ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أكثر من عقدين من السياسات الفاشلة – التي تتأرجح بين المواجهة والتعاون – لا تزال واشنطن والغرب يجدان نفسيهما في مواجهة مع إيران. واليوم، وحتى في ظل انهيارها اقتصاديا، ربما تكون طهران على وشك تحقيق ردها النهائي مع تحذير الخبراء من أنها على بعد أسابيع فقط من النجاح في صنع قنبلة نووية.
وبعد التخلي عن محاولاتهم المتقطعة لإحياء الاتفاق النووي لسنة 2015، صاغت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا قرارًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة تنتقد فيه عدم تعاون إيران. وقد تم تمرير القرار يوم الأربعاء الماضي بأغلبية ساحقة.
من جانبها، ردت إيران بغضب من خلال إغلاق عدد من كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووضع خطط لتحديث تخصيب اليورانيوم، فيما قال المدير العام للوكالة رافائيل غروسي إن هذا القرار قد يكون “ضربة قاتلة” للاتفاق. وحتى في الوقت الذي قد تعيد فيه الاحتجاجات في الشوارع التي تستهدف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إحياء الآمال بتغيير النظام في طهران، يظل احتمال تحقق ذلك ضئيلًا أيضًا.
مع ذلك، تعد استراتيجية الولايات المتحدة متعثرة للغاية لدرجة أن كل ما تعتمد عليه هو الأمل. وعلى حد تعبير بعض الخبراء “خلاصة القول، نحن ننجرف، على أمل ألا تحيي إيران طموحاتها النووية؛ ولن تفعل إسرائيل شيئا كبيرًا حقًا”. وأوضح المفاوض المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، أن “إيران ووكلاءها لا يقتلون الكثير من الأمريكيين في العراق أو في أي مكان آخر. وهذه ليست استراتيجية”.
يرى العديد من الخبراء أنه لم يكن من الضروري أن يكون الأمر على هذا النحو. إن العقدين الأخيرين من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران عبارة عن قائمة من الفرص الضائعة والانفتاحات الفاشلة وسوء التفاهم العميق من كلا الجانبين. وقد أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز – الذي ساهم في فتح قنوات جديدة لطهران في الماضي – على ذلك مرارًا وتكرارًا في المقابلات وفي مذكراته “القناة الخلفية” لسنة 2019.
كان الاستثناء الوحيد آنذاك الاتفاق النووي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يبدو حاليا أنه يحتضر رغم جهود الرئيس جو بايدن الحذرة لإحياء الصفقة المعروفة رسميًا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”. لكن هذه الجهود كشفت عن مدى تضارب وتردد النهج الأمريكي والغربي. حسب حسين باناي، المؤلف المشارك لتقرير تمت الإشادة به مؤخرًا عن العلاقات بين إيران والغرب، بعنوان “جمهوريات الأسطورة: الروايات الوطنية والصراع الأمريكي الإيراني”، إن “إدارة بايدن – عن قصد أم غير قصد – لم تتحرك بالسرعة الكافية لإشراك الإدارة الإيرانية التي تفاوضت على خطة العمل الشاملة المشتركة”.
تأسست جمهورية إيران الإسلامية فعليًا على المشاعر المعادية للولايات المتحدة
وأضاف باناي الباحث في العلاقات الدولية في جامعة إنديانا أن “النهج الباهت تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة قد مكّن المحافظين المتشددين في طهران من تبني رواية حول الصفقة كانت تدور حول سوء النية الأمريكية والتواطؤ الأوروبي في الضغط على إيران للحصول على تنازلات”. وبعد انتخاب الرئيس المحافظ الجديد إبراهيم رئيسي في منتصف سنة 2021، سادت الرواية الإيرانية بشكل مبالغ فيه.
يتفق معظم مراقبي إيران على أنه حتى في أفضل العوالم الممكنة – أي أنه لو لم ينسحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي لسنة 2015 وفرض ما يسمى بحملة الضغط الأقصى التي بدأت في سنة 2018 – ستظل العلاقات الأمريكية الإيرانية متوترة للغاية.
قال جون تيرمان، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية التابع لمعهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا ومؤلف آخر مشارك في تقرير “جمهوريات الأسطورة” الذي يستند إلى سنوات من المؤتمرات رفيعة المستوى حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة: “انظر إلى تصريح أوباما بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة. لقد كان واضحًا للغاية أن تحسين العلاقة أو اعتبار إيران لاعبًا جيدًا في المنطقة كلها مجرد أوهام”. (في تصريحاته في 14 تموز/ يوليو 2015، التي أعلن فيها عن الاتفاق، وصف أوباما إيران بأنها “العدو اللدود”).
تأسست جمهورية إيران الإسلامية فعليًا على المشاعر المعادية للولايات المتحدة – تنص مقدمة دستور البلاد على أن “القوة الدافعة” وراء الثورة الإسلامية لسنة 1979 كانت “المؤامرة الأمريكية” لدعم “النظام الاستبدادي” للشاه رضا بهلوي في ذلك الوقت وتعزيز “روابط إيران السياسية والثقافية والاقتصادية مع الإمبريالية العالمية”.
وأورد تيرمان أن “الولايات المتحدة كانت طوال القرن الماضي توسعية في رؤيتها لدورها في العالم، وهو ما يتعارض مع الاعتقاد الإيراني طويل الأمد بأن الجميع يريد القضاء عليهم. إن هاتين العقليتين الرئيسيتين تتعارضان بشكل أساسي مع بعضهما البعض”.
مع ذلك، يرى تيرمان وخبراء آخرون إنه تم إضاعة العديد من الفرص الرئيسية لتحقيق السلام بين الطرفين. يعود تاريخ هذه الفرص إلى ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، عندما رفضت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش الجهود الإيرانية للتعاون. وبدلاً من ذلك، صورت طهران باعتبارها جزءًا من “محور الشر” مع العراق وكوريا الشمالية، على الرغم من أن تلك الدول لم تكن تربطها علاقة مع بعضها البعض.
صرح جيمس دوبينز، الدبلوماسي الأمريكي البارز السابق الذي كان يقود المحادثات مع طهران في ذلك الوقت، في مقابلة هذا الأسبوع بأنه “لم يكن لدى الإيرانيين الكثير من البرامج النووية في ذلك الوقت. وأعتقد أن إدارة بوش، التي ارتكبت الكثير من الأخطاء في ذلك الوقت، كانت غير قادرة أيديولوجيًا على التعامل مع إيران التي كانت تبادر بالصلح”.
وفي الأسابيع التي أعقبت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابية في سنة 2001، أعربت إيران، مثل العديد من البلدان، عن تعاطفها مع واشنطن. وكان الإصلاحيون الإيرانيون، مثل نائب وزير الخارجية آنذاك محمد جواد ظريف – الذي درس في الولايات المتحدة وأصبح فيما بعد سفيرًا للأمم المتحدة ثم وزيرًا للخارجية، أثناء التفاوض على اتفاق 2015 – يتطلعون إلى التواصل مع الولايات المتحدة. حتى أن المرشد الأعلى، خامنئي – وهو أصولي متشدد يشكك بشكل مزمن في نوايا الولايات المتحدة – وافق على التخفيف من حدة خطاب النظام وتقديم التعازي للضحايا، مما فاجأ الإصلاحيين داخل طهران.
حتى فيلق الحرس الثوري الإسلامي المتطرف – وهو جوهر دعم النظام الإيراني الذي صنفه ترامب لاحقًا على أنه جماعة إرهابية – كان على استعداد للتفاوض مع واشنطن
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من تلك السنة في الأمم المتحدة، كان وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول منخرطًا في محادثات مع وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والدول الست المجاورة لأفغانستان، بما في ذلك إيران، لاستكشاف حكومة ما بعد طالبان في أفغانستان.
قال باول – الذي توفي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 84 سنة – في مقابلة أجريت معه سنة 2007 أن وزير الخارجية الإيراني آنذاك كمال خرازي ألقى بيانًا أعرب فيه عن حزن بلاده بشأن حادث تحطم طائرة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 587 في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الذي أسفر عن مقتل 260 شخصًا كانوا على متنها.
أضاف باول “توجهت إليه وشكرته على تعبيره عن تعازيه. وطلبت منه أن يعبر عن احترامي لقائده. لقد كان كل شيء عفويًا للغاية”. لقد كانت المصافحة بين باول وخرازي من أبرز العروض رفيعة المستوى بين الجانبين منذ أن قطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية بعد الثورة الإيرانية سنة 1979.
يبدو أن الأمور بدأت في التحسن منذ ذلك الحين. ففي وقت لاحق من ذلك الشهر، في مؤتمر السلام في بون بألمانيا و=الذي عُقد لاتخاذ قرار بشأن حكومة ما بعد طالبان، أثبت ظريف أنه الوسيط الأساسي، حسب ما قاله مسؤولون أمريكيون.
ذكر دوبينز، كبير المفاوضين الأمريكيين في ذلك الوقت، في مقابلة أجريت معه بعد ذلك بسنوات قليلة أن الإيرانيين “قدموا عددًا من الاقتراحات البناءة خلال الاجتماع”. وقدم ظريف مقترحين مثيرين للسخرية. وقال وعيناه تلمعان “لا أعتقد أن هناك أي شيء فيها يذكر الديمقراطية. ألا تعتقد أنه يمكن أن يكون هناك بعض الالتزام بالدمقرطة؟” لقد كان هذا قبل أن تكتشف إدارة بوش الديمقراطية أنها البلسم الشافي للشرق الأوسط.
ذكر دوبينز في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن “هذه الفكرة جيدة. تذكر أن الإيرانيين يعتقدون حقًا أنهم يديرون مجتمعًا ديمقراطيًا، يتم فيه انتخاب المرشد الأعلى، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. لقد تمت إضافة حكم الديمقراطية. كما اقترح ظريف دولة أفغانية جديدة ملتزمة بمكافحة الإرهاب الدولي”. وأوضح دوبينز: “على حد علمي، تم طرح ذلك أيضًا”.
في مؤتمر طوكيو للمانحين الذي عقد في كانون الثاني/ يناير 2002، تعهدت إيران بتقديم مساعدة إلى أفغانستان تبلغ قيمتها حوالي 550 مليون دولار. وقد كان ذلك أكبر مبلغ تقدمه أي دولة غير عضوة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – وهو نفس المبلغ الذي تعهدت واشنطن بتقديمه.
استخدمت طهران ضعف واشنطن أثناء التمرد في العراق لتزويد وتجهيز الميليشيات الشيعية المعادية للولايات المتحدة في العراق وممارسة نفوذ سياسي متزايد على بغداد.
ولكن بعد أسبوع من انتهاء ذلك المؤتمر، ألقى بوش خطابه سيئ السمعة عن حالة الاتحاد، حيث جمع إيران مع العراق وكوريا الشمالية باعتبارها “محور الشر”. اهتز الإصلاحيون الإيرانيون بسبب ذلك خوفًا من أن يثبت خطابه شكوك المتشددين. ومع ذلك، استمرت محاولات طهران للتواصل بعد إدارة بوش، وكذلك بعد الغزو الأمريكي للعراق في آذار/ مارس 2003.
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في وقت لاحق أنه بعد أيام فقط من خطاب “محور الشر”، نقل ظريف إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان ملفًا ضخما يحتوي صور ووثائق سفر 290 شخصًا قالت إيران إنهم إرهابيون من القاعدة اعتقلوا أثناء محاولتهم الفرار عبر الحدود من أفغانستان.
في ذلك الوقت، قال دوبينز إنه “حتى فيلق الحرس الثوري الإسلامي المتطرف – وهو جوهر دعم النظام الإيراني الذي صنفه ترامب لاحقًا على أنه جماعة إرهابية – كان على استعداد للتفاوض مع واشنطن، جنبًا إلى جنب مع فيلق القدس والوحدة البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، التي تم لومها لاحقًا في هجمات على القوات الأمريكية في العراق حيث كان الحرس الثوري الإسلامي على متن الطائرة”. صرح دوبينز هذا الأسبوع: “قابلت جنرالًا في فيلق القدس عرض عليه التعاون تحت القيادة الأمريكية في أفغانستان”. في ذلك الوقت كانوا متماسكين بشكل معقول. لقد كانت سياسة متكاملة”.
لكن بوش وكبار المتشددين في حكومته، وخاصة نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائب رامسفيلد، بول وولفويتز، رأوا إيران على أنها مجرد دولة أخرى تأوي الإرهابيين. وفي أيار/ مايو 2003، أسفرت التفجيرات الإرهابية في المملكة العربية السعودية عن مقتل عشرات الأشخاص في ثلاثة مجمعات سكنية للمغتربين في الرياض، من بينهم سبعة أمريكيين على الأقل.
في واشنطن، سرعان ما ألقت إدارة بوش باللوم على طهران في إيواء الجاني المزعوم سيف العدل، وهو إرهابي مصري مطلوب فيما يتعلق بتفجيرات السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا سنة 1998. ثم احتل العدل المركز الثالث في قائمة الحكومة الأمريكية لأكثر قادة القاعدة المطلوبين بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وقد زعم الإيرانيون أن العدل كان تحت الإقامة الجبرية في إيران، لكن واشنطن أصرت على أنه كان يدير خلية نظمت تفجيرات الرياض. وقال رامسفيلد “لا شك أنه كان هناك ولا يزال هناك اليوم قادة كبار للقاعدة في إيران، وهم مشغولون”.
مع ذلك، لم يتم تقديم أي دليل حقيقي على التواطؤ الإيراني. وقال رئيس أركان باول السابق، لورانس ويلكرسون، في رسالة عبر البريد الإلكتروني هذا الأسبوع، إن “الولايات المتحدة، بسبب التقاء الأحداث والشخصيات، أضاعت فرصة رائعة للقيام بما فعله أوباما وبيل بيرنز بعد سنوات: أي في فتح حوار مثمر”.
قامت إيران بمحاولة أخيرة خلال تلك الفترة عندما أرسلت بالفاكس عبر السفير السويسري آنذاك في طهران تيم جولديمان اقتراحًا من القناة الخلفية لإجراء محادثات واسعة النطاق مع الولايات المتحدة حول معظم القضايا الرئيسية العالقة، بما في ذلك البرنامج النووي، والدعم الإيراني لحزب الله وحماس، وتغيير النظام. لكن إدارة بوش تجاهلت تلك المبادرة، مدعية أنه لم يتضح من صاغها.
بعد ذلك، هدأت لتوترات المتصاعدة إلى انتخاب الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد سنة 2005، الذي تخلى عن تجميد برنامج تطوير الطاقة النووية الإيراني الذي كانت طهران قد أعلنته في تشرين الثاني / نوفمبر 2004 كإجراء “لبناء الثقة”. كشف أحمدي نجاد عن منشآت التحويل الإيرانية في أصفهان وواصل الجهود في نطنز، المعمل الرئيسي لتخصيب اليورانيوم في إيران. في هذه الأثناء، مع تصاعد التمرد في العراق تحت الاحتلال الأمريكي، واصل رامسفيلد ومسؤولون أمريكيون آخرون إلقاء اللوم على إيران للعب دور في الهجمات على القوات الأمريكية.
رضائي “إذا اتبعت الولايات المتحدة نهجا مختلفا عن مواجهة إيران فإن تعاملاتنا ستتغير بشكل جذري”
وبالكاد كانت إيران بعيدة عن اللوم مع تصلب العلاقات. استخدمت طهران ضعف واشنطن أثناء التمرد في العراق لتزويد وتجهيز الميليشيات الشيعية المعادية للولايات المتحدة في العراق وممارسة نفوذ سياسي متزايد على بغداد.
استمرت هيمنة الآراء المتشددة بشأن إيران في واشنطن. كان تشيني ورامسفيلد وكبار المسؤولين الآخرين مقتنعين بأن استئناف المفاوضات مع إيران لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على حكومة إسلامية في طهران كانوا متأكدين من أنها ستسقط يومًا ما. كما كانوا يعتقدون أن الإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين من شأنه أن يسرّع هذه العملية أو على الأقل يرهب طهران ويحملها على الخضوع، ولكن كما كتبت في سنة 2007، فإن “احتمال تغيير النظام برعاية الولايات المتحدة أعاد الذكريات القبيحة التي تبرر، في نظر الإيرانيين، تصوير أمريكا على أنها الشيطان الأكبر”.
لقد سمحت لأحمدي نجاد وغيره من المتشددين بالتلاعب بالمشاعر القومية داخل إيران – ولم يكن من الصعب استفزازها. بدأت الرواية السياسية الحديثة لإيران حقًا في سنة 1953، عندما زُعم أن وكالة المخابرات المركزية وبريطانيا العظمى ساعدتا في الإطاحة بمحمد مصدق المنتخب ديمقراطيا وتنصيب الشاه. وأخبرني السياسي الإصلاحي إبراهيم يزدي في مقابلة أثناء زيارتي لمجلة “نيوزويك” إلى طهران سنة 2007: “لا تزال ذكرى 1953 في إيران حية للغاية”.
—وأضاف قائلا “لا يستطيع العديد من الإيرانيين نسيان أن الانقلاب الأمريكي والبريطاني قد خنق العملية الديمقراطية في إيران في مراحلها الأولى، وقد استمر التدخل الأمريكي بعد ذلك. فخلال السنوات 25 لنظام الشاه، كانت الولايات المتحدة متورطة بشكل مباشر فيما كان يفعله، وعندما هاجمت العراق إيران (سنة 1980) قدمت الولايات المتحدة دعمت عسكريا كاملا لنظام صدام حسين، وقد كانوا جميعا يعلمون أن صدام كان المعتدي، ومع ذلك قاموا بدعمه”.
ومع ذلك، في مقابلة أخرى خلال زيارتي في تلك السنة، أخبرني الجنرال محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام القوي والضابط البارز في الحرس الثوري الإيراني، أنه حتى في عهد أحمدي نجاد كانت طهران تتطلع إلى إيجاد طريقة لتحسين العلاقات مع واشنطن. وقال إن بوش قد “بدأ حربا باردة مع إيران وإذا لم تتم السيطرة عليها فقد تتحول إلى حرب دافئة”.
وقد كتبت في وقتها أن محسن رضائي أشار، أثناء احتسائه الشاي في حديقة الفيلا الصيفية التي يملكها على بحر قزوين شمال طهران، إلى أن إيران حريصة على إيجاد “طريقة لحفظ ماء الوجه لإنهاء المواجهة بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم المتطور باستمرار”، وكان يؤيد “المهلة” – توقف التطوير النووي الإيراني بالتزامن مع الضغط من قبل واشنطن – التي اقترحها محمد البرادعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك.
هناك أمل حتى الآن في مزيد من المفاوضات، حيث تؤكد الاحتجاجات المستمرة في إيران من قبل المتقاعدين والعاملين العاديين على مدى حاجة طهران للتخلص من العقوبات
وقال رضائي، الذي أشار إلى أن الحكومة تؤيد بشدة هذه الفكرة، إن “ما يعنيه هذا هو أن تبقى إيران عند مستوى (التخصيب) الذي وصلت إليه دون مزيد من التقدم، ومن نفس المنطلق فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لن يصدر قرارًا آخر”. مضيفا أن “القضية النووية الإيرانية يجب أن تُحل عبر تبني نوع جديد من الحلول كهذا الحل”.
وأورد رضائي، الذي عُيِّن منذ ذلك الحين نائبا للرئيس ابراهيم رئيسئ للشؤون الاقتصادية، أنه “إذا اتبعت الولايات المتحدة نهجا مختلفا عن مواجهة إيران فإن تعاملاتنا ستتغير بشكل جذري”.
لقد أشارت محادثاتي في ذلك الوقت مع المتشددين والمصلحين الإيرانيين إلى أن طهران كانت على استعداد لوقف العمل على برنامجها النووي حتى في عهد أحمدي نجاد – أي قبل سنوات من بدء مفاوضات جادة بشأن الصفقة الإيرانية. كما أشاروا إلى أنه اعتمادًا على الظروف كان من الممكن أن تظل إيران على استعداد للتوقف عن صنع سلاح نووي – وأنها قد تكون راضية عن أن تصبح “دولة عتبة نووية” مثل اليابان. وقد أخبرني حينها محمد حسين عديلي السفير الإيراني السابق المعتدل لدى المملكة المتحدة أن “إيران ترغب في امتلاك التكنولوجيا وهذا سيكون كافيًا للردع”.
وابتداء من سنة 2004، واصلت طهران الانخراط في المفاوضات النووية بقيادة الأوروبيين، ولكن من دون تعاون واشنطن لم تحقق هذه الجهود نجاحا يذكر. وبحلول فترة ولاية أوباما الثانية، بدأت الولايات المتحدة تلعب دورًا أكثر نشاطًا، فبعد أن انتخبت إيران رئيسًا أكثر اعتدالًا وهو حسن روحاني في سنة 2013، مهّدت المفاوضات السرية بقيادة بيرنز ومستشار الأمن القومي الحالي جيك سوليفان للاتفاق النووي التاريخي لوزير الخارجية جون كيري مع ظريف.
مقابل رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، قلّصت الاتفاقية تخصيب اليورانيوم الإيراني لمدة 15 سنة، وطالبت طهران بشحن حوالي 97 بالمئة من وقودها النووي إلى خارج البلاد وتفكيك معظم أجهزة الطرد المركزي، كما نصت على نظام تفتيش أكثر تدخلاً تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وما زال منتقدو الصفقة – الذين استمروا في معارضتهم لها حتى يومنا هذا – يصرون على أنها كانت سخية للغاية ومليئة بالثغرات. لقد كان الكثيرون متحالفين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو وأصروا على أن الضغط الأمريكي الزائد وربما العمل العسكري سيوقف القنبلة. وكان ترامب من بين المنتقدين حيث انسحب من الاتفاقية وفرض عقوبات اقتصادية إضافية، لكن ذلك لم يؤدي إلى نتيجة.
بعد سبع سنوات، وبدلًا من أن نكون على بُعد سنة أو نحوها من امتلاك إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية كما كان الحال في سنة 2015، قد تكون إيران حاليًا على بعد أسابيع فقط من ذلك. وقال الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الإثنين إنه يعتقد أن طهران “قريبة جدًا جدًا” من إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة.
تستمر الآمال في تغيير النظام في طهران في الهيمنة على معظم المناقشات في واشنطن. لكنها غير واقعية كما كانت في الماضي، نظرا لأن احتجاجات اليوم لا تزال صغيرة مقارنة بذروة الحركة الخضراء
مع ذلك، هناك أمل حتى الآن في مزيد من المفاوضات، حيث تؤكد الاحتجاجات المستمرة في إيران من قبل المتقاعدين والعاملين العاديين على مدى حاجة طهران للتخلص من العقوبات، حتى أن رئيسي المتشدد – بموافقة المرشد الأعلى – كان على استعداد للتفاوض. وبعد أكثر من سنة من المفاوضات المتقطعة قام الدبلوماسيون الأوروبيون الذين عملوا كجهات اتصال مع كبير المبعوثين الأمريكيين، روبرت مالي، بوضع خطة للعودة إلى اتفاقية سنة 2015.
ذكر علي فايز، النائب السابق لمالي في مجموعة الأزمات الدولية الذي يشغل منصب مدير مشروع إيران، أن “المفارقة المأساوية تكمن في أن كلا الجانبين لديه اتفاق، وقد أثيرت العديد من القضايا الإضافية”. ومن بين أكثر من 1500 عقوبة – إما تلك التي تم “التراجع عنها” في ظل تخلي ترامب عن الصفقة أو تلك التي فرضها الرئيس السابق مؤخرًا – قالت إدارة بايدن إنها سترفع حوالي 1100 عقوبة. وفي غضون ذلك، تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن الإيرانيين بينما يستأنفون تخصيب اليورانيوم لم يتعجلوا في ذلك كثيرا.
لكن السياسات المتشددة من كلا الجانبين قد تستمر في إعاقة التوصل إلى اتفاق، حيث ترفض إدارة بايدن على وجه الخصوص إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب. ويقول فايز إن “هذا هو الفخ الذي نصبته إدارة ترامب لخليفتها، ولسوء الحظ وقّعت إدارة بايدن فيه لأنهم غير مستعدين لدفع الثمن السياسي”.
في غضون ذلك، تستمر الآمال في تغيير النظام في طهران في الهيمنة على معظم المناقشات في واشنطن. لكنها غير واقعية كما كانت في الماضي، نظرا لأن احتجاجات اليوم لا تزال صغيرة مقارنة بذروة الحركة الخضراء عندما احتشد الإصلاحيون المتحالفون مع الرئيس السابق محمد خاتمي في الشوارع سنة 2009، ولا يزال المنشقون عن النظام يفتقرون إلى الوجود المؤسسي مثل النقابات العمالية النابضة بالحياة.
وحسب تيرمان فإن “الحركة الخضراء والإصلاحيين دائمًا ما يبدون عاجزين، ولا يبدو أنهم يتمتعون بنفوذ حقيقي مثل الذي كانوا يتمتعون به لفترة وجيزة في عهد خاتمي”. وأضاف “لا أرى أي تغيير على المدى القريب، فقد كان النظام دائمًا قادرًا على اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الأوضاع”.
المصدر: فورين بوليسي