يثيرون الرعب في كل مكان، يخطّون على الجدران عبارات عنصرية مثل “الموت للعرب”، يعربدون ضد الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة تحت حماية جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، دون أي محاولة لمنعهم من تنفيذ هجماتهم العدوانية.
ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2018 استشهدت الفلسطينية عائشة محمد رابي، من قرية بديا قضاء مدينة سلفيت شمال الضفة المحتلة، وأُصيب زوجها نتيجة اعتداء لمجموعة من المستوطنين على سيارتهم، تبيّن لاحقًا أن هذه المجموعة تتبع لمجموعة تطلقُ على نفسها “فتية التلال”.
وكعادة الاحتلال في أي جريمة يرتكبها مستوطنوه، اعتقل مجموعة محسوبة على “فتية التلال” ثم سرعان ما تمَّ الإفراج عنهم تحت أكثر من سبب وادّعاء، وضاعَ الحق الفلسطيني في محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، فيما واصلَ هؤلاء الدخلاء ارتكاب جرائمهم على الأرض.
و”فتية التلال” أو “شبيبة التلال” مجموعة استيطانية إسرائيلية، يعيش معظمهم في بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة تسكن في عِزَبٍ ومبانٍ منفردة ضمن مناطق مفتوحة، هؤلاء غالبًا من الشبّان الذين لم ينجحوا في أيّ إطار تربوي، وطُردوا من كلّ مكان، أحيانًا حتى من بيوتهم.
يؤمن هؤلاء بما يُسمّى “أرض إسرائيل الكبرى”، ويرفضون أي إخلاء للمستوطنات في الضفة الغربية، وينفّذون هجمات ضد فلسطينيين، ومنهم انطلقت نواة جماعة “تدفيع الثمن” التي ترتكب الجرائم يوميًّا بحقّ الفلسطينيين، والتي أبرزها خط شعارات عنصرية وكارهة للفلسطينيين والعرب، وتحطيم السيارات وإعطابها.
النشأة والتأسيس
في 16 نوفمبر/ تشرين ثاني 1998 حثَّ وزير حرب الاحتلال آنذاك، أرئيل شارون، شباب المستوطنين على “الاستيلاء على قمم التلال”، فيما اُعتبر إعلانًا يرمي إلى إحباط محادثات السلام، لا سيما تنفيذ اتفاقية واي ريفر التي أبرمها منافسه السياسي بنيامين نتنياهو مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
“شباب التلة” هي مجموعات من المستوطنين، بلغت أعدادهم وفقًا لتقديرات عام 2009 حوالي 800، إلى جانب مجموعة من المتعاطفين مع نظرتهم الأيديولوجية تقدَّر بنحو الـ 5000. تُوصف المجموعة إسرائيليًّا بأنها “جماعة غير منظَّمة على نحو محكم، وفوضوية التفكير”، تضمُّ نحو عدة مئات من الشباب حول نواة صلبة من عشرات النشطاء العنيفين، الذين يُشار إليهم غالبًا بتأسيسهم بؤر استيطانية غير قانونية.
وينتمي أفراد هذه المجموعات إلى تيارات وحركات شعبوية عنصرية مختلفة، مثل حركة “أرض إسرائيل” بزعامة الحاخام أفراهام ساغرون، وحركة “درب الحياة” بقيادة الحاخام إسحق غينزبورغ، وحركة “نواة المدينة العبرية” برئاسة مائير بارتلر.
ويشتركُ أفراد هذه المجموعات في جذورهم الأيديولوجية التي تعودُ إلى تيار الصهيونية الدينية، ويجمعهم إيمانٌ بالسيادة المطلقة لليهود على فلسطين، والحلم بإقامة “مملكة داوود” عليها، وهو ما لن يتمّ دون تعزيز وجودهم على الأرض وفرضهم لأمر واقع من خلال الاستيطان ومصادرة الأراضي والعنف، بحسب اعتقادهم.
وبالنسبة إلى فتية التلال، فإن الفلسطينيين “يغتصبون الأرض المقدسة” ويجب طردهم، في الوقت الذي يعتبر أفراد هذه المجموعات أنفسهم منفصلين عن المؤسسات الإسرائيلية ويعرّفون عن أنفسهم بـ”أرض إسرائيل”.
ويرى كثيرون منهم أن حركة المستوطنين الرئيسية فقدت طريقها، واختارت السكن الرخيص بالقرب من المدن الرئيسية، الذي بُنيَ من قبل العمالة العربية المحلية، مع أسوار طويلة ودون وجود مساحة بين منازلهم.
جرائم “شبيبة التلال”
يتركّز نشاط المجموعات على مسارَين أساسيَّين: الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم وبناهم التحتية، وسرقة الأراضي لإقامة البؤر الاستيطانية؛ وتتلخّص آلية عملهم بالاستيلاء على الأرض بطرق غير رسمية، عبر احتلال قمة تل من خلال إقامة معسكر عليها بحماية الجيش، والمطالبة بالأراضي المجاورة، سواء كانت تحت الزراعة الفلسطينية أم لا، والبدء باقتلاع الأشجار الفلسطينية وإطلاق النار، لتهديد أي فلسطيني يقترب من البؤرة الاستيطانية الجديدة.
نفّذت هذه المجموعات عدة هجمات بإعداد وتنظيمٍ مسبَقَين، تاركة وراءها شعارات تعبّر عن دوافعهم الأيديولوجية، مثل “الموت للعرب” و”إما الطرد أو الموت” و”اليهود لا يسكتون” و”الموت للقتلة”، ويُطلق على هذه الاعتداءات في العادة تعبير “تدفيع الثمن”، وهو مصطلح بدأ استخدامه منذ عام 2008 تقريبًا، ويشير إلى استهداف الفلسطينيين وممتلكاتهم انتقامًا للبؤر الاستيطانية غير المرخّصة التي هدمها الجيش الإسرائيلي.
اتُّهم أعضاء مرتبطون بالجماعة بالتورُّط في عنف المستوطنين، بما في ذلك تخريب المدارس الفلسطينية والمساجد وسرقة الأغنام من قطعان الفلسطينيين، واستئصال بساتين الزيتون التي تعود إلى قرون، أو سرقة محاصيل الزيتون.
تشير الإحصاءات إلى أن المستوطنين نفّذوا في الأعوام من بداية عام 2017 وحتى يناير/ كانون الثاني 2021 حوالي 3000 اعتداء على الفلسطينيين ومملتكاتهم ومزروعاتهم في الضفة الغربية، انطلق جزء كبير منها من المستوطنات والبؤر التي تعدّ معقلًا لـ”شباب التلال”.
وحتى نهاية عام 2020 تمكّن “شباب التلال” من إقامة 170 بؤرة استيطانية، إلا أن بعضًا من هذه المحاولات تفشلها مقاومة الفلسطينيين وأصحاب الأراضي، مثل بؤرة “عادي عاد” المقامة على أراضي قرية المغيّر، وبؤرة “ديرخ هأفوت” المقامة على أراضي قرية الخضر، وبؤرة “أحياه” على أراضي قرية جالود.
إرهاب بحماية الدولة
تتلقّى نشاطات “شباب التلال” دعمًا من عدة مؤسسات استيطانية، منها منظّمة “أمانا”، وهي الذراع الاستيطانية لحركة “غوش إيمونيم”، التي تساهم مثلًا من خلال توفير مواد ومعدّات البناء في البؤر، كما حظيت نشاطات الحركة بتمويل من مجالس المستوطنات الإقليمية للمستوطنات.
يوفِّر جيش الاحتلال الحماية لهذه البؤر، وقد وافقت سلطات الاحتلال على شرعنة 15 بؤرة أقامتها حركة “شباب التلال”، وهناك 35 بؤرة أخرى قيد البحث لشرعنتها، وتشير أرقام موقع منظمة “ييش دين” الحقوقية إلى إغلاق الشرطة الإسرائيلية 91% من الملفات الناتجة عن تبليغات جنائية ضد المستوطنين الذين يعتدون على فلسطينيين.
وما يؤكد الغطاء الرسمي هو إغلاق جميع القضايا المتعلقة بهذه المجموعات أو “فتية التلال”، تحت ادّعاء تسجيلها ضد مجهولين أو عدم وجود أدلة، فضلًا عن التغطية عليهم من قبل نيابة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي الاعتداءات تتواصل.
ويعكس استمرار عمل هذه المجموعات وغيرها من المنظمات الرسمية وغير الرسمية الاستيطانية توسُّعها خلال الفترة المقبلة، خصوصًا مع تصاعُد الصهيونية الدينية في الاحتلال، وحكمها من خلال الأحزاب الممثَّلة في الكنيست.