أدرجت محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة في 8 يونيو/حزيران الحاليّ 6 قيادات من جماعة الإخوان المسلمين على النشرة الحمراء، مخطرة جهاز الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) لتتبعهم وضبطهم وتسليمهم إلى السلطات المصرية في القضية رقم 7449 لسنة 2022 قسم النزهة، بتهم تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية وتهريب أموال للخارج.
وتضمن قرار الإحالة “أنه خلال الفترة من عام 2015 وحتى 29 مارس/آذار 2021، انضم كل من محمود حسين الأمين العام السابق لتنظيم الإخوان وعضو مكتب الإرشاد ومدحت أحمد الحداد شقيق مساعد الرئيس الراحل محمد مرسي (كلاهما في تركيا)، إضافة إلى كل من محمد زناتي وعاصم محمد حسين وأحمد ياسر ومعاذ عبد العظيم، لجماعة إرهابية وحيازة مطبوعات تحريضية.
كما قررت المحكمة ذاتها في 26 مايو/آيار الماضي إدراج 20 من قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب المصرية لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ الحكم وذلك في الطلب رقم 7 لسنة 2022 في القضية رقم 1269 لسنة 2019، فيما نشرت الجريدة الرسمية “الوقائع” قرار المحكمة مذيلًا بأسماء القيادات المدرجة.
المتابع للشأن المصري في الأيام الأخيرة يلاحظ أن هناك استهدافًا واضحًا لقيادات الإخوان، في الداخل والخارج، على كل المسارات، إعلامية وسياسية وأيديولوجية، في وقت تحتفي فيه السلطات المصرية بدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني الذي يهدف بحسب – السيسي – لإنقاذ البلاد من مأزقها الحاليّ، فيما اعتبره البعض بداية الطريق نحو الإصلاح المنشود.
سياق مهم
يأتي هذا التصعيد في وقت تعاني فيه الجماعة من ضعف بين، سواء على مستوى بنيتها الهيكلية التنظيمية أم فيما يتعلق بخريطة التحالفات والدعم الخارجي الذي كان يمثل حائط الصد الأبرز ومصدر الأمان الحقيقي في مواجهة حملات الاستهداف منذ 2013 وحتى اليوم.
فعلى مستوى هيكلة التنظيم وتماسك جدرانه، فقد تعرض لشروخات غائرة أحدثت ثقوب حادة في جدرانه، في ظل الصراع الذي لا ينتهي بين الجبهتين المتنازعتين، جبهة إبراهيم منير في لندن وجبهة محمود حسين في إسطنبول، والتراشق والسجال المستمر بين أنصار كليهما، الأمر الذي انعكس على قوة الجماعة وصورتها بصفة عامة.
وخارجيًا.. رفعت الدول الداعمة للجماعة طيلة السنوات الثمانية الماضية يدها تدريجيًا عن حمايتها والدفاع عنها في مواجهة السلطات المصرية، وذلك بعد سياسة تصفير المشاكل التي تبنتها كل من الدوحة وأنقرة ومساعي التقارب مع القاهرة في السنوات الأخيرة في ضوء التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة بأسرها ودفعت كل قوة إلى إعادة ترتيب خريطة تحالفاتها ومواقفها الخارجية في ضوء مصالحها الخاصة.
وفي ضوء تلك المعطيات بات التنظيم الدولي للإخوان اليوم في أوهن حالاته، بعدما أوصدت أمامه تلك الأبواب التي فُتحت على مصراعيها السنوات الماضية، لتجد الجماعة نفسها في موقف لا تحسد عليه، في ظل مستجدات إقليمية ودولية أشغلت العالم بالعديد من الملفات الأخرى بعيدًا عن الملف الحقوقي المصري وحقوق اللاجئين والمشردين والمطاردين من بطش وتنكيل نظام السيسي.
استهداف على المسارات كافة
تعرض الإخوان منذ بداية العام الحاليّ تحديدًا لموجة استهداف عاتية، بعضها يعد امتدادًا لإستراتيجية النظام الذي يتعامل مع هذا الملف كـ”مسألة حياة أو موت” والأخرى استفادة من التطورات التي شهدتها الساحة الدولية خلال الفترة الأخيرة التي ألقت بظلالها على المسارات كافة بما فيها المسار الحقوقي.
وأبرز ملامح تلك الموجة أحكام الإعدام بالجملة التي صدرت بحق أعضاء ينتمون للجماعة، ففي 7 يونيو/حزيران الحاليّ، قضت محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا دائرة الإرهاب، بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، بمعاقبة 3 أعضاء جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة في مصر) بالإعدام شنقًا، والسجن المؤبد لـ20، و9 سنوات لآخر، لإدانتهم في 18 قضية بينها محاولة اغتيال رئيس محكمة جنايات الفيوم السابق واغتيال أمناء وأفراد شرطة.
هذا الحكم الذي قوبل باستنكار حقوقي جاء ثلاثة أشهر تقريبًا من تنفيذ أحكام الإعدام بحق 7 أشخاص يومي 8 و10 مارس/آذار الماضي، في القضيتين المعروفتين إعلاميًا بـ”ميكروباص حلوان وأجناد مصر”، في وقت تواجه فيه تلك المحاكمات انتقادات واسعة النطاق في ظل اتهامات بغياب النزاهة وفقدان المحاكمة أبجديات العدالة والنزاهة بحسب عدد من المنظمات الحقوقية.
وانطلاقا من سياسة الاستهداف، لم تتوانى القاهرة عن ملاحقة المطلوبين الإخوان في الخارج، بل إن هذا الملف تحديدًا كان أحد أبرز النقاط الخلافية مع أنقرة في مسار التطبيع معها مؤخرًا، وأمام إصرار مصري على تسليم قيادات الجماعة ورفض تركي حفاظا على ماء وجهها، كان الحل الوسط هو ترحيل بعض تلك القيادات إلى بلدان ثالثة، وهو الحل الذي قد يرضي الطرفين ويكسر كرة الثلج في طريق التقارب بين البلدين، حسبما نقل “العربي الجديد” عن مصادر خاصة به.
وبالتوازي مع تلك الأحكام تتعرض الجماعة لتشويه أيديولوجي مكتمل الأركان، داخليًا وخارجيًا، عبر قادة التيار الديني في مصر، ففي الوقت الذي شن فيه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية أسامة الأزهري، هجومًا حادًا على جماعة الإخوان، واصفًا إياها بأنها واحدة من أخطر التيارات المتطرفة التي تقوض الأمن والسلم المجتمعي المصري والعالمي، كان مفتي الجمهورية، شوقي علام، يستعرض أمام مجلسي العموم واللوردات البريطاني تقريرًا مطولًا استعرض فيه ما أسماه “جذور العنف لدى الجماعة الإرهابية وتاريخهم الدموي”، موثقًا فيه على حد قوله “فضائح الجماعة ومنهجها المتطرف منذ نشأتها وارتباطها بالتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش” و”حسم” وغيرهما، وأهم الأفكار المتطرفة التي تتبناها الجماعة والشخصيات التي أسست ونظَّرت للعنف داخلها منذ إنشائها”.
وبين هذا وذاك أقصت السلطات المصرية جماعة الإخوان – رغم ثقلها في الشارع – من الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي خلال حضوره حفل إفطار رئاسي، أواخر شهر رمضان المنقضي، وبدت ملامح الاستجابة الأولى للدعوة بإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي وإطلاق سراح العشرات بينهم سياسيين وصحفيين ونشطاء – ليس بينهم إخوان – فيما وُكل للأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لمؤسسة الرئاسة البدء في الإعداد لهذا الحوار.
وبمحاذاه ذلك، تبنى الإعلاميون الموالون للنظام خطابًا تصعيديًا ضد الجماعة وقادتها، خطاب تجاوز الشيطنة إلى الاستهداف المباشر، فقد أكد الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى، أن الحوار سيفتح أبوابه لكل الأطياف ما عدا الإخوان، وهو رأي زميله نشأت الديهي الذي أشار إلى أن الجماعة ممنوعة من المشاركة في جلسات الحوار لتلوث أيديهم بالدماء على حد قوله، فيما خاطب عمرو أديب الذي يعمل بقناة “إم بي سي السعودية” قادة التنظيم قائلًا: “أنتم مش وطنيين، ولا حد دعاكم”، وتابع “من أنتم.. هتفيدونا بإيه، جماعة الإخوان انتهت”.
وقد أدى هذا الإقصاء إلى إثارة الشكوك في جدوى الحوار الذي جاء لتحقيق هدفين لا ثالث لهما: “الأول إعفاء النظام الحاكم من المساءلة والمحاسبة عن حصاد السنوات الثمانية التي تنتهي منتصف العام الحاليّ، أما الهدف الثاني، فهو منح النظام شهادة مرور أو تفويض ثان ليكمل في السلطة 8 سنوات مقبلة تنتهي وفق المخطط في 2030، بمعنى أنه تفويض جديد لكن في شكل وإخراج مختلف”، بحسب وصف الكاتب الصحفي أنور الهواري.
تبريد كرة النار
بينما نفى السيسي امتلاكه أي برنامج سياسي للنهوض بالدولة المصرية حين ترشح أول مرة في 2014، أكد أن وأد الجماعة واستئصالها من المشهد الداخلي هدفه الأكبر وقضيته التي لا يمكن التخلي عنها، باعتبارها السبب الرئيسي في استهداف الدولة وتقويض مسيرتها على حد قوله وإعلامه الموالي.
ومنذ ذلك الوقت كان استهداف الجماعة الهدف الأبرز، ليس لدى الرئيس فقط، بل لكل وزرائه وجهات الدولة التنفيذية، فتحرك الجميع في هذا الإطار وإن كان على حساب المهام الرئيسية، كما حدث مع وزارة الأوقاف والتربية والتعليم والأزهر إذ كان الإطاحة بعناصر الجماعة أسبق وأهم من تطوير الخطاب الدعوي أو تنمية العملية التعليمية.
واعتادت السلطات إثارة هذا الملف (استهداف الإخوان) بين الحين والآخر في الأوقات التي يتصاعد فيها الاحتقان الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، فتارة بموجة من الاعتقالات والتنكيل وأحكام الإعدام التي تثير النقاش على منصات التواصل الاجتماعي، أو تسليط الضوء على جرائم الجماعات المسلحة في سيناء ضد الجيش والشرطة التي يتم توظيفها سياسيًا كلما تطلب الأمر.
وعليه فإن القراءة الأولية لموجة الاستهداف الحاليّة لا تخرج عن هذا الإطار الكبير، وتلك الإستراتيجية المعهودة لدى النظام الحاليّ “فرق تسد”، حيث مساعي استئناس التيارات الليبرالية والعلمانية والقبطية بجانب المتبقي من التيار المدني الهادئ من خلال دعوتهم إلى حوار سياسي دون الإخوان، في محاولة لتفتيت كرة النار المتدحرجة التي أدت إلى اتفاق جميع التيارات على مأساوية الوضع وضرورة التوحد للخروج من المأزق.
مغازلة الخارج
يحاول السيسي جاهدًا منذ توليه مقاليد الأمور في 2014 أن ينصب نفسه كـ”حامي” العالم من خطر الإسلام الراديكالي المتشدد، في محاولة لكسب ود ودعم المجتمع الدولي الذي عانى معه طويلًا بدايات حكمه في معركة الشرعية والاعتراف بنظام 3 يوليو/تموز 2013.
وتنظر السلطات المصرية لملف الإخوان وتيار الإسلام السياسي ككل كغيره من ملفات الهجرة وسيناء والقضية الفلسطينية والليبية وصراع شرق المتوسط، بوصفها أوراق ضغط يمكن استخدامها بين الوقت والآخر لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، مستفيدة من السيولة التي تشهدها الخريطة الدولية الأشهر الأخيرة.
ومن ثم فإن الترويج لتقليم أظافر الإخوان بوصفهم خطرًا على أمن أوروبا كما تروج الآلة الإعلامية المصرية وقواها الناعمة، لا يختلف كثيرًا عن تلك الإستراتيجية التي أطلقها السيسي في 10 سبتمبر/أيلول 2021، المسماة “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، التي تهدف بحسب ديباجتها إلى “النهوض بكل حقوق الإنسان في مصر”، فالهدف واحد، وهو مغازلة الخارج وتقديم أوراق اعتماد جديدة كنظام يدافع عن العالم بالوكالة دون الإخلال بالبعد الحقوقي تحت مظلة المواثيق الدولية.