“يستمر عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة منقذة للحياة ودعم سبل العيش، في الازدياد بمعدل يُنذر بالخطر، وهذا يجعل معالجة الأسباب الجذرية لأزمات الغذاء أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى بدلًا من مجرد الاستجابة بعد حدوثها”، هذه خلاصة للتقرير السنوي للأزمات الغذائية الذي أطلقته، منذ أيام قليلة، الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء.
يكشف التقرير أن حوالي 193 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذا يمثل زيادة بنحو 40 مليون شخص مقارنة بالأرقام الصادرة عام 2020، هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى 53 بلدًا وإقليمًا، وتمَّ تصنيف أكثر من نصف مليون شخص في إثيوبيا وجنوب مدغشقر وجنوب السودان واليمن في المرحلة الأشد حدّة من كارثة انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يتطلّب إجراءات عاجلة لتجنُّب انهيار واسع النطاق لسبل العيش والمجاعة والموت.
تعكس هذه الزيادة -من حيث الأرقام والنسبة المئوية للسكان- مراحل انعدام الأمن الغذائي الحاد، والسبب الواضح هو أن الجميع بحاجة إلى الطعام، لكن التعقيد المتمثّل في تقديم الغذاء الكافي لجميع سكان العالم يوضِّح سبب كون الأمن الغذائي يمثل أولوية بالنسبة إلى جميع البلدان، سواء كانت نامية أو متقدمة، وهذا تحدٍ عالمي لأنه لا يتعلق فقط بالغذاء وصحة الناس، ولكن أيضًا عمليًّا بجميع جوانب الاقتصاد والسلام المجتمعي.
تحدي الأمن الغذائي العالمي
اُستخدم مصطلح الأمن الغذائي لأول مرة عام 1970 بسبب انتشار المجاعات حول العالم، ويشير إلى حصول البشر على كمية كافية من الغذاء السليم، فعندما يكون لدى الشخص في جميع الأوقات إمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى طعامٍ كافٍ وآمن ومغذٍّ يلبّي احتياجاته وتفضيلاته الغذائية لحياة نشطة وصحية، يُقال إنه يتمتّع بالأمن الغذائي.
رغم أن الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء يبدو متشابهًا تمامًا، إلا أن هذين المصطلحَين مختلفان، حيث يعرِّف مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996 الأمن الغذائي بأنه “القدرة على الحصول على غذاء كافٍ، بغضّ النظر عن مصدره، بما يضمن عدم تعريض حياته أو سبل عيشه لخطر داهم”، ولكن “الاكتفاء الغذائي” هو عندما نزرع كل الغذاء الذي نحتاجه داخل البلد، وبالتالي إن الاكتفاء الغذائي مهم للغاية بالنسبة إلى الكثير من دول العالم، كونها تفتقر إلى الكثير من المقومات البيئية والاقتصادية.
تلحق النظم الغذائية والمزارع المهيمنة في العالم الضرر بالبيئة بطرق قد تقلِّل من كمية الطعام التي يمكن إنتاجها في المستقبل
لكن الأمن الغذائي يتعدّى حدود مجرد الإنتاج الغذائي الإجمالي، في الواقع ينتج مزارعو اليوم ما يكفي من السعرات الحرارية لكل 7.8 مليارات شخص على وجه الأرض، ومع ذلك ما يقرب واحد من كل 3 أشخاص في العالم (2.37 مليار) لم يتمكّن من الوصول إلى الغذاء الكافي عام 2020، وهذا يمثل زيادة بنحو 320 مليون شخص في عام واحد فقط، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
يبدو من ذلك مدى وضوح تحدّي الأمن الغذائي العالمي، فبحلول عام 2050 يجب على العالم إطعام أكثر من 9 مليارات شخص، وسيكون الطلب على الغذاء أكبر بنسبة 60% ممّا هو عليه اليوم، لذلك حددت الأمم المتحدة التحدي العالمي المتمثل في مكافحة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة باعتبارها الهدف الثاني من أهدافها الـ 17 للتنمية المستدامة لعام 2030، لا سيما بين الأطفال.
يقول المفوّض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش، إنه “لا ينبغي أن يكون هناك مكان للجوع في القرن الحادي والعشرين”، ومع ذلك نشهد تباعد الكثير من الناس عن طريق الازدهار، مع وجود أكثر من مليار شخص يفتقرون إلى فرص الحصول على الغذاء الكافي، ويمكن أن يتدهور الوضع أكثر، ما يجعل تحقيق هدف عام 2030 المتمثل في القضاء على الجوع، أي ضمان عدم جوع أي شخص أينما كان في العالم، يمثل تحديًا كبيرًا.
انخفاض إنتاج الغذاء في البلدان الأقل نموًّا، وزيادة أسعار الغذاء، وزيادة إنتاج الوقود الحيوي هي المسؤولة عن المعدلات الحالية لندرة الغذاء، وهناك أزمة أخرى وشيكة تتمثل في ندرة المياه، فبحسب معهد الموارد العالمية هناك أكثر من 25% من الزراعة تقع في المناطق المجهدة بالمياه.
ويتضاعف هذا الرقم عند النظر إلى الأراضي الزراعية المروية التي تُنتج 40% من الإمدادات الغذائية العالمية، ويتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من القمح حوالي 1500 لتر من الماء، ونحو 16000 لتر لإنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر، وبالتالي سنحتاج إلى ضعف كمية المياه في عام 2050.
هذا بخلاف عوامل رئيسية أخرى، أهمّها تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري والتصحُّر وفقدان تنوع المحاصيل والزحف العمراني على الإنتاج الزراعي، ووفقًا لما يُعرَف بـ”عقد الأمم المتحدة للصحارى ومكافحة التصحُّر” (2010-2020)، تشغل الأراضي الجافة حاليًّا أكثر من 40% من مساحة اليابسة في العالم، وسيؤدّي ارتفاع درجات الحرارة إلى تحويل المزيد منها إلى صحراء، وبالمعدلات الحالية ستطعم كمية الطعام التي نزرعها اليوم نصف السكان فقط بحلول عام 2050.
كذلك ينتج انعدام الأمن الغذائي عن قضايا مجتمعية وتوزيعية منهجية مثل الفقر والعمالة الناقصة والعنصرية وغير ذلك من أشكال عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يتسبّب بدوره في اضطراب زراعي، ففي البلدان المتقدمة أقل من 2% من الناس يزرعون المحاصيل أو يربّون الحيوانات من أجل الغذاء، ويتناقص عدد الأشخاص الذين يختارون الزراعة كمهنة، وفي الوقت نفسه ترتفع أسعار المواد الغذائية، وتتقلّص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وتتدهور التربة بسبب الإفراط في الزراعة.
أمّ تعدّ الطعام لأطفالها من الحبوب التي تلقّتها من موقع توزيع برنامج الغذاء العالمي في مايدوجوري، نيجيريا.
كما تلحقُ النُّظمُ الغذائية والمزارع المهيمنة في العالم الضرّرَ بالبيئة بطرق قد تقلِّل من كمية الطعام التي يمكن إنتاجها في المستقبل، على سبيل المثال تشير التقديرات إلى أن الزراعة من أجل الغذاء والأعلاف والألياف والوقود تمثل حوالي 70% من استخدام المياه العذبة العالمية، و12% من انبعاثات الاحتباس الحراري في العالم، ونصيبًا كبيرًا من إزالة الغابات.
علاوة على ذلك، إن العديد من الممارسات الزراعية المستخدَمة اليوم تؤدي إلى تدهور التربة، ما يجعل الأراضي الزراعية أقل إنتاجية وأكثر عرضة للفيضانات والجفاف.
الأهم من ذلك أن بعض الأساليب لزيادة توافر الغذاء يمكن أن يكون لها عواقب غير مقصودة، على سبيل المثال أدّت الثورة الخضراء إلى زيادة إنتاج محاصيل الحبوب بمقدار 3 أضعاف، ما أدّى إلى التخفيف من حدّة الفقر ونقص الغذاء في العديد من البلدان منخفضة الدخل، لكنها في الوقت نفسه ألحقت أضرارًا بالعديد من المجتمعات أو تركت وراءها عواقب بيئية وخيمة.
هل يؤثِّر النمو السكاني على إنتاج الغذاء؟
اقترح العلماء انعدام الأمن الغذائي كأحد التهديدات التي سيواجهها العالم خلال هذا القرن، فقد نما عدد سكان العالم أضعافًا مضاعفة، حيث تقدَّر الأرقام الحالية بحوالي 8 مليارات نسمة بحسب البنك الدولي، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 9.7 مليارات في عام 2050، وسيتضاعف عدد سكان العالم في الـ 50 سنة القادمة إذا استمرَّ معدل النمو الحالي البالغ 1.3%.
ومع ذلك انخفض إنتاج الحبوب والإنتاج الزراعي في العالم منذ عام 1961، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة انخفض إنتاج الغذاء للفرد في 51 دولة نامية، بينما ارتفع في 43 دولة فقط بين عامَي 1979 و1987.
يختلف هذا التأثير باختلاف المناطق عبر العالم، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة الأخيرة من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا من مليار إلى ما يقارب الـ 2.4 مليار نسمة بحلول عام 2050، حيث يزداد سكان العالم النامي تحضُّرًا بشكل متزايد، مع توقُّع 2.5 مليار نسمة إضافية من سكان المناطق الحضرية في أفريقيا وآسيا.
خلصت إحدى الدراسات التي أُجريت إلى أن النمو السكاني يتزايد بمعدل أعلى من الإنتاج الزراعي، وأن 12% من سكان العالم يعانون من الجوع ويعيشون دون وصول آمن إلى الغذاء، وأن إنتاج الحبوب للفرد يبدو أنه يتناقص في جميع أنحاء العالم.
قد تدفع مثل هذه الروايات البعض إلى التساؤل عمّا إذا كانت السيطرة على السكان حلًّا ضروريًّا لضمان حصول الناس الآن وفي المستقبل على الطعام الذي يحتاجون إليه
ويبدو الوضع أسوأ بشكل خاص في إفريقيا، حيث انخفض إنتاج الحبوب الرئيسية بنسبة 12% منذ عام 1980، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة تصل إلى 20% بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، في المقابل، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة الأخيرة، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا من مليار إلى ما يقرب من 2.4 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يزيد من احتمالات تأثر الفقراء الذين يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم.
وتشير التوقعات السكانية الجديدة إلى أن 9 بلدان فقط ستشكّل أكثر من نصف النمو المتوقع لسكان العالم، ويتوقّع آخر تقرير للأمم المتحدة أن تتفوق الهند على الصين، لتصبح أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان في حوالي عام 2027، وهناك توقعات أخرى بتضاعُف عدد سكّان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2050 (بنسبة زيادة تصل إلى 99%)، ما يثير التساؤل حول مدى تأثير النمو السكاني على إنتاج الغذاء.
كان الباحث السكاني والاقتصادي الإنجليزي، توماس مالتوس (1806)، أول من تناول ندرة الغذاء كقضية ودافع عن الفرضية القائلة بأن تزايُد عدد سكان العالم سوف يفوق في النهاية قدرة الأرض على إطعامهم، ما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة أهمها الجوع و الفقر، وقال في كتابه “رسائل حول مبادئ تعداد السكان” إن “قوة السكان أكبر إلى ما لا نهاية من القوة الموجودة في الأرض لإنتاج الكفاف للإنسان”.
في الستينيات، وسّع عالم الأحياء بجامعة ستانفورد، باول إرليش، في كتابه “الانفجار السكاني” نظرية مالتوس حول النمو السكاني، من خلال التأكيد على أن البشر سيفشلون في المعركة ضد الجوع، وأن العالم سينفد من الغذاء والماء والموارد الأخرى دون اتخاذ خطوات للسيطرة على السكان، ولاحظ أنه منذ حوالي عام 1930 تضاعف عدد سكان العالم خلال جيل واحد، من 2 مليار إلى ما يقارب الـ 4 مليارات، وافترض أن الموارد المتاحة من ناحية، وخاصة الغذاء، كانت تقريبًا محدودة كما هي.
في عام 2019 أنتجت شركة Fast Company مقطع فيديو بعنوان “لماذا يعدّ إنجاب الأطفال أسوأ شيء يمكنك القيام به على كوكب الأرض؟”، وتجادل بأن أفضل طريقة لمنع العالم من الاحتراق هي عدم تكوين أسرة، استنادًا إلى دراسة تفيد بأن إنجاب الأطفال يزيد من استخدام الموارد، بما في ذلك تلك المستخدَمة في زراعة الطعام، أكثر من أي نشاط بشري آخر.
لكن دانيال كوين شكّك في نظرية مالتوس من خلال اقتراح أن الزيادات في الإمدادات الغذائية هي المسؤولة عن النمو السكاني، وافترض في كتابه “القصة ب” أنه في حالة عدم وجود قيود على الموارد -مثل المساحة والغذاء- سينمو السكان بشكل كبير، بمعنى أنه إذا كانت الموارد محدودة سيبدأ معدّل النمو في الانخفاض، حيث يصل عدد السكان إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تدعمه البيئة، وسيستمر عدد السكان في الانخفاض حتى يصل إلى التوازن.
رغم أن فرضيات كوين لها أُسُس بيولوجية قوية، إلا أنها لا تبدو كذلك عند مواجهة حالات مثل أفريقيا، حيث استمرت أعداد السكان في الزيادة رغم انخفاض إنتاج الغذاء في القارّة كما توقع مالتوس.
حاليًّا، تُعتبر الدول الأفريقية مثل ليبيريا ونيجيريا وأوغندا من بين أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، ومع ذلك انخفضَ إنتاج الحبوب بنسبة 12% في العقدَين الماضيَين كما يذكر العالم الديموغرافي تيم دايسون في كتابه “السكان والغذاء: الاتجاهات العالمية وآفاق المستقبل”.
قد تدفع مثل هذه الروايات البعض إلى التساؤل عمّا إذا كانت السيطرة على السكان حلًّا ضروريًّا لضمان حصول الناس الآن وفي المستقبل على الطعام الذي يحتاجون إليه، ولكن بقدر ما قد يبدو هذا النهج منطقيًّا، فإن السكان ليسوا المشكلة التي تستحقُّ تركيزنا، وهم بالتأكيد ليسوا الحل.
صحيح أن سكان العالم يتزايدون وأنه سيكون هناك ضغط متزايد على الزراعة لتلبية الاحتياجات الغذائية، لكن الأبحاث تشير إلى عدة طرق لضمان الأمن الغذائي لسكان العالم الحاليين، وتشمل على سبيل المثال الزيادات في إنتاج الغذاء الصحّي وتوافره من خلال الممارسات الزراعية المحسَّنة والمستدامة، واعتماد النُّظُم التي تحافظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، والتحولات في المحاصيل والأنظمة الغذائية، وتقليل النفايات عبر سلسلة التوريد.
يقترح الديموغرافي والباحث في مجلس السكان، جون بونغارتس، أن الدول الأقلّ تقدمًا يمكنها تلبية الطلب في عام 2050 إذا تمَّ سنّ سياسات اقتصادية وتكنولوجية جديدة لدعم الزراعة المستدامة، ولكن ليس في ظل نموذج الإنتاج الزراعي الحالي.
نُذر الأزمة الغذائية التي فاقمتها الحرب
بخلاف النمو السكاني الذي يتطلب زيادة إنتاج الغذاء بنسبة تصل من 50% إلى 100% بحلول عام 2050، فإن العامل الأكثر أهمية وراء ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد في الوقت الراهن يتمثّل في النزاعات السياسية، فقد وجدَ تقرير الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية أن الصراع دفع 139 مليون شخص في 24 دولة أو إقليم إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2021، ارتفاعًا من حوالي 99 مليونًا في 23 دولة أو إقليم عام 2020.
ويشير التقرير إلى أن البُلدان التي تتعامل بالفعل مع مستويات عالية من الجوع الحاد معرّضة بشكل خاصّ للمخاطر التي أوجدتها الحرب في أوروبا الشرقية، لا سيما بسبب اعتمادها الشديد على واردات الأغذية والمدخلات الزراعية وتعرُّضها لصدمات أسعار الغذاء العالمية.
بالنسبة إلى برنامج الأغذية العالمي، يوشك خطر الجوع أن يتحول إلى حقيقة ماثلة وعلى نطاق واسع بعد توقف الإنتاج في أوكرانيا المعروفة بـ”مخزن أوروبا”
وما زال الصراع المحرِّك الرئيسي للأمن الغذائي، إذ بدت تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا عابرة للحدود، فضلًا عن اجتياحها أسواق الطاقة والمال، تنذر بأزمة غذاء عالمية، ذلك أن الحرب الدائرة الآن إنما هي بين بلدَين من أكبر منتجي الحبوب والزيوت في العالم، إذ توفِّر روسيا وأوكرانيا نحو 80% من صادرات الزيت النباتية العالمية، كما يسهم البلدان بحوالي 30% من صادرات القمح.
بحسب المفوضة الأوروبية للشراكات الدولية، جوتا أوربيلينين، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا يعرّض الأمن الغذائي العالمي لتداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والتغذوي في العالم، حيث ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل خطير إلى ارتفاعات مثل تلك التي تسبّبت في أزمات غذائية وأعمال شغب في أجزاء كثيرة من العالم خلال العقدَين الماضيَين.
وتثير الحرب مخاوف كبيرة حول مستقبل الأمن الغذائي العالمي بسبب الحصار الروسي على موانئ أوكرانيا، فبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، نحو 25 مليون طن من الحبوب عالقة في أوكرانيا بسبب حصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ويتّهم الكثيرون بوتين باستخدام الحصار الغذائي لمعاقبة العالم بسبب العقوبات على روسيا.
لكنَّ نقص إمدادات الغذاء لا يتعلق بعقبات لوجستية ناجمة عن تعطيل عمليات الشحن من منطقة البحر الأسود، وإنما بالمحاصيل نفسها التي قد تحول دون حصادها، لا سيما في أوكرانيا، وقد يحدّ ارتفاع أسعار الأسمدة والغاز الطبيعي من وفرتها وجودتها في البلدَين.
آثار الحرب لم تقتصر على أوكرانيا، بل اتّسعت وأضرّت بالعديد من دول العالم، وتسبّبت في ارتفاع الأسعار وقلّة المواد الغذائية، ويتوقع زيادة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بمقدار 101 مليون بحلول نهاية عام 2022، وقد يرتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع بما يصل إلى 201 مليون، وتعتبر الدول العربية أكثر الدول المتضررة بسبب استيرادها أكثر من 60% من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
في أفريقيا، القارة التي تعاني من تحديات خطيرة تتعلق بانعدام الأمن الغذائي، يأتي معظم الغذاء من الخارج، وبين عامَي 2016 و2018 استوردت حوالي 85% من المواد الغذائية من خارج القارة، ومع نموّ سكانها من المتوقع أن تتضاعف الواردات الغذائية الصافية إلى أفريقيا 3 مرّات بحلول عام 2025، حتى مع نقص النمو التغذوي بمقدار الثلث.
بالنسبة إلى برنامج الأغذية العالمي، يوشك خطر الجوع أن يتحول إلى حقيقة ماثلة وعلى نطاق واسع، بعد توقف الإنتاج في أوكرانيا المعروفة بـ”مخزن أوروبا”، وهو ما دفع بلدانًا منتجة كثيرة إلى اتخاذ تدابير طارئة لمجابهة ارتفاع الأسعار في الأسواق الداخلية، فبعض الدول قلّصت مبيعاتها من الحبوب لتأمين المخزون الاحتياطي، وحظرت دول أخرى تصدير منتجاتها من القمح والذرة والزيوت واكتفت بتصدير التزامات سابقة.
نقص إمدادات الغذاء يتعلق بالمحاصيل نفسها التي قد تحول دون حصادها في أوكرانيا.
وأعلن البنك الدولي مؤخرًا عن تخصيص 30 مليار دولار على مدى الأشهر الـ 15 المقبلة لدعم مشاريع جديدة للمساعدة في منع أزمة الأمن الغذائي عالميًّا التي أثارتها حرب روسيا على أوكرانيا، على أن يذهب الجزء الأكبر من هذه الموارد إلى دول في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية ووسط آسيا وجنوبها، للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
بالتأكيد، لن تحقق هذه الخطوة الأمن الغذائي للجميع، ومع تضاعف قيمة الواردات الغذائية 3 مرات منذ بداية القرن، وتغذية حوالي 80% من سكان العالم جزئيًّا من الواردات، هل يدرك العالم حقيقة ما يتهدد أمنه الغذائي فيضاعف جهوده لإيقاف حرب روسيا على أوكرانيا؟