أفرزت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي أجريت أمس الأحد، نتائج متقاربة بين معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون – الذي ينتمي لتيار الوسط – وتحالف اليسار بقيادة السياسي المخضرم جان لوك ميلنشون، فيما جاء تيار اليمين المتطرف ثالثًا على عكس الانتخابات الرئاسية التي حقق فيها نتائج مهمة.
نتائج كانت بمثابة الصدمة والنكسة الكبيرة لماكرون، فقد عجز الرئيس الذي أعيد انتخابه لولاية رئاسية ثانية في أبريل/نيسان الماضي، في ضمان الأغلبية المريحة لتمرير برنامج حكومته، مع تقدم اليساريين في الترتيب.
تراجع ماكرون
غالبًا ما تشهد فرنسا فوز حزب الرئيس المنتخب بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية التي تُجرى مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، وذلك حتى يتمكن الرئيس وحكومته من تنفيذ برنامجهم بأريحية تامة وتسيير البلاد خلال السنوات المقبلة.
وغالبًا ما شهدت الانتخابات التشريعية في فرنسا تراجعًا كبيرًا في نسبة التصويت فيما بين الناخبين الذين خابت آمالهم وزيادة في الإقبال على التصويت بين الناخبين الذين فاز من منحوه أصواتهم بالرئاسة، على غرار ما حصل في انتخابات 2012 مع الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته فرانسوا هولاند وأيضًا في انتخابات 2017، لكن الوضع تغير هذه المرة.
يواجه تحالف اليسار معضلة ضعف احتياطي الأصوات في الجولة القادمة، ما يُقلل من احتمالات فوزه
فهذه المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي لا يحصل فيها رئيس فرنسي منتخب على الغالبية المطلقة داخل البرلمان، إذ هناك إمكانية أن يحصل حزب الرئيس وحلفاؤه على أغلبية ضعيفة.
أظهرت نتائج رسمية للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية أن ماكرون سيبقى الأول في البرلمان لكن نطاق هذه الأغلبية لا يزال غير محدد بعد في ظل تقارب النتائج مع تحالف اليسار، إذ حصلت الأغلبية الرئاسية على أعلى نتيجة إجمالية في البلاد بنسبة 25.75% من الأصوات المدلى بها (5.857.570 صوت).
كانت تقديرات لـ”إيفوب فيدوسيال” قد توقعت مساء الأحد أن يحصل حزب “النهضة” الحاكم بقيادة الرئيس ماكرون على عدد من المقاعد بين 275 و310 مقاعد في حين توقع معهد “إيبسوس” أن يفوز بما بين 255 و295 مقعدًا، علمًا بأن الغالبية المطلقة هي 289 مقعدًا.
#فرنسا انتخابات البرلمان في دورته الأولى تظهر نتائج متقاربة بين معسكر #ماكرون وتجمع البسار وتساؤلات حول احتفاظ ماكرون بالغالبية المطلقة
— Azza Gharibeh (@AzzaGharibeh) June 12, 2022
هذه النتائج تعتبر بعيدة تمامًا عما حصل عليه حزب ماكرون سنة 2017، حين حقق حزب “الجمهورية إلى الأمام” الرئاسي وحليفه “الحركة الديمقراطية” (موديم) خلال انتخابات 2017 غالبية مطلقة مريحة في الجمعية واكتسحا الأحزاب المنافسة مع حصولهما على 350 مقعدًا من أصل 577، من بينها 308 مقاعد لحزب ماكرون وحده.
وفي ظل نظام الجولتين الذي يتم تطبيقه في 577 دائرةً انتخابيةً بأنحاء البلاد، فإن التصويت في الدورة الأولى ليس مؤشرًا جيدًا على من سيفوز بالغالبية في نهاية المطاف في 19 يونيو/حزيران الحاليّ، عندما تجرى الجولة الثانية.
تقدم مهم لليسار
في مقابل ذلك، عاد اليسار بقوة بعد إنشاء التحالف الجديد “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” بزعامة جان لوك ميلنشون، ويتكون هذا الاتحاد من العديد من الأحزاب اليسارية كالحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب الخضر فضلًا عن جمعيات وكيانات سياسية أخرى.
تعتبر نتائج الأمس أول فوز لليسار، ووفقًا لوزارة الداخلية الفرنسية، فقد تمكن التحالف اليساري من إقناع 25.66% من الناخبين في جميع الدوائر (5.836.198 صوت)، وفاز بالأغلبية المطلقة في أربع دوائر انتخابية.
وتشير نتائج الانتخابات التي شارك فيها 6293 مرشحًا في جميع أنحاء البلاد أمس الأحد، إلى أن تحالف اليسار سيفرض نفسه بين القوى السياسية ذات الثقل لفترة الخمس سنوات القادمة، إذ استطاع أن يفرض نفسه كأول قوة معارضة ومع ذلك يرغب في الحصول على أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية.
واستفادت كتلة ميلنشون كثيرًا من غضب الشارع ضد سياسات ماكرون التي ظهرت خصوصًا في ارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم تمكن الرئيس وحزامه البرلماني من تقديم الإصلاحات المذكورة خلال السنوات الخمسة الماضية.
كلمة #جان_لوك_ميلنشون زعيم حزب فرنسا الأبية بعد صدور النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الفرنسية#فرنسا ??#انتخابات_2022 ?️#انتخابات_تشريعية pic.twitter.com/5UlMlgpYf3
— فرانس 24 / FRANCE 24 (@France24_ar) June 12, 2022
رأى الزعيم الروحي لهذا التحالف اليساري جان لوك ميلنشون النتائج، انتصارًا مهمًا، خاصة أن اليساريين بإمكانهم الفوز بالأغلبية المطلقة ومشاركة ماكرون في السلطة، فمعركة الانتخابات التشريعية لم تنته بعد لـ406 مرشحين من التحالف الذين ما زالوا في السباق.
ودعا جان لوك ميلنشون جميع الناخبين إلى “زيادة عددهم الأحد المقبل، بالطبع للرفض القاطع للمشاريع الكارثية لأغلبية ماكرون”، وقال ميلنشون لمؤيديه بعد التصويت: “في ضوء هذه النتيجة والفرصة غير العادية التي توفرها لنا ولمصير الوطن المشترك، أدعو شعبنا إلى هزيمة السياسات الكارثية لغالبية ماكرون يوم الأحد المقبل”.
ويواجه تحالف اليسار معضلة ضعف احتياطي الأصوات في الجولة القادمة، ما يُقلل من احتمالات فوزه، ومع ذلك يتوقع أن يحتدم الصراع في جولة الإعادة بين “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” وحزب “النهضة”.
اليمين المتطرف يفقد المرتبة الثانية
على عكس الانتخابات الرئاسية التي حلت فيها مارين لوبان في المرتبة الثانية خلفًا لماكرون، جاء مرشحو حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف ثالثًا في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية التي أجريت أمس، وفق نتائج وزارة الداخلية الفرنسية.
أظهرت النتائج الرسمية للدور الأول من تشريعات فرنسا، حصول مرشحي التجمع الوطني على 18.68% من مجموع أصوات الفرنسيين الذين شاركوا في انتخابات الأمس، ما يعني أن اليمين المتطرف لم يستفد بما فيه الكفاية من زخم مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية، التي حصلت على أكثر من 40% من الأصوات في الجولة الثانية.
يحتاج التحالف الرئاسي إلى الحصول على 289 مقعدًا من أصل 577 لتكوين الأغلبية الكافية ليتمكن من الحكم
هذه النتائج من شأنها أن تفقد حزب لوبان مكانته التي كان يحظى بها سابقًا في المجلس التشريعي لفائدة اليساريين، وقد كان الأمر متوقعًا بالنظر إلى نتائج الانتخابات الإقليمية التي شهدتها فرنسا قبل أشهر من رئاسية أبريل/نيسان الماضي.
إلى جانب ذلك، فشل المرشح إريك زمور في الوصول إلى الجولة الثانية في الدائرة الرابعة، ويحتل الحزب المرتبة الخامسة في القوة السياسية بنسبة 4.24% من الأصوات المدلى بها، ما يعتبر انتكاسة كبرى له وبداية النهاية لشخصية كانت تطمع في الوصول للرئاسة.
صعوبات أمام ماكرون لتنفيذ برامجه
يعلق ماكرون آمالًا على فوز حزبه بالأغلبية المطلقة خلال الانتخابات التشريعية ليتمكن من تنفيذ برنامجه وإنجاز الإصلاحات التي وعد بها الناخبين خلال الرئاسيات الأخيرة خصوصًا ما يتعلق بالقدرة الشرائية وأنظمة التقاعد.
لكن في ظل هذه النتائج، أصبحت قدرة الرئيس المنتخب حديثًا لولاية رئاسية ثانية – إيمانويل ماكرون – على تمرير برامج حكومته وأجندته الإصلاحية التي وعد بها الفرنسيين وعلى ضوئها تم انتخابه مجددًا، صعبة للغاية، فالأغلبية غير مضمونة.
ردود فعل أبرز المتنافسين في الانتخابات التشريعية بعد صدور نتائج الدورة الاولى.
↩️للمزيد من المعلومات حول الانتخابات التشريعية الفرنسية تابعونا على https://t.co/VzzB9xTH4y#فرنسا ??#انتخابات_تشريعية ?️ pic.twitter.com/WsBb2rYmrN
— فرانس 24 / FRANCE 24 (@France24_ar) June 12, 2022
يحتاج التحالف الرئاسي إلى الحصول على 289 مقعدًا من أصل 577 لتكوين الأغلبية الكافية ليتمكن من الحكم وتمرير تشريعاته وإدخال الإصلاحات التي وعد بها، ودون هذه الأغلبية لن يتمكن ماكرون من عمل شيء، فهو يدرك أن معركته ستكون خاسرة قبل بدايتها.
في حال فقد ماكرون الأغلبية النيابية وهذا متوقع، سنكون أمام رئيس له أفكار خاصة وأغلبية برلمانية لها أفكار مضادة، مثلًا فيما يخص نظام التقاعد، فماكرون يقول إنه من الضروري رفع سن التقاعد لإصلاح المالية العامة، وفي المقابل، يدفع اليساريون لخفض سن التقاعد وإطلاق حملة إنفاق كبيرة.