها توسعًا هائلًا عبر رقعة من أفريقيا.
تُعرف شركة فاغنر بأنها مورِّد للمرتزقة وقد تطورت أنشطتها في السنوات الأخيرة لتصبح أداة أوسع نطاقًا لسلطة الكرملين، وذلك وفقا للخبراء والمسؤولين الغربيين الذين يتابعون توسعها. لا تعد فاغنر كيانًا وإنما أصبحت مجموعة مسؤولة عن تنفيذ عمليات مترابطة للقتال الحربي وكسب المال واستغلال النفوذ بتكلفة منخفضة وبشكل سري تخدم طموحات بوتين في قارة، حيث تعتبر شعبية روسيا مرتفعة نسبيا.
ظهرت فاغنر في سنة 2014 كفرقة من المرتزقة المدعومين من الكرملين الذين دعموا غزو بوتين الأول لشرق أوكرانيا وتدخلها لاحقًا في سوريا. وحسب المخابرات البريطانية، ظهر ما لا يقل عن 1000 من مقاتلي المجموعة مجددًا في أوكرانيا في الأشهر الأخيرة.
وفقًا للمسؤولين الغربيين، يفغيني بريغوجين هو محور عمليات فاغنر وأحد الأويغارشية الروس الذي اشتهر بلقب “طباخ يوتين”، وقد وُجّهت إليه لائحة اتهام في الولايات المتحدة بتهمة التدخل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016.
في سنة 2017، توسّعت أعمال فاغنر في إفريقيا حيث لعب مرتزقتها دورا رئيسا ومحوريًا في بعض الأحيان في سلسلة من البلدان التي تعاني اضطرابات مثل ليبيا وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى ومؤخرا مالي، حيث اتُهمت فاغنر كما في أماكن أخرى بارتكاب جرائم ضد المدنيين.
عند إلقاء نظرة فاحصة على أنشطتها في السودان، ثالث أكبر منتج للذهب في القارة، يتضح أن فاغنر أكثر من مجرد آلة حرب في إفريقيا بل مجموعة تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة. وحسب السجلات، حصلت فاغنر على امتيازات تعدين مربحة في السودان لتعزيز مخزون الكرملين من الذهب البالغ قيمته 130 مليار دولار الذي يخشى المسؤولون الأمريكيون أن يتم استخدامه لتخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا في أعقاب حرب أوكرانيا من خلال دعم قيمة الروبل.
شرق السودان، تدعم فاغنر مساعي الكرملين لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر لاستضافة سفنها الحربية التي تعمل بالطاقة النووية. وفي غرب البلاد، وجدت فاغنر نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات المرتزقة في البلدان المجاورة – ومصدرًا محتملاً لليورانيوم.
منذ استيلاء الجيش السوداني على السلطة في انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر، عززت فاغنر شراكتها مع القائد المتعطش للسلطة الفريق محمد حمدان الذي زار موسكو في الأيام الأولى من حرب أوكرانيا، التي اندلعت في شباط/ فبراير. وقد أوضح مسؤولون غربيون أن فاغنر قدمت مساعدة عسكرية للجنرال حمدان وساعدت قوات الأمن السودانية على قمع حركة شعبية هشة مؤيدة للمسار الديمقراطي.
قال صموئيل راماني من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مجموعة أبحاث دفاعية في لندن، ومؤلف كتاب قادم عن روسيا في إفريقيا، إن “روسيا تغذي الكليبتوقراطية والحروب الأهلية والصراعات الداخلية في إفريقيا، وتملأ الفراغ الذي يتركه الغرب وتتدخل في المناطق التي يدير لها ظهره”. وأضاف راماني أن السودان من البلدان التي توفر بيئة خصبة لازدهار فاغنر. من جهته، نفى الكرملين وبريغوجين أي روابط لهم مع فاغنر، التي قيل إنها سميت على اسم ريتشارد فاغنر، الملحن المفضل لهتلر، من قبل قائد مؤسس مناصر للنازية وتاريخها.
يحرص بريغوجين على إبقاء أنشطته سريةً محاولًا إخفاء علاقاته مع فاغنر من خلال شبكة من الشركات الوهمية والسفر إلى القارة الأفريقية بطائرة خاصة لعقد اجتماعات مع الرؤساء والقادة العسكريين. لكن وزارة الخزانة الأمريكية والخبراء الذين يتتبعون أنشطة بريغوجين يقولون إنه يمتلك أو يسيطر على معظم – إن لم يكن جميع – الشركات التابعة لفاغنر. وحسب ما تظهره عملياته في السودان، فقد تركت تلك الشركات أثرًا ورقيًا.
تكشف سجلات الجمارك والشركات الروسية والسودانية، التي تم الحصول عليها من خلال مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة (وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن) بالإضافة إلى وثائق التعدين وسجلات الطيران والمقابلات مع المسؤولين الغربيين والسودانيين، عن مدى توسع امبراطوريته التجارية في السودان – وبالخصوص أهمية الذهب في استثماراته.
وحسب بيان نشرته وزارة الخارجية الأمريكية في 24 أيار/ مايو، فإن مجموعة فاغنر “نشرت سلسلة من الأكاذيب وارتكبت الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان” في جميع أنحاء إفريقيا، مضيفة أن “برغوجين هو الذي يديرها ويموّلها”.
تحدث معظم المسؤولين عن بريغوجين وفاغنر شريطة عدم الكشف عن هويتهم مستشهدين بسرية عملهم أو في بعض الحالات مخاوف على سلامتهم، في حين رفض اللواء حمدان ومبارك أردول، المسؤولين عن التعدين في السودان، إجراء مقابلة بشأن هذه المسالة.
في رد مكتوب مطول على الأسئلة، نفى بريغوجين وجود أي مصالح للتعدين في السودان وندد بالعقوبات الأمريكية ضده ونفى وجود المجموعة التي ارتبط اسمه بها في السودان، حيث كتب “لسوء الحظ، ليس لدي شركات لتعدين الذهب ولست رجلاً عسكريًا روسيًا”، وأضاف أن “فاغنر مجرد أسطورة”.
“مفتاح إفريقيا”
بدأت عمليات فاغنر في السودان في سنة 2017 بعد اجتماع في منتجع سوتشي الساحلي الروسي. بعد قرابة ثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي، فقد الرئيس السوداني عمر حسن البشير السلطة. وفي اجتماع مع بوتين في سوتشي، سعى إلى إقامة تحالف جديد مقترحًا أن يكون السودان “مفتاح روسيا لإفريقيا” مقابل مساعدته على العودة للسلطة، وذلك وفقًا للنسخة الخاصة بالكرملين بشأن تصريحاتهم. ومن جهته، لم يضيّع بوتين فرصة اقتناص هذا العرض المغري.
وفقًا لسجلات الرحلات التجارية التي حصل عليها “دوسييه سنتر”، وهي هيئة استقصائية مقرها لندن، الذي تحقّق منه باحثون في مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، بدأ علماء الجيولوجيا وعلماء المعادن الروس الذين عينتهم الشركة السودانية الجديدة “مروي غولد” في غضون أسابيع في التوافد على السودان.
تقول وزارة الخزانة الأمريكية إن شركة “ميروي غولد” تخضع لسيطرة بريغوجين، وقد سبق أن فُرضت عقوبات على الشركة في سنة 2020 كجزء من مجموعة من الإجراءات التي تستهدف “فاغنر” في السودان. وأشارت إلى أن مدير شركة “ميروي” في السودان، ميخائيل بوتبكين، كان يعمل سابقًا في وكالة أبحاث الإنترنت، وهي وحدة تصيّد ممولة من قبل بريغوجين المتهم بالتدخل في انتخابات الولايات المتحدة لسنة 2016.
وتبع قدوم علماء الجيولوجيا في “ميروي غولد” مسؤولون دفاعيون روس الذين أجروا مفاوضات بشأن قاعدة بحرية روسية محتملة على البحر الأحمر – وهي جائزة استراتيجية للكرملين أصبحت فجأة في متناول اليد.
وفقًا لسجلات الجمارك الروسية، استوردت “مروي غولد”على مدار الأشهر 18 التالية 131 شحنة إلى السودان تشمل معدات تعدين وبناء إلى جانب شاحنات عسكرية ومركبات برمائية وطائرتي هليكوبتر للنقل. وقد وقع رُصدت إحدى طائرات الهليكوبتر بعد سنة في جمهورية إفريقيا الوسطى حين كان مقاتلو فاغنر يقومون بحماية رئيس البلاد وحيث حصل بريغوجين على امتيازات مربحة لتعدين الماس. وحسب الوثائق، وبشكل غير ملائم، تضمنت الشحنات أيضًا سيارة أمريكية عتيقة – من طراز 1956 من سلسلة 62.
سرعان ما وجد الروس أنفسهم ينصحون البشير بكيفية إنقاذ نفسه. ومع اندلاع ثورة شعبية تهدد بالإطاحة بحكومته في أواخر سنة 2018، أرسل مستشارو فاغنر مذكرة تحث الحكومة السودانية على إدارة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة المتظاهرين، مع توصية بإعدام البشير لبعض المتظاهرين علانية كتحذير للآخرين.
حصل دوسييه سنتر الذي يموله ميخائيل ب. خودوركوفسكي، وهو أوليغارشي سابق وأحد أعداء بوتين منذ فترة طويلة، على هذه المذكرة وغيرها من الوثائق من خلال مقابلات مع مسؤولين وكبار رجال أعمال في السودان. وقد أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” المعلومات الأساسية في الوثائق التي قال “دوسييه سنتر” إنه تم تقديمها من قبل مصادر داخل منظمة بريغوجين. وعندما أطاح جنرالات البشير به ووُضع رهن الإقامة الجبرية في نيسان/ أبريل 2019، قام الروس يتغيير مسارهم بسرعة.
وفقًا لبيانات الرحلة التي حصلت عليها صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية، وصلت طائرة بريغوجين بعد أسبوع إلى العاصمة السودانية الخرطوم على متنها وفد من كبار المسؤولين العسكريين الروس. وقد عادت إلى موسكو مع كبار مسؤولي دفاع سودانيين، من بينهم شقيق الجنرال حمدان، الذي ظهر آنذاك كوسيط سلطة.
بعد ستة أسابيع، وتحديدًا في 3 حزيران/ يونيو 2019 ، شنت قوات اللواء حمدان عملية دموية لتفريق المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية من وسط الخرطوم قُتل فيها ما لا يقل عن 120 شخصًا. وتظهر وثائق الجمارك والشركة أن شركة “ميروي غولد” التابعة لبريغوجين استوردت 13 طنًا من دروع مكافحة الشغب، بالإضافة إلى خوذات وهراوات (ماتراك) لشركة تسيطر عليها عائلة اللواء حمدان في 5 حزيران/ يونيو.
في ذلك الوقت تقريبًا، سعت حملة تضليل روسية باستخدام حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة الانقسامات السياسية في السودان – وهي تقنية مماثلة لتلك التي استخدمتها وكالة أبحاث الإنترنت للتدخل في الانتخابات الأمريكية لسنة 2016، إذ قام فيسبوك بغلق 172 من هذه الحسابات في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وأيار/ مايو 2021، وربطها مباشرة ببريغوجين. لكن هذه الإجراءات والعقوبات الأمريكية لم تنجح في ردع مجموعة فاغنر عن هدفها الرئيسي المتمثل في الاستيلاء على جزء من احتياطات الذهب في السودان.
عمال مناجم الذهب
يأمل سكان “العبيدية” الفقراء ازدهار مدينتهم المعروفة بتعدين الذهب شمال الخرطوم على ضفاف النيل. وبعد جلب الصخور الغنية بالذهب من الصحراء، يقومون بسحقها في سوق المدينة المتداعية لاستخراج الذهب باستخدام تقنية تعتمد أساسًا على الزئبق وتشكل مخاطر كبيرة على صحتهم. وفي الحقيقة، يمكن جني أرباح أكبر بكثير باعتماد نفس الخام في عملية استخراج ذهب أخرى أكثر تعقيدًا تقوم بها مجموعة من المصانع الصناعية التي تقع على بعد 10 أميال، أحدها تديرها شركة “ميروي غولد”.
في المقابلات، وصف التجار كيف يأتي الروس إلى السوق لأخذ عينات وشراء الذهب الخام ودفع ما يصل إلى 3600 دولار مقابل حمولة شاحنة تزن تسعة أطنان. وقالوا إن الروس كانوا في بعض الأحيان محميين من قبل جنود من قوات الدعم السريع التابعة للجنرال حمدان.
عندما اقترب فريق الصحيفة من بوابة مصنع “ميروي”، أراد المهندس السوداني أحمد عبد المنعم أن يقدم المساعدة. وحسب ما أفاد به، فإن حوالي 30 روسيًا و70 سودانيًا يعملون هناك، مشيرا إلى أماكن المعيشة والورش والأبراج المعدنية اللامعة. ومن غير المرجح أن يتحدث الروس مع أحد المراسلين بسبب “ارتباط الشركة الشهير بفاغنر”، وهو ما نفاه عبد المنعم واعتبره مغالطة.
قبل أن يتمكن من الخوض في التفاصيل، بُثّت رسالة باللغة الروسية عبر الراديو. وتوقفت حافلة صغيرة في الخارج يقودها رجل أبيض ذو مظهر رياضي يرتدي سروالا قصيرا ونظارة شمسية وقميصًا أخضر تجنب النظر نحو الفريق. وابتعدت الحافلة مع السيد عبد المنعم وطُلب منا المغادرة.
زاد إنتاج الذهب في السودان بعد سنة 2011 بعد أن انفصل جنوب السودان الذي تقع فيه معظم الثروة النفطية، لكن قلة قليلة من السودانيين أصبحوا أثرياء. ووفقًا لتقديرات بنك السودان المركزي التي حصلت عليها صحيفة “التايمز”، يقول خبراء ومسؤولون سودانيون إن عائلة حمدان تهيمن على تجارة الذهب، ويتم تهريب حوالي 70 بالمئة من إنتاج السودان – يمر معظمه عبر الإمارات العربية المتحدة، المركز الرئيسي للذهب الأفريقي غير المصرح به. ويؤكد المسؤولون الغربيون إن الذهب الذي تنتجه شركات روسية قد تم تهريبه على الأرجح بهذه الطريقة، مما يسمح للمنتجين بتجنب الضرائب الحكومية وربما حتى حصة العائدات المستحقة للحكومة السودانية.
قال لاكشمي كومار من “غلوبال فاينانشال إنتيغريتي”، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تبحث في التدفقات المالية غير المشروعة: “يمكنك الدخول إلى الإمارات العربية المتحدة مع حقيبة يد مليئة بالذهب، ولن يسألك أحد عن مصدرها”.
أصبح وقف تدفق الذهب الروسي أولوية للحكومات الغربية، ففي آذار/ مارس هددت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على أي شخص يساعد بوتين في غسيل 130 مليار دولار من الذهب مخبئة في البنك المركزي الروسي. وربما بعض الذهب السوداني يذهب مباشرة إلى موسكو.
في الفترة بين شباط/ فبراير وحزيران/ يونيو 2021، قام مسؤولو مكافحة الفساد السودانيون بتتبع 16 رحلة شحن روسية هبطت في بورتسودان قادمة من مدينة اللاذقية السورية. وانطلقت بعض الرحلات الجوية، التي تديرها وحدة الطيران رقم 223 التابعة للجيش الروسي، بالقرب من موسكو. تمكنت “التايمز” من التحقق من معظم تلك الرحلات باستخدام خدمات تتبع الرحلات.
قال مسؤول كبير سابق في مكافحة الفساد رفض الكشف عن هويته تجنباً للانتقام إنه في 23 حزيران/ يونيو داهم مسؤولو إحدى الرحلات الطائرة قبل إقلاعها للاشتباه في استخدامها لتهريب الذهب. لكن بينما كانوا على وشك فتح حمولتها، تدخل جنرال سوداني بأمر من الزعيم السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان.
وأضاف المصدر أنه تم نقل الطائرة إلى القسم العسكري من المطار، وغادرت إلى سوريا بعد ساعتين دون تفتيشها.
تم حل هيئة مكافحة الفساد، التي تم تشكيلها لتفكيك شبكة البشير داخل السودان، بعد خمسة أشهر من الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر ورفض اللواء البرهان إجراء مقابلة بخصوص هذا المقال. وقلل الفريق إبراهيم جابر، العضو في مجلس السيادة الحاكم، من شأن روايات شحنات التهريب القادمة من روسيا بقوله “إن الناس يتحدثون فقط، لكنك بحاجة إلى دليل”.
قادمة من روسيا مع شحنة حلويات
فرضت الولايات المتحدة ما لا يقل عن سبع حزمات من العقوبات على بريغوجين منذ سنة 2016 ويعرض مكتب التحقيقات الفيدرالي مكافأة قدرها 250 ألف دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله. كان أثر هذه العقوبات محدوداً في وقف توسعه في إفريقيا، حيث يتجرأ أحياناً على التباهي بعلاقاته.
في محاولة مثيرة للحصول على الدعم السوداني، تبرع بريغوجين بـ 198 طنًا من المواد الغذائية لفقراء السودان السنة الماضية خلال شهر رمضان. وكانت عبارة “هدية من يفغيني بريغوجين” تُقرأ على علب الأرز والسكر والعدس تحت شعار مع “الحب من روسيا” – وهو ما يذكّر بغِمار الحرب الباردة.
شملت التبرعات، التي تم تقديمها من خلال شركة تابعة لشركة “ميروي غولد”، 28 طنًا من الحلويات التي تم استيرادها خصيصًا من روسيا. قال موسى جيسميلا، رئيس الجمعية الخيرية السودانية التي وزعت المساعدات: “كانت الحلويات مخصصة للأطفال، لكن الجميع استمتع بها”.
لكن كان هناك عقبة، فقد أصر بريغوجين على تحويل 10 أطنان من الطعام إلى بورتسودان، حيث كانت روسيا تضغط من أجل الوصول إلى منفذ بحري، بدلاً من المناطق الأكثر احتياجًا. أدى ذلك إلى انزعاج جيسميلا حيث قال: “أشار هذا التصرف إلى أن المبادرة ذات أبعاد سياسة أكثر من كونها إنسانية”.
وفي رده على صحيفة التايمز، كتب السيد بريغوجين أنه “لا علاقة له بشركة ميروي غولد”، مضيفاً أنه علم أن الشركة “قيد التصفية حاليًا”. وأكد على قيامه بالتبرعات الخيرية، التي قال إنها بأمر من امرأة سودانية كانت تربطه معها “علاقات ودية وحميمية وعملية وجنسية” – وهو تفسير ساخر ولكنه مهين في نفس الوقت في مجتمع إسلامي محافظ مثل المجتمع السوداني.
يسعى الحليف العسكري الرئيسي لمجموعة فاغنر في السودان، اللواء حمدان، للحصول على الدعم الشعبي. ومنذ خيانه للبشير سنة 2019، سعى حمدان إلى النأي بنفسه عن سمعته كقائد لا يرحم في نزاع دارفور الذي أدى إلى مقتل ما يقدر بنحو 300 ألف مدني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبدلاً من ذلك، قال ديبلوماسيون إن اللواء حمدان لمح إلى طموحه في قيادة السودان وبناء قاعدة دعم بين الزعماء التقليديين الذين تودد إليهم باستخدام الأموال والمركبات، ومع القوى الأجنبية الصديقة مثل روسيا.
قال اثنان من كبار المسؤولين الغربيين إن مجموعة فاغنر نظمت زيارة الجنرال حمدان إلى موسكو في شباط/ فبراير، حيث وصل عشية الحرب في أوكرانيا. على الرغم من أن الرحلة كانت ظاهريًا لمناقشة حزمة مساعدات اقتصادية على حد قولهم، إلا أن اللواء حمدان وصل ومعه سبائك من الذهب على متن طائرته، وطلب من المسؤولين الروس المساعدة في الحصول على طائرات بدون طيار مسلحة.
عند عودته إلى السودان بعد أسبوع، أعلن اللواء حمدان أنه “لا مشكلة لديه” في إنشاء روسيا لقاعدة على البحر الأحمر.
دعم الانقلاب لسرقة الذهب
الجزء الأكثر ضبابية من حملة فاغنر في السودان يقع في دارفور، المنطقة التي يمزقها الصراع والغنية باليورانيوم. يمكن للمقاتلين الروس هناك التسلل إلى القواعد التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع التابعة للواء حمدان، كما يقول المسؤولون الغربيون والأمم المتحدة – وأحيانًا يستخدمون القواعد للعبور إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وأجزاء من تشاد. وقال مسؤول غربي إن فريقًا من الجيولوجيين الروس زار دارفور هذا العام لتقييم إمكانات اليورانيوم فيها.
قال أميل خان من شركة “فالينت بروجيكتس”، وهي شركة مقرها لندن تراقب تدفق المعلومات المضللة، أنه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا أطلقت شبكات التضليل الروسية في السودان أخبار مزيفة بمقدار تسعة أضعاف عما كانت عليه قبل في محاولتها لحشد الدعم للكرملين.
لم تلق هذه الرسالة بترحيب الجميع حيث اندلعت عدة احتجاجات ضد عمليات شركة “ميروي غولد” في مناطق التعدين. وجذبت شخصية سودانية على يوتيوب تُعرف فقط باسم “البعشوم” جماهير كبيرة عن طريق مقاطع فيديو تدعي أنها تكشف حقيقة أنشطة فاغنر وهذا ما فسره المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية على أن موسكو كانت وراء الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على الحكومة السودانية. وظهر في الخرطوم مؤخرًا ملصق مكتوب عليه: “لقد دعمت روسيا الانقلاب حتى تتمكن من سرقة ذهبنا”.
المصدر: نيويورك تايمز