مع تزايُد الأنباء والتسريبات المتعلقة بصحّة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح، تدور معركة خفية داخل أروقة السلطة حول صراع الخلافة على منصب “الرئيس الجديد”. ومع الحديث عن معركة الخلافة لرئيس السلطة، الذي يحتفظ بمنصبه منذ الانتخابات التي جرت عام 2005 بعد رحيل الرئيس الأول ياسر عرفات، برزت أسماء وتيارات محسوبة على حركة فتح تطمح في خلافة عباس الذي احتفظ بمنصبه لمدة 17 عامًا.
تعددت الأسماء حسب الموقف السياسي، ففي البداية كان يُطرح اسم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، حيث كان أكثر المقرّبين من عباس، قبل أن يحدث الخلاف بينهما لينهي سنوات علاقة الودّ التي جمعتهما. وفي أعقاب الخلاف بينهما، بدأت أسماء أخرى تظهر إلى السطح، كان من بينها رئيس الوزراء الأسبق للسلطة سلام فياض، غير أن الرجل لا يحظى بالدعم السياسي اللازم، وغير محسوب على أي من التنظيمات الفلسطينية.
وخلال فترة 2015-2022، برزت أسماء كان أهمّها رئيس جهاز مخابرات السلطة ماجد فرج، الذي يتمتّع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، ويشغل عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح منذ سنوات. أما المرشّح الآخر والأكثر حضورًا فهو حسين الشيخ، الذي يشغل منصب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ووزير الشؤون المدنية التي تتولّى التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، ويعدّ هو وفرج من الدائرة الضيّقة لرئيس السلطة عباس.
ينصّ القانون الفلسطيني على أنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية لأسباب الاستقالة أو الوفاة، فإن رئيس المجلس التشريعي يتولّى المنصب الأول انتقاليًّا لمدة 60 يومًا
وقفزَ الشيخ خلال السنوات الماضية بصورة كبيرة ومتسارعة، حتى تمَّ تكليفه أخيرًا بمنصب أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بعد أن غيّبَ الموت صائب عريقات الذي كان يشغل هذا المنصب، إلى جانب منصب كبير المفاوضين الفلسطينيين.
ورغم حضور الشيخ بقوة من خلال التسريبات الإسرائيلية والعربية والفلسطينية، فإن الأسير مروان البرغوثي الذي يشغل عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وأحد قادة كتائب شهداء الأقصى التي فكّكها رئيس السلطة، يحضر بشكلٍ لافت في المشهد، إذ سبق أن أعلن البرغوثي رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية، وهو العامل الذي أدّى إلى تأجيل الانتخابات سابقًا.
وينصُّ القانون الفلسطيني على أنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية لأسباب الاستقالة أو الوفاة، فإن رئيس المجلس التشريعي يتولّى المنصب الأول انتقاليًّا لمدة 60 يومًا يتمُّ خلالها انتخاب شخص جديد، لكن الرئيس الفلسطيني عباس حلَّ المجلس التشريعي نهاية عام 2018، بعد أن طال الانقسام الداخلي الذي بدأ منتصف عام 2007 شُلّ خلاله المجلس التشريعي بالكامل، وأصدر مرسومًا آخر باعتبار المجلس الوطني بمثابة برلمان “دولة فلسطين”، حيث يشغل هذا المنصب حاليًّا روحي فتوح الذي كان رئيسًا انتقاليًّا بعد وفاة الرئيس الراحل عرفات.
تحالفات السلطة.. من تحالف دحلان-عباس إلى تحالف فرج-الشيخ
في نوفمبر/ تشرين الأول 2004 توفي رئيس السلطة ياسر عرفات، وفي يناير/ كانون الثاني 2005 فازَ عباس برئاسة السلطة، بالتزامُن مع انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، ليتحول معها محمد دحلان إلى الرجل الثاني في حركة فتح والسلطة.
حيث شهدت الانتخابات الرئاسية حضورًا كبيرًا لدحلان إلى جانب عباس، من خلال دعمه سياسيًّا وحشد الجماهير في قطاع غزة، وهو ما عزّزَ من حضور دحلان في حكومة أحمد قريع حيث شغل منصب وزير الشؤون المدنية آنذاك.
وبعد عام 2005 جاءت الانتخابات التشريعية لتحدثَ زلزالًا سياسيًّا في المنطقة، حيث صعدت حركة حماس إلى سدّة الحكم عام 2006، مرورًا بأحداث الاقتتال الداخلي وحسم القطاع عسكريًّا من قبل “حماس”، على حساب مجموعات دحلان وحركة فتح.
باتَ لقب “الرئيس القادم” هو الأكثر إطلاقًا على حسين الشيخ خلال الشهور الأخيرة، مع تصاعده كثيرًا وكثرة حضوره إلى جانب عباس في الاجتماعات واللقاءات وتكليفه بمهمّات ومناصب
وبعد انتقال دحلان إلى رام الله عام 2008 بدأت التوترات تشتدُّ بينه وبين عباس، قبل أن تنفجر عام 2010 على خلفية محاولات دحلان التغلغل داخل الأجهزة الأمنية، والتحريض على رئيس حكومة السلطة فياض ومحاولة إسناد وزراء محسوبين عليه.
تبع ذلك تشكيل اللجنة المركزية لحركة فتح، لجنة تحقيق للبحث في اتّهامه بـ”إثارة التوترات في الحركة والسلطة”، والتحريض ضد عباس والإساءة له ولأولاده، وتمَّ إصدار قرار بتجميد عضويته إلى حين انتهاء التحقيق، ثم صدرَ قرارٌ بفصل دحلان من فتح وإحالته إلى النائب العام على خلفية اتهامات بالفساد.
وبعد تراجُع تحالف دحلان-عباس برز إلى السطح مؤخرًا مثلث الشيخ-فرج-عباس، وهو هرم السلطة في فلسطين المحتلة الذي يتحكّم بمركز صنع القرار، وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة سياسية فلسطينية سواء عبر اتفاقيات المصالحة مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية أو حتى الاجتماعات واللقاءات مع وزراء الاحتلال ومسؤوليه والمسؤولين الأمريكيين.
وباتَ لقب “الرئيس القادم” هو الأكثر إطلاقًا على حسين الشيخ خلال الشهور الأخيرة، مع تصاعده كثيرًا وكثرة حضوره إلى جانب عباس في الاجتماعات واللقاءات وتكليفه بمهمات ومناصب، إلى جانب كونه وزيرًا في الحكومة الحالية.
حسين الشيخ.. من مطارَد بقرار عرفات إلى أعلى مناصب السلطة
عام 2003 أصدر رئيس السلطة آنذاك، ياسر عرفات، قرارًا باعتقال حسين الشيخ، وكان القرار مرتبطًا بإصدار تعميمات باسم كتائب شهداء الأقصى حملت طابعًا تحريضيًّا على حركة فتح وعلى عرفات شخصيًّا وبقية أعضاء اللجنة المركزية للحركة.
وسبق أن كان الشيخ أسيرًا في سجون الاحتلال، حيث أمضى 11 عامًا خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 وخرج منها متقنًا للغة العبرية، ليتمَّ لاحقًا تكليفه بمنصب وزير الشؤون المدنية، وهو المنصب الوحيد بالسلطة الذي يملكُ صلاحية التحكُّم في سفر رجالاتها وتحرُّكهم من وإلى الضفة بالتنسيق مع الإسرائيليين.
ويطرحُ ما جرى مع الشيخ، من تصاعد في المناصب خلال فترات زمنية وجيزة، علامات استفهام حول الدوافع والأسباب التي جعلت منه مقبولًا عند الإسرائيليين والأمريكيين لشغل مناصب ثقيلة والجمع بينها في آنٍ واحد بهذه الطريقة.
ومن المناصب التي تقلّدَها الشيخ عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وعضو في لجنة الحوار الوطني الفلسطيني في ملفّ المصالحة، وتولّى منصب وزارة هيئة الشؤون المدنية منذ عام 2007، إلى جانب كونه عقيدًا سابقًا في أجهزة الأمن الفلسطينية لمدة 3 أعوام في فترة 1994-1997.
ثمة إجماع فلسطيني على أن صعود هذا الرجل بهذه الطريقة يعود إلى علاقته بالإسرائيليين، إلى جانب إسناده من مركز القوى في حركة فتح، وتحديدًا ماجد فرج الذي يمسك بزمام جهاز المخابرات العامة، والذي يُعتبَر الجهاز الأقوى بين أجهزة أمن السلطة.
لكن بمحاذاة ذلك، فإن شخصيات فلسطينية من داخل الإطار الفتحاوي عبّرت مرارًا وتكرارًا عن رفضها له، لعلّ أبرزها اللواء جبريل الرجوب عضو مركزية فتح ومسؤول جهاز الأمن الوقائي الأسبق، حيث اتّهمَ الرجل بمحاولة تسخير علاقاته مع الجهات الخارجية لتعزيز موقعه في السلطة.
الفصائل الفلسطينية.. أزمة السلطة
تشكِّل السلطة الفلسطينية أزمة بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية والشعب منذ تأسيسها وتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، إذ اصطدمت مع القوى الإسلامية واليسارية الرافضة للاتفاق والمعارِضة لفكرة تشكيل جسم سلطوي تحت الاحتلال.
تعكس هذه الأزمة فشل الجميع الفلسطيني في الوصول إلى رؤية سياسية، ما سيجعل منصب الرئيس مرهونًا بتحالفات وتدخُّلات خارجية في المشهد الفلسطيني
ومع تتالي الأعوام تحوّلَ الجسم السلطوي إلى عبء كبير على الفلسطينيين، نتيجة محاولة احتكارها وتحديدًا من شخصيات محسوبة على حركة فتح، إذ ارتبطت السلطة تاريخيًّا بالحركة وقادتها ورموزها ومن تيارات مقرَّبة من رئيسها.
ورغم دخول حماس إلى السلطة عام 2006، فإن تأثيرات الانقسام لم تغيِّر من الواقع شيئًا بالنسبة إلى السلطة، وظلت حركة فتح هي المتحكِّم بالقرار الفلسطيني من خلال منصب الرئاسة الذي يتولاه عباس منذ عام 2005 وحتى اللحظة.
وسَعَت الفصائل عدة مرات للوصول إلى صياغة معيّنة تساهم في إجراء الانتخابات وتعيد التداول السلمي للسلطة من خلال اتفاقيات المصالحة المتتالية، بداية من اتفاق صنعاء عام 2009 مرورًا باتفاق القاهرة عام 2011 واتفاق الدوحة عام 2012 وإعلان الشاطئ عام 2014 واتفاق القاهرة عام 2017 ومباحثات إسطنبول عام 2019، غير أنها لم تسفر عن نتائج حقيقية.
وتعكس هذه الأزمة فشل الجميع الفلسطيني في الوصول إلى رؤية سياسية، ما سيجعل منصب الرئيس مرهونًا بتحالفات وتدخُّلات خارجية في المشهد الفلسطيني، بعيدًا عن حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية المتحالفة معها.