قبل الاستفتاء.. سعيّد يلغم الدولة بأصدقائه

يسعى سعيد لاحكام سيطرته على كل مفاصل الدولة التونسية

يواصل الرئيس التونسي قيس سعيد خطواته الحثيثة نحو إرساء حكم الفرد الواحد في مهد الثورات العربية، ويعتبر الاستفتاء المزمع إنجازه يوم 25 يوليو/تموز المقبل الحلقة الأبرز ضمن هذه الخطوات، لذلك يعمل سعيد أن تكون نتائجه لصالحه مهما كلفه الأمر.

في البداية حل مجلس القضاء الأعلى ووضع محله مجلسًا مؤقتًا يأتمر بأمره ثم عزل عشرات القضاة من مناصبهم لبث الخوف في باقي المنتسبين لهذا السلك حتى يضمن نتائج كل القضايا، ثم حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعين محلها هيئة صورية لا تقول إلا ما يقوله الرئيس.

وصل الأمر الآن إلى ممثلي الدولة في الجهات، فحتى يضمن الولاء التام وحشد الناس للاستفتاء عيّن سعيد محافظين جدد سبق أن عملوا معه خلال الحملة الانتخابية أو الحملة التفسيرية كما يروق للرئيس وأنصاره تسميتها.

محافظون جدد

في أحدث قراراته، قرّر الرئيس سعيد أمس الإثنين تعيين أكثر من 10 محافظين جدد دُفعة واحدة، وذلك عقب اجتماعه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزير الداخلية توفيق شرف الدين، و”التطرق إلى الوضع العام في البلاد وإلى الجهود المبذولة لإنجاح استفتاء يوم 25 يوليو/تموز القادم من أجل إنشاء جمهورية جديدة”، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

شملت التعيينات 13 محافظًا (الولاة) جديدًا لمحافظات المنستير وأريانة وزغوان وسوسة والقصرين وتطاوين وسيدي بوزيد وجندوبة ونابل وقابس وسليانة وصفاقس وقبلي، وذلك بعد أشهر من تشكيل الحكومة التي ترأسها نجلاء بودن.

تُقسّم تونس إلى 24 محافظة، ووفقًا لدستور سنة 2014 تعين الحكومة المحافظ، لكن بعد انقلاب يوليو/تموز الماضي أصبح الرئيس من يقوم بذلك دون التشاور لا مع رئيسة الحكومة ولا مع وزير الداخلية.

اعتمد سعيد في اختيار قائمة المحافظين الجدد على مبدأ الولاء وليس الكفاءة، فكل التعيينات قائمة على الولاء الشخصي لا غير، وهو نفس التمشي الذي اعتمده سعيّد في التعيين في مواقع المسؤولية الرسمية من وزراء ومديرين عامين وغيرهم، فأغلبهم ممن انخرطوا في حملته الانتخابية.

القاسم المشترك بين المحافظين الجدد أنهم عديمو الخبرة ولا تجارب إدارية سابقة لهم، لها أن ترشحهم لأعلى منصب في المحافظات، لكن الميزة الوحيدة التي يمتلكها هؤلاء هي صداقتهم لقيس سعيد الذي كان سابقًا يندد بمثل هذه الممارسات ويستنكر على الأحزاب تعيين أتباعهم في مناصب مهمة بالدولة.

بالرجوع إلى تجارب وخبرات المحافظين الجدد، نجد مثلًا أن محافظ تطاوين حافظ الفيتوري يعرّف نفسه بأنه ناشط مدني أصيل معتمدية الصخيرة التابعة لمحافظة صفاقس وكان الرئيس سعيد قد استقبله في قصر قرطاج بتاريخ 22 فبراير/شباط 2021.

أما محافظ سيدي بوزيد الجديد عبد الحليم حمدي، فهو عامل في البناء وحاصل على ماجستير في التاريخ، وهو من أشد الداعمين لقرارات الرئيس سعيد في جهته، وبالنسبة لمحافظ قابس مصباح كرمدين فهو منسق الحملة الانتخابية لقيس سعيد في قابس.

التمكين والتحضير للاستفتاء

أغلب المحافظات التي عُين فيها محافظون جدد كان منصب الوالي فيها شاغرًا لأشهر عدة، لكن قيس سعيد لم يعر الأمر اهتمامًا، فقد كان مهتمًا بأمور أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليه، ومع اقتراب موعد الاستفتاء المقرر في يوليو/تموز المقبل أعاد سعيد ترتيب أوراقه.

يعلم سعيّد أهمية السلطة الجهوية لإنجاح الاستفتاء الذي سيشرعن حكمه، لذلك عين أصدقاءه ومن يحمل فكره حتى يقوي حضوره في مختلف المحافظات وتعزيز رجالاته في غياب سند سياسي وحزبي له، ما جعله يلجأ للإدارة.

يكرس هذا الأمر عقلية الانتهازية والغنيمة والتملق، إلا أن ذلك لا يعني سعيّد في شيء، فالمهم عنده التمكين وبسط سيطرته على كل مرافق الدولة وتطويعها لخدمة مشروع حكمه الذي يقوم على التسلط والاستبداد.

عوض الاستماع لمشاغل الناس ومد يد الحوار مع المعارضة للخروج من المأزق الذي تعيش على وقعه تونس منذ أشهر، اختار سعيد توظيف كل السلطات المجمعة بين يديه، لإرساء منظومة إدارية وسياسية في خدمة مشروعه الشخصي.

نهاية الشهر الماضي، أصدر سعيد مرسومًا يدعو التونسيين للتصويت في استفتاء على دستور جديد، وفق ما صدر في الجريدة الرسمية، سيكون السؤال الوحيد في الاستفتاء هو: “هل توافق على الدستور الجديد؟”، متجاهلًا دعوات المعارضة للتراجع عن الخطوة المثيرة للجدل.

وقبل ذلك، عين سعيد هيئة انتخابات على المقاس وأعلن رفضه حضور مراقبين أجانب في الاستفتاء، الأمر الذي أثار ريبة العديد من التونسيين وأثار مخاوفهم من إمكانية تزوير نتائج الاستفتاء خدمة لمشروع قيس سعيّد.

في الأثناء، أعلنت 5 أحزاب تونسية، إطلاق حملة لإسقاط الاستفتاء على الدستور الجديد الذي شكل سعيد لجنة لكتابته، وهذه الأحزاب هي الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (اجتماعية)، وحزبا العمال والقطب (يسار).

واعتبرت الأحزاب، أن “مشروع الاستفتاء خطير، يعتزم من خلاله الحاكم بأمره (في إشارة للرئيس سعيد) إضفاء شرعية زائفة على قرارات جاهزة”، وهو نفس موقف جبهة الخلاص التي ترى ضرورة إسقاط الاستفتاء وعدم إضفاء شرعية لسعيد.

تلغيم الدولة ومزيد من تأزيم الوضع 

انتهاج الرئيس التونسي قيس سعيد سياسة الولاء والمحاباة عوض الكفاءة والخبرة في تعيين المسؤولين الكبار في البلاد، يعكس رغبة الرئيس في تلغيم الدولة وإثقال كاهلها بأشخاص لا خبرة لهم ولا تجربة في التسيير الإداري.

تظهر هذه التعيينات أن سعيد يريد أن يُجازي العاملين معه، أي أننا أصبحنا أمام مبدأ الغنيمة، فمجرد الوقوف إلى جانب الرئيس في أثناء الحملة الانتخابية له أن يخول لك الحصول على منصب سامي في الدولة دون الحاجة إلى الخبرة والكفاءة.

هذا الأمر من شأنه أن يُثقل كاهل الدولة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام انتشار الفساد الإداري والمحاباة، ويزيد من تأزيم الوضع العام في البلاد، في الوقت الذي يأمل فيه التونسيون من مختلف الأطراف السياسية الجلوس على طاولة الحوار والتوصل لحلول عاجلة للأزمات التي تشهدها تونس.

وتشهد تونس أزمات عديدة مست مختلف المجالات، إذ تعاني البلاد من ارتفاع الأسعار والتضخم وتدهور مستوى معيشة المواطنين، وتتزامن الأزمة الاقتصادية مع أزمة سياسية حادة، تهدد بإفلاس الدولة التونسية، ما من شأنه أن يهدّد السلم والأمن الاجتماعي.

في ظل هذه الأزمات المتعددة، أصبحت مناصب الدولة في عهد سعيد تمنح نظير خدمات انتخابية أو شخصية سابقة استفاد منها الرئيس، وهو ما يؤكد زيف الشعارات التي رددها سعيد على مسامع التونسيين قبل توليه رئاسة البلاد وسعيه لمحاربة المحسوبية والمحاباة.