ترجمة وتحرير: نون بوست
تتخذ السياسة الخارجية لأوروبا تجاه الشرق الأوسط، التي يمكن وصفها بأنها كارثية على جميع الجبهات تقريبًا، أبعادًا دراماتيكية خاصة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي الوحشي للأراضي الفلسطينية. وبناء على ذلك، يجب أن تعتبر زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى المنطقة – التي استغرقت ثلاثة أيام – زيارةً “ترفيهية”، لاسيما بعد ما تم توضيحه يوم الإثنين على إثر مقابلة لها مع وزير الخارجية يائير لبيد. وفي بيان مقتضب، قال لبيد إنه “استمتع” بهذا اللقاء دون الإشارة إلى الفلسطينيين أو الاحتلال العسكري.
لقد وضع زعماء ألمانيا وفرنسا الخطوط العريضة للسياسة الأوروبية تجاه “إسرائيل” والفلسطينيين، ولا يمكن لنتائج تلك السياسة أن تكون أكثر مأساوية بالنسبة لملايين الفلسطينيين ولا أكثر فائدة لملايين اليهود الإسرائيليين.
أتيحت الفرصة لممثل السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل لخوض تجربة مباشرة اكتشف بفضلها موقف الألمان والفرنسيين من “إسرائيل”. انتقد بوريل الاحتلال في بداية توليه المنصب قبل عامين ونصف، لكن في أعقاب التحذيرات التي تلقاها منذ ذلك الحين التزم الهدوء بما يتماشى مع ما تمليه سياسة برلين وباريس.
أثناء زيارة فون دير لاين إلى المنطقة، صوتت المفوضية الأوروبية ليلة الإثنين على صرف أموال للسلطة الفلسطينية تقدر بنحو 200 مليون يورو تم تجميدها بسبب “التحريض” على العنف في الكتب المدرسية الفلسطينية، وهي حجة غريبة وسخيفة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن “إسرائيل” بدورها تمارس التحريض ومع ذلك تواصل أوروبا توفير اتفاقات ومزايا من جميع الأنواع – سياسية واقتصادية – دون تسليط أي عقاب عليها.
ألا يعد اعتماد الوزارات والصحف وقنوات التلفزيون وغيرها خريطة كاملة لـ “إسرائيل” تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني تحريضًا؟ ألا يعد اعتماد القومية المتطرفة في المدارس الإسرائيلية، وخاصة الدينية، تحريضًا؟ مع ذلك، لا يبدو أن لبروكسل ما تقوله حيال هذه المسألة.
قبل أيام قليلة فقط، أزالت السلطات الإسرائيلية علم فلسطين الذي كان معلقا على مبنى في تل أبيب بجانب العلم الإسرائيلي، وزعمت السلطات أن العلم الفلسطيني “من شأنه أن يثير أعمال شغب”. لكن بعد أيام، لم ترَ السلطات مشكلةً في السماح برفع آلاف الأعلام الإسرائيلية في جميع أحياء القدس مع العلم أن ذلك قد يؤدي إلى اندلاع حرب.
خرج متظاهرون يحملون العلم الإسرائيلي تحركهم مشاعر الكراهية في مسيرة استفزازية جابت الأحياء العربية بالمدينة المقدسة مرددين هتافات ضد الفلسطينيين يطالبون فيها بقتلهم وطردهم، لكن الشرطة والجيش قاموا بحمايتهم. وقد شبّهت مختلف وسائل الإعلام العبرية المشهد بأنه صورة حية لمنظمة “كو كلوكس كلان”. لكن يبدو أنه ليس لدى بروكسل ما تقوله أو تفعله حيال ذلك، لذلك ليس من المستغرب أن يصرح الوزير لبيد بأنه “استمتع” بلقائه مع فون دير لاين.
قبل أيام قليلة فقط، أعطت المحكمة الإسرائيلية العليا الضوء الأخضر لطرد أكثر من ألف مزارع وراعي فلسطيني جنوب الخليل في الضفة الغربية المحتلة لإقامة ميدان رماية عسكري كان بالإمكان تشييده في صحراء النقب. وفي المقابل، كان رد فعل بروكسل مؤسفًا جدًا.
تزامنًا مع زيارة فون دير لاين، أفاد الفلسطينيون بأن “إسرائيل” تستعد لمصادرة 600 دونم من الأراضي (60 هكتارا) بجوار الخليل لتوسيع المستوطنات اليهودية في المنطقة. وبالطبع، لا تعتبر بروكسل ذلك تحريضًا وليس لها علاقة به.
بقيادة كل من برلين وباريس، تقوم سياسة الأوروبيين الخارجية تجاه الشرق الأوسط على قبول الظلم والانتهاك الممنهج لأبسط الحقوق بينما تتجاهل بروكسل القانون الدولي كلما سنحت لها الفرصة. وبين الحين والآخر، تقدم بروكسيل للفلسطينيين بضعة ملايين من اليوروهات لتبرئة ذمتها وإراحة ضميرها، متجاهلة حقيقة أن قوانينها تساهم بوضوح في تقوية الاحتلال. وما بين 2008 و2020، حوّلت أوروبا أكثر من ملياري يورو في شكل مساعدات مباشرة للفلسطينيين، مشروطة ضمنيا بوقوف الفلسطينيين جانبا مع التزام الصمت والسماح للاحتلال بالازدهار.
مع ما يواجهه الفلسطينيون من ضغوط، ردت بروكسل بتجميد المساعدات لأنها تجد في كتبهم المدرسية “تحريضا” على العنف. في المقابل، يعجز الأوروبيون عن إدانة العواقب الوحشية للاحتلال ولا يرون كيف أن آلاف الشباب اليهود الذين يتظاهرون على خطى “كو كلوكس كلان” يُدرّسون برامج عنصرية. بل على العكس من ذلك، إنهم يعززون التعاون مع “إسرائيل” ويوطّدون جميع أنواع الاتفاقات الثنائية.
لا يمكن للموقف الأوروبي أن يكون أكثر سلبيةً وهو لا يساهم سوى في تأييد الاحتلال في إطار “لعبة الديمقراطية”. إن بروكسل من خلال اتفاقياتها التي تقدر بملايين الدولارات مع “إسرائيل” التي لا تخضع لأي شروط تفاقم وضع الفلسطينيين. ووراء هذا الموقف نجد كلا من باريس وبرلين، حيث يُسمح بالانتهاك المنهجي للقانون الدولي وإجبار المسؤولين الأوروبيين على التزام الصمت.
المصدر: بوبليكو