ترجمة وتحرير: نون بوست
صعّد الأردن مؤخرًا لهجته ضد “الميليشيات الإيرانية” على طول حدوده الشمالية خوفًا من أن يؤدي انسحاب روسيا من الأراضي السورية إلى تهديد أمنه. وتتهم عمان الجماعات التابعة لطهران بتعريض أمنها القومي للخطر باستخدام طائرات مسيّرة وغيرها من الوسائل لتسهيل تهريب المخدرات على طول الحدود. وفي حديثها لموقع “ميدل إيست آي”، نفت السفارة الإيرانية في عمان هذه الاتهامات ووصفتها بـ “الاتهامات غير المقبولة”.
أخبر حميد رضا كاظمي، نائب رئيس البعثة والسكرتير الثاني في السفارة، موقع “ميدل إيست آي” بأن طهران تعتبر “أمن الأردن جزءًا من أمن الشرق الأوسط الذي يمثل أولوية قصوى للأمن القومي الإيراني”.
ولكن مسؤولين عسكريين أردنيين يصفون واقعًا مختلفًا على الأرض، قائلين إن نشاط الجماعات الموالية لإيران زاد في جنوب سوريا في السنوات الأخيرة رغم الترتيبات مع موسكو لاحتوائها. ومع ورود تقارير عن انسحاب القوات الروسية من جنوب سوريا ومناطق أخرى في البلاد، يخشى الأردن أن تملأ القوات المتحالفة مع إيران الفراغ الذي خلفته.
الحرب على المخدرات
في 18 أيار/ مايو، أطلق الملك عبد الله الإنذار الأول بشأن انسحاب روسي محتمل. وصرح لمركز الأبحاث الأمريكي “هوفر” بأن “الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدرا للاطمئنان”. وأضاف أنه “في حال كان هناك فراغ فسيملأه الايرانيون ووكلاءهم، وللأسف نحن قلقون من تصعيد محتمل لمشاكلنا على حدودنا الشمالية”.
لا تعتبر التحذيرات الأردنية من تنامي النفوذ الإيراني في سوريا جديدة. فمنذ أن تدخلت طهران في الحرب سنة 2014 لدعم بشار الأسد ضد المعارضين، كانت عمان قلقة من الوقوع في قلب الصراع. وفي سنة 2018، استعاد الجيش السوري بدعم من القوات الروسية والإيرانية السيطرة على جنوب سوريا، وعلى رأسها مدينة درعا – مهد الثورة السورية.
رغم اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه قبل سنة بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن – تضمن تأكيدات من موسكو للحد من النفوذ الإيراني في جنوب سوريا – زاد وجود القوات التابعة لإيران منذ ذلك الحين.
وبعد أسبوع من تعليق الملك عبد الله على الانسحاب الروسي، ردّد الناطق الرسمي باسم الجيش العقيد مصطفى الحياري مخاوفه قائلاً إن بلاده تواجه “تهديدات أمنية قومية” من “الميليشيات الإيرانية” المتورطة في تهريب المخدرات. وقال العقيد الحياري لتلفزيون “المملكة” الحكومي: “نحن نواجه حرب مخدرات على الحدود بقيادة منظمات مدعومة من جهات أجنبية. وتعد المليشيات الإيرانية الأخطر على الاطلاق لأنها تستهدف الأمن القومي الأردني”.
وأوضح الحياري نمط التهريب الذي لاحظه الجيش الأردني والذي يشير إلى مستوى متطور من التنظيم تنفذه “مجموعات غير منضبطة من دوريات الحدود السورية” و”المنظمات الإرهابية”.
ردًا على المزاعم الأردنية، نفى حميد رضا كاظمي امتلاك طهران أي ميليشيات في سوريا قائلا إن القوات الإيرانية موجودة هناك بناء على دعوة من الدولة السورية وأن “هدفها الوقوف في وجه إرهاب التنظيمات مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة وأنصار الدين وغيرها”.
وأضاف: “منذ 40 سنة، نقوم بمحاربة تهريب المخدرات في إيران عن طريق الحدود الشرقية للأردن. وقد قُتل في هذه الحرب أكثر من 3 آلاف عنصر أمني إيراني. كما نمثل أكبر عقبة أمام تجارة المخدرات في المنطقة ولا يوجد أي مبرر لمحاولة تهريب المخدرات إلى الأردن. وهو اتهام غير مقبول”.
تحديات جديدة
تمتد الحدود الأردنية السورية – وهي عبارة عن تضاريس وعرة بطول 375 كيلومتر – من مرتفعات الجولان غربًا وصولاً إلى الحدود العراقية شرقًا. ويشارك قائد جيش مغاوير الثورة المعارض، في مكان صغير لا يخضع لسيطرة الحكومة في القسم الشرقي، نفس مخاوف المسؤولين الأردنيين.
يعمل جيش مغاوير الثورة – وهي جماعة سورية معارضة تلقت تدريبات أميركية وأردنية – على حراسة قاعدة التنف العسكرية الواقعة عند حدود العراق وسوريا والأردن. وفي هذا الشأن، قال العقيد مهند الطلاع، قائد مغاوير الثورة، إن الانسحاب الروسي من المنطقة يشكل تهديدًا حقيقيًا لعملياتهم هناك.
وقال الطلاع في مقابلة هاتفية مع “ميدل إيست آي” إن “هذه المنطقة التي تضم أيضا مخيم الركبان محاطة بالمليشيات الإيرانية بهدف ترحيل سكانها من أجل السيطرة عليها”، مضيفا أن هذه الجماعات تنظر إلى الأردن على أنه وجهة ونقطة العبور الرئيسية إلى الخليج بالنسبة للعقار الرخيص سوري الصنع المعروف باسم “الكبتاغون”.
وأضاف: “تجارة المخدرات هي المصدر الرئيسي لتمويل الميليشيات الشيعية في هذه المنطقة خاصة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في إيران، حيث تُنتج هذه المخدرات بكميات كبيرة في حمص والقصير من قبل قوات حزب الله اللبناني ثم تُهرب بالتنسيق مع بعض عناصر الفرقة الرابعة”.
نفى حزب الله، حليف الحكومة السورية، مرارًا وتكرارًا أي دور له في تهريب المخدرات في سوريا. التحدي الجديد للأردن جاء في شكل هجمات بطائرات بدون طيار “بتوقيع الإيرانيين”، حسب الملك عبد الله. وفي منتصف أيار/مايو، قال الجيش الأردني إنه أسقط طائرة مسيرة كانت تحمل مخدرات قادمة من سوريا.
قال مأمون أبو نوار، المحلل العسكري واللواء المتقاعد بالقوات الجوية الأردنية، إن استخدام الطائرات بدون طيار يغير التوازن العسكري والأمني في المنطقة. وأضاف أن “الأردن أكثر قلقاً من حدوث مواجهة عسكرية في المستقبل بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. وهذا يشمل الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار وأساليب أخرى. والخطر الذي يُهدد الأردن هو وجود قواعد عسكرية أمريكية في المملكة الأردنية”.
الحسابات الاقتصادية
إلى جانب المخاوف الأمنية، يعد الاستقرار في جنوب سوريا أمرًا حيويًا للاقتصاد الأردني الذي يتدهور منذ عدة سنوات مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي منذ سنة 2009.
يعتقد ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء السابق، أنه قد يكون هناك وجود خطير مدعوم من إيران على الحدود، بيد أن الأفضل لعمّان هو تحسين العلاقات مع طهران. وأضاف العبادي: “تكمن قوة الأردن في اتفاقياته المختلفة مع الجميع، فلدينا علاقات مع روسيا والولايات المتحدة والعراق وإيران. لقد حافظت اتفاقيات حسن الجوار على الأردن آمنًا ولم يتم تسجيل أي قصف استهدف الأراضي الأردنية من الإيرانيين. كانت هناك تفجيرات من تنظيم الدولة والقاعدة ولكن ليس من الإيرانيين”.
على الجانب الغربي من الحدود تقع درعا على بعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود الأردنية، وهي مدينة رئيسية لاستئناف التجارة عبر الحدود عبر معبر جابر – نصيب. في مرحلة من المراحل، كان هذا المعبر الحدودي طريق عبور لمئات الشاحنات التي تنقل البضائع يوميًا بين أوروبا وتركيا والخليج، لكن تم إغلاقه بعد اندلاع الحرب سنة 2011.
يعمل الأردن على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الأسد منذ سنة 2018 على أمل إعادة فتح هذا المعبر الذي كان في قلب المناقشات. وأعيد فتح المعبر الحدودي جزئيًا في 2018 لكن السلطات اضطرت لإغلاقه مرة أخرى بعد تفشي وباء كوفيد-19 سنة 2020 وتجدد الاشتباكات في درعا سنة 2021. el أعيد فتحه مرة أخرى في أيلول/سبتمبر ويتطلع الأردن إلى تقليص خسائره من تأثير الصراع والوباء.
تضرّر الأردن، الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري على أراضيه، اقتصاديًا من قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود حيث تقلصت المبادلات التجارية بين الأردن وسوريا من 615 مليون دولار في سنة 2010 إلى 94 مليون دولار في سنة 2020، وفقًا لإحصاءات أردنية رسمية.
المصدر: ميدل إيست آي