قضت محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا دائرة الإرهاب، بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، بمعاقبة 3 أعضاء جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة في مصر) بالإعدام شنقًا، والسجن المؤبد لـ20، و9 سنوات لآخر، لإدانتهم في 18 قضية بينها محاولة اغتيال رئيس محكمة جنايات الفيوم السابق، واغتيال أمناء وأفراد شرطة.
وتعود وقائع القضية ما بين نهاية عام 2014 والشهور الأولى من عام 2015، وتتمحور الاتهامات حول “واقعة اغتيال أمين شرطة من قوة إدارة البحث الجنائي بالفيوم، واغتيال أمين شرطة من قوة إدارة الأمن الوطني بالفيوم، وزرع عبوة وتفجير عدة عبوات ناسفة أسفل برج كهرباء الضغط العالي بقرية أبو جندير بمركز إطسا، وإطلاق أعيرة نارية على مبنى مركز شرطة أبشواي، وعلى قسم شرطة الفيوم، ورصد سيارة المستشار طارق أبو زيد رئيس محكمة جنايات الفيوم بطريق الفيوم – القاهرة بقصد إطلاق أعيرة نارية عليها واستهداف بدلًا منها سيارة مواطن عن طريق الخطأ نتيجة عدم دقة الرصد” وفق تحقيقات النيابة.
حالة من القلق تخيم على الحقوقيين بشأن أحكام جديدة بالإعدام بحق المعارضين منذ عرض مسلسل “الاختيار 3″ رمضان الماضي (أبريل/نيسان 2022)، الذي اعتبره البعض خطابًا تحريضيًا ومقدمة وافية للتمهيد لمزيد من تلك الأحكام التي تصفها المنظمات الحقوقية بـ”المسيسة” والمخالفة لمعايير النزاهة القضائية وحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم.
سياق مهم
يأتي هذا الحكم بعد تنفيذ أحكام الإعدام بحق 7 أشخاص يومي 8 و10 مارس/آذار الماضي، في القضيتين المعروفتين إعلاميًا بـ”ميكروباص حلوان وأجناد مصر”، رغم المناشدات الحقوقية بإلغاء الحكم نظرًا لتعرض المحكوم عليهم لانتهاكات واسعة النطاق وفقدان المحاكمة أبجديات العدالة والنزاهة بحسب عدد من المنظمات الحقوقية.
وقد نفذت مصلحة السجون في 8 مارس/آذار 2022 أحكام الإعدام بحق عبد الله محمد شكري ومحمود عبد التواب مرسي ومحمود عبد الحميد أحمد الجنيدي وأحمد سلامة عشماوي، في القضية رقم 9115 لسنة 2016 كلي جنوب الجيزة/ 513 لسنة 2016 حصر أمن دولة عليا، المعروفة بقضية ميكروباص حلوان، تنفيذًا للحكم الصادر ضدهم بتأييد عقوبة الإعدام من محكمة النقض في 13 أبريل/نيسان 2021.
وفي الـ 10 من الشهر ذاته نفذت الأحكام بحق بلال إبراهيم صبحي فرحات ومحمد حسن عز الدين محمد حسن وتاج الدين مؤنس محمد محمد حميدة، في القضية رقم 3455 لسنة 2014 كلي جنوب الجيزة في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “قضية أجناد مصر”، وذلك بعد رفض محكمة النقض الطعون المقدمة من دفاع المتهمين في 7 مايو/آذار 2019.
القضيتان شهدتا إخلالًا واسعًا بضمانات المحاكمة العادلة، “بما في ذلك الإجبار على الإدلاء باعترافات تحت التعذيب داخل مقرات الأمن الوطني، في أثناء فترة إخفاء المتهمين قسريًا عقب القبض عليهم” بحكم البيان الصادر عن 8 منظمات حقوقية هي: الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير ومركز النديم والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمفوضية المصرية للحقوق والحريات وكوميتي فور جيستس ومبادرة الحرية.
كما تتزامن تلك الموجة الجديدة من أحكام الإعدام مع انطلاق الحوار الوطني الذي من المقرر أن تبدأ فعالياته الأسبوع الأول من يوليو/تموز القادم استجابة لدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي من المفترض أن تشارك فيه عدد من القوى السياسية، باستثناء التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، في ظل انقسام حاد بشأن جديته، بين من يشكك في جدوى هذه الخطوة التي تتعارض مع الأجواء العامة حيث استمرار الاعتقالات وأحكام الإعدامات وتعزيز سياسة الإقصاء، وآخرين يرونها خطوة جيدة نحو الإصلاح المنشود.
شهادة وفاة للإستراتيجية الحقوقية
في 10 سبتمبر/أيلول 2021، سادت أجواء من التفاؤل الشارع المصري بعد إعلان الرئيس المصري إطلاق ما أسماها “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، جاء الإعلان على هامش حفل مبهج داخل العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، حضره العديد من الشخصيات الدبلوماسية، المصرية والدولية، فيما اعتبر أنصار النظام هذه الخطوة مرحلة مفصلية في مسار مصر الحقوقي في مواجهة الانتقادات العالمية المستمرة لسجلها المشين.
وهدفت الإستراتيجية المكونة من 78 صفحة، بحسب ديباجتها إلى “النهوض بكل حقوق الإنسان في مصر، من خلال تعزيز احترام وحماية كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتضمّنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر، تحقيقًا للمساواة وتكافؤ الفرص دون أي تمييز”.
وبينما كان المراقبون يؤملون أنفسهم بتغير حقيقي في ممارسات السلطات إزاء هذا الملف استجابة لهذا التطور المهم الذي كان له صدى كبير عالميًا حينها، جاءت المواقف والأحداث مخيبة للآمال، فالوضع لم يتغير بعد، بل على العكس تفاقم في كثير من الملفات، الأمر الذي مثل صدمة للمواطن الذي كانت تتوق نفسه لتغير حقيقي.
منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية (مستقلة)، في تقرير رصدي لها بعد مرور 100 يوم فقط على الإعلان عن تلك الإستراتيجية وتحديدًا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، رصدت 1046 اعتقالًا تعسفيًّا في 10 محافظات مصرية مختلفة، و187 حالة اختفاء قسري، منهم 11 شخصًا تمَّ إخفاؤهم داخل مقارّ الاحتجاز بعد حصولهم على حكم بالبراءة من محكمة أمن الدولة طوارئ وتمَّ تدويرهم على قضايا جديدة، خلال 3 أشهر في الفترة من 10 سبتمبر/ أيلول 2021 إلى 10 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه.
هذا بخلاف رصد عدد من الانتهاكات التشريعية التي صدرت في تلك الفترة وتعدها المنظمات الحقوقية خرقًا كبيرًا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية، منها موافقة البرلمان المصري في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مقترح الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 136/ 2014، فيما يتعلق بتأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، ليصبح قانونًا مستمرًّا بدلاً من أنه كان مقتصرًا تنفيذه على عامَين فقط، كذلك التعديلات التي دخلت على قانون مكافحة الإرهاب في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أبرزها المادة “32 مكرر”، التي تعطي رئيس الجمهورية الحق في فرض عقوبات تصل للسجن المشدد على من يخالف التدابير المخوَّل له اتخاذها بموجب المادة 53 من القانون ذاته.
ومع الإسهاب في أحكام الإعدام الصادرة بحق معارضين، وسط غياب لمعايير النزاهة بحسب التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية، تصبح الإستراتيجية حبرًا على ورق، لا قيمة لها، إذ لم يكن لها تأثير مطلق على المشهد إلا في بعدها الدعائي كـ”بروباغندا” سياسية لتجميل صورة النظام الحاليّ أمام المجتمع الدولي بعد تصاعد حدة الانتقادات بسبب الانتهاكات الحقوقية المستمرة.
“محاكمة مشينة”.. هكذا وصفت منظمة العفو الدولية المحاكمة التي أفضت لتأييد حكم بالإعدام على 12 مصريا منهم قياديون بجماعة الإخوان وجمهور الجزيرة يعتبر أحكام الإعدام في #مصر حدث الأسبوع الأهم في #سباق_الأخبار | تقرير: وليد العطار pic.twitter.com/HjOlH5oSlK
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 20, 2021
مناشدات دون استجابة
على مدار العامين الماضيين أطلقت المنظمات الحقوقية عددًا من الحملات للمطالبة بوقف الإعدامات المتكررة بحق المعارضين بعد زيادة أحكام الإعدام القضائية، وآخر تلك الحملات تلك التي أطلقتها مؤسسة “عدالة لحقوق الإنسان” (غير حكومية)، أبريل/نيسان الماضي تعليقًا على تنفيذ الأحكام بحق 7 أشخاص.
وقالت المنظمة في بيان حملتها التي عنونت له “أوقفوا الإعدام“: “أحكام الإعدام الصادرة في مصر مؤخرًا، والإعدامات التي تم تنفيذها سابقًا في القضايا التي توصف بالسياسية هي نوع من الانتقام السياسي، وبعيدة عن محاولة تحقيق العدالة عبر محاكمات عادلة بضماناتها ومبادئها التي يجب أن يلتزم بها الجميع”، لافتة إلى إعدام 105 معتقلين سياسيين في مصر خلال السنوات الثمانية الماضية هذا بخلاف 95 آخرين صدر ضدهم أحكام بالإعدام في انتظار التنفيذ في 18 قضية سياسية.
وترى المنظمة أن عقوبة الإعدام في مصر تحولت إلى أداة النظام للانتقام من المعارضين والخصوم السياسيين، منوهة إلى أن : “كل مَن تابع المحاكمات التي أدت إلى الإعدامات في مصر وصفها بأنها محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير وضمانات المحاكمات العادلة، وأدانت جميع الجهات الدولية المعنية الممارسات القضائية التي تمت في تلك المحاكمات”.
ومن أبرز المنظمات التي وقعت على هذا البيان: منظمة إفدي الدولية ومركز الشهاب لحقوق الإنسان ومؤسسة العدالة لحقوق الإنسان ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان ورابطة ضحايا التعذيب والكرامة لحقوق الإنسان ومنظمة الصوت الحر والشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومنظمة تواصل لحقوق الإنسان ونجدة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس مونيتور ومنظمة عدالة وحقوق بلا حدود ومجلس حقوق المصريين.
وتلتزم السلطات المصرية الصمت أو التجاهل إزاء المناشدات الحقوقية بوقف الإعدامات، معتبرة أن ذلك تدخلًا غير مقبول في اختصاصات القضاء المصري الذي ترى الحكومة في بياناتها بين الحين والآخر أنه لا سلطة عليه ولا يمكن لأحد أن يتدخل في أحكامه، يتساوى في ذلك منظمات الداخل والخارج.
حفاظا على مستقبل مصر، ولطي صفحة قديمة مظلمة وفتح صفحة جديدة مشرقة بالامل، أناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي استخدام حقه الدستوري في عدم التصديق على أحكام الإعدام الأخيرة.
— Hassan Nafaa (@hassanafaa) June 17, 2021
الثالث عالميًا في أحكام الإعدام
وفقًا لتقرير “منظمة العفو الدولية” الصادر في أبريل/نيسان 2021 تحتل مصر الترتيب الثالث عالميًا في تنفيذ الأحكام، بعد الصين وإيران، فقد ارتفع عدد الأحكام المنفذة خلال 2020 بمعدل 3 أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك، إذ بلغت 107 حالات مقارنة بـ246 في إيران و45 في العراق و27 في السعودية، فيما تشير المنظمات الحقوقية إلى أن القاهرة ربما تنافس على المرتبة الأولى مستقبلًا إذا ما استمر التصاعد على تلك الوتيرة، هذا في الوقت الذي تنفي فيه القاهرة وجود أحكام إعدام أو اعتقالات على خلفية قضايا سياسية.
وتعاني مصر بصفة عامة من تباين الأرقام الخاصة بعدد الإعدامات والاعتقالات، إذ لا يوجد إحصاء رسمي بذلك وهو ما يجعل هذا الملف متأرجحًا في تقييمه العددي والكيفي بين منظمة وأخرى، ما دفع العفو الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2020 للمطالبة بالكشف عن الأرقام الحقيقية لعدد السجناء والمعتقلين المعرضين لتنفيذ أحكام الإعدام، متهمة السلطات المصرية بعدم الشفافية.
ويقول مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان المصري، خلف بيومي، إن إجمالي أحكام الإعدام التي نفذت في قضايا سياسية في الفترة من 2013 وحتى 2021 بلغت 1565 حكمًا، تم تنفيذ الإعدام في 97 منها بالفعل، بجانب 81 محكومًا بالإعدام، في انتظار التنفيذ في أي وقت، أما الباقي فمعظمها أحكام غير باتة، وفي إحصاء العفو الدولية فقد بلغت أحكام الإعدام من 2013 وحتى 2019، نحو 2532 حكمًا، تم تنفيذ الحكم في نحو 92 حالة والباقي في انتظار التنفيذ.
وهكذا.. وبينما يحتفي المصريون بدعوات الحوار الوطني تستمر السلطات المصرية في طريق الإعدامات بحق المعارضين، وهو التناقض الذي يزيد شكوك الحوار برمته ويضعه في خانة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي ثبت أنها ما كانت إلا من أجل تجميل الصورة وصناعة بروباغندا سياسية لمغازلة الخارج أولًا وأخيرًا.