ترجمة وتحرير: نون بوست
ينحدر الطريق من القدس بسرعة عبر منظر طبيعي بين التلال. وباتجاه الضفة الغربية، ستجتاز الطريق السريع رقم 1، وبعد العديد من المنعطفات، ستبلغ الطريق السريع رقم 90 الذي يؤدي إلى بحيرة طبريا، وعند الانعطاف يمينًا، ستجد شاطئ “كلياه” على طول البحر الميت حيث ساحل كيبوتس، الوجهة الشهيرة للسياح الذين يترددون على المنطقة.
“كلياه” مستوطنة إسرائيلية تقع في الضفة الغربية تعتبر غير شرعية بموجب القانون الدولي. يتخصّص سكانها البالغ عددهم 300 نسمة في الزراعة وبالأخص غرس أشجار النخيل والبطيخ والكرز والطماطم؛ وفي السياحة أيضًا. فيها فندق “كلياه كيبوتس” ذي الأربع نجوم المحاط بالمروج الخضراء وأشجار النخيل التي تنسيك الصحراء الممتدة خلفه. لهذا الفندق شاطئ خاص ومسبح وملعب للأطفال، ومن السهل الحجز فيه عبر الإنترنت على موقع “بوكينغ.كوم”
“بوكينغ.كوم” متواطئ مع الاحتلال غير الشرعي لفلسطين
إن “بوكينغ هولدينغز” شركة أمريكية لها العديد من العلامات التجارية لمواقع ومنصات السفر، ومن بينها موقع “بوكينغ.كوم” الذي يقع مقره الرئيسي في هولندا، وقد أدرجته منظمة الأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2020 في قاعدة بيانات 112 شركة متورطة في دعم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية من خلال الترويج لمنشآت مثل فندق “كلياه كيبوتس” المبنية على أراضِِ تحتلها “إسرائيل” بشكل غير قانوني. وينطبق الأمر نفسه على “إير إن بي إن”، و”إكسبيديا”، وهي شركة سفر عالمية أمريكية، توفر مواقعها على شبكات الإنترنت معلومات عن برامج الرحلات وتكاليف السفر.
يسمح موقع “بوكينغ.كوم” لأصحاب المرافق السياحية حول العالم بالتسجيل على موقعها لعرض خدمات الإقامة التي تقدمها شرط الالتزام باللوائح المطبقة على هذا الموقع وإجراءاته. وقد ردّت الشركة التي تسيّره في آب/ غسطس 2021 على تحالف “لا تشترِ من الاحتلال” – وهو تحالف يضم 26 منظمة فلسطينية وأوروبية – بقول: “حين تمنعنا القوانين والعقوبات المحددة بوضوح والقابلة للتنفيذ من تقديم خدماتنا، فإننا نتكيف كليًّا مع تلك القيود”.
رغم بعض التقدم الذي أحرزه، يواصل هذا التحالف السياحي من خلال بوابة “لا تشترِ من الاحتلال” تزويد الزائرين المحتملين بالمعلومات – وإن كانت قليلة – حول طبيعة احتلال الأراضي الفلسطينية وحقيقة أنها، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، لا ينبغي أن تظهر فيها هذه المباني نظرًا لأنها تقع على أرض تمت مصادرتها بشكل غير قانوني. يوجه ائتلاف هذه المنظمات غير الحكومية اتهامات صارخة وقاسية للاستفادة من الإسكان في المستوطنات غير القانونية، لأن ذلك يسمح لـ “بوكينغ.كوم” بجني الأموال بشكل أساسي من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك نظام الفصل العنصري.
دور البنوك والصناديق وشركات التأمين
بين كانون الثاني/ يناير 2018 وأيار/ مايو 2021، قامت أربعة بنوك أوروبية (“دويتش بنك” الألماني، و”بي أن بي باريبا” الفرنسي، و”إتش إس بي سي” البريطاني، و”ستاندرد تشارترد”) بتقديم قروض لشركة بوكينغ هولنديغز بقيمة 590 مليون دولار و1.6 مليار دولار في شكل اشتراكات.
ويملك أكبر 20 مستثمرًا أوروبيًا استثمارات في هذه الشركة يبلغ مجموعها 12.19 مليار دولار (في شكل أسهم وسندات)، أبرزهم المجموعة المصرفية “بي سي بي أو” الفرنسية، و”جانوس هندرسون”، و”كريدي أغريكول”، وصندوق الثروة السيادية النرويجي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك 672 مؤسسة مالية تربطها علاقات مع 50 شركة تنشط في الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” بشكل غير قانوني، منها بنوك وأصحاب أصول وشركات تأمين وصناديق تقاعد، بإجمالي 114 مليار دولار في شكل قروض وخدمات أخرى، و141 مليار دولار في شكل حقوق ملكية أو سندات.
كتب مايكل لينك، منسّق الأمم المتحدة الخاص لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في مقدمة التقرير: “إن هذه المؤسسات تمثل الأكسجين الاقتصادي الأساسي للشركات التي تعمل في المستوطنات حتى تنمو وتزدهر”، وهي تلعب دورًا حاسمًا في زيادة الربحية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي.
قاعدة بيانات الأنشطة التجارية
في آذار/ مارس 2013، قدّمت بعثة تقصي الحقائق – التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – تقريرًا معمقًا يكشف الآثار التي خلّفتها المستوطنات الإسرائيلية على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني. كما عرض التقرير قائمة بالأنشطة التي تثير مخاوف خاصة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
مباشرة بعد نشر هذا التقرير، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة القرار عدد 31/36 في آذار/ مارس 2016، الذي منح الضوء الأخضر لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لوضع قاعدة بيانات لجميع الشركات المشاركة في سلسلة من الأنشطة التي تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.
وبعد سنوات من التأخير بسبب ضغوطات سياسية، صدرت أخيرًا قاعدة البيانات في شباط/ فبراير 2020، وقد حدّدت 112 شركة إسرائيلية ومتعددة الجنسيات، وهو العمل الذي رَحّب به وبحماس كبير العديد من نشطاء حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم، واعتبر خطوة أولى لضمان شفافية أكبر حول مسؤولية هذه الشركات، رغم بعض النقائص التي تمثلت أساسًا في عدم وضوح وتيرة تحديث هذه القائمة باستمرار.
“بي إن بي باريبا”، أكبر مقرض أوروبي لشركات المستوطنات
في شباط/ فبراير الماضي، كان بنك “بي إن بي باريبا” – أكبر مؤسسة مصرفية فرنسية – وعلى مدار أسبوع، موضوعًا للإجراءات التي روّجت لها مجموعات من النشطاء عقدوا العزم على إدانة تورطه في تمويل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتم الاعتراف بالإجماع تقريبًا على أن ما فعله هذا البنك انتهاك للقانون الدولي، وهو مدرج في تقرير “لا تشترِ من الاحتلال” على أنه أكبر مُقرض أوروبي لـ 50 شركة تدعم المستوطنات.
إجمالا، قدّم هذا المصرف الفرنسي 17.30 مليار دولار في شكل قروض واشتراكات لـ 27 من هذه الشركات الخمسين في السنوات الأخيرة، وهو تمويل أكبر بحوالي 50 بالمئة من صاحب المركز الثاني في القائمة “دويتش بنك” الألماني. كما استثمر هذا البنك ما مجموعه 3.34 مليار دولار في سندات وحيازات أسهم 30 شركة تشارك في نشاط الاستيطان غير القانوني، ليحتل بذلك المرتبة 12 في قائمة أكبر المستثمرين التي حددها التقرير الأممي.
السياحة والمنتجات العسكرية وهدم المساكن الفلسطينية
بدءًا من 2018، وإلى غاية أيار/ مايو 2021، قدّم البنك الفرنسي 592 مليون دولار من الائتمان إلى “بوكينغ.كوم” كما قدم قروضًا لـ “تريب أدفايزر” وكذلك لـ “إير بي إن بي”. كما أقرض هذا البنك 38 مليون دولار لشركة “إلبيت سيستمز”، وهي شركة توفر المنتجات والخدمات للجيش الإسرائيلي ووزارة الداخلية والشرطة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار التي كثيرًا ما تُستخدم في العمليات العسكرية في الضفة الغربية المحتلة؛ وفوق كل هذا تعتبر موردًا رئيسيًا لنظام التمويل الإلكتروني لجدار الفصل.
وبالإضافة إلى ما سبق، قدم بنك “بي إن بي باريبا” قروضًا كبيرة لشركتي “كاتربيلر” ومقرها في الولايات المتحدة، و”هيدلبرغ سيمنت” ومقرها في ألمانيا، وكلاهما من شركات البناء الكبرى التي تلعب دورًا لوجستيًا مباشرًا في توسيع المستوطنات غير القانونية. في هذا الصدد، تقول منظمة “هوو بروفيتس”، إن معدات “كاتربيلر” قد استُخدمت في عمليات غير قانونية مثل هدم المنازل على نطاق واسع وتطهير الأراضي في المدن الفلسطينية واعتقال أو قتل الفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن تحالف “لا تشترِ من الاحتلال”، قبل نشره لهذا التقرير، سعى لإجراء مقابلة مع البنك الفرنسي لكي يُتيح له فرصة التعليق على موقفه بالتورط في تمويل المستوطنات الإسرائيلية، غير أن بنك “بي إن بي باريبا” لم يردّ على طلبات التعليق.
المصدر: فالوري