ترجمة حفصة جودة
اندفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا لاحتواء العاصفة الدبلوماسية التي اندلعت في الشرق الأوسط بعد التعليقات المهينة لاثنين من كبار المسؤولين عن النبي محمد والدين الإسلامي.
للمطلعين على السياسة الهندية، كان الأسبوع الماضي كاشفًا، فللمرة الأولى يشعر الحزب الحاكم الهندي بالحرج من إساءته الممنهجة للأقلية المسلمة منذ وصوله إلى السلطة بأجندته القومية الهندوسية عام 2014.
وفي خضم الأزمة الدبلوماسية الدولية لمودي، أدانت دول الخليج ونددت بحزبه لإهانته رسول الله، إضافة إلى ذلك، استدعت قطر والكويت وإيران مبعوثي الهند ووبختهم بشكل خاص، بينما قررت العديد من المتاجر الكبرى في دول الخليج إزالة المنتجات الهندية من أرففها، وانطلقت الهاشتاغات على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبة بالمقاطعة الاقتصادية للهند على تويتر وفيسبوك وإنستغرام.
علقت الصحفية الهندية رنا أيوب على ذلك قائلة: “لقد اجتمعت إيران والسعودية وقطر على رأي واحد، متى شهد العالم حدوث ذلك آخر مرة؟ لقد جعل مودي الأمر ممكنًا”.
ردت الحكومة الهندية على ذلك بتوقيف المسؤولين اللذين صرحا بتلك التعليقات، ولأول مرة في تاريخ البلاد منذ 75 عامًا أصدرت بيانًا لدولة أجنبية (في تلك الحالة لمجموعة البلاد ذات الأغلبية المسلمة تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي).
لم يكن هناك أي رد فعل تجاه قتل المسلمين دون محاكمة وتخريب منازلهم وتجارتهم ومساجدهم من الغوغاء المتطرفين في وضح النهار وأحيانًا تحت مرأى الشرطة
يقول كبير تانيجا، الزميل بمؤسسة “Observer Research” الفكرية: “لقد فوجئت الهند بهذا الرد، فالقضايا الطائفية ليست بجديدة على الهند، وفي المرات السابقة لم تحدث مثل هذه الاستجابة من الدول العربية”.
غض الطرف
لكن لم يكن مستغربًا أن تؤخذ حكومة مودي على غرة، نظرًا لأن الدول العربية عادة ما تغض الطرف عن انتهاكات الهند وقمعها للمسلمين بما في ذلك قانون العفو الذي يمنح المهاجرين غير المسلمين فقط حقوق المواطنة، وحظر الطالبات المحجبات والقوانين العنصرية التي تستند إلى المؤامرات المناهضة للمسلمين ودعم المقاطعة الاقتصادية للأعمال التجارية المملوكة للمسلمين وإلغاء وضع الحكم شبه الذاتي لكشمير.
لم تتفوه حكومات الخليج بكلمة عندما وصف أعضاء من حزب مودي المسلمين بالنمل الأبيض والوباء والإرهابيين، بينما حثت الجماعات القومية الهندوسية المتحالفة مع الحزب الحاكم أنصارها على ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المسلمين (وهي حوادث نسمعها بشكل يومي)، ولم يكن هناك أي رد فعل تجاه قتل المسلمين دون محاكمة وتخريب منازلهم وتجارتهم ومساجدهم من الغوغاء المتطرفين في وضح النهار وأحيانًا تحت مرأى الشرطة.
لكن هذه الحكومات والقادة المسلمين الآن في الشرق الأوسط يتحدون ضد مودي، فقد دعا المفتي العام في عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي جميع المسلمين للوقوف كأمة واحدة، وأعلن مقاطعة المنتجات الهندية.
بينما تمكن مودي من التحدث بنبرة ساخطة للولايات المتحدة متهمًا إياها باستخدام سياسات الكتلة الواحدة بعد أن اتهمت إدارة بايدن نيودلهي بإساءة معاملة الأقليات الدينية، إلا أنه الآن يحاول استرضاء دول الخليج العربي لأن نحو ثلثي وارداته من النفط الخام تأتي من الشرق الأوسط.
لكن النفط ليس نقطة الضغط الوحيدة، فالقضية الكبرى تتمثل في عمل ومعيشة ملايين الهنود المغتربين في دول الخليج، ما يعرض للخطر مليارات الدولارات التي تصل الهند عبر الحوالات المالية من هؤلاء المواطنين في تلك البلاد.
أزمة سياسية ضخمة
إذا قررت دول الخليج العربي التهديد بترحيل المهاجرين الهنود أو حتى إيقاف تصريحات العمل للهنود، فإن ذلك سيخلق أزمة سياسية ضخمة لحكومة مودي في وقت لا يمكنها تحمل ذلك، نظرًا لمعاناة الاقتصاد الهندي وصدمة أسعار الوقود التي تؤثر على الملايين.
وفقًا لأحد المراقبين الهنود، فإن العلاقة التجارية بين الهند ودول الخليج ذات دلالة مزدوجة: الاعتماد على النفط، وسوق تصدير كبير محتمل للهند، فقد ازدادت العلاقة التجارية الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي الستة بما في ذلك الإمارات والسعودية بشكل بارز في 2021-2022، فقد زادت صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 58% لتصل إلى 44 مليار دولار.
في النهاية أصبح مودي واقعًا في مأزق مزدوج، فمن ناحية يعلم مودي أنه بحاجة إلى التراجع عن عدائية حزبه تجاه المسلمين لإرضاء شركائه في دول الخليج، ومن ناحية أخرى يدرك أيضًا أن جهود حزبه لتشويه سمعة المسلمين واستخدامهم كبش فداء ساعده وحزبه في تجنب مسؤولية التداعي الاقتصادي نتيجة التضخم وكوفيد-19.
يقول ديباسيش روي المؤلف المشارك لكتاب “قتل الديمقراطية: طريق الهند نحو الاستبداد”: “لكي يستمر الحزب في الفوز بالانتخابات، فهو بحاجة إلى استقطاب الناخبين الهندوس ضد المسلمين والاستمرار في الحملات المشينة لشيطنة المسلمين”.
لهذا السبب سيتبع مودي طريقًا حذرًا ويتحدث بكلام متناقض، فسيخبر قادة الشرق الأوسط بما يودون سماعه، بينما يقدم دعمه الكامل بهدوء لأعضاء حزبه الذين أهانوا الرسول وأساءوا للمسلمين.
المصدر: ميدل إيست آي