يواجه المسلمون في الهند حملات ممنهجة من الاضطهاد والعنصرية والإساءة والانتهاكات المستمرة على يد المتعصبين من قومية الهندوس، يأتي ذلك وسط تعامٍ أو قل تواطؤ حكومي.
ولعل التصريحات الأخيرة من المتحدثة باسم حزب الشعب الهندي الحاكم نوبور شارما، والمسؤول الإعلامي بفرع الحزب في العاصمة الهندية ناوين جيندال، المسيئة لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام أحدث مثال على ذلك.
في هذا الحوار، نستضيف في “نون بوست” الدكتور ظفر الإسلام خان للحديث أكثر عن محنة المسلمين في الهند وكيف يحث خطاب حكومة ناريندرا مودي على الكراهية والعنف، وهل من حلول ينتهجها المسلمون من أجل حل هذه المعضلة المستمرة منذ عقود.
يعدّ الدكتور ظفر الإسلام خان من أهم الشخصيات الإسلامية في الهند، عُرف بنشاطه في مواجهة الحركة الهندوسية وخطابها التمييزي ضد المسلمين، وهو من مواليد الهند عام 1948، وابن علامة الهند وحيد الدين خان صاحب المؤلفات الشهيرة. عمل الدكتور خان رئيسًا للجنة الأقليات وهي هيئة دستورية في مدينة دلهي الهندية سابقًا، بالإضافة إلى عمله في التأليف والمجال الصحفي، فهو يترأس تحرير صحيفة “ملي غازيت” التي تركز على المجتمع المسلم في الهند، كما أسس منظمة Charity Alliance الخيرية.
يتعرض خان للكثير من الضغوطات والمضايقات من الشرطة الهندية، وبالفعل اعتقل غير مرة كان آخرها عام 2020 حين قامت الشرطة الهندية باقتحام بيته على خلفية تغريدة له. نترككم مع الحوار.
المسلمون أكثر من أقلية في الهند، هم ثاني أكبر ديانة في البلاد، والهند – كما يقال دائمًا – ثالث أكبر بلد إسلامي، من حيث عدد المسلمين فيها بما يقترب من 200 مليون نسمة، وحتى وقت قريب كان هناك رؤساء للهند من المسلمين.. هل هناك خطر حقيقي يتهدد مسلمي الهند؟
هذه حقيقة، مسلمو الهند (200 مليون) يمثلون ثاني أكبر تجمع في العالم الإسلامي بعد إندونيسيا. أمورنا لم تكن في أفضل أحوالها عقب استقلال الهند سنة 1947، فقد كانت هناك مشكلات وتهميش، بالإضافة إلى وجود اضطرابات طائفية، لكن الأمور كانت تعود إلى مجاريها سريعًا وكانت هناك آذان صاغية في الحكومة لشكاوينا ومشكلاتنا.
أنا شخصيًا كرئيس منظمة إسلامية كبيرة، قُدت وفودًا إسلاميةً لمقابلة رئيس الوزراء مان موهان سينغ والسيدة سونيا غاندي التي كانت تعتبر الحاكمة الحقيقية للهند خلال حكم حزب المؤتمر (2004-2014).
كانت معظم الأحزاب السياسية تهتم بأن يشارك المسلمون بها وكانت ترفع الصوت لقضاياهم، لكن كل هذا تغير بصورة تامة بعد مجيء السيد ناريندرا مودي رئيسًا للوزراء في مايو/أيار 2014، فحزبه “حزب الشعب الهندي” ومنظمته الأم “الآر إيس إيس RSS” يؤمنان بكراهية الإسلام والمسلمين كمبدأ أساسي من مبادئ أيديولوجية الحزب والمنظمة الأم، وتسمى هذه الأيديولوجية “الهِندوتوا” أي القومية الهندوسية التي ترى أن المسلمين والمسيحيين غرباء وليست لهم حقوق في الهند وعليهم أن يقبلوا ما يعطى لهم.
في ظل حكومة مودي بدأت سلسلة لا تنتهي من اضطهاد المسلمين والتضييق عليهم بشتى الطرق، تجلت في قتل مئات المسلمين بتهمة تناولهم لحم البقر أو ذبح الأبقار، والاعتداء على المسلمين بتهمة حمل الهندوس على اعتناق الدين الإسلامي والاتهام بإغراء الهندوسيات للزواج بالمسلمين، ومعارضة حجاب الطالبات المسلمات، ومعارضة بيع اللحم الحلال، ومعارضة كتابة وصف “الحلال” على العبوات الغذائية، وتغيير مئات الأسماء الإسلامية للمدن والقرى والشوارع والطرق بأسماء هندوسية لمحو المسلمين من تاريخ الهند، وتغيير الكتب المدرسية وكتب التاريخ لإخراج أي مواد تشيد بالمسلمين وإدخال مواد مهينة لهم، وتعديل قانون الجنسية لحرمان ملايين من المسلمين من الجنسية الهندية، وأيضًا الدعوة إلى إبادة ملايين من المسلمين، واستخدام البلدوزرات لهدم بيوت ومتاجر المسلمين حين يعارضون اقتحام غوغاء الهندوس أحيائهم رافعين شعارات السب والإهانة في حق الإسلام ورسول الإسلام والمسلمين، والقائمة طويلة لا تنتهى.
اليوم لا أحد يستمع إلينا وحتى الأحزاب السياسية التي تدعي العلمانية ابتعدت عن المسلمين ولا تسمح لهم بتولي مراكز قيادية بها ولا ترفع قضاياهم، لأن كل الأحزاب – باستثناء الأحزاب الشيوعية – تبنت “الهِندوتوا الرخوة” التي تعني ألا تفعل شيئًا يزعج الهندوس.
عطفًا على السؤال السابق، ألا يستطيع المسلمون الدفاع عن أنفسهم، سياسيًا واقتصاديًا، وحتى أمنيًّا؟
في كل هذه الأوضاع لم يبق للمسلمين إلا اللجوء للمحاكم، لكن حتى في المحاكم يوجد الآن قضاة يؤمنون بالهِندوتوا ولا ينصفون المسلمين، لكن لا يزال هناك قضاة منصفين أيضًا، أما الشرطة وأجهزة الحكومة فتتعامل كأنها عدو للمسلمين إلا ما شاء الله.
وخرجت في الآونة الأخيرة أصوات من غلاة الهندوس تنادي بإبادة المسلمين، وقد حذرت منظمة “جينوسايد ووتش Genocide Watch” الأمريكية، التي تدرس الحالات التي قد تؤدي إلى الإبادة في بلد ما، أن الهند مهيّأة الآن لإبادة المسلمين وأي شرارة قد تؤدي إلى دخول البلاد في معمعة إبادة المسلمين.
لقد جرى تهميش المسلمين في كل المجالات، فتمثيلهم في البرلمان الآن نحو ربع ما ينبغي لهم بالنظر إلى نسبتهم بين السكان، وتمثيلهم في الوظائف الحكومية أيضًا نحو خمس أو ربع ما يحق لهم، ومن الناحية الأمنية يواجه الشباب المسلم منذ زمن حملات الاعتقال والسجن لعشرة وعشرين سنة بتهم ملفقة، مثل أنهم ينشطون في الإرهاب، وفي نهاية الأمر يخرج غالبيتهم العظمى من السجون بعد تبرئتهم قضائيًا، لكن السلطات لا تعتذر ولا تعطي لهم تعويضات.
حدثنا عن الانخراط السياسي لمسلمي الهند اليوم، هل أنتم فاعلون ومؤثرون في الساحة السياسية المعارضة؟ إن كان في صفوف المعارضة أو العمل البرلماني أو النقابي أو المجتمع المدني؟
الحقيقة أن المسلمين في الهند مُهمَّشون كليًا سياسيًا ونقابيًا واجتماعيًا ضمن خطاب سياسي يقول إنهم عالة على الوطن وتسببوا في تقسيم الهند وعليهم أن يرحلوا إلى باكستان.
نعم، إذن ربما سيكون من المفيد أن تحدثنا أكثر عن ممارسات الحركة الهندوسية وحزب مودي ومحاولاته تهميش المسلمين..
بشكل عام وما وصلت إليه الحال منذ وصول السيد مودي إلى رئاسة الوزراء، ومنذ فوز حزب الشعب الهندي في انتخابات بالأكثرية عام 2014 ومرة ثانية في 2019، واتسمت الفترة الأولى لمودي بالكثير من التجاوزات مثل السماح لأوغاد الحركة الهندوسية بقتل المسلمين في الشوارع والميادين والقطارات بحجة ذبح المسلمين للبقر وأكلهم لحومها، وأيضًا بدأت مهاجمة المسلمين بحجة زواج المسلمين من هندوسيات، ولم تُظهر الحكومة ولا حتى رئيس الوزراء مودي أي جدية لمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة.
ورغم الإرباك الاقتصادي الذي سببه نظام مودي بإلغائه أوراق النقد العالية القيمة عام 2016، فإنه اكتسح انتخابات 2019 مجددًا بفعل حقنه المجتمع ضد المسلمين وتأكيده بأن كل ما يقوم به هو لتلقين المسلمين درسًا، وتحاول حكومة مودي تنفيذ مخططات الحركة الهندوسية بعيدة المدى مثل: وضع قانون حظر الطلاق الثلاثي في الجلسة الواحدة وذلك دون استشارة أي عالم مسلم أو منظمة إسلامية حسب تصريح أحد الوزراء في البرلمان، وهي خطوة أولى نحو سن قانون أحوال شخصية موحد لكل الهنود، وهو مطلب كبير للحركة الهندوسية التي تدعي أن وجود قوانين شخصية متميزة بالمسلمين تحول دون اندماجهم في المجتمع الهندي.
إضافة إلى ذلك، عملت الحكومة على إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي ضمنت الاستقلال الذاتي لكشمير، وهو بند مهم كان على رأس مطالب الحركة الهندوسية منذ الاستقلال، وكان ماهاراجا كشمير قد اشترط إعطاء الاستقلال الذاتي لكشمير عند الانضمام للهند، وبناءً على ذلك أدخلت الهند المادة 370 في الدستور، وتقول هذه المادة إنه لا يجوز إلغاؤها إلا بطلب من المجلس التشريعي لكشمير، وقد تم سحب الكثير من الاستقلال الذاتي لكشمير خلال العقود السبع الأخيرة، لكنه ظل كقانون يحمي الكشميريين إلى حد ما.
من اللقاء مع الدكتور ظفر الإسلام خان
ظلت الحركة الهندوسية تطالب بإلغاء هذه المادة قائلة إنها السبب في مشكلة كشمير وعدم انسجام الكشميريين مع الهند، وبالفعل قامت حكومة مودي في أغسطس/آب 2019 فجأة ودون أي إعلان أو استشارة ودون الحصول على إذن مجلس كشمير التشريعي بإلغاء هذه المادة وإلغاء وضع كشمير كولاية داخل الاتحاد الهندي وحولتها إلى منطقة اتحادية تابعة للحكومة الهندية المركزية، كما سلخت حكومة مودي منطقة “لداخ” من ولاية كشمير وحولتها إلى منطقة اتحادية منفصلة.
وضعت الحكومة المنطقة كلها تحت الأحكام العرفية وقطعت الإنترنت والاتصالات لشهور، كما وضعت كل السياسيين والزعماء الكشميريين في السجون أو تحت الإقامة الجبرية، ولا تزال كشمير سجنًا كبيرًا ولا يسمح للمراقبين الدوليين ونشطاء حقوق الإنسان بالدخول إليها.
إضافة إلى ما سبق، المطالبة بمساجد جديدة بعد الاستيلاء على المسجد البابري، بزعم أنها أقيمت بعد هدم معابد هندوسية، وأحدثها المطالبة بمسجد عيدكاه بمدينة ماتهورا زاعمين أنه يقوم على مكان معبد الإله “كريشنا”، رغم أن مسلمي المدينة عقدوا معاهدة قضائية بإعطاء الهندوس نحو نصف أراضي المسجد لقاء تنازل الهندوس عن دعواهم وكان ذلك عام 1968 تحت رعاية القضاء والآن يقف معبد فخم على ذلك المكان، ولدى الهندوس قائمة طويلة تضم آلاف المساجد التي يزعمون أنها أقيمت بعد هدم معابدهم وبالتالي لا بد لهم من استعادة تلك الأماكن.
وأخطر الخطط التي تنفذها الحكومة الهندية هو مشروع إعداد سجل للمواطنين بهدف نزع الجنسية عن ملايين مسلمي الهند بتهمة أنهم بنغلاديشيون، ولتحقيقه تم في ديسمبر/كانون الأول 2019 تغيير قانون الجنسية بإدخال مادة جديدة تقول إن الهند ستقبل الأقليات المضطهدة في باكستان وبنغلاديش وأفغانستان بحجة أن أقليات هذه الدول يتعرضون للاضطهاد، والحقيقة أن مسلمي بورما والتاميل يتعرضون لاضطهاد أبشع ومكشوف، لكن القانون الجديد لم يشملهم.
كيف تواجهون تلك التهديدات التي يبدو أنها تتحول مع الوقت إلى سلوك عنيف وجرائم ذات طابع طائفي؟
بما أن المسلمين مشتتون في الهند ولهم منظمات وجمعيات كثيرة، فليست هناك إستراتيجية واحدة، فالبعض يرى أن العافية في مسايرة الحكام، والبعض الآخر يختار الصمت كأن الأمور لا تعنيه، وهناك البعض ممن يرفع صوته ويعترض ويحتج وهؤلاء يتم قمعهم فورًا وتهدم بيوتهم ومتاجرهم ويتم سجنهم تحت تهم الأمن القومي والإرهاب المزيفة لكي لا يخرجوا من السجون إلا بعد سنوات طويلة.
هل يواجه المسلمون في الهند مشكلات تمييزية غير ذات صلة بحزب مودي وأجندته؟
التمييز ضد المسلمين منهجي حتى قبل مجيء حكومة مودي، لكنه أصبح أكثر وضوحًا بعد استلامهم الحكم، وأخذ زعماء الحزب الحاكم يتحدثون علانية عن ضرورة تهميش المسلمين والتضييق عليهم بل وترحيلهم وإبادتهم، بينما ليس هناك من يستمع لشكاوى المسلمين، لا الحكومة ولا الشرطة، والإعلام في مجمله مع بعض الاستثناءات يعمل بوقًا لفكر الهِندوتوا، ولم تبق إلا المحاكم التي يمكن اللجوء إليها، لكنها مكلفة وليس كل مسلم مضطهد يستطيع أن يستأجر محاميًا ويتحمل تكاليف المحاكم خاصة أن المحاكم الهندية بطيئة وقد تستغرق سنوات طويلة قبل أن يأتي حكم القضاء الذي لا يكون عادلًا بالضرورة.
هل تتواصلون كمسلمين مع العالم الإسلامي، منظمة التعاون الإسلامي مثلًا أو السعودية أو أي طرف آخر؟ هل تجدون منهم التضامن الكافي؟ ما أفضل الأطراف التي تشعرون أنهم دومًا إلى جانبكم؟
ليس هناك تواصل يذكر مع العالم الإسلامي إلا في حدود ضيقة كأن يكون هناك تواصل لبعض الأفراد والمنظمات الإسلامية الهندية، وليس هناك تواصل مع منظمة التعاون الإسلامي التي لا تهتم بمسلمي الهند، وكان ينبغي أن يكون بها قسم للاهتمام بالأقليات وأن تعطي مسلمي الهند نوعًا من التمثيل، لكن هذا لم يحدث رغم المطالبة بذلك غير مرة.
بصورة عامة ليس هناك تضامن إسلامي مع مسلمي الهند رغم أنهم وقفوا بقوة مع كل قضايا العالم الإسلامي لنصف قرن على الأقل قبل الاستقلال سنة 1947، فقد سطّروا تاريخًا ناصعًا فى الوقوف مع تركيا وفلسطين وحركات التحرر في العالم العربي والإسلامي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وضعف هذا الدور بعد استقلال الهند سنة 1947 الذي قصم ظهر مسلمي الهند وحطم أحد أهم المجتمعات الإسلامية في العالم من حيث التاريخ والإبداع وخدمة الإسلام عبر قرون.
ماذا تتوقعون من العالم الإسلامي؟ وما أفضل أشكال التضامن الممكنة، سواء على مستوى الحكومات أم على مستوى الأفراد؟
لا نتوقع شيئًا من العالم الإسلامي الذي يخذل فلسطين والروهينغيا والأويغور.
البقرة كائن مقدس لدى الأغلبية الهندية، وينظر الهندوس إلى ذبحها وأكلها على أنه اعتداء على مقدساتهم أو إهانة لعقائدهم، ألا توجد طريقة لحل هذه المشكلة؟ ألا يمكن التوقف عن أكل البقر إذا كان يمكن أن يحقن دماء المسلمين؟ ما حجم اقتصاد حيوان البقر لدى مسلمي الهند؟
البقرة حيوان مقدس لدى الهندوس في شمال الهند، والمسلمون في هذه المنطقة لا يأكلون لحم البقر بل يأكلون لحم الماعز والجاموس، وتستخدم تهمة ذبح البقرة كحجة كاذبة ملفقة لبدء اضطرابات طائفية أو قتل مسلم، وتكون التهم في غالب الأحوال كاذبة.
منذ بدء مشكلة قتل المسلمين بحجة أكلهم لحم البقر، هناك توجه لدى المسلمين في الأرياف للتخلص من الأبقار والاستفادة بالجواميس التي تقدم نفس الفوائد “أنثى الجاموس للحليب والجاموس الذكر للزراعة وجر العربات”.
اقترح لنا مصادر وكتبًا يمكن للجمهور العربي الاطلاع عليها لمعرفة أحوال وأوضاع مسلمي الهند؟
للأسف لا توجد كتب حديثة بالعربية عن مسلمي الهند إلا نادرًا، فمعظم ما يكتب هنا باللغة الأردية والإنجليزية وبعض اللغات المحلية.