ترجمة وتحرير: نون بوست
في منتصف الموسم التحضيري لسنة 2022؛ عبّر العديد من المشرّعين الديمقراطيين ومسؤولي الحزب، عن إحباطهم من تخبّط الرئيس بايدن للدفع بجدول أعماله، ومُشكّكين في نفس الوقت في قدرته على إنقاذ الحزب من هزيمة متوقعة في انتخابات الكونجرس النصفية، وباتوا ينظرون إليه بشكل متزايد، على أنه مجرّد مذيع أخبار يجب منعه في عام 2024.
وبينما تتزايد التحديات التي تواجه الأمة ويبدي الناخبون المرهقون حماسًا منخفضًا؛ يبدو الديمقراطيون في اجتماعات النقابات والغرف الخلفية لمبنى “الكابيتول هيل” والتجمعات الحزبية من الساحل إلى الساحل، قلقين بتحفظ بشأن قيادة السيد بايدن، وعمره وقدرته على مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب مرة أخرى.
وكشفت حوارات أجريت مع ما يقرب من 50 مسؤولًا ديمقراطيًا، من قادة المقاطعات وأعضاء في الكونجرس، وكذلك مع الناخبين المحبَطين الذين دعّموا السيد بايدن في عام 2020، عن وجود حزب يشعر بالقلق من القوة المتصاعدة للجمهوريين، ويبدو متشائمًا من إمكانية الإسراع في المضيّ قدمًا.
وفي هذا الصدد، قال ستيف سيمونيديس، عضو اللجنة الوطنية الديموقراطية من ميامي: ” إن القول بأن بلدنا يسير على الطريق الصحيح قد يبتعد بشكل صارخ عن الواقع، وعلى السيد بايدن أن يعلن عن نيته عدم السعي لإعادة انتخابه في 2024، ويعلن ذلك مباشرة في الانتخابات النصفية”.
معظم كبار الديمقراطيين المنتخَبين كانوا مترددين في التحدث بشكل رسمي عن مستقبل السيد بايدن
وتأتي مخاوف الديمقراطيين في وقت أوضحت فيه جلسة الاستماع الافتتاحية للجنة مجلس النواب -التي تحقق في هجوم 6 كانون الثاني/يناير على مبنى الكابيتول- مخاطر الانتخابات الرئاسية لعام 2024 التي قد يسعى خلالها السيد ترامب -الذي أثارت أكاذيبه أعمال شغب عرقلت الانتقال السلمي للسلطة- إلى العودة إلى البيت الأبيض.
بالنسبة إلى بايدن وحزبه؛ فإن التذكير عبر جلسات استماع حية بعنف العصابات المستوحى من ترامب، قد يمثل الفرصة الأخيرة والأفضل قبل الانتخابات النصفية لاختراق الناخبين المتأرجحين وإقناعهم وهم الذين كانوا أكثر تركيزًا على التضخم وأسعار الغاز، وإذا لم يتمكن الحزب من ذلك، فقد يفوّت فرصته الأخيرة لمحاسبة السيد ترامب، لأن السيد بايدن يواجه بالفعل عامين مضطربين بسبب مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون الذين يعرقلونه ويقومون بالتحقيق معه.
معظم كبار الديمقراطيين المنتخَبين كانوا مترددين في التحدث بشكل رسمي عن مستقبل السيد بايدن، ولم يُبدِ أي شخص تمت مقابلته أي نية سيئة تجاه السيد بايدن الذي يشعر العالم أجمع بالامتنان له للإطاحة بالسيد ترامب من منصبه.
غير أن الإخفاقات المتكررة لإدارته في تمرير تشريعات مكلِّفة بشأن قضايا الديمقراطيين، فضلاً عن جهوده المتعثرة لاستخدام منبر البيت الأبيض لتحريك الرأي العام، كل ذلك جعل الرئيس في حالة تراجع في معدلات التأييد، ويبدو أن هذا الأمر جعله يشعر بالأسف تجاه الحزب.
هذا الوضع جعل القادة الديمقراطيين يكافحون من أجل تفسير هذه السلسلة من مصائب الحزب والتي تبدو جميعها خارجة عن سيطرة بايدن، والمتمثلة في: معدلات التضخم التي لم يُشهد لها مثيل منذ أربعة عقود، وارتفاع أسعار الغاز، والوباء المستمر، وسلسلة جرائم إطلاق النار الجماعية، واستعداد المحكمة العليا لإنهاء الحق الفيدرالي في الإجهاض، بالإضافة إلى رفض الديمقراطيين الرئيسيين في الكونجرس العمل من خلال أجندة الرئيس لإعادة البناء بشكل أفضل أو توسيع حقوق التصويت.
قلق بشأن عمره.. وبشأن خليفته
بالنسبة لجميع الديمقراطيين الذين تمت مقابلتهم تقريبًا، فإن سن الرئيس – 79 سنة حاليًا، و82 سنة في حال تنصيبه في انتخابات 2024 – يمثل مصدر قلق عميق بشأن قدرته السياسية، إذ يرونه في صورة أن القائد الأول الذي ارتكب العديد من الزلات التي أزعجت الدبلوماسية العالمية مرارًا وتكرارًا بملاحظات غير متوقعة تراجع عنها لاحقًا موظفوه في البيت الأبيض، وكذلك إجراؤه لقاءات أقل من سابقيه.
وفي هذا السياق، قال ديفيد أكسلرود، القائد الاإتراتيجي لحملة الفوز بالرئاسيات لباراك أوباما: “إن الرئاسة وظيفة مرهقة للغاية والواقع المؤسف هو أن الرئيس سيكون أقرب إلى سن الـ 90 من الـ 80 في نهاية فترة ولاية ثانية، وحينها سيكون هذا الأمر قضية كبيرة”.
وأضاف السيد أكسلرود: “بايدن لا يحصل على الثناء الذي يستحقه لقيادته البلاد خلال أسوأ حالات الوباء، وإقرار تشريعات تاريخية، وتوحيد حلف الناتو ضد العدوان الروسي واستعادة هيبة البيت الأبيض”، مضيفًَا أن جزءًا من السبب الذي عرقله عن العمل يرجع إلى سنّه، إذ لا يبدو حيويًا أمام الكاميرا كما كان في السابق، هذا الأمر أدى إلى بروز وصف غير واقعي عن الكفاءة.
وقال السيد بايدن مرارًا وتكرارًا إنه يتوقع الترشح مرة أخرى في عام 2024. ولكن إذا لم يفعل ذلك، فهناك إجماع ضئيل حول من سيقود الحزب.
غير أن قلة من الديمقراطيين الذين تمت مقابلتهم يتوقعون أن يذعن القادة البارزون الذين لديهم طموحات في البيت الأبيض لنائبة الرئيس كامالا هاريس، التي كانت تعاني من سلسلة من المشاكل السياسية في منصبها.
وذكر هؤلاء الديمقراطيون مجموعة من الشخصيات الأخرى التي خسرت أمام بايدن في الانتخابات التمهيدية لعام 2020 وهم: السناتور آمي كلوبوشار من مينيسوتا؛ وبيرني ساندرز من فيرمونت؛ وإليزابيث وارين من ماساتشوستس؛ وكوري بوكر من نيوجيرسي؛ ووزير النقل بيت بوتيجيج؛ وبيتو أورورك، عضو الكونجرس السابق الذي يترشح الآن لمنصب حاكم تكساس، من بين آخرين.
ويصر أنصار السيد بايدن على أنه يضع البلد على المسار الصحيح، على الرغم من العقبات؛ إذ قالت أنيتا دون، كبيرة مستشاري الرئيس، مستشهدة بأرقام الوظائف القوية والجهود المبذولة لمكافحة الوباء: “شخص واحد فقط قاد عملية انتقالية بعد أكاذيب ترامب وتحديات المحكمة والتمرد لتولي منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير، هو جو بايدن”. في وقت رفض حلفاء آخرون لبايدن الاقتراحات بأن أي ديمقراطي آخر سيكون أفضل منه في عام 2024.
وفي هذا الصدد، قال بن لابولت، الذي عمل في حملات السيد أوباما: “هذا هو نفس التوتر الذي سمعناه عن باراك أوباما في سنتي 2010 و2011″، كما صرّح كريستوبال أليكس، الذي كان كبير مستشاري حملة بايدن ونائب سكرتير مجلس الوزراء في البيت الأبيض حتى الشهر الماضي، بأن بايدن هو الديمقراطي الوحيد الذي يمكنه الفوز في الانتخابات الوطنية.
وأضاف السيد أليكس أن مسؤولية الديمقراطيين في الكونجرس هي إلقاء الضوء على نجاحات السيد بايدن وتمرير التشريعات التي أقرّها رفقة معظمهم في الحملة الانتخابية.
وأضاف قائلًا: “إنني قلق من أن القادة في الحزب لا يروّجون بشكل أكبر لنجاح الإدارة”، مضيفًا: “يجب تغيير الوصف، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال ترددات صدى قوي مقترن بالعمل في الكونجرس بشأن الأولويات المتبقية، فالشعب الأمريكي يشعر بعدم الاستقرار”
وقالت نيكي فرايد مفوضة الزراعة في فلوريدا التي ترشح نفسها لمنصب الحاكم، إنها سترحب بالسيد بايدن للمشاركة في حملتها في فلوريدا، لكنها لم تصل إلى حد تأييده لولاية ثانية؛ حيث قالت: “هناك كثير من الوقت من الآن حتى سنة 2024”.
يريد العديد من القادة والناخبين الديمقراطيين من السيد بايدن أن يقاتل بقوة أكبر ضد الجمهوريين، بينما يريده آخرون أن يسعى إلى مزيد من التسويات
ومع ذلك؛ تظهر استطلاعات الرأي العامة أن بايدن وصل إلى نقطة متدنية في شعبيته بين الناخبين الديمقراطيين؛ حيث أظهر استطلاع أجرته وكالة “أسوشيتيد برس” الشهر الماضي أن شعبية بايدن بين زملائه أعضاء الحزب بلغت 73 بالمائة، وهي أدنى نسبة خلال رئاسته، وأقل بتسع نقاط من أي وقت آخر خلال سنة 2021، ورغم أن القليل من الاستطلاعات العامة الأخيرة تسأل عما إذا كان الديمقراطيون يريدون أن يترشح بايدن لولاية ثانية، إلا أنه في كانون الثاني/ يناير، أراد 48 بالمائة فقط من الديمقراطيين أن يرشح نفسه مرة أخرى وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته وكالة إيه.بي.
“نحن نفتقر إلى الحافز”
يظهر أن الديمقراطيين المنتَخبون حذرون بشأن مناقشة مستقبل السيد بايدن عقلانية؛ حيث قالت جاسمين كروكيت ممثلة ولاية تكساس التي فازت الشهر الماضي بجولة الإعادة الأولية لمقعد ديمقراطي مهم في مجلس النواب في دالاس: “ليس مسموحًا لي أن يكون لدي مشاعر في الوقت الحالي”، وأضافت قائلة: “عندما تكون واردًا جديدًا، لن تتمكن ببساطة من فعل ذلك.”
ومع ذلك؛ أعربت السيدة كروكيت عن أسفها لوجود فجوة كبيرة في الحماس بين الجمهوريين، الذين أصدروا في تكساس تشريعات لتقييد حقوق التصويت وحقوق الإجهاض مع توسيع حقوق حمل السلاح، والديمقراطيين الذين لم يستخدموا سيطرتهم المحدودة على الحكومة الفيدرالية لدفع أجندة تقدمية؛ حيث قالت: “أيها الديمقراطيون.. ما هذا الذي تفعلون؟!” وأضافت: ” بلدنا ينهار تمامًا، ولهذا أعتقد أننا نفتقر إلى الحافز”.
يريد العديد من القادة والناخبين الديمقراطيين من السيد بايدن أن يقاتل بقوة أكبر ضد الجمهوريين، بينما يريده آخرون أن يسعى إلى مزيد من التسويات؛ حيث يتطلع الكثير منهم إلى سنة 2024 على أمل الحصول على نوع من المرشح المثالي – شخص ليس السيد بايدن أو السيدة هاريس-.
وقال فايز شاكر – الذي كان مدير حملة السيد ساندرز في سنة 2020-، إن أكثر ما يؤذي بايدن هو إدراك الضعف.
فقد نشر السيد شاكر مذكرة في أبريل تفيد بأن السيد ساندرز “لم يستبعد” الترشح في سنة 2024 إذا لم يفعل السيد بايدن، وفي إحدى المقابلات، قال السيد شاكر إنه يعتقد أن السيد بايدن يمكن أن يهزم السيد ترامب للمرة الثانية؛ ولكن إذا رشح الجمهوريون وجهًا جديدًا، مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس فقد لا يكون بايدن هو الخيار الأفضل.
وقال السيد شاكر: “إذا كان ديسانتيس أو أي شخص آخر، أعتقد أن هذا سيكون تحديًا من نوع مختلف”.
لطالما دعا هوارد دين، حاكم ولاية فيرمونت السابق ورئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية البالغ من العمر 73 سنة، والذي ترشح للرئاسة في سنة 2004، منذ فترة طويلة إلى تصعيد جيل أصغر من القادة في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر في الحزب، وقال إنه صوت لصالح بيت بوتيجيج (40 سنة)، في الانتخابات التمهيدية لسنة 2020 بعد محاولته إقناع السناتور كريس مورفي (48 سنة) من ولاية كونيتيكت بالترشح.
وقال السيد دين: “إن الجيل الذي بعدي حقًّا مجرد كومة قمامة”، وأشار السيد دين إلى أن بايدن وغيره من القادة الديمقراطيين الأكبر سنًا في واشنطن أمضوا وقتًا طويلًا في صياغة الأهداف التي لم يصلوا إليها؛ حيث صرح: “نحتاج إلى أمثلة محددة لكيفية تعاملنا مع الأشياء؛ لا أضغاث أحلام وشعارات فارغة”.
يشعر العديد من الناخبين الديمقراطيين بالمثل؛ حيث قال أليكس ويشيفانوك ( 33 سنة)، محلل بيانات من أنابوليس بولاية ماريلاند، وهو يأسف على “فقدان الأمل القومي الكبير”، إنه لم يقتنع بحملة بايدن الرئاسية الأخرى في سنة 2024؛ حيث قال: “أحتاج إلى ما يعادل رون ديسانتيس، أن يكون ديمقراطيًّا، ولكن لا يبلغ من العمر 70 أو 80 سنة – شخص أصغرسنًّا-“، وأضاف: “الشخص الذي يعرف ما الذي نجح معك في سنة 1980 لن يكون هو الذي ينجح معك في سنة 2022 أو 2024”.
ندم وقلق
ثم هناك أسئلة حول عجز بايدن عن إقناع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الوسطيين بدعم أجندته، فمع احتمالية ظهور أغلبية جمهورية في حجرة واحدة على الأقل من الكونجرس العام المقبل؛ ويشعر الديمقراطيون الذين كانوا في وضع مماثل للسيطرة العابرة على الحكومة بالقلق من تكرار أخطاء الماضي.
وقالت إليزابيث غوزمان، عضو مجلس مندوبي فرجينيا، إن الديمقراطيين في تجعمهم السياسي يأسفون لعدم تمرير قانون شامل لحقوق الإجهاض العام الماضي قبل أن يفقدوا السيطرة على مجلس الولاية وقصر الحاكم أمام الجمهوريين؛ حيث قالت: “أردنا تقنين قرار رو ضد ويد، وانظر ماذا حدث”.
بعض المؤيدين الأوائل لحملة السيد بايدن لسنة 2020 يتساءلون الآن عما إذا كان بإمكانه قيادة الحزب خلال دورة انتخابية شاقة أخرى ضد السيد ترامب
جودي فيدال ( 58 سنة)، عاملة بيع بالتجزئة من كيب كورال فلوريدا، تردد صدى هذا الشعور؛ حيث قالت: “أتمنى فقط أنه نظرًا لأن لدينا الأغلبية الآن، فإنهم سيتصرفون بالطريقة التي فعلها الجمهوريون ويدفعون الأمور إلى الأمام”.
ويمتد القلق بشأن السيد بايدن إلى جوهر قاعدته السياسية؛ حيث قالت أدريان شروبشاير، المديرة التنفيذية لـ “بلاك باك”، وهي منظمة سياسية أمريكية من أصل أفريقي، إن مصدر قلقها الرئيسي هو أن الناخبين السود بعد أن شاهدوا السيد بايدن والديمقراطيين يفشلون في الوفاء بوعودهم الأساسية لن يعودوا للتصويت في نوفمبر؛ حيث قالت: “هل هذا الإحباط والانزعاج والقلق والخوف، هل يترجم كل ذلك إلى فجوة مستمرة في الحماس، وهل يتسبب ذلك في شعور الناس بأن مشاركتهم لا تحدث تغييرًا كبيرًا؟”، وأضافت: “هذا هو السؤال الحقيقي”.
حتى أن بعض المؤيدين الأوائل لحملة السيد بايدن لسنة 2020 يتساءلون الآن عما إذا كان بإمكانه قيادة الحزب خلال دورة انتخابية شاقة أخرى ضد السيد ترامب.
آن هارت؛ الرئيسة المشاركة للحزب الديمقراطي في مقاطعة ألاماكي بولاية أيوا، والتي أيدت السيد بايدن قبل المؤتمرات الحزبية للولاية لسنة 2020 وقدمته في إحدى محطات الحملة الانتخابية في مقاطعة مجاورة، وأشارت السيدة هارت مديرة مدرسة متقاعدة إنها لا تستطيع أن تتخيل كيف يدير بايدن الرئاسة في عمر 79 سنة؛ حيث قالت: “طُلب مني الترشح لبعض الأشياء – هل تمزح؟ أن أبلغ من العمر 64 عامًا”، وأضافت: “نحن بحاجة إلى الشباب. لذلك أنا معجب به نوعًا ما لأنه يريد تولي هذا الأمر وآمل أن يمرر الشعلة “.
وقالت شيليا هوجينز، المحامية من دورهام، نورث كارولاينا، وهي عضو في اللجنة الوطنية الديمقراطية، بصراحة أكبر: “إن الديمقراطيون بحاجة إلى قيادة جديدة وجريئة للسباق الرئاسي في 2024″، وأضافت: “لا يمكن أن يكون بايدن”.
المصدر: نيويورك تايمز