قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تل أبيب نشرت منظومة رادارات في عدة دول بالخليج منها الإمارات والبحرين بجانب عدد من دول الشرق الأوسط لاحقًا بدعوى مواجهة “التهديدات الإيرانية”، بجانب بناء حلف إستراتيجي في المنطقة عبر إبرام عدد من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة.
الإعلان عن هذه الخطوة جاء في أعقاب الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إلى أبو ظبي، الخميس 9 يونيو/حزيران 2022، التقى خلالها الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبحثا تعزيز التعاون الأمني بين البلدين في أعقاب تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وتعكس الزيارة الثانية لبينيت للإمارات منذ تطبيع العلاقات بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2020، بجانب اللقاء السريع الذي عقده وابن زايد في مصر في مارس/آذار الماضي، الخطوات المتسارعة نحو تعميق التعاون بشكل مكثف مقارنة ببقية الدول العربية، حتى تلك المنضمة لاتفاق أبراهام (المغرب – البحرين – السودان).
وكان مشرعون من الديمقراطيين والجمهوريين الأمريكان قد تقدموا بمشروع قانون للكونغرس بشأن تعاون أمريكي إسرائيلي مع بعض الدول العربية من أجل دمج الدفاعات الجوية لإحباط ما وصفوه بـ”التهديدات الإيرانية”، بحسب ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) الأمريكية، وسط تساؤلات عن مخاطر هذا التطور السريع وما يعكسه من دلالات على منسوب العلاقات العربية العربية من جانب والعربية الإسرائيلية من جانب آخر.
خدمة للأجندة الإسرائيلية
القراءة الأولى لتلك الخطوة تذهب إلى خدمة الأجندة الإسرائيلية في الشرق الأوسط حيث مساعي تعزيز النفوذ والتغلغل داخل مفاصل دول المنطقة، ولا يمكن أن يكون ذلك بشكل انفرادي، إذ يتطلب الأمر جسور خليجية لعبور تلك الأجندة من تل أبيب إلى قلب الخليج، وكانت الإمارات والبحرين تحديدًا هذا الجسر.
يتفق مع هذا الرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور عبد الله الشايجي، الذي يرى أنه ليس من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون جزءًا مما أسماه “التحشيد” الإسرائيلي ضد إيران، مشيرًا خلال مشاركته في برنامج “ما وراء الخبر” المذاع على قناة “الجزيرة” إلى الحلم الصهيوني القديم بوجود ناتو عربي خليجي إسرائيلي، وهو المشروع الذي طُرح سابقًا إبان ولاية دونالد ترامب وما قبلها، لكنه قوبل بتحديات وعراقيل حالت دون تنفيذه حينها.
التحذيرات ذاتها أطلقها الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، الذي ألمح إلى تباين دول الخليج في نظرتها لطهران كتهديد إقليمي، وفي ظل هذا الخلاف المستمد من حزمة معقدة من المصالح والحسابات، من المغامرة توريط هذه الدول في مواجهة مع إيران، علمًا بأن دولة الاحتلال لن تضحي بأي جندي من أجل حماية شعوب الخليج.
يبدو أن المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققتها تل أبيب من خلال اتفاق أبراهام المجاني لم تكن كافية لتحقيق الحلم الإسرائيلي في التوغل أكثر داخل مفاصل الدول العربية والسيطرة على منظومتها الأمنية من خلال فزاعة حاضرة ومستمرة ولا يمكن التشكيك فيها من المعارضين للتطبيع، لتصبح بوابة الخليج الرخوة هي الخطوة الأولى نحو الهيمنة الإسرائيلية على المشهد العربي برمته.
مكاسب إماراتية بحرينية
في الجهة الأخرى فإن نشر منظومة الرادارات الإسرائيلية لا شك أنها ستعزز القدرات الأمنية لكل من الإمارات والبحرين، في ظل ما تمثله طهران من تهديد حقيقي لهما في الآونة الأخيرة تحديدًا، رغم العلاقات المتواصلة والممتدة بين الطرفين على المستويات كافة.
الأجندة الإماراتية تحديدًا وأحلام أبناء زايد في توسعة النفوذ الخارجي عبر فتح جبهات صدام ونزاع إقليمي تتطلب حتمًا تعزيز الإمكانيات الدفاعية والعسكرية، وهو ما يفسر الهرولة في السنوات الأخيرة نحو إبرام العديد من صفقات التسليح وطرق أبواب الدبلوماسية مع العديد من القوى.
وتأتي منظومة الرادارات الإسرائيلية في أعقاب استهداف مواقع إماراتية بهجمات من جماعة الحوثي اليمنية (المدعومة والممولة إيرانيًا) الأشهر الماضية، وهو ما يعكس رؤية البلدين – الإمارات و”إسرائيل” – للتعاون المشترك في مواجهة تهديدات إيران التي تصب في النهاية في صالح الأجندة الإسرائيلية كما ذكر سابقًا.
هل هي نذر حرب مع إيران؟
ربما يذهب البعض إلى أن التجييش العسكري الإسرائيلي الخليجي قد يفضي في النهاية إلى مواجهة عسكرية محتملة بين إيران ودول المنطقة، وهو السيناريو المستبعد من الخبراء العسكريين الذين يروا أن مثل تلك التحركات تأتي في إطار الحرب الإعلامية والنفسية وأن الصدام المباشر أمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن في ظل الظروف والمستجدات التي تدفع كل طرف إلى إعادة النظر في أي تصعيد قد يشعل المنطقة.
المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، يرى في تصريحاته لـ”الجزيرة” أن تصعيد المواجهة بين “إسرائيل” وإيران لن يفضي إلى الحسم، منوهًا أن ما ينسب لتل أبيب بشأن استهداف منشآت نووية أو أهداف إيرانية كاغتيال علماء وضباط، محاولة لحصول رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية بينيت، على دعم شعبي في ظل تراجع شعبيته والانتقادات التي يواجهها وتهدد مستقبله السياسي، مؤكدًا في الوقت ذاته أن بينيت يسير على خطى سلفه بنيامين نتنياهو تجاه طهران فيما يتعلق بإهمال الخيار العسكري وتجنب الصدام المباشر.
وعلى الجانب الإماراتي، تتجنب الدولة الخليجية قدر الإمكان تجاوز خطوطها الحمراء مع طهران، ففي الوقت الذي تهرول فيه أبو ظبي للتطبيع مع تل أبيب حتى باتت واحدة من أقوى حلفائها في المنطقة تمد يدها الدبلوماسية للحفاظ على علاقات متزنة مع إيران، بحسب المنسق السابق لملف إيران والخليج في مجلس الأمن القومي بمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي يوئيل غوزنسكي.
تراجع للدور المصري
ما كان يمكن لـ”إسرائيل” أن تطئ بأقدامها العسكرية ثرى الخليج في ظل الأقدام المصرية الراسخة قديمًا التي مثلت رمانة الميزان في مواجهة نفوذ المحتل المتصاعد وأطماعه التوسعية خلال العقود الماضية، وعليه فإن الكشف عن منظومة للرادارات الإسرائيلية في الإمارات والبحرين يحمل في طياته العديد من الدلالات عن تراجع دور القاهرة في الخليج.
السنوات العشر الأخيرة تحديدًا شهدت فقدان مصر لنفوذها الإقليمي عامة والخليجي على وجه الخصوص عامًا تلو الآخر، إذ سقطت الدولة المصرية أسيرة الدعم والمنح الخليجية التي سحبت من ثقل القاهرة ورصيدها السياسي والأمني وهو ما أثر بالتبعية على استقلالية القرار السياسي الذي تأثر في كثير من الأحوال بالأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ورغم أن مصر لم تكن من الدول المعارضة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي بل كانت إحدى أدوات ترامب لإبرام اتفاق أبراهام في واشنطن منتصف سبتمبر/أيلول 2020، فإن التحرك الإماراتي المنفرد في تعزيز التقارب مع دولة الاحتلال وتوثيق أواصر التعاون، الاقتصادي والعسكري، أوغر صدر المصريين بصورة أثارت الكثير من الشكوك إزاء هذا التقارب، الأمر تصاعد أكثر مع ما يدار بشأن دعم إماراتي لمشروعات نقل بحري وبري مع الجانب الإسرائيلي، تهدد قناة السويس، أحد أبرز موارد الدخل الأجنبي لمصر، وهو ما يهدد ثقل مصر الإقليمي ويهمش دورها لحساب الإماراتيين الذي اتضح بشكل أكبر بعد نشر الرادارات الإسرائيلية في قلب الخليج.
مزيد من التوترات
الرغبة الإسرائيلية في تقويض نفوذ إيران وكبح جماحها من خلال عمق أمني خليجي استباقي لا شك أنه سيقود المنطقة إلى مزيد من التوترات، ويجعلها فوق فوهة بركان، في ظل السيولة الأمنية التي يحياها العالم خلال الآونة الأخيرة، خاصة إذا ما استمرت التحرشات العسكرية الحوثية على المسار اليمني.
كما أن طهران ربما توظف وجود مثل تلك الرادارات لتبرير مشاكساتها بين الحين والآخر، كما يمكن أن تتخذها ذريعة لتعزيز مسار امتلاكها للسلاح النووي، ومن جانب آخر فربما تضع تلك المنظومة منطقة الخليج كهدف إستراتيجي لطهران يمكن الاستعانة به لابتزاز الغرب حينًا بعد حين.
وعلى مسار آخر، فإن التوغل الإسرائيلي داخل العمق الخليجي سيكون له انعكاساته على الملفين العراقي واللبناني، حيث المزيد من التوتر في العراق القابع في قبضة الإيرانيين، بما يقلل من نجاح مساعي الخليج لفرض السيادة العراقية على كامل تراب الوطن وحدوده، وعليه فإن الاستعانة الخليجية بالدعم اللوجستي الإسرائيلي من شانه أن يقوض تلك المساعي ويقلل من زخمها وتأثيرها وتقبل الشارع العراقي لها، وهو ما يزيد درجة حرارة الوضع الداخلي هناك، خاصة إذا استخدمت طهران بغداد كورقة ضغط في صراع النفوذ مع التحالف الثلاثي (الخليج و”إسرائيل” وأمريكا).
وعليه فإن نشر الرادارات الإسرائيلية وإن كان يحقق فائدة قصيرة المدى لكل من الإمارات والبحرين، لكنه في الوقت ذاته سيثير حفيظة حلفائهما في المنطقة، وفي المقدمة القاهرة والرياض – وإن كانا من غير المعارضين بشكل رسمي على هذا التحرك -، وربما أنقرة إن استشعرت في ذلك تهديدًا لمصالحها في المنطقة، ما سيقود حتمًا إلى إحداث هزة عنيفة في خريطة توازنات القوى في الشرق الأوسط، لتواصل دولة الاحتلال حصادها المستمر لقطار التطبيع المجاني الذي قاده أبناء زايد منذ أكثر من عامين.