انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس بتقدم المرشحين الأساسين، “منصف المرزوقي” و”الباجي قائد السبسي”، بنسبة مريحة على باقي المنافسين وبنسب لا تمكن أيًا منهما من حسم الصراع من الجولة الأولى؛ وهو ما سيؤدي إلى تنظيم جولة ثانية يقول القانون الانتخابي إنها يجب أن تجرى دورة في تاريخ أقصاه 31 ديسمبر المقبل.
وينتظر التونسيون (ناخبون وسياسيون) مواقف القوى السياسية من الجولة الثانية ومن التحالفات التي ستقوم لدعم المرزوقي والسبسي، وخاصة مواقف المرشحين الفائزين بالمنصب الثالث والرابع والخامس، سليم الرياحي وحمة الهمامي ومحمد الهاشمي الحامدي، وموقف حركة النهضة وموقف باقي المترشحين الخاسرين في الجولة الأولى.
نداء تونس يبتز النهضة:
ابتز “الباجي قائد السبسي” حركة النهضة في تصريحات للإعلام الفرنسي، قائلاً إن “المرزوقي هو مرشح الإسلاميين والسلفيين الجهاديين”، مضيفًا: “من صوتوا للمرزوقي هم الإسلاميون الذين رتبوا ليكونوا معه، يعني كوادر النهضة والسلفيين الجهاديين ورابطات حماية الثورة”.
وعمد الباجي قائد السبسي إلى الحديث عن النقطة التي تخشاها حركة النهضة عبر الإشارة إلى أن “دعم النهضة للمرزوقي” جعل البلاد تتجه نحو استقطاب ثنائي بين اسلاميين وحداثيين، حيث قال: “تونس ستنقسم خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى شقين اثنين: الإسلاميون من ناحية وكل الديمقراطيين وغير الإسلاميين من ناحية أخرى”.
ويُفهم كلام السبسي على أنه تهديد لحركة النهضة ومحاولة لمنعها من اتخاذ قرار بدعم المرزوقي في الجولة الثانية، حيث إن الحركة بذلت جهودًا كبيرة لتجنب الوقوع في هذا الانقسام واتخذت قرار الوقوف على الحياد في الجولة الأولى هربًا من من هذا الانقسام.
المرزوقي يدعو للتهدئة والتوحد:
دعا المرزوقي خصمه الباجي قائد السبسي إلى تهدئة خطابه وخطاب أنصاره وقال في مؤتمر صحفي: “أنا أطلب من الطرف المقابل أن يعطي التعليمات ليكون النقاش من أعلى طراز ممكن، لا على السب أو الشتم”، مضيفًا: “أتوجه الآن إلى كل القوى الديمقراطية التي ناضلت معي وناضلت معها طيلة الثلاثين سنة الماضية، من أجل دولة ديمقراطية حقيقية، من أجل القطع مع الماضي، أصبحت الآن مرشحها الطبيعي”.
وفي المقابل نشر المرزوقي تغريدة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك دعا من خلالها الباجي قائد السبسي إلى مناظرة تلفزية مباشرة، وهو ما أراد المرزوقي من خلاله إحراج السبسي الذي دأب على تجنب الظهور في أي مناظرة مع خصومه ودأب على الظهور في البرامج التلفزية حسب شروطه الخاصة.
موقف الجبهة الشعبية:
حصل “حمة الهمامي”، المناضل اليساري ومرشح الجبهة الشعبية، على نسبة تتراوح ما بين 8 و10 بالمائة؛ وهو ما سيجعل دعمه لأحد المترشحين المتنافسين في الجولة الثانية ذا أثر كبير على المشهد الانتخابي.
ورغم أن المنطق يقول إن حمة الهمامي الذي كان من أبرز مكونات المعارضة في عهد زين العابدين لا يجب أن يتحالف مع الباجي قائد السبسي الذي عمل مع النظام السابق والذي كون حزب نداء تونس الذي يضم وجوهًا بارزة في النظام السابق، فإن الواقع يقول إن الجبهة الشعبية تحالفت مع نداء تونس ضد الائتلاف الحكومي الذي ترأسته حركة النهضة في صيف 2013، وأن حمة الهمامي مرشح الآن لدعم السبسي في الجولة الثانية.
ورغم أن التوقعات تميل إلى أن الجبهة ستدعم الباجي قائد السبسي في الجولة الثانية، لازالت الجبهة تتحفظ عن إعلان موقفها الرسمي، حيث صرح حمة الهمامي لوسائل إعلامية محلية أن مؤسسات الجبهة الشعبية ستجتمع في الأيام القادمة لدراسة موقفها من الجولة الثانية.
موقف سليم الرياحي:
يعتبر “سليم الرياحي”، الذي حل في المرتبة الخامسة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 5.5% وفي المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية، أحد أبرز الوجوه السياسية الصاعدة في تونس، إذ لا يمتلك أي تاريخ سياسي، واعتمد في تأسيس حزبه على ثروته الطائلة التي تحدثت تقارير محلية عن أنها أكبر ثروة في تونس.
ورغم أن الرياحي هاجم الباجي قائد السبسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وسخر من تقدمه في السن (89 عامًا) ومن حالته الصحية التي لا تؤهله للقيام بواجبات رئيس الجمهورية، فإن خطابه بعد انتهاء الجولة الأولى بدا منحازًا لنداء تونس، حيث قال سليم الرياحي في ندوة صحفية إن خلافات حزبه مع حزب نداء تونس قد انتهت بانتهاء الجولة الأولى من الانتخابات وأن حزبه سيجتمع لدعم إحدى الشخصيات التي ستمر إلى الدور الثاني.
كما هاجم الرياحي حركة النهضة وقال إنها لم تلتزم بقرارها المعلن بعدم دعم أي من المترشحين ووتبنى نفس الموقف الذي عبر عنه الباجي قائد السبسي والمتمثل في أن المرزوقي ما كان ليحصل على تلك النسبة لو لم تصوت له قواعد حركة النهضة.
موقف حركة النهضة:
صرح “علي العريض”، الأمين العام لحركة النهضة، أن حركته التزمت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بالوقوف على الحياد وبعدم دعم أو معارضة أي من المتنافسين، نافيًا بذلك الاتهامات التي وجهت للحركة من قبل بعض المشاركين في السباق الانتخابي متهمة إياها بدعم المنصف المرزوقي سرًا وبتحريك قواعدها للتصويت لصالحها ومشككة في قدرة المرزوقي على الحصول على نسبة كهذه بدون دعم حركة النهضة.
وأضاف العريض، الذي ترأس الحكومة الائتلافية الثانية لحركة النهضة، أن الحركة ستعيد دراسة المشهد الانتخابي وستراجع موقفها السابق، وأنها ستدرس كل الخيارات بما في ذلك البقاء على الحياد أو الانحياز إلى أحد المتنافسين أو الدعوة إلى المقاطعة، مؤكدًا على أنه لا يفضل الخيار الأخير.
وكان موقف حركة النهضة من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مبنيًا على خوفها من الوقوع في فخ تحويل السباق الانتخابي من منافسة سياسية إلى صراع ثنائي الأقطاب بين الإسلاميين المحسوبين على الثورة والعلمانيين المحسوبين على “فلول الثورة”، ونتيجة لعجز كل الأحزاب الديمقراطية عن التحالف خلف مرشح واحد وترشيح كل حزب من هذه الأحزاب لمرشحه الخاص.
ويُعتقد أن موقف حركة النهضة سيبقى مرتبطًا بتشكل تحالف جديد من الأحزاب الديمقراطية، تكون النهضة جزءًا فيه ولا تقوده، وسيبقى قرار تشكل هذا التحالف الانتخابي رهينًا بنتائج جلسات الحوار التي ستعقد خلال الأيام القادمة بين معظم المتنافسين الخاسرين والمقربين من النهضة أو من المرزوقي، كما أنه سيبقى رهينًا بمدى التزام المرزوقي بالتعاون مع هذه الأحزاب وبالتخلي عن الخطابات الحادة التي تتعارض مع سياسات عدد من الأحزاب الرافضة لتشنيج المشهد السياسي في تونس والساعية إلى تسوية سياسية تضمن الاستقرار خلال السنوات الخمس القادمة.