اضطرب يومي، وضعفت آمالي، وزادت حيرتي، بعد أن أصدرت جماعة “الإخوان المسلمين” بيانًا بعنوان “هوية أمة .. وثورة تنتصر” تدعم به وتثمن الدعوة التي قامت بها “الجبهة السلفية” للنزول للتظاهر يوم الجمعة 28 نوفمبر القادم، – والتي تحدثت عنها من خلال بعض التساؤلات حول جدوى الدعوة في مقال سابق بعنوان “انتفاضة الشباب الإنسان”– غير مبالين بالتحذيرات والمعلومات المسربة من داخل النظام القمعي بحشد أمني وإعلامي وسياسي ضخم لهذا اليوم بشكل ملحوظ لتوظيفه خارجيًا وداخليًا، بعد ركود في المشهد الداخلي لحكومة محلب وعجزها عن تقديم حلول للمواطن المصري، وفشل تصدير الحرب على الإرهاب ووصمه ورسمه على جماعة الإخوان المسلمين، مع اختناق المشهد السياسي بتصلب رؤيتي النظام الانقلابي وجماعة الإخوان المسلمين.
ولا أخفيكم سرًا أنني كنت أظن أن قيادة الإخوان المسلمين وكوادرهم تعلموا الدرس جيدًا بعد الانقلاب العسكري في 3/ 7، وفهموا الواقع وقرأوا المشهد جيدًا، لكن الجواب جاء سريعًا بهذا البيان، ليهدم كل آمالي في قيادة رشيدة تفهم دائرة الصراع وبؤره وأدواته، وأن تتعامل معه بمنطلق وهج الإنجاز والمبادرة لتفويت الفرص وإضاعتها على خصومها وأعدائها، وألا تتعامل معه بردة الفعل والتمحور حول الذات والانغلاق الفكري في التعاطي مع الصورة الكلية للمشهد، وعدم الاستدراج لمزيد من سفك الدماء، والنظرة الضيقة تحت الأقدام الحزبية والفصائلية، وألا تدلس على الناس بخلق معارك وهمية تحت لافتات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد ثبت فشلها وخسارتها كثيرًا، وأن تكون الأحرص على الدماء الزكية والحفاظ عليها أكثر من الأعداء والخصوم لأن حفظ الدماء أوجب الواجبات وأكبر المسئوليات على الجميع، لأن الدماء عند الله عظيمة ليس على سافكها فقط بل وعلى الجميع ممن يحرضون عليها ويحفزون ويحشدون لها في ظل غياب رؤية واضحة وإستراتيجية كاشفة لهذا المشهد الضبابي، وغياب التوظيف السياسي للتضحيات وترجمتها بشكل يصب في صالح المشهد الثوري مثل ما حدث في مجازر رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها والتي كانت التضحيات فيها جسيمة والنتائج السياسية تكاد تكون غير موجودة .
ولعل بعد ليلتي هذه كنت أسأل نفسي بعض الأسئلة:
هل وازن الإخوان بين المصالح والمفاسد؟ هل نظروا في النتائج والمآلات؟ هل تعلموا من أحداث سابقة مشابهة سُفكت فيها دماء معصومة ولم يترتب عليها مصلحة تذكر؟ وهل الإخوان يريدونها صراع سياسي أم صراع عقدي، ثورة سلمية، أم ثورة إسلامية مسلحة، والسلمية خيار استراتيجي منهجي أم تخطيط تكتيكي مرحلي؟ ثم ما هي الآليات والسيناريوهات المطروحة للموجة مع نظام سلطوي قمعي يطلق الرصاص الحي مباشرة على الرؤوس والصدور؟ هل من مواجهة مسلحة مثلاً؟ ثم لو كانت المواجهة مسلحة هل هناك حساب للإمكانيات والقدرات وأيضًا حساب للمكسب والخسارة والضرر المترتب على ذلك؟ أم أنها مواجهة سلمية بصدور عارية تتلقى الرصاص الحي لتزيد المأساة وتكبر المعاناة ويحيط اليأس بأهل الحراك الميداني وتتحول مظاهراتنا كنز إستراتيجي للمعتقلات والسجون وتصبح بناتنا أكثر عرضة للانتهاكات والاعتقالات والاغتصاب؟ وهل تجهز الإخوان ليتحملوا تبعات مغامرة غير محسوبة وهم مثخنون بالجراح – ولازالوا – مع استعداد النظام لتحميلهم الليلة الداعشية كلها وماعرب شركس منا ببعيد؟! ثم أين الثورة ووحدتها وأهدافها “عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة إنسانية”؟!
ورغم أن الانتصار للثورة هو مهمة كل أبناء الوطن وأنه ينبغي أن يتشارك الجميع في تحقيق أهداف ثورة يناير وأن يتوافق الجميع على أسس بناء الوطن وصياغة مستقبله، وأن من صميم الشريعة الإسلامية الدعوة إلى التوافق مادام ذلك التوافق قائمًا على أسس وأهداف صحيحة، فالتوافق حينئد يصبح بابًا من أبواب التعاون على البر والتقوى كما قال الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى}، إلا أن هذه الدعوة للنزول يوم 28 تزيد من حالة الاستقطاب والفرقة بين فصائل وقوى الثورة، كما أنها تزيد من ذرائع المتربصين بالثورة والتنكيل بها وتعطي الفرصة للنظام القمعي للتفرد بالإسلاميين مع صمت داخلي وخارجي تحت لافتة “الحرب على الإرهاب”.
والمشهد يزداد ضبابية بوجود “داعش” في مصر الآن لأنه يعد محط أنظار الجميع وعامل جذب لكثير من الشباب الثوري الذي يأس من الحراك السلمي، والمشهد المصري الآن يعد من أجمل البيئات الملائمة لنموه وتطوره وازدياده الأفقي التوسعي، وتوتير المشهد وتحفيزه يزيد من دعشنته، وهذه الدعشنة جريمة في حق الدين والوطن والثورة.
والحل يكمن – في وجهة نظري – للخروج من هذا المأزق الكبير للثورة في 28 نوفمبر في انسحاب الإخوان من الدعوة وتفويت الفرصة على أعداء الثورة للتنكيل بشبابها وأبنائها والضغط على الجبهة السلفية بسحب دعوتها – ولنتذكر معًا موقف الأستاذ حازم أبو إسماعيل وقسم شرطة الدقي – وتخيلوا معي كم من دماء ستعصم؟ وكم من حريات ستحفظ؟!
ورغم زخم المشهد المصري قبل 28 نوفمبر وقوته وحراكه إلا أنني كنت أتمنى أن يكون هذا المشهد وزخمه وحراكه بروح “يناير” وشعار “يسقط يسقط حكم العسكر” ووحدة أبناء الثورة ورفقاء الميدان من إخوان واشتراكيين ثوريين وسلف ومصر القوية و6 أبريل والإسلاميين الثوريين والاتحادات الثورية الصادقة مع الكتلة الحرجة لثورة شعبية من أبناء مصر جميعهم.
ويقولون متى هو؟
قل عسى أن يكون قريبا!