تقرير في عدد النيويورك تايمز الصادر في الخامس من سبتمبر ٢٠١٣ لمديرة مكتبها في القدس جودي رودورين
ترجمة: عزام التميمي
بعبارة “نصف حامل” ينعت النقاد داخل الولايات المتحدة وخارجها موقف الرئيس أوباما تجاه سوريا، وخلاصة موقفه معاقبة الرئيس بشار الأسد على استخدامه الأسلحة الكيماوية ولكن دون الإطاحة به. إذ يفضل هؤلاء النقاد تدخلاً أمريكياً حاسماً لإنهاء الحرب الأهلية السورية.
إلا أن مقترح السيد أوباما بتوجيه ضربة محدودة لسوريا يدعمه حليف أجنبي مهم واحد، ألا وهو إسرائيل.
فلقد دافع عدد من المسؤولين الإسرائيليين مراراً وتكراراً عن هذه الفكرة مؤكدين أن فرض السيد أوباما لـــ “خطه الأحمر” المحدود على سوريا أمر ضروري جداً لوقف الطموحات النووية لعدو إسرائيل الأكبر، إيران. ولكن ينزع الإسرائيليون في حواراتهم الهادئة بشكل متزايد نحو الاعتقاد بأن أفضل نتيجة يمكن أن تتمخض عنها الحرب الأهلية السورية التي استمرت لعامين ونصف، على الأقل في الوقت الحالي، هو “أللا نتيجة”.
فهم يرون أن الوضع القائم، رغم فظاعته من الناحية الإنسانية، يبدو الخيار المفضل بديلاً عن انتصار حكومة الأسد وداعميه الإيرانيين أو عن تعزيز مجموعات الثوات التي يهيمن عليها بشكل متزايد الجهاديون السنة.
يقول آلون بينكاس، وهو قنصل عام سابق لإسرائيل في نيويورك: “نحن أشبه ما نكون في الوقت الإضافي للعبة (كرة القدم) حيث نحتاج لأن يمنى كلا الفريقين بالخسارة. على الأقل لا نريد لأحدهما أن يخرج فائزاً، ونرضى لهما بالتعادل. منطق التفكير الاستراتيجي هنا: فلينزفا كلاهما حتى الموت. وطالما استمر الحال على ذلك، فلن تشكل سوريا تهديداً حقيقياً لإسرائيل.”
يمكن أن يشكل التكامل الحاصل ما بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، رغم أنه لا يتم التعبير عن ذلك صراحة من قبل زعماء أي من البلدين، مصدر دعم أساسي للسيد أوباما في سعيه للحصول على موافقة الكونغرس على توجيه ضربات جراحية ضد سوريا. بعض الجمهوريين يلحون على أوباما التدخل بشكل أكثر حسماً لتعديل ميزان القوة في النزاع السوري بينما يعارض نواب آخرون من أعضاء الحزبين بشدة تورط الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال في صراع شرق أوسطي آخر.
إلا أن اهتمامات الأمن القومي الإسرائيلي تحظى بدعم واسع النطاق داخل الحزبين في واشنطن، ويوم الثلاثاء أعربت مجموعة الضغط المتنفذة الموالية لإسرائيل، إيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية)، عن كامل دعمها للمعالجة التي يقترحها الرئيس أوباما. إلا أن بيان المجموعة لم يصرح بشيء عن النتيجة المفضلة للحرب الأهلية، مؤكداً بدلاً عن ذلك على أنه يتوجب على أمريكا “توجيه رسالة قوية” إلى إيران وحزب الله و “اتخاذ موقف صارم مفاده أن الأنظمة الخطرة في العالم لن يسمح لها بامتلاك أو استخدام الأسلحة الأكثر خطورة.”
بعد سنوات من الاضطراب في الشرق الأوسط والتوتر بين السيد أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو ها هما الزعيمان الآن في حالة من الانسجام والتوافق ليس فقط حول كيفية التعامل مع سوريا وإنما أيضاَ مع مصر. فالسيد أوباما لم يسحب الدعم الأمريكي لمصر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الإسلامية المنتخبة بينما تساند إسرائيل بقوة الجيش المصري كمصدر للاستقرار.
فيما يتعلق بسوريا، كانت إسرائيل سباقة إلى اللجوء إلى نوع من الضربة المحدودة كالتي يقترحها الآن السيد أوباما. حصل ذلك أربع مرات خلال هذا العام، حيث قصفت إسرائيل قوافل محملة بالأسلحة المتطورة شكت بأنها ذاهبة إلى حزب الله، المليشيا الشيعية اللبنانية التي تعتبرها إسرائيل مصدر خطر رئيسي عليها.
فيما عدا ذلك، قنعت إسرائيل بمشاهدة الحرب الدائرة في سوريا تجر إلى آتونها عدداً ممن تعتبرهم إسرائيل أعداءً لها: ليس فقط الجيش السوري وإيران، وإنما أيضاً حزب الله الذي زج بالآلاف من مقاتليه في جبهات القتال داخل سوريا وكذلك الإسلاميين السنة المصطفين ضد نظام الأسد وحلفائه.
رغم أن سوريا وإسرائيل تعتبران من الناحية الفنية في حالة حرب لما يزيد عن أربعين عاماً إلا أن الصراع الحالي في سوريا ينظر إليه بشكل رئيسي من خلال المنشور الإيراني، ويرى الإسرائيليون أنه كلما طال أمد الصراع كلما تكبدت وتضررت إيران التي تمول الجهد الحربي لنظام الأسد. وفيما لو مضى السيد أوباما قدماً في إنجاز وعده بالانتقام من النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيماوية فإن ذلك سيكون بمثابة اختبار لالتزامه، في نهاية المطاف، بمنع القنبلة النووية الإيرانية – طالما لم يتحول الانتقام إلى تدخل كامل في سوريا. يقول محرر صحيفة هآرتز الإسرائيلية آلوف بن: “إذا كنا بصدد سياسة إيران-أولاً، فإن أي انحراف باتجاه سوريا لن يكن مثمراً. ويتمثل السيناريو الأسوأ من وجهة النظر الإسرائيلية في توسع المهمة في سوريا لتتجاوز الهدف منها بما يؤدي إلى أن تعلق الولايات المتحدة في شرك حرب ثالثة في الشرق الأوسط، فتشل قدرتها على ضرب إيران وتتقلص بذلك قدرة إسرائيل على ضرب إيران أيضاً.”
في الربيع الماضي، حينما طالب مسؤول إسرائيلي برد دولي على ما قال إنه هجمات كيماوية سورية مبكرة، أخرس وأنب لظهوره بمظهر من يضغط على البيت الأبيض. الآن، حسبما يقول إيال زيسر، المؤرخ في جامعة تل أبيب والمختص بشؤون المنطقة: “واضح أن إسرائيل لا تريد أن تبدو كما لو كانت تدفع بالولايات المتحدة باتجاه تورط عميق.”
ثمة اختلافات بارزة بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن سوريا. فقد شهدت الساحة هنا نقداً واسع النطاق لقرار السيد أوباما تأجيل الرد على الهجمات الكيماوية، حتى اقتبس بعضهم العبارة التالية من فيلم “الجيد والسيء والقبيح”: “حينما يتوجب إطلاق النار، أطلق النار، ولا تثرثر.” وبلغ الأمر بأحد أطباء الأسنان الإسرائيليين أن نشر إعلاناً كبيراً مدفوع الأجرة في إحدى الصحف يروج لخدمة زرع الأسنان التي يقدمها في عيادته مصحوباً بصورة للرئيس أوباما وتحتها عبارة: “ليس لديه أسنان”.
كما أن نقاشاً موسعاً يدور حول الطريقة الأفضل للتعامل مع الحرب في سوريا. فحينما بدأت الانتفاضة السورية، كثيرون هنا اعتبروا بشار الأسد، والذي التزم نهج سلفه ووالده في الحفاظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل، “الشيطان الذي تعرفه” وبذلك يكون خياراً أفضل من الثوار الذين تحالف بعضهم مع القاعدة أو مع الحركات السنية المقاتلة مثل حركة حماس الفلسطينية. ولكن، مع ارتفاع أعداد القتلى انضم مزيد من الإسرائيليين إلى المعسكر الذي يقوده آموس يالدين، وهو رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الذي قال بأن الشيطان الذي تعرفه هو في الحقيقة شيطان ينبغي الإطاحة به عاجلاً لا آجلاً.
مازال الخلاف قائماً، ولكن مع تبدد الآمال في ظهور قوة معتدلة وعلمانية من بين الثوار يمكن أن تقود التغيير الديمقراطي وحتى الدخول في حوار بناء مع إسرائيل، بدأ الكثيرون يميلون إلى خيار ثالث مفاده: “دع الأشرار يهلكون أنفسهم بأنفسهم.”
يقول ناثان ثرول، مندوب مجموعة الأزمات الدولية في القدس: “ما من شك في أن إدامة الصراع تصب في صالح إسرائيل بشكل مطلق.”
تامارا كوفمان ويتيس، مديرة مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، كانت واحدة من عدد من الخبراء الذين قالوا إن هذا الرأي يختلف عن مقولة “دعهم يقتل بعضهم بعضاً” المتسمة بالقسوة والتي ذاعت هنا تعبيراً عن اللامبالاة أثناء سنوات الحرب الطويلة بين إيران والعراق. تقول السيدة ويتيس بأن التفسير المنطقي لسياسة توجيه ضربة لا تغير كثيراً من الوضع على الأرض في سوريا هو أن الغرب بحاجة إلى مزيد من الوقت لتكوين قوى معارضة مستساغة يمكن إعدادها لاستلام الحكم في المستقبل. وتشير السيدة ويتيس إلى مخاطر تتهدد إسرائيل فيما لو استمر الصراع زمناً أطول بما في ذلك ما قد يبذل من جهود أخرى لنقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله، وعدم الاستقرار في لبنان، والضغط على الأردن.
إلا أنه، وبالرغم من هذه المخاطر، يقول ماثيو ليفيت – الذي يدرس المنطقة داخل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – بأن القدس وواشنطن تتفقان بشكل أساسي بأنه “في الوقت الحالي لا توجد طريقة جيدة لإنهاء هذه الحرب.” فالقادة الإسرائيليون “يريدون للأسد أن يعاقب؛ ويريدون للعقاب أن يكون بالقدر الكافي الذي يؤثر فعلياً في الحرب ولكن ليس بالقدر الذي يؤدي إلى الإطاحة به تماماً. ولا يعتقد الإسرائيليون بأن الوضع القائم يمكن أو يجدر الإبقاء عليه، ولكنهم يرون أن الوضع القائم في هذه اللحظة أفضل من إنهاء الحرب غداً لأن الحالة التي سيخلفها إنهاء الحرب غداً قد تكون أسوأ بكثير. ينبغي أن تكون هناك خطة للغد أو لما بعد الغد.”