عمدت الحركة الصهيونية منذ نشأة الكيان الإسرائيلي على تعزيز الأذرع المساندة للمشروع اليهودي على أرض فلسطين، وهذا الأمر اتخذ مجموعة من الأشكال والأدوات في مقدمتها ما يمكن أن يطلق عليه المنظمات أو الجماعات المساندة، التي تشكل إحدى القنوات المالية لدعم وتعزيز المشاريع الاستيطانية في فلسطين.
أطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أيدي تلك الجماعات المتطرفة للانتقام من الفلسطينيين لارتباطهم بأرضهم من ناحية عقائدية بالدرجة الأولى، فعاثوا فسادًا في كل الأماكن التاريخية بهدف السيطرة عليها وتهويدها وطمس كل معلم يثبت هويته الفلسطينية.
ولكل منظمة استيطانية دورها في السيطرة على الأراضي الفلسطينية خاصة في القدس والضفة الغربية، فمثلًا “نحلات شمعون” تتسلط على أهالي الشيخ جراح لطردهم من بيوتهم، و”إلعاد” تنغص على سكان حي سلوان المقدسي، ومنظمة ثالثة “بارئيل” انبثقت قبل شهور قليلة لملاحقة سكان النقب وطردهم من قراهم البدوية، والعشرات من الجمعيات التي تعمل بشكل معلن ومثلها وأكثر في الخفاء لاعتبارات عنصرية.
في الضفة الغربية ينشط عمل منظمة “ريغافيم” الاستيطانية منذ نحو عقدين، حيث يتركز عملها على التحريض وقمع أصحاب الأرض عبر تعاونها مع المحاكم الإسرائيلية من أجل سلب الفلسطينيين أراضيهم وهدم مبانيهم.
متى تأسست “ريغافيم”؟ ومن يمولها؟
تأسست الجمعية واسمها الكامل “المحافظة على الأراضي الوطنية” عام 2006، بدعم من الحكومة الإسرائيلية آنذاك، وهي منظمة يمينية متطرفة تسعى لإيجاد ما تسمى “قنوات قانونية لتنفيذ مذكرات الهدم التي تصدرها السلطات الإسرائيلية ضد البيوت والمنشآت الفلسطينية”.
ورغم حداثة عمرها، فإنها تعد واحدة من المنظمات اليمينية الرئيسية في “إسرائيل” التي تتعامل تعاملًا رئيسيًا مع الالتماسات ضد السلطات، وتتلقى ملايين “الشواقل” من الأموال العامة، ويستبعد مواصلة نشاطها دون هذا التمويل.
وتكشف وثائقها الداخلية أن في السنة الأولى من وجودها، تلقت الجمعية تبرعات بقيمة 3445 شيكلًا، وبلغت الميزانية الإجمالية لتلك السنة 73 ألف شيكل، منها قرابة 70 ألف شيكل من “صناديق مشاركة” التي تعني وفق وزارة القضاء الإسرائيلية الأموال والميزانيات التي مصدرها سلطات الدولة، بدلًا من تبرعات الأفراد.
منذ عام 2007 وحتى بداية العقد، ارتفعت المساهمات والميزانيات التي حصلت عليها “ريغافيم” من 310 آلاف شيكل إلى أكثر من مليوني شيكل، وارتفعت التبرعات الخاصة من 47 ألف شيكل إلى 800 ألف شيكل.
رصد موقع “وقف تمويل العنصرية” مصادر تمويل “ريغافيم”، فهي تتلقى “تمويلًا خارجيًا من صندوق “إسرائيل” الواحدة والصندوق المركزي لـ”إسرائيل” وصندوق استقلال “إسرائيل”، وكلها مسجلة كمنظمات خيرية في نيويورك، فقد منح الصندوق المركزي لـ”إسرائيل” ريغافيم 553.000 دولار عام 2019 في حين يصعب الحصول على أرقام محددة للمنظمات الأخرى.
والمنظمات التي تدعم ريغافيم ماليًا على علم بتمويلها للتطهير العرقي، فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق استقلال “إسرائيل”، بعد انتقاد تمويله لريغافيم أنه “مؤيد فخور لريغافيم”.
ما طبيعة عملها؟
يتركز عمل “ريغافيم” في مناطق النقب المحتل والمنطقة المسماة “c” التي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، فهي تمتلك حرية الوصول إلى معلومات جغرافية أو ديمغرافية عن المنطقة “c” بترخيص من الإدارة المدنية، حيث تستخدم نظم المعلومات الجغرافية وتجري تصويرًا جويًا مفصلًا بوجود احتلال إسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
يتحكم نشطاء إسرائيليون مدربون من منظمة “ريغافيم” بكاميرات التصوير الجوي التي أصبحت ذراعًا مسلحة لحرب العصابات القانونية ضد الفلسطينيين، وبواسطة تلك الآليات تتم مراقبة نقاط النزاع على الأرض وتوثيقها، لتتم إحالة الوثائق إلى القضاء الإسرائيلي.
ودون سابق إنذار يداهم خبراء وناشطون جمعية “ريغافيم” الاستيطانية، قطعة أرض فلسطينية في الضفة المحتلة، ويشرعون بمسحها قبل أن يداهم الجيش الإسرائيلي المكان تمهيدًا لإصدار قرار بالمصادرة لصالح الاستيطان، كما تنشط الجمعية الاستيطانية في إجلاء المواطنين الفلسطينيين من أراضيهم وإقامة بؤر استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى نشاطها سياسيًا وميدانيًا بجمع المعلومات عن بناء الفلسطينيين، وغالبًا ما تستأنف للمحكمة العليا لمحاولة التأثير على سياسة الحكومة وسلطات الاحتلال. وتخوض بشراسة معارك قانونية للاستيلاء على الأراضي وانتزاعها من الفلسطينيين لبناء المستوطنات.
الصفقات لشراء العقارات والأراضي
في الآونة الأخيرة يشكل نشطاء جمعية “ريغافيم” لوبيًّا صهيونيًّا يسهم في مصادرة الأراضي الفلسطينية كافة بواسطة تقنية المسح الجوي لطائرات دون طيار كل عدة أسابيع للموقع، وهنا يعقب سليمان بشارات الباحث في الشأن الاستيطاني بالقول: “النشاط الفعلي لريغافيم هو هدم أي معلم فلسطيني وإقامة بؤرة استيطانية جديدة تحت ذريعة وجود خطر قرب منشأة تتبع الجيش، وسرعان ما يصدر قرار الهدم دون أي اعتراض قانوني”.
ويوضح بشارات لـ”نون بوست” أن نشطاء الجمعية حال زاروا مكانًا فلسطينيًا، بعد ساعة يأتي جنود الاحتلال للمكان لمنح أصحاب الأرض أو البناء قرار الهدم، لافتًا إلى أن المنظمة عادة ينشط عملها في المناطق المجاورة للمستوطنات من أجل مصادرة المزيد من الأراضي.
ووفق متابعته فإن تشكيل العشرات من المنظمات العنصرية التي تهدف لقلع الفلسطيني من أرضه ينبع من أمرين: الأول حتى لا يبرز الدور الرسمي الإسرائيلي في تعزيز المشروع الاستيطاني وبالتالي تكون محرجة وفقًا للمفاهيم والأعراف الدولية.
وأرجع بشارات الأمر الثاني إلى تشكيل أكبر قاعدة دعم من مؤسسات المجتمع المدني الممثلة لكل التيارات الدينية اليهودية في العالم وخصوصًا اليمين المتطرف الذي يشكل الحاضنة الأساسية للمشروع الصهيوني.
هذه المنظمات تقوم على مبدأ تلقي الدعم المالي المفتوح سواء من اللوبي الصهيوني بالخارج ورجال الأعمال الصهاينة أم الدعم الحكومي ضمن قنوات خاصة
وذكر أن هناك جزءًا كبيرًا من المنظمات الاستيطانية غير معروف أو غير متداول إعلاميًا بهدف إبقاء حالة الدعم مستمرة، وكذلك عدم فضح الأساليب والأدوات التي تستخدمها هذه الجمعيات والمنظمات في وضع اليد على الأراضي والعقارات الفلسطينية، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تتكشف العديد من هذه المسميات من منظمة إلعاد إلى “ريغافيم” وأبناء الهيكل ثم حراس التلال وغيرهم الكثير.
وعن سبب تكشف هذه المنظمات ومسمياتها، أوضح بشارات أنها نتاج بروز النزعة الدينية اليمينية أكثر في المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي أريحية عمل هذه المنظمات، بالإضافة إلى أنه بدأت تتكشف الكثير من الصفقات لشراء العقارات والأراضي أو تزوير ملكيتها ليتم نقلها للمستوطنين كما هو الحال في مدينة القدس المحتلة والخليل.
ولفت إلى أن “ريغافيم” تتقاسم الدور مع جمعية “إلعاد”، فالأخيرة لها ذراع أمنية تتقصّى ظروف أي فلسطيني في القدس، وفي حال أدركوا فقره يحاولون دفع مبلغ مالي كبير ويشترون شقته ويزورون الوثائق الفلسطينية.
ويختم قوله: “هذه المنظمات تقوم على مبدأ تلقي الدعم المالي المفتوح سواء من اللوبي الصهيوني بالخارج ورجال الأعمال الصهاينة أم الدعم الحكومي ضمن قنوات خاصة، ومن خلال شبكاتها غير المباشرة تعمل على ترسيب العقارات بصفقات عبر أطراف ربما فلسطينية أو عربية أو حتى دولية، ثم تنقلها إلى المستوطنين، وفي أوقات معينة تسعى إلى تزوير الوثائق”.