تتواصل التجهيزات للعملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق داخل الحدود السورية، حيث تعتزم القيادة التركية إطلاق هذه المعركة ضد التنظيمات الكردية التي ترى تركيا أنها التهديد الأكبر لأمنها القومي، ولا يوفر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مناسبة إلا ويتكلم فيها عن جهوزية جيش بلاده، وكشف أردوغان أنهم “بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا شمال سوريا، وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين”.
في الطرف المقابل أيضًا، تحاول الميليشيات الكردية التحضير لمقاومة هجوم قوات المعارضة السورية برعاية تركية، وتعتمد هذه الميليشيات كثيرًا على دعم قوات النظام السوري بشكل أساسي، فقد صدرت الكثير من التصريحات من قادة الوحدات الكردية تدعو إلى القتال جنبًا إلى جنب مع قوات نظام الأسد ضد ما يسمونه “الغزو التركي”، وهنا يبرز أيضًا فاعلون أساسيون.
التجهيزات التركية
لم تختلف التصريحات التركية منذ أعلن رجب طيب أردوغان أن بلاده عازمة على استكمال عملياتها العسكرية في تركيا، فكل المسؤولين الأتراك يروجون بتصريحاتهم لعزم بلادهم على دحر الخطر القادم إليهم من مناطق السيطرة الكردية في سوريا، فقد أعلن أردوغان بداية أن “تركيا ستبدأ قريبًا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأتها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترًا، على طول الحدود الجنوبية مع سوريا”.
يبدو أن التودد الكردي لحكومة النظام السوري يأتي لعدة أسباب أهمها: استغلال عداء النظام السوري للأتراك وإشراكهم في المعركة والاستفادة من خبراتهم
بدوره قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار: “تركيا لن تقبل بأي شكل من الأشكال وجود الإرهابيين شمالي سوريا وجنوب تركيا”، وقال آكار: “سنواصل كفاحنا ضد الإرهاب بغض النظر عن الجهات التي تقف خلف الإرهابيين”، متابعًا “القوات التركية مستعدة لأداء مهمة بأفرادها وعتادها وأسلحتها ومعنوياتها الفائقة”، ويكمل الجيش التركي استعدادات قواته على الحدود الجنوبية، في الوقت الذي يعزز من وجوده في مناطق الاشتباك داخل سوريا.
في الأراضي السورية التي تسيطر عليها المعارضة، أجرت الفصائل العسكرية تحت إشراف الجيش التركي مناورات عسكرية لرفع الجاهزية للعملية المحتملة، وفي “نون بوست” كنا قد نشرنا تقريرًا عن الموضوع، وأشار القيادي في الجيش الوطني الفاروق أبو بكر في مداخلة سابقة إلى أن “الجيش الوطني سيكون عماد العمليات العسكرية القادمة وكما شاهدنا سابقًا كانت الفصائل السورية أساس عمليات نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون، وسيثبت الجيش الوطني في المعركة القادمة جهوزيته من أجل تحرير المناطق الجديدة المحتلة من ميليشيات النظام السوري وقسد”، وأوضح أبو بكر أن “الهدف حاليًّا هو مناطق منبج وتل رفعت”.
على الطرف المقابل
تواصل الميليشيات الكردية وعلى رأسها تنظيم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تجهيزاتها لمحاولة صد الهجوم التركي، ولا تقتصر التجهيزات على الأمور العسكرية، إنما تعتمد أيضًا على دعم الحلفاء والأطراف المختلفة لمواجهة تركيا، وهنا يبرز دور النظام السوري الذي باتت “قسد” تستنجد به للقتال جنبًا إلى جنب، وفي أكثر من مناسبة ظهر قائد “قسد” مظلوم عبدي لاستجلاب الدعم ضد تركيا بحجة “محاربة داعش”.
وفي آخر تصريحاته، أكد عبدي عزم ميليشياته على “الاستعانة بقوات نظام الأسد لصد أي هجوم محتمل للقوات التركية في شمال شرقي سوريا”، ودعا عبدي نظام الأسد “لأخذ الهجوم التركي على محمل الجد ولعب دوره بشكل عملي”، معتبرًا أن “حماية الأراضي السورية واجبنا وواجب الدولة السورية”.
مضيفًا “في حال قيام الأتراك بهذا الهجوم على الأراضي السورية فنحن مستعدون للكفاح ضده مع الجميع، وبالطبع سنحارب جنبًا إلى جنب مع الجيش السوري للتصدي له”، مشيرًا إلى أن قواته “تتعامل بجدية مع تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن العملية العسكرية”.
ويبدو أن التودد الكردي لحكومة النظام السوري يأتي لعدة أسباب أهمها: استغلال عداء النظام السوري للأتراك وإشراكهم في المعركة والاستفادة من خبراتهم، لكن السبب الأهم على ما يبدو هو استمالة روسيا في هذه المعركة التي ما زالت لهجتها هادئة نسبيًا في الرد على إعلان تركيا عن عمليتها العسكرية المحتملة.
خيارات قسد
وبالفعل فإن أحد خيارات قسد التي تحاول العمل من أجلها لمجابهة تركيا هو التنازل لروسيا في بعض القضايا، ووفقًا لمركز “جسور” للدراسات فإن قسد “ستكون مستعدة لتقديم تنازلات إلى روسيا من أجل توسيع وجودها ونشاطها العسكري شرق الفرات على أمل أن يُساهم ذلك في الحيلولة دون شنّ عملية عسكرية جديدة، وقد يشمل هذا السيناريو التعهُّد بتطبيق مذكرة سوتشي (2019)، أي الانسحاب من المنطقة الآمنة بعمق 32 كيلومترًا، لا سيما عين العرب كوباني، لتهيئة الظروف أمام أي وساطة روسية محتملة”.
يذكر أن موسكو قالت إنه لا يمكنها حماية من هم خارج سلطة الحكومة السورية، وفقًا لما كشف “تليفزيون سوريا”، جاء ذلك خلال لقاء جمع قائد القوات الروسية في سوريا العماد ألكساندر تشايكو مع قادة “قسد” على رأسهم مظلوم عبدي في مدينة القامشلي، وترى روسيا بحسب المصدر أن “قسد مرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة الأمريكية وتعمل وتتحرك وفق أجندات معادية للنظام والدولة”.
في طرف مقابل، تحاول قسد إقناع واشنطن بعودة التحالف الدولي إلى المناطق التي تحكمها، ووفقًا لما قاله مركز “جسور” فإن “التفاهم مع الولايات المتحدة هو خيار تأمل قسد أن تستطيع بموجبه إقناع قوات التحالف الدولي بإعادة انتشارها عسكريًّا بشكل جزئي في عدد من المناطق مثل عين العرب كوباني ومنبج، بدعوى أن أي عملية عسكرية على هذه المناطق ستؤدي إلى تقويض جهود مكافحة الإرهاب والاستقرار الاقتصادي”.
وحمّل مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” – الذراع المدنية للميليشيات الكردية -، التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” مسؤولية منع أي عمل عسكري محتمل في شمال سوريا، بعد التهديدات التركية بشن عمليات في المنطقة.
أما على سبيل التجهيزات العسكرية أعلنت “قسد” أن مواجهتها لأي هجوم تركي محتمل على مناطق سيطرتها في شمال شرقي سوريا، لن يقتصر على المناطق المستهدفة، وجاء في بيان لها: “الهجوم التركي المحتمل سيؤثر على استقرار ووحدة الأراضي السورية، لذا، لن تقتصر مواجهته على المناطق المستهدفة فقط، إنما سيتوسع نطاقها ليشمل مناطق أخرى داخل الأراضي السورية المحتلة”، وأرسلت قسد، تعزيزات عسكرية للانتشار في المناطق القريبة من مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري وتحضيرًا لعملية عسكرية تركية على منبج وريفها.
النظام يتجهز
إلى ذلك، واصلت قوات النظام تجميع مقاتليها وعتادها العسكري في محيط تل رفعت بريف حلب، بمحاذاة مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وتعتبر تل رفعت المدينة الأكثر أهمية لتركيا حاليًّا وستحاول جاهدة السيطرة عليها في حال أطلقت عملياتها العسكرية، تأتي تحركات النظام هذه في ظل حديث رئيس النظام بشار الأسد عن أن جيشه يستطيع مواجهة تركيا.
وقال بشار الأسد: “إذا كان هناك غزو سيكون هناك مقاومة شعبية في المرحلة الأولى”، مشيرًا إلى أنه “عندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة سنفعل هذا الشيء”، وأضاف أنه قبل عامين ونصف حصل صدام عسكري بين الجيش التركي وقواته، معتبرًا أن “الجيش السوري تمكن من تدمير بعض الأهداف التركية التي دخلت الأراضي السورية، وأن الوضع سيكون نفسه بحسب ما تسمح الإمكانات العسكرية، عدا عن ذلك سيكون هناك مقاومة شعبية”.
تنسيق قسد مع إيران هو “خيار يبدو أن قسد لجأت إليه في منطقة تل رفعت عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة أي عملية عسكرية محتملة
يذكر أن مظلوم عبدي، طالب قوات الأسد بتأمين أنظمة دفاع جوي ضد الطائرات المُسيرة، في حال شنت تركيا عملية عسكرية جديدة شمال سوريا، وقال عبدي إن قواته منفتحة على العمل مع القوات السورية للقتال ضد تركيا، لكن دون حاجة لإرسال قوات إضافية، وأضاف “الشيء الأساسي الذي يمكن أن يفعله الجيش السوري للدفاع عن الأراضي السورية، هو استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية”.
وقد روجت صفحات تابعة للنظام السوري أن قوات الأسد أرسلت حشود عسكرية ومُسلحين يرفعون أعلام النظام وصور بشار الأسد، وتقول هذه الصفحات إن التعزيزات العسكرية توجهت إلى منبج وتل رفعت للتصدي لما أسمته العدوان التركي المحتمل.
الخيار الإيراني
يبدو أن خيارات “قسد” مفتوحة على الاتجاهات كافة، إذ إنها لا تمانع من وجود ميليشيات إيرانية إلى جانبها، رغم أن قسد مدعومة من التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن، وهو ما يمكن أن يؤثر على العلاقة بين الطرفين، وقد ذكر مصدر لـ”نون بوست” رفض كشف اسمه أن الميليشيات الإيرانية تحشد بعض المجموعات للانطلاق باتجاه تل رفعت ومنبج، ويقول المصدر المقيم في مدينة تل رفعت: “سمعنا منذ أيام أن مجموعات من نظام الأسد وصلت برفقة مجموعات شيعية لتخوم تل رفعت وتقيم الآن في قواعد قسد”.
ويشير المصدر إلى أن عناصر “قسد” باتوا يتكلمون عن دعم كبير سيأتي هذه المرة من النظام وإيران من أجل مواجهة تركيا، ويفسر التدخل الإيراني هذه المرة بالخوف على بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين تقعان على تخوم مدينة تل رفعت”.
ويفسر مركز “جسور” أن تنسيق قسد مع إيران هو “خيار يبدو أن قسد لجأت إليه في منطقة تل رفعت عَبْر تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة أي عملية عسكرية محتملة”، مشيرًا إلى أن “روسيا لن تعترض على وجود رد عسكري مشترك من قسد وقوات النظام والميليشيات الإيرانية في تل رفعت. ويُفترض أن تتعامل الولايات المتحدة مع هذا الخيار بناءً على تأثيره على عمليات مكافحة الإرهاب والاستقرار، وقد يختلف ذلك بين منطقة تل رفعت وبقية المناطق”.