كتب:ألان أليكساندروف، مدير مشروع جلوبال ساميتري بكلية مانك للشؤون الدولية، جامعة تورنتو، كندا – إيف تيبرغين، أستاذ علوم سياسية، ومدير معهد البحوث الآسيوية، بجامعة بريتيش كولومبيا، فانكوفر، كندا
ترجمة وتحرير نون بوست
يُعَد الأسبوع الماضي أسبوعًا استثنائيًا لمتابعي الشؤون الدولية، إذ شهد العالم بين 7 و16 نوفمبر عدة مناسبات واتفاقيات هامة على طريق تعزيز التعاون بين القوى الأهم في العالم، وهي: 1) قمة تعاون آسيا والهادي في بكين، 2) لقاء تأخر طويلًا بين رئيس الصين ورئيس وزراء اليابان — بالنظر للتوتر في علاقات البلدين، 3) الاتفاق الأمريكي الصيني الكبير بخصوص تغيّر المناخ والعمل على وقف انبعاثات الكربون من كليهما وهما أكبر اقتصادَين في العالم، 4) قمتيّ الآسيان وشرق آسيا اللتان انعقدتا في نايبيداو بميانمار وقمة العشرين في بريزبان بأستراليا.
فيما نرى، يبدو أن ما يجري يدحض بعض مقولات المتشائمين بشأن الفوضى وانهيار المنظومة الدولية، إذ تجري على قدم وساق محاولات إيجاد أطر دولية وثنائية للتفاهم السياسي والتعاون الاقتصادي، بالرغم من استمرار المنافسة بين شتى القوى.
طبقًا لتقرير المشهد الاقتصادي العالمي، الذي يصدره صندوق النقد الدولي، يمر الاقتصاد العالمي اليوم بمرحلة صعبة، إذ يتباطأ النمو، وتظل العُزلة الاقتصادية لبلدان معيّنة عائقًا أمام التجارة، ويستمر ازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء مما يدفع لتصاعد العداء للعولمة، وتتسارع التحديات البيئية بأسرع مما يمكن لنا أن نتكيّف معها.
تقرير كهذا صادر عن مؤسسة في قلب النظام الدولي، دفع الكثيرين إلى التشاؤم لا شك، لا سيما والاحتقان يتزايد بين قوى كبري، كما بين الغرب ورسيا، وكذلك بين الصين واليابان، حتى أن البعض كان يتطلع إلى ما سيحدث حين يصافح الرئيس الصيني شي جينبينغ، رئيس الوزراء الياباني شينزو أبِه، في تلك الأوقات المضطربة فيما يخص النزاعات البحرية بين البلدَين.
ولكن، على عكس التوقعات، مرت بسلاسة تلك اللقاءات والقمم، بل وأحدث فرقًا إيجابيًا حيال المنظومة الدولية. فقد كانت القمة الأمريكية الصينية في بكين، والقمة الأمريكية الهندية في نايبيداو، إيجابيتين مما أدى إلى تعزيز التفاهم وتوحيد المواقف بشكل أقوى من المتوقع في قمة العشرين، لا سيما فيما يخص المناخ (بين أمريكا والصين) ومعايير التجارة العالمية (بين أمريكا والهند) حيث رفضت الأخيرة مؤخرًا إحدى اشتراطات منظمة التجارة العالمية.
توقع كثيرون أيضًا معارضة الصين لاتفاق مناهض للفساد، ولكن ذلك لم يحدث، إذ تبنت قمة العشرين بنجاح خطة لمكافحة الفسان تشمل تنسيقًا بين الدول حيال الشركات التي تتحايل للتهرب من الضرائب وغسيل الأموال. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت القمة خطوات إضافية للتعامل مع التهرب من الضرائب بشكل خاص، إذ يفتَرَض أن يتم تبني خطة عمل مخصصة لمواجهة ذلك (BEPS) في عام 2015.
على غير المتوقع، مضت مختلف الدول، بما فيها الصين، قدمًا في مسألة المناخ، والتي كان يتم تجاهلها في السابق نظرًا للمصالح الاقتصادية للأطراف المختلفة، فبجانب اتفاق الصين والولايات المتحدة، اتفقت الأخيرة مع اليابان على تأسيس صندوق نقد “أخضر” مخصص للبيئة، في حين دعت القمة بشكل قوي وواضح — رعم المعارضة الأسترالية حيث يحكم الآن رئيس الوزراء اليميني طوني أبوت — إلى تحديد تخفيضات معيّنة في نسبة ثاني أكسيد الكربون قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ في باريس العام المقبل.
تتنافس الصين والولايات المتحدة، لا شك في ذلك، ولكن هذا التنافس لم يمنع من التعاون الهام للاقتصاد العالمي بأسره فيما يخص المنظومة الاقتصادية الدولية. دعم كليهما لاتفاقية تجارة حرة في قمة آسيا والهادي دليل على ذلك، وإن كان كل منهما يعرض اتفاقيته الخاصة ويروج لمؤسساته الدولية الخاصة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في الحالة الأمريكية، وصندوق طريق الحرير وبنك آسيا للبنى التحتية في الحالة الصينية). في المُجمَل، يعني هذا التنافس التجاري والمؤسسي تعزيز منظومة التجارة العالمية بأسرها لا انهيارها، وهو تنافس طبيعي نظرًا لتحوّل القوة الاقتصادية من الأطلنطي إلى الهادي، وهو تحوّل يمر بهدوء على ما يبدو، وليس عنيفًا — حتى الآن — كما كانت تحولات القوى في السابق.
بدا واضحًا مما جرى في ذلك الأسبوع الاستثنائي، أن الولايات المتحدة والصين يطغيان تمامًا على اللعبة الدولية، وأن كليهما يمتلك أوراق ضغط قوية جدًا في الساحة الدولية، أكثر من سواهما، وأكثر مما توقع كثيرون. فقد أبرم الطرفان أربعة اتفاقات ثنائية كُبرى ذلك الأسبوع تم الإعلان عنها مجتمعة في 12 نوفمبر وهي: 1) اتفاق خفض الانبعاثات الملوّثة المضرة بالمناخ، 2) اتفاق بشأن تجارة المواد التكنولوجية والمعلوماتية، 3) تعزيز التواصل العسكري بين جيشي الطرفين لزيادة الثقة، 4)واتفاق بشأن تأشيرات الدخول الخاصة برجال الأعمال وتلاميذ لمدة عشر سنوات.
بالمقارنة، بدت أصوات أوربا واليابان وروسيا والهند خافتة نوعًا ما، وهو عكس ما الحال مثلًا في قمة العشرين في لندن عام 2009 حيث علت أصوات كافة القوى. يمكننا القول إذن أن القمة الماضية كانت قمة الاثنين لا العشرين، بشكل ما. من اللافت للنظر أيضًا، مقارنة بالوضع منذ خمس سنوات، أن القوى المتوسطة مثل أستراليا وكوريا الجنوبية وكندا أصبح حضورها هي الأخرى ضعيفًا.
يكشف كل ذلك الحالة المركّبة من تعزيز المؤسسات الدولية والتنافس بين الصين والولايات المتحدة، والتي تؤدي في المجمل إلى تحقيقهما الكثير من المكاسب، وإلى استقرار المنظومة العالمية، وهو ما يعود بالخير على الجميع في النهاية نظرًا لترابط الاقتصادات كلها بشكل أو آخر. وإذ تستمر المنافسة الصينية الأمريكية، تلقننا العلاقات بين القوى الكبرى اليوم، على عكس ما جرى في الحرب الباردة والحربين العالميتين الأولى والثانية، أن التعاون المفتوح المبني على الثقة وتبادل حد أدنى من المعلومات يكفل إطارًا قويًا يستفيد منه الجميع، ويمكن أن تظل فيه المنافسة موجودة دون تهديد السلم العالمي وتعريض الشعوب لويلات الحروب، خاصة في آسيا، القارة التي انقلبت موازينها الاقتصادية والديمغرافية والعسكرية والسياسية في العقود الماضية.
لكل هذه الأسباب، كان الأسبوع الماضي أسبوعًا استثنائيًا، ليس فقط للعالم والمنظومة الدولية، ولكن للقيادتين الصينية والأمريكية كذلك، اللتان تزداد هيمنتهما معًا يومًا بعد يوم.
المصدر: منتدى شرق آسيا